من أصول البر الإيمان بالملائكة وأثره على أمن وسلامة الأوطان

الشيخ السيد مراد سلامة
1440/06/13 - 2019/02/18 09:42AM

Smiley face

من أصول البر الإيمان بالملائكة وأثره على أمن وسلامة الأوطان
للشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى

أما بعد: إخوة الإيمان أحباب النبي العدنان –صلى الله عليه وسلم- نعيش اليوم مع ركن من أركان الإيمان بالله تعالى  لنتعرف على مكانتهم و منزلته ثم نتعرف على أثره على أمن وسلامة الأوطان إنه الإيمان بالملائكة  فالإيمان بهم اصل من صول البر قال الله تعالى {ليْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177]

فمن هم الملائكة؟ وما حكم الإيمان بهم؟ وما هي صفاتهم؟ وما هي وظائفهم؟ وما هو أثر الإيمان بهم في سلامة وأمن الأوطان؟

أعيروني القلوب والأسماع

أولا تعريفهم: الملائكة: جمع مَلَك. أخذ من (الأَلُوكِ) وهي: الرسالة.

وهم إخوة الإيمان: خلق من مخلوقات الله، لهم أجسام نورانية لطيفة قادرة على التشكل والتمثل والتصور بالصور الكريمة، ولهم قوى عظيمة، وقدرة كبيرة على التنقل، وهم خلق كثير لا يعلم عددهم إلا الله، قد اختارهم الله واصطفاهم لعبادته والقيام بأمره، فلا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.

أصل خلقهم: والمادة التي خلق الله منها الملائكة هي " النور ". فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلقت الملائكة من نور. وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم» ([1]) . والمارج هو: اللهب المختلط بسواد النار.

ثانيا الإيمان بالملائكة:

اعلموا علمني الله وإياكم أن الإيمان بالملائكة ركن من أركان الإيمان بالله تعالى وقد نص الله على ذلك في كتابه. وأخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم في سنته.

قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة: 285] (البقرة: 285) فأخبر أن الإيمان بالملائكة مع بقية أركان الإيمان مما أنزله على رسوله وأوجبه عليه وعلى أمته وأنهم امتثلوا ذلك.

وقال تعالى في آية أخرى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة: 177] (البقرة: 177) . فجعل الإيمان بهذه الخصال دليل البرِّ- والبرُّ اسم جامع للخير- وذلك أن هذه الأشياء المذكورة هي أصول الأعمال الصالحة، وأركان الإيمان التي تتفرع منها سائر شعبه.

كما أخبر الله عز وجل في مقابل هذا أن من كفر بهذه الأركان فقد كفر بالله: فقال: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 136] (النساء: 136) فأطلق الكفر على من أنكر هذه الأركان،

ووصفه بالبعد في الضلال. فدل ذلك أن الإيمان بالملائكة ركن عظيم من أركان الإيمان وأن تركه مخرج من الملة.

وقد دلت السنة كذلك على هذا. وهو ما جاء موضحًا في حديث جبريل المشهور الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال: صدقت. قال: فعجبنا له، يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر. وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت.» ([2]) .

ثالثا: صفات الملائكة

أخي المسلم -اعلم بارك الله فيك-أن الله تعالى وصف الملائكة في القران الكريم بصفات عديدة نذكر منها:

لقد تضمن الكتاب العزيز والسنة المطهرة الكثير من النصوص المبينة لصفات الملائكة وحقائقها فمن ذلك:

الصفة الأولى القوة والشدة  : أنهم موصوفون بالقوة والشدة. كما قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ} [التحريم: 6] (التحريم: 6) . وقال تعالى في وصف جبريل عليه السلام {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: 5] (النجم: 5) . وقال في وصفه أيضا {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [التكوير: 20] (التكوير: 20) .

الصفة الثانية عظم الخلق: وهم موصوفون بعظم الأجسام والخلق. ففي صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها وقد سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن معنى قوله تعالى {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير: 23] (التكوير: 23)

وروى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: " رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ، وَلَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ، كُلُّ جَنَاحٍ مِنْهَا قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ يَسْقُطُ مِنْ جَنَاحِهِ مِنَ التَّهَاوِيلِ وَالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ مَا اللهُ بِهِ عَلِيمٌ " » ([3])

وروى أبو داود من حديث عنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أُذِنَ لِى أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلاَئِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ ». ([4])  

الصفة الثالثة: التفاوت في الخلق: فهم يتفاوتون في الخلق والمقدار فهم ليسوا على درجة واحدة، فمنهم من له جناحان ومنهم من له ثلاثة، ومنهم من له أربعة، ومنهم من له ستمائة جناح. قال تعالى {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} [فاطر: 1] (فاطر: 1) .

الصفة الرابعة الجمال: جمال الخلقة والمنظر فقد منح الله تعالى ملائكته الحسن والجمال ونحن عندما نريد أن نعبر على جمال شيء نقول جميل كالملائكة

يقول تعالى في حق جبريل عليه السلام {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى - ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم: 5 - 6] (النجم: 5، 6) قال ابن عباس رضي الله عنهما (ذو مرة: ذو منظر حسن) وقال قتادة: (ذو خلق طويل حسن) .

وقال تعالى مخبرا عن النسوة عند رؤيتهن ليوسف عليه السلام: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف: 31] (يوسف: 31) وإنما قلن ذلك لما هو مقرر عند الناس من وصف الملائكة بالجمال الباهر.

الصفة الخامسة: أنهم كرام بررة

ومن صفاتهم التي وصفهم الله بها أنهم كرام أبرار. قال تعالى {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ - كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: 15 - 16] (عبس: 15، 16) . وقال عز وجل {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ - كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار: 10 - 11] (الانفطار: 10، 11) .

ومن صفاتهم الحياء ومن صفاتهم الحياء لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حق عثمان رضي الله عنه: «أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ؟». ([5])

رابعا خصائص الملائكة

اعلموا عباد الله أن الله تعالى اختص ملائكته بخصائص ليست لأحد من الخلق وامتازوا بها عن الجن والإنس وسائر المخلوقات: نذكر منها

الخاصية الأولى أن مساكنهم في السماء:

فقد دلت الآيات البينات و السنن الواضحات أن مسكن الملائكة في السماوات العلى و إنما يهبطون الى الأرض تنفيذا لأمر صاحب الأمر جل جلاله قال تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [النحل: 2] (النحل: 2) وقال تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [الزمر: 75] (الزمر: 75) . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ([6]) .

الخاصية الثانية أنهم لا يوصفون بالذكورة ولا الأنوثة

قال تعالى منكرا على الكفار ذلك: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزخرف: 19] (الزخرف: 19) . وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى} [النجم: 27] (النجم: 27) .

الخاصية الثالثة العصمة من الذنوب والمعاصيفهم قد فطرهم الله تعالى على طاعته و امتثال امره كما قال تعالى في وصفهم: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6] (التحريم: 6) . وقال أيضا {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 27] (الأنبياء: 27) .

الخاصية الرابعة انهم لا يملون و لا يفترون ولا يسامون من العبادة  قال تعالى: {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ - يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 19 - 20] (الأنبياء: 19، 20) . وقال في آية أخرى: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] (فصلت: 38) .

خامسا وظائف الملائكة:

اعلم-بارك الله فيك -أن للملائكة وظائف كثيرة يعجز المقام عن ذكرها ولكنني في عجالة أذكر أهم تلك الوظائف

الوظيفة الأولى تبليغ الوحي عن الله تعالى

فمن الملائكة من هو موكل بالوحي من الله تعالى إلى رسله عليهم الصلاة والسلام وهو جبريل عليه السلام، قال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ - عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ - بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 193 - 195]

الوظيفة الثانية: ومنهم من هو  الموكل بالقطر والنبات وهو ميكائيل عليه السلام وقد ورد ذكره في القرآن. قال تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 98] (البقرةَ: 98) وهو ذو مكانه عالية، ومنزلة رفيعة عند ربه، ولذا خصه الله هنا بالذكر مع جبريل، وعطفهما على الملائكة، مع أنهما من جنسهم لشرفهما، من قبيل عطف الخاص على العام. وكذا ورد ذكره في السنة على ما تقدم في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل أنه يقول: «اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل» . .) ([7]) . ولذا قال العلماء إن هؤلاء الثلاثة المذكورين هم أفضل الملائكة.

الوظيفة الثالثة ومنهم الموكل بالصُّور وهو إسرافيل عليه السلام وهو ثالث الملائكة المفضلين المتقدم ذكرهم. وهو أحد حملة العرش. والصور: قرن عظيم ينفخ فيه. روى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما الصور؟ فقال: قرن ينفخ فيه» ([8]) .

وأخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ينظر متى يؤمر، قال المسلمون: يا رسول الله فما نقول؟ قال: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا» ([9])

وينفخ إسرافيل في الصور ثلاث نفخات: نفخة الفزع، ونفخة الصعق، ونفخة البعث. قال تعالى: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [النمل: 87] (النمل: 87) . وهذه هي نفخة الفزع وقد دل على النفختين الأخريين قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: 68] (الزمر: 68) .

الوظيفة الرابعة :قبض الأرواح وهو ملك الموت قال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة: 11] (السجدة: 11) .

ولملك الموت أعوان من الملائكة، يأتون العبد بحسب عمله، وإن كان محسنًا ففي أحسن هيئة، وإن كان مسيئًا ففي أشنع هيئة.

قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} [الأنعام: 61] (الأنعام: 61).

الوظيفة الخامسة: ومنهم الملك الموكل بالرحم على ما دل عليه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل وكَّل ملكًا يقول: يا ربِّ! نطفة. يا ربِّ! علقة. يا ربِّ مضغة. فإذا أراد أن يقضي خلقه، قال: أذكر أم أنثى؟ شقي أم سعيد؟ فما الرزق والأجل؟ فيكتب في بطن أمه» ([10]) .

الوظيفة السادسة ومنهم حملة العرش قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر: 7] (غافر: 7) .

وقال تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة: 17] (الحاقة: 17) .

الوظيفة السابعة: ومنهم خزنة الجنة. قال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73] (الزمر: 73) . وقال تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} [الرعد: 23] (الرعد: 23) .

الوظيفة الثامنة: ومنهم الكرام الكاتبون وعملهم كتابة أعمال الخلق وإحصاؤها عليهم. قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ - كِرَامًا كَاتِبِينَ - يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: 10 - 12] (الانفطار: 10- 12) وقال تعالى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ - مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 17 - 18] (ق: 17، 18) قال مجاهد في تفسير الآية: ملك عن يمينه وآخر عن يساره فأما الذي عن يمينه فيكتب الخير، وأما الذي عن شماله فيكتب الشر.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم، صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.

أثر الإيمان بالملائكة وأثره في نشر روح البر في المجتمع

المراقبة: و هذه من أعظم ثمرات الإيمان بالملائكة أن المسلم يعي أن معه ملكان وكلهم الله تعالى بكتابة الحسنات و السيئات و عندها ينأى المسلم بنفسه عن الذنوب و المعاصي { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } [الانفطار: 10 - 12] وقال تعالى {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق: 4] وقال تعالي {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16]

ويقول أيضا جل في علاه:{ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } [الزخرف: 80] ورسلنا يقصد بهم الملائكة ،فالله يسمع السر والنجوى ، والملائكة تكتب ،وهذا من أثار الإيمان بالملائكة

وعندها يحيى المجتمع في بوتقة الطاعة فلا ترى سارقا أو غاشا أو خائنا لوطنه أو ظالما لأن الجميع يعي حقيقة الرقابة الملائكية

ثانيا: تنمية خلق الحياء لدى الفرد والمجتمع

عندما يرتقي المسلم في سلم الإيمان بالله وملائكته يعلم علم يقين ان معه ملائكة لا يفارقونه ينظرون إليه ويكتبون ما يقوم به فيدعوه ذلك إلى خلق الحياء

ثالثا أن يتجنب المسلم ما يوجب لعنة الملائكة نذكر منها

*الإشارة إلى المسلم بالسلاح: اعلموا -رحمني الله و إياكم-أن من أشار إلى أخيه المسلم بحديدة حتى ولو كان على سبيل المزاح فإن الملائكة تلعنه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَضَعَهَا وَإِنْ كَانَ أخاهُ لأبيهِ وَأمه» ([11]).

فيكيف بمن يقتلون الأبرياء ويسفكون الدماء ويروعون أمن البلاد و العباد؟

فمن روّع أخاه المسلم وخوّفه وعرّضه لما يؤذيه، فقد حلّت به اللعنة: "وإن كان أخاه لأبيه وأمه".

وهذا مبالغة في إيضاح التحريم والنهي في كل مسلم، حتى من لا يُتهم فيه الإنسان كأخيه، وتأكيدًا للتحريم هزلاً ولعبًا.

وعليه، فكل حديدة أو سلاح، لا يجوز الإشارة بها لمسلم، ولو كان الإنسان مازحًا؛ لأن فيه ترويع للمسلم، ولأن الشيطان قد يوقعه مازحًا أو عامدًا أو مستهينًا في قتل نفس مؤمنة.

إننا -عباد الله-نعيش في زمن ووقت كثر فيه القتل بغير حق، وانتشر فيه إزهاق الأرواح البريئة، وقتل النفوس الضعيفة، لأسباب ولغير أسباب. فقلّ يوم لا تقرأ في جريدة، أو تسمع عن خبر قتل، وسطو واعتداء.

وقال جل من قائل: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)[النساء: 93].

أربع عقوبات عظيمة كل واحدة منها توجل القلب، وتفزع النفس: جهنم خالدًا فيها، فيا ويله ما أصبره على نار جهنم التي فضلّت على نار الدنيا كلّها بتسعة وستين ضعفًا، وغضب الله عليه، وبئسما حصّل لنفسه مع غضب الرب العظيم الجليل عليه، ولعنه، فطرده وأبعده عن رحمته، وأعدّ له عذابًا عظيمًا.

فويلٌ ثم ويلٌ لقاتل النفس المؤمنة من النار، وغضب الجبار، واللعنة والعذاب العظيم.

* البعد عن الغدر و الخيانة: أيها الإخوة: وممن تلعنه الملائكة: من نقض أمان مسلم، لما في الصحيحين عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "وذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلمًا -أي نقض عهده وأمانه للكافر- فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبل منه يوم القيامة صرفٌ ولا عدلٌ".([12])

فإذا أعطى مسلم لكافر عهدًا ثم نقضه وغدر به حقت عليه اللعنة مهما كان هذا المسلم، عبدًا أو حُرًّا، رجلاً أو امرأة، فقد استجار كافر بامرأة من المسلمين على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: "لقد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ".([13])

* لعن الملائكة لمن أحدث حدثاً، أو آوى محُدثاً:

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-قال: (من أحدث حَدَثاً، أو آوى مُحدِثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)([14])، فاللعن هنا يترتّب على مسألتين:

لعن الملائكة لمن يحولون دون تنفيذ شرع الله تعالى

لا شكّ أن الله تعالى قد أنزل الكتاب ليكون حاكماً على الناس بالقسط: { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: 105] ، ومما جاء في أحكام الحدود وجوب اللعنة على من تعدّى على مسلمٍ فسفك دمه دون وجه حق، وهذا الحكم مذكورٌ في قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيماً} (النساء:93).

الدعاء ............................................................................

[1] - صحيح مسلم برقم (2996) .

[2] - صحيح مسلم برقم (2401) .

[3] - مسند الإمام أحمد: (1 / 395) ، (6 / 294) .

[4] - سنن أبي داود: (5 / 96) ، برقم (4727) .

[5] - أخرجه مسلم (4/1866، رقم 2401)، وأبو يعلى (8/240، رقم 4815) .

[6] - صحيح البخاري برقم (555) وصحيح مسلم برقم (632) .

[7] - رواه الإمام أحمد في المسند: 6 / 156، والنسائي في السنن: 3 / 213، برقم (1625) ، ونحوهما مسلم في الصحيح برقم (770) ، وابن ماجه برقم (1357) .

[8] - المسند: 2 / 162، 192.

[9] - صحيح البخاري، برقم (3231) ، ومسلم برقم (1795) .

[10] - صحيح البخاري برقم (318) ، ومسلم برقم (2646) .

[11] - أخرجه : البخاري 9/62 (7072) ، ومسلم 8/33 (2616) (125).

[12] - أخرجه أحمد (1/81 ، رقم 615) ، والبخاري (2/661 ، رقم 1771) ، ومسلم (2/1147 ، رقم 1370)

[13] - أخرجه أحمد (3/242 ، رقم 13564) ، والبخاري (2/661 ، رقم 1768) ، ومسلم (2/994 ، رقم 1366) .

[14] - أخرجه أحمد (1/152 ، رقم 1306) ، ومسلم (3/1567 ، رقم 1978)

المرفقات

أصول-البر-الايمان-بالملائكة-وأثره-على

أصول-البر-الايمان-بالملائكة-وأثره-على

أصول-البر-الايمان-بالملائكة-وأثره-على-2

أصول-البر-الايمان-بالملائكة-وأثره-على-2

المشاهدات 1911 | التعليقات 0