يَا لَلْعَجَبِ ! مَعَهُ حُرٌ وَعَبْدٌ 3 جُمَادَى الثَّانِيَةِ 1440هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1440/06/01 - 2019/02/06 02:14AM

يَا لَلْعَجَبِ ! مَعَهُ حُرٌ وَعَبْدٌ 3 جُمَادَى الثَّانِيَةِ 1440هـ

الْحَمْدُ للهِ الذِي خَلَقَنَا لِعِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ، وَمَنَّ عَلَيْنَا وَتَفَضَلَّ بِتَسْبِيحِهِ وَتَحْمِيدِهِ، أَحْمَدُه سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ وَعَدَ الشَّاكِرِينَ بِمَزِيدِهِ , وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَفْضَلُ رُسُلِهِ وَأَكْرَمُ عَبِيدِهِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّم عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَعَظِّمُوهُ وَخَافُوهُ وَرَاقِبُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِي قِصَصِ أَوائِلِ أُمَّتِنَا عِبَرًا وَفَوائِدَ, وَلِذَلِكَ عَلَيْنا أَنْ نَحْرِصَ عَلَى تَارِيخِ نَبِيِّنَا وَأَصْحَابِهِ الْكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه قَالَ: كُنْتُ وَأَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَارًا، فَقَعَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِي، فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَخْفِيًا جُرَءَاءُ عَلَيْهِ قَوْمُهُ، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ (أَنَا نَبِيٌّ)، فَقُلْتُ: وَمَا نَبِيٌّ؟ قَالَ (أَرْسَلَنِي اللهُ) فَقُلْتُ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ، قَالَ (أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَكَسْرِ الْأَوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللهُ لَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ) قُلْتُ لَهُ: فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ (حُرٌّ، وَعَبْدٌ) قَالَ: وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ، وَبِلَالٌ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ، فَقُلْتُ: إِنِّي مُتَّبِعُكَ، قَالَ (إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذَا، أَلَا تَرَى حَالِي وَحَالَ النَّاسِ، وَلَكِنِ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ فَإِذَا سَمِعْتَ بِي قَدْ ظَهَرْتُ فَأْتِنِي) قَالَ: فَذَهَبْتُ إِلَى أَهْلِي وَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَكُنْتُ فِي أَهْلِي فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّرُ الْأَخْبَارَ، وَأَسْأَلُ النَّاسَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، حَتَّى قَدِمَ عَلَيَّ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةَ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي قَدِمَ الْمَدِينَةَ؟ فَقَالُوا النَّاسُ: إِلَيْهِ سِرَاعٌ وَقَدْ أَرَادَ قَوْمُهُ قَتْلَهُ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ، فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ‍ أَتَعْرِفُنِي؟ قَالَ (نَعَمْ، أَنْتَ الَّذِي لَقِيتَنِي بِمَكَّةَ) قَالَ: فَقُلْتُ: بَلَى, فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ أَخْبِرْنِي عَمَّا عَلَّمَكَ اللهُ وَأَجْهَلُهُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الصَّلَاةِ، قَالَ (صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ)

قَالَ: فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ فَالْوُضُوءَ حَدِّثْنِي عَنْهُ، قَالَ (مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ فَيَتَمَضْمَضُ، وَيَسْتَنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ، وَفِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ، ثُمَّ إِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ، فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ، إِلَّا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)

أَيُّها الْمُسْلِمُونَ: انْتَهَى هَذا الْحَدِيثُ الْعَجِيبُ الذِي رَوَاهُ الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَلَنَا مَعَهُ وَقَفَاتٌ:

(الْوَقْفَةُ الأُولَى) مَعَ قَوْلِهِ [كُنْتُ وَأَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ]

فَفِي هَذا أَنَّ أَهْلَ الْفِطَرِ السَّلِيمَةِ يَنْفِرُونَ مِنَ الشِّرْكِ وَتَأْبَى نُفُوسُهُمْ  عبَادَةَ غَيْرِ اللهِ, وَهَذَا رَجُلٌ لَمْ يَقْرَأِ الْقُرْآنَ وَلَمْ يَسْمَعْ بِالْإِسْلامِ قَبْلَ ذَلِكَ, فَالْعَجَبُ الْيَوْمَ مِمَّنْ يَعْبُدُ غَيْرَ اللهِ لَكِنْ بِصُورَةٍ مُخَادِعَةٍ, فَهُمْ يُعَظِّمُونَ الصَّالِحِينَ مِنَ الْبَشَرِ وَيَبْنُونَ عَلَى قُبُورِهِمُ الْمَسَاجِدَ وَالْبِنَايَاتِ ثُمَّ يَطُوفُونَ حَوْلَها وَيَتَبَّركُونَ بِهَؤُلاءِ الْمَقْبُورِينَ الْأَمْوَاتِ بَلْ وُيُنَادُونَهُمْ فِي الْمُلِمَّاتِ وَعِنْدَ الشَّدَائِدِ, مَعَ أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ الْقُرْآنَ وَيُصَلُّونَ فِي الْمَسَاجِدِ وَلَكِنَّ عَقِيدَتَهُمْ مُنْحَرِفَةٌ.

(الْوَقْفَةُ الثَّانِيَةُ) مَعَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَكَسْرِ الْأَوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللهُ لَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ) , فَهَذِهِ هِيَ مُجْمَلُ رِسَالَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَفِيهَا الإِحْسَانُ فِي جَانِبِ الْخَالِقِ وَالْإِحْسَانِ فِي جَانِبِ الْمَخْلُوقِ, فَحَقُّ اللهِ عِبَادَتَهُ وَحْدَهُ دُونَ مَنْ سِوَاهُ, وَهَجْرُ الْأَصْنامِ وَالْأَوْثانِ وَالْبُعْدُ عَنْهَا, قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}

وَكَذَلِكَ الْإِحْسَانُ إِلَى النَّاسِ وَلا سِيَّمَا الْأَقَارِبُ, فِصِلَتُهُمْ عَظِيمَةٌ وَالْإِحْسَانُ إِلَيْهِمْ قُرْبَةٌ كَبِيرَةٌ, فَأَيْنَ أُولِئَكِ الذِينَ تَقَاطَعُوا الْأَرْحَامَ وَتَهَاجَرُوا مَعَ أَقَارِبِهِمْ, بَلْ رُبَّمَا بَعْضُهُمْ هَجَرَ وَالِدَيْهِ عِيَاذاً بِاللهِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}

(الْوَقْفَةُ الثَّالِثَةُ) مَعَ قَوْلِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ [قُلْتُ لَهُ: فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ (حُرٌّ، وَعَبْدٌ), وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ، وَبِلَالٌ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ]

فَفِي هَذا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ عِبْرَةٌ كَبِيرَةٌ وُهُوَ أَنَّ الإِسْلَامَ بَدَأَ ضَعِيفًا جِدًّا, قَلِيلٌ أَتْبَاعُهُ, ثُمَّ مَا لَبِثَ أَنْ قَوِيَ وَكَثُرَ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى مَلَكُوا الْأَرْضَ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا, حَتَّى كَانَ خَلِيفَةُ الْمُسْلِمِينَ يُخَاطِبُ السَّحَابَةَ فَيَقُولُ : َأمْطِرِي حَيْثُ شِئْتِ فَسَيَأْتِينِي خَرَاجُكِ.

ثُمَّ مَا لَبِثَ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى ضَعُفُوا وَصَارَ الإِسْلَامُ غَرِيبًا, حَتَّى وَإِنْ كَانَ الْمُنْتَسِبُونَ إِلَيْهِ كَثِيرِينَ, إِلَّا أَنَّ مَنْ يُطَبِّقُهُ قَلِيلٌ, وَهَذَا مِصْدَاقُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ) رَوَاهُ مُسْلُمٌ.

إِنَّ هَذَا وَاقِعُ صَحِيحٌ, فَالْمُسْلِمُونَ يَعِيشُونَ فِي فَتْرَةٍ مِنَ الْغُرْبَةِ وَالاسْتِضْعَافِ, حَتَّى وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ الْأَقْطَارِ هُنَاكَ قُوَّةٌ لَكِنْ مِنْ حَيْثُ الْعُمُومِ فَبِلَادُ الْإِسْلامِ تَتَغَيَّرُ وَالدِّينُ يَضْعُفُ, بَلْ وُيَحَارَبُ أَهْلُهُ.

كَيْفَ لا وَقَدْ صِرْنَا نَسْمَعُ مَنْ يَدْعُو غَيْرَ اللهِ حَتَّى فِي الْمَسَاجِدِ التِي بُنِيَتْ لِيُرْفَعَ فِيهَا اسْمُ اللهِ ! كَيْفَ لا وَقَدْ صَارَ الْجِهَادُ عِنْدَ الْبَعْضِ تَفْجِيرَ الْمُصَلِّينَ وَتَقْتِيلَ الْمُسْلِمِينَ ! كَيْفَ لا وَقَدْ صِرْنَا نَسْمَعُ عَنْ إِقَامَةِ أَعْيَادِ النَّصَارَى فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَبِمُشَارَكَةٍ مِنْ أَبْنَاءِ (لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) ! كَيْفَ لا يَكُونُ الإِسْلامُ غَرِيبًا وَقَدْ صَارَتْ مَا يُسَمَّى بِ(قُدَّاسَاتِ النَّصَارَى) تُقَامُ فِي أَطْرَافِ الْجَزِيرَةِ التِي خَرَجَتْ مِنْهَا أَنْوَارُ التَّوْحِيدِ, وَرَفْرَفَتْ عَلَيْهَا رَايَاتُ الإِسْلامِ مُنْتَشِرَةً إِلَى أصْقَاعِ الْأَرْضِ ؟

إِنَّ الأَمْرَ لَيْسَ بِالسَّهْلِ, وَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْنَا جَمِيعًا الثَّبَاتُ حَتَّى الْمَمَاتِ, فَيَا عِبَادَ اللهِ اثْبُتُوا عَلَى دَينِكُمْ وَاحْذَرُوا مِنَ الزَّيْغِ, وَارْعُوا مَنْ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ, قَالَ اللهُ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} , بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ، لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى إِمَامِ الْمُتَّقِينَ وَخَاتَمِ الْمُرْسَلِينَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصْحَبْهِ وَالتَّابِعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ : فَ(الْوَقْفَةُ الرَّابِعَةُ) مَعَ قَوْلِ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ [فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ أَخْبِرْنِي عَمَّا عَلَّمَكَ اللهُ وَأَجْهَلُهُ], فَفِي هَذا حِرْصُ هَذَا الصَّحَابِيِّ الْجَلِيلِ عَلَى الْعْلِمِ وَاسْتِغْلَالِهِ وُجُودَهُ مَعَ نَبِيِّ الْهُدَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّزَوُّدِ مِنْ مَسَائِلِ الْعِلْمِ وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ, وَهَكَذا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَحْرِصَ أَشَدَّ مَا يَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ وَعَلَى مُجَالَسَةِ الْعُلَمَاءِ وَطَلَبَةِ الْعِلْمِ الْمُتَمَكِّنِينَ لِنَسْتَفِيدَ مِنْهُمْ, وَنَسْأَلَهُمْ لِنَتَعَلَّمَ دِينَنَا.

 (الْوَقْفَةُ الْخَامِسَةُ) مَعَ أَوْقَاتِ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ, فَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ أَوْقَاتِ النَّهْيِ ثَلَاثَةٌ, مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ مِقْدَارَ رُمْحٍ, وَهُوَ مَا يُعَادِلُ عَشْرَ دَقَائِقَ تَقْرِيبًا, ثُمَّ مِنْ قُبَيْلِ الزَّوَالِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ, ثُمَّ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ, فَالصَّلَاةُ هُنَا مَنْهِيٌ عَنْها, وَلَكِنِ اعْلَمُوا أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَنْهِيَّ عَنْها هِيَ التَّطَوُّعُ الْمُطْلَقُ, وَأَمَّا مَا كَانَ لَهُ سَبَبٌ فَهُوَ مَشْرُوعٌ وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا, فَمِثَالُ الْوَاجِبِ: لَوْ أَنَّك بَعْدَ أَنَّ صَلَّيتَ الْعَصْرَ تَذَكَّرْ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ, فَهُنا يَجِبُ أَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ, وَمِثَالُ الْمُسْتَحَبِّ: لَوْ دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلاةِ الْعَصْرِ مِنْ أَجْلِ أَنْ تَجْلِسَ فِيهِ فَإِنَّكَ تُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ.

أَيُّها الْمُسْلِمُونَ: أَمَّا (الْوَقْفَةُ الأَخِيرَةُ) فَمَعَ فَضْلِ الْوُضُوءِ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ فَيَتَمَضْمَضُ، وَيَسْتَنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ، وَفِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ، ثُمَّ إِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ، فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ، إِلَّا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)

أَسْأَلُ اللهَ أَنْ لا يَحْرِمَنِي وَإِيَّاكُمْ فَضْلَهُ وَأَنْ يَغْفِرَ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ, اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا , وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا! اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلامِ وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ للْهُدَى وَالرَّشَادِ, وَجَنِّبْهُمْ الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَما بَطَنْ, اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا! اللَّهُمَّ جَنِّبْ بِلادَنَا الْفِتَنَ وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ! اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الغَلَا وَالوَبَا وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَلازِلَ وَالفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن! وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ.

المرفقات

لَلْعَجَبِ-مَعَهُ-حُرٌ-وَعَبْدٌ-3-جُمَ

لَلْعَجَبِ-مَعَهُ-حُرٌ-وَعَبْدٌ-3-جُمَ

المشاهدات 1998 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا