(خطبة) نصرة الدين عبر برامج التواصل

خالد الشايع
1440/06/10 - 2019/02/15 08:09AM

الخطبة الأولى ( نصرة الدين عبر برامج التواصل  ) 10/6/1440

أما بعد فيا أيها الناس : إن الله جل وعلا خلق الخلق ، وشرع لهم الشرائع ، وكلفهم بالقيام بها ، وانتشرت الخليقة على وجه الأرض ، وتغيرت اللغات واللهجات ، والعادت ، والأديان والمذاهب ، كل هذا من باب قوله تعالى ( ليبلو بعضكم ببعض ) ، وقوله ( ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ) ، فالناس يختبر الله بعضهم ببعض في تعاملاتهم ، وعداواتهم ، ولقد سخر الله في هذا الزمن سبلا للتواصل بين الناس ، وبالخصوص ما يسمى بالتواصل الاجتماعي ، التي منها برامج الواتساب ، والسنابات ، والتويتر ، الانستقرام ، وغيرها ، والتي أصبحت موّجِها عاما للناس جميعا ، ومحركا قويا للخير  والشر ، وتيارا جارفا لابد من ركوب موجته والتعامل معها بحذر ، وهذا ما سنتطرق له في هذه الخطبة بإذن الله

عباد الله : إن الناس في دخولهم الشبكة العنكبوتية تجده لمآرب شتى ، كما قال سبحانه ( إن سعيكم لشتى ) فمنهم الباحث عن الحق ومنهم الباحث عن الباطل ، ومنهم الباحث عن الخير ومنهم الباحث عن الشر ، ومنهم الباحث عن الخنا مآرب لا تحصى ، وخيرهم الداخل لها لينصر دينه وينشره على علم ودراية ، ولقد تيسرت أسباب النصر لهذا الدين ، فكل أحد يستطيع نصر الدين من خلال هذه البرامج ، ولكن كثيرا من الناس أصبحوا يستخدمون هذه البرامج للتسلية غالبا ، وهم يرون أعداء الدين يستخدمونها في حرب الإسلام ، ونصرة مذاهبهم الباطلة ، ومع ذلك لا تجد له نصرا للدين ولو بالقليل ، ولا أعمم ، فوالله إن من الناس من جند نفسه لنصرة الدين والدعوة إلى الله بكل قوة ونشاط ، حتى من تراه ليس من أهل العلم ، غير أن لديه حرقة على الدين وأهله ، ومن هذا المنطلق يجب على كل مسلم أن يسأل نفسه ماذا قدمت للدين ؟ هل أنا ممن ينصر الدين أم أني مجرد عبئ على الدين وأهله ؟

معاشر المسلمين : إنني لأقول ذلك لما أراه من سهولة نشر و نصر الدين بهذه التكلنوجيا الجديدة ، وكثرة المتقاعسين عن العمل فيها ، فالكل يجتهد لنشر ما عنده من الخير والشر فلم التقاعس والكسل ؟

إن أعداء الدين قد أجلبوا بخيلهم ورجلهم ، وجندوا كل من يستطيعون ليصدوا عن دين الله ، بل وأنفقوا أموالهم في سبيل ذلك ، ولقد آتت تحركاتهم ثمارها وهم على الباطل ويدعون إلى ما يخالف الفطرة ، ولكن الحركة تثمر ولو في الباطل ، فكيف لو تحركت في سبيل الحق .

أيها الناس : لولا توفيق الله ثم اجتهاد الصحابة والتابعين ومن بعدهم لما وصل إلينا هذا الدين غضا طريا كما أنزل ، ولو ضربنا الأمثلة لذلك لطال بنا المقام ، ولقد ربى النبي صلى الله عليه وسلم صحابته على ذلك ، كما أخرج البخاري في صحيحه من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بلِّغوا عني ولو آية)) وفي رواية (  لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ " ، ولقد امتثل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الأمر فبلغوا الدين حتى بلغ مشارق الأرض ومغاربها ، فالإمام البخاري رحمه الله صاحب الصحيح من بخارى في السند ، كيف وصل حديث النبي صلى الله عليه وسلم للسند بل وجمع وانتشر ، إلا ببذل الأموال والأوقات والأجسام في نشر الدين ، هذا وهم لم يكن لديهم ما لدينا من وسائل النشر السهلة المريحة ، كان أحدهم يسافر على الراحلة لمدة شهر ليطلب حديثا واحدا .

ولا يغيب عن الذاكرة أول سفير في الإسلام مصعب بن عمير القرشي ذهب داعيا إلى الله في المدينة قبل الهجرة ، فما بقي بيت في المدينة إلا ودخله الإسلام ، وكل من جاء للنبي صلى الله عليه وسلم مسلما مكث أياما عند النبي صلى الله  عليه وسلم ثم رده النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومه داعية للإسلام .

أيها المؤمنون : إن نصرة الدين عبر النت بعدة أمور : فمن ذلك الدعوة إلى الله بنشر الكتب الداعية إلى الإسلام عبر المراسلات أو تنزيلها في المواقع بكل لغة يستطيع المسلم نشرها ، فكم من كتاب هدى الله به فئاما من الناس ، ومنها وهي خاصة بأهل العلم ، مجادلة المشككين في الدين والمثيرين للشبهات ، والدفاع عن الدين بالكتاب والسنة ، ومنها نشر العلم الشرعي للمسلمين ، وبيان الكتاب والسنة للناس ، ومنها إنكار المنكر عبر هذه الوسائل ، فكم من منكر أوقفوه ، وكم من مظلوم نصروه ، وكم من مفتر فضحوه ، وكم من باطل أزهقوه ، وكم من متربص أو قفوه وفضحوه ، ومنها نشر فتاوى أهل العلم وإيصالها للناس ، ومنها الحلول الأسرية ، وإصلاح ذات البين ، ولم الشمل ، إلى غير ذلك من المنافع ، فليسأل كل منا نفسه ماذا قدم للدين عبر هذه الوسائل ، حتى من لم يحسن الدخول فيها فلينقل هذا العلم ويحث المتقنين له بالحرص على نصرة الدين ونشره ، فإن هذا من الجهاد في سبيل الله

اللهم اجعلنا من أنصار دين يارب العالمين أقول قولي هذا ......

                                        الخطبة الثانية

أما بعد فيا أيها الناس : بعد أن بينا بعضا من سبل نصر الدين عبر الشبكة  العنكبوتية في الخطبة الأولى ، نأتي على كيفية التعامل الخاص مع هذه الوسائل ، فمن ذلك : الحذر الحذر من نشر الإشاعات ، والإرجاف ، وأن ينقل المسلم كلما ورد إليه ، فكم في ذلك من الآثام   كما أخرج مسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم ( كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع ) ، فكم أزهقت من أرواح وكم هدمت من بيوت وتفرقت أسر كل ذلك من جراء نشر الإشاعات من غير تثبت ، والواجب على المسلم أن يتلقى أكثر مما ينشر وأن لا ينشر إلا ما يعلم صحته ، وما لا يعلم صحته يجب عدم نشره ، فلقد نشرت البدع وأميتت السنن من النشر بلا علم ، فالناشر يريد الخير وربما يكسب وزرا وهو لا يشعر .

وليحذر المسلم من اتخاذ وسائل التواصل الاجتماعي طريقا في الولوج في السياسة ، أو الخروج على الولاة ، فلقد كان لها دورا بارزا في مايسمى بالربيع العربي ، ولا يخفى عليكم ما جر الربيع العربي على الأمة من الويلات ، وكان للفيس بوك والتوتر الدور الأكبر في فتن الناس والعياذ بالله ، فعلى العامة أن يعرضوا عن الخوض في السياسة ، ويدعوا ذلك للساسة ، وعليهم أن يقبلوا على مافيه الخير لهم من نشر العلم والدعوة إلى الله تعالى .

وإن مما ينبغي للمسلم الحذر منه الخوض في أعراض الناس ونشر العصبية والقبلية ، والتفريق بين الناس ، فالواحد منهم يختبئ خلف اسم مستعار ، ثم يعيث في الأرض فسادا ، بلا خوف من الله .

عباد الله : إن وسائل التواصل ينبغي أن تعيننا على الخير ، وتبعدنا عن الشر ، ومتى انعكس الأمر وجب التوقف فورا عنها ، فالمجموعات التي تنشأ في الواتساب وغيره إن لم تعن على التواصل فلا خير فيها ، فالبعض استغنى بها عن صلة إخوانه وأرحامه ، ففقدنا التواصل الحقيقي ، بل كم جرت من قطيعة بفهم كلام على غير قصد المتكلم .

وإن من أضرار وسائل التواصل التي انتشرت بين الناس ، مسألة التصوير المباشر لكل حدث ، فلا خصوصية للمرء ، تجد المرأة أو الرجل يصور كل شيء حتى أخص خصوصياته ، ويبثها للناس سواء في البيت وأثاثه أو الأكل أو السفريات ، وانتشرت صور النساء بين الناس ، بل البعض يصور غيره بلا إذن وينشر ، كل هذا بحجة طلب كثرة المتابعين أو المعجبين ، حتى أصبحت الحياة رتيبة وكئيبة ، وانتشر الحسد بين  الناس بسبب ذلك .

وكذلك التصوير في الحرمين ، تجد الإنسان يرسل نحن متجهون لبيت الله الحرام ثم يصور عند التلبية ويصور وهو يطوف بل وهو يدعو ويصلي ، فماذا بقي لله ، فقد يفسد العبد عمله بذلك وهو لا يشعر ، بل البعض تجده يسافر من أجل ذلك .

ومن مصائب هذه الوسائل والتقنية إطلاق البصر في المحرمات ، بلا خوف من الله ، فلنتق الله في ذلك ولنقدر الله حق قدره ولا يكن الله أهون الناظرين إلينا .

وإن من جرائم هذه الوسائل ذهاب الأوقات ، تجد الواحد حتى في المسجد ، يجلس منشغلا بجواله عبر النت ، بل ربما فتح المقاطع ونظر للنساء وسمع الموسيقى وهو في المسجد ، والبعض يجلس في المسجد أو الحرم بعد الفجر وتشرق الشمس وهو لايزال متعلقا بجواله ، وأصبحت لقاءات الناس كئيبة وليس فيها أنس ، كل متعلق بجواله معرض عن الآخر ، وتعظم المصيبة إن كان الرجل عند أمه أو أبيه ، ثم ينشغل عنهم بذلك .

ومن أخطر الأمور استخدام الجوال وهو يقود السيارة ، فأصبح من أكبر مسبب للحوادث الانشغال بالجوال وهو يقود سيارته ، فيجني على نفسه وعلى غيره .

وإن من المصائب وقوع الجوالات في أيدي الأطفال ، يدخل ما شاء وينظر إلى ما يشاء ، وكذلك ما يسمى بالسوني وغيره ، تشتت عقولهم ، وأصيبوا بالعزلة عن أقرانهم ، وضاعت أوقاتهم ، وهم في لهو ولعب عبر هذه الأجهزة ، والبعض وصل به الحال للانتحار ، وقتل الغير .

عباد الله : إن التصدي لهذه الأمور بعزم وحزم ، يعد رحمة بالنفس وبمن تحت أيدينا ، فلنراجع أنفسنا ولنتدارك ما فات بإصلاح ما بقي .

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه .....

المشاهدات 1006 | التعليقات 0