الذِينَ أَطْبَقَ عَلَيْهِمُ الْغَارُ 29 رَبِيعٍ الأَوَّلِ 1440هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1440/03/27 - 2018/12/05 21:14PM

الذِينَ أَطْبَقَ عَلَيْهِمُ الْغَارُ 29 رَبِيعٍ الأَوَّلِ 1440هـ

الْحَمْدُ للهِ الذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّه، وَالْحَمْدُ للهِ عَلَى مَا قَدَّرَهُ بِحِكْمَتِهِ مِنْ دَقِيقِ الْأَمْرِ وَجِلِّه، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, لَهُ الْمُلْكُ كُلُّه, وَلَهُ الْحَمْدُ وَبِيَدِهِ الْخَيْرُ كُلُّه، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ وَرَاقِبُوهُ وَاعْمَلُوا لِلنَّجَاةِ يَوْمَ التَّنَاد، يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الْعِبَاد, فَفَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مَعَنَا فِي هَذِهِ الْجُمُعَةِ حَدِيثٌ عَظِيمٌ يَحْكِي قِصَّةً صَحِيحَةً حَدَثَتْ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَنَا, لِأُنَاسٍ اجْتَمَعَتْ قُلُوبُهُمْ عَلَى الإِيمَانِ وَالإِخْلَاصِ فَاجْتَمَعَتْ أَبْدَانُهُمْ فِي السَّفَرِ وَفِي الْمَكَانِ, ثُمَّ وَقَعَتْ لَهُمْ مُصِيبَةٌ فَتَوَسَّلُوا إِلَى اللهِ وَدَعَوْهُ بِأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ عَمِلُوهَا للهِ فَفَرَّجَ اللهُ عَنْهُمُ الْمُصِيبَةَ وَأَنْجَاهُمْ بِإِخْلَاصِهِمْ.

عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الرَّقِيمَ فَقَالَ (إِنَّ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ كَانُوا فِي كَهْفٍ فَوَقَعَ الْجَبَلُ عَلَى بَابِ الْكَهْفِ فَأَوْصَدَهُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: تَذَكَّرُوا أَيُّكُمْ عَمِلَ حَسَنَةً لَعَلَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِرَحْمَتِهِ يَرْحَمُنَا.

فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: قَدْ عَمِلْتُ الْحَسَنَةَ مَرَّةً : كَانَ لِي أُجَرَاءُ يَعْمَلُونَ لِي عَمَلًا، فَاسْتَأْجَرْتُ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ فَجَاءَنِي رَجُلٌ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَطَ النَّهَارِ فَاسْتَأْجَرْتُهُ بِشَرْطِ أَصْحَابِهِ, فَعَمِلَ فِي بَقِيَّةِ نَهَارِهِ كَمَا عَمِلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فِي نَهَارِهِ كُلِّهِ فَرَأَيْتُ فِيَ الذِّمَامِ أَنْ لَا أُنْقِصَهُ مِمَّا اسْتَأْجَرْتُ بِهِ أَصْحَابَهُ لِمَا جَهِدَ فِي عَمَلِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَعْطَيْتَ هَذَا مَا أَعْطَيْتَنِي وَلَمْ يَعْمَلْ إِلَّا نِصْفَ النَّهَارِ، قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لَمْ أَبْخَسْكَ شَيْئًا مِنْ شَرْطِكَ وَإِنَّمَا هُوَ مَالِي أَحْكُمُ فِيهِ مَا شِئْتُ، فَغَضِبَ وَذَهَبَ وَتَرَكَ أَجْرَهُ، فَوَضَعْتُ حَقَّهُ فِي جَانِبِ الْبَيْتِ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ مَرَّتْ بِي بَقَرٌ فَاشْتَرَيْتُ فَصِيلَةً مِنَ الْبَقَرِ, فَبَلَغَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَمَرَّ بِي بَعْدَ حِينٍ شَيْخٌ ضَعِيفٌ لَا أَعْرِفُهُ, فَقَالَ: إِنَّ لِي عِنْدَكَ حَقًّا فَذَكَرَهُ حَتَّى عَرَفْتُهُ فَقُلْتُ: إِيَّاكَ أَبْغِي، هَذَا حَقُّكَ فَعَرَضْتُهَا عَلَيْهِ جَمِيعًا فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَسْخَرُ بِي إِنْ لَمْ تَصَدَّقْ عَلَيَّ فَأَعْطِنِي حَقِّي، قُلْتُ: وَاللَّهِ مَا أَسْخَرُ بِكَ إِنَّهَا حَقَّكَ, مَا لِي مِنْهَا شَيْءٌ فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ جَمِيعًا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ لِوَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا, فَانْصَدَعَ الْجَبَلُ حَتَّى رَأَوُا الضَّوْءَ وَأَبْصَرُوا.

وَقَالَ الْآخَرُ: قَدْ عَمِلْتُ حَسَنَةً مَرَّةً: كَانَتْ لِي فَضْلٌ فَأَصَابَتِ النَّاسَ شِدَّةٌ فَجَاءَتْنِي امْرَأَةٌ تَطْلُبُ مِنِّي مَعْرُوفًا، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا هُوَ دُونَ نَفْسِكِ، فَأَبَتْ عَلَيَّ، فَذَهَبَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ، فَذَكَّرَتْنِي بِاللَّهِ وَأَبَيْتُ عَلَيْهَا، وَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ مَا هُوَ دُونَ نَفْسِكِ، فَأَبَتْ عَلَيَّ، فَذَهَبَتْ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِزَوْجِهَا فَقَالَ لَهَا أَعْطِيهِ نَفْسَكِ وَاغْنِي عِيَالَكِ، فَرَجَعَتْ إِلَيَّ فَنَشَدَتْنِي بِاللَّهِ فَأَبَيْتُ عَلَيْهَا، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا هُوَ دُونَ نَفْسِكِ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ أَسْلَمَتْ إِلَيَّ نَفْسَهَا فَلَمَّا كَشَفْتُهَا أُرْعِدَتْ [أَيْ: انْتَفَضَتْ هَي] مِنْ تَحْتِي، فَقُلْتُ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ فَقَالَتْ: أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، فَقُلْتُ: لَهَا خِفْتِيهِ فِي الشِّدَّةِ وَلَمْ أَخَفْهُ فِي الرَّخَاءِ، فَتَرَكْتُهَا وَأَعْطَيْتُهَا الْحَقَّ عَلَيَّ بِمَا كَشَفْتُهَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ لِوَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا، قَالَ: فَانْصَدَعَ حَتَّى عَرَفُوا وَتَبَيَّنَ لَهُمْ.

وَقَالَ الْآخَرُ: قَدْ عَمِلْتُ حَسَنَةً مَرَّةً : كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَكَانَ لِي غَنَمٌ كُنْتُ أُطْعِمُ أَبَوَيَّ وَأَسْقِيهِمَا، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى غَنَمِي فَأَصَابَنِي يَوْمًا غَيْثٌ وَحَبَسَنِي فَلَمْ أُرِحْ حَتَّى أَمْسَيْتُ، فَأَتَيْتُ أَهْلِي فَأَخَذْتُ مِحْلَبِي فَحَلَبْتُ وَغَنَمِي قَائِمَةٌ فَمَشَيْتُ إِلَى أَبَوَيَّ فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا، فَشَقَّ عَلَيَّ أَنْ أُوقِظَهُمَا وَشَقَّ عَلَيَّ أَنْ أَتْرُكَ غَنَمِي فَمَا بَرِحْتُ جَالِسًا وَمِحْلَبِي عَلَى يَدِي حَتَّى أَيْقَظَهُمَا الصُّبْحُ، فَسَقَيْتُهُمَا, اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ لِوَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا) ، قَالَ النُّعْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَأَنِّي أَسْمَعُ هَذِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (قَالَ الْجَبَلُ طَاقْ, فَفَرَجَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُمْ فَخَرَجُوا) (1)

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقِصَّةٌ عَجِيبَةٌ, يَظْهَرُ فِيهَا الإِخْلَاصُ للهِ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ. وَنَسْتَفِيدُ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ فَوَائِدَ كَثِيرَةً, فَمِنْهَا :

أَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَ الْمَصَائِبِ اللُّجُوءُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالتَّعَلُّقُ بِهِ سُبْحَانَهُ, فَهُوَ الذِي بِيَدِهِ إِزَالَةُ الْغُمُومِ وَالْهُمُومِ وَتَفْرِيجُ الْكُرُبَاتِ الْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ.

وَمِنْهَا : التَّوَسُّلُ إِلَى اللهِ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ, وَالْمَعْنَى: أَنْ تَدْعُوَ اللهَ وِتَطْلَبَهُ بِأَنْ يُحَقِّقَ لَكَ شَيْئًا وَتَذْكُرَ عَمَلَكَ الصَّالِحَ فِي دُعَائِكَ, فَتَقَولُ -مَثَلًا- اللَّهُمَّ إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى فَقِيرٍ فِي يَوْمِ وَكَذَا لِأَنِّي رَأَيْتُ حَاجَتَهُ وَفَقْرَهُ, اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِكَ فَارْزُقْنِي وَظِيفَةً مُنَاسِبَةً.

وَمِنْ فَوَائِدِ الْقِصَّةِ: فَضْلُ إِعْطَاءِ الْعُمَّالِ حُقُوقَهُمْ, وَهَذا أَمْرٌ قَدْ غَفَلَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ عَنْهُ, بَلْ قَدْ تَمَادَوْا حَتَّى أَكَلُوا حَقَّ الْعُمَّالِ الْمَسَاكِينِ وَظَلَمُوهُمْ, وَنَسُوا أَوْ تَنَاسَوْا قُدْرَةَ اللهِ عَلَيْهِمْ.

فَأَكْلُ حَقِّ هَؤُلاءِ الْمَسَاكِينِ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ, فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (قَالَ اللَّهُ: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

فَتَأَمَّلْ يَا عَبْدَ اللهِ وَلا تَنْظُرْ لِكَثْرَةِ مَنْ يَتَعَامُلُ مَعَ الْعُمَّالِ الْمُعَامَلَاتِ الظَّالِمَةَ وَابْحَثْ لِنَفْسِكَ عَنْ نَجَاتِهَا بَيْنَ يَدِيِ اللهِ يَوْمَ الْحِسَابِ.

وَمِنْ فَوَائِدِ الْقِصَّةِ: فَضْلُ الْعِفَّةِ عَنِ الزِّنَا, فَهَذَا الرَّجُلُ قَدْ تَمَكَّنَ مِنَ الْمَرْأَةِ وَكَادَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهَا, وَلَكِنَّهَا لَمَّا خَوَّفَتْهُ مِنَ اللهِ تَحَرَّكَ عِنْدَهُ الإِيمَانَ ثُمَّ قَامَ وَتَرَكَهَا للهِ, لا خَوْفًا مِنْهَا وَلا خَوْفًا مِنَ النَّاسِ, فَأَيْنَ أَهْلُ الْعِفَّةِ ؟ وَأَيْنَ أَهْلُ الطُّهْرِ وَالْبُعْدِ عَنِ الْفَوَاحِشِ ؟

إِنَّ الزِّنَا أَيُّهَا الْفُضَلاءُ مِنْ أَقْبَحِ الذُّنُوبِ وَأَخَسِّهَا, قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}, وَقَالَ سُبْحَانَهُ مُبَيِّنًا طَرِيقَ الْعِفَّةِ وَطَرِيقَ حِفْظِ النَّفْسِ مِنْ هَذِهِ الْفَاحِشَةِ {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}, فَاحْفَظْ نَفْسَكَ وَصُنْ أَهْلِكَ, وَكُنْ عَلَى حَذَرٍ أَنْ يُسَلِّطَ اللهُ عَلَيْكَ مَنْ يَبْتَلِيَكَ فِي أَهْلِكَ بِسِبَبِ تَعَرُّضِكَ لِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ, وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ , أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرِّحِيمُ .

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الحَمْدُ للهِ حَمْداً كَثِيراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيهِ, وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وُرَسُولُهُ, صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِنْ فَوَائِدِ الْقِصَّةِ: التَّأْكِيدُ عَلَى بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَهُوَ عَمَلٌ صَالِحٌ عَظِيم, وَلِذَلِكَ تَوَسَّلَ بِهِ الرَّجُلُ الثَّالِثُ فَفَرَّجَ اللهُ عَنْهُمْ مَا هُمْ فِيهِ.

وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ أَيُّهَا الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ وَأَجَلِّ الطَّاعَاتِ الْمُقَرِّبَةِ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَواتِ, فَقَدْ كَرَّرَ اللهُ الْأَمْرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ بَلْ قَرَنَ بَيْنَ حَقِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}, بَلْ فَصَّلَ اللهُ تَعَالَى فِي بَيَانِ مُعَامَلَةِ الْوَالِدَيْنِ وَعَلَّمَنَا كَيْفَ نَدْعُوا لَهُمْ , فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}, فَيَالَهَا مِنْ غَنِيمَةٍ كَبِيرَةٍ, فَمَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلْيَشْتَرِ الْجَنَّةَ بِالإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا, وَلْيُمْضِ أَيَّامَهُ وَلَيَالِيَهُ فِي خِدْمَتِهِمَا, وَلَيْعَلَمْ أَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ وَحَسَنَاتٌ, ثُمَّ هُوَ دَيْنٌ سَوْفَ يَسْتَوْفِيهِ مِنْ أَوْلَادِهِ عَنْ قَرِيبٍ, فَمَا فَعَلْتَ بِوَالِدَيْكَ فَعَلَهُ بِكَ أَوْلادُكَ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنِ اسْتَمَعَ القَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَه, اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا طَيِّبًا وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا, اللَّهُمَّ إِنَّا نعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ وَمِنْ قٌلُوبٍ لَا تَخْشَعُ وَمِنْ نَفُوسٍ لَا تَشْبَعُ, اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ, اللَّهُمَّ إِنِّا نَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الغَضَبِ والرِّضَا, وَنَسْأَلُكَ القَصْدَ فِي الفَقْرِ وَالغِنَى, وَنَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ وَنَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ, وَنَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَنَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ, وَنَسْأَلُكَ الشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ, اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ, اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والْمُسْلمينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ, اَللَّهُمَّ احْمِ حَوْزَةَ الدْينِ! اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَأْنَ بِلَادِ المسْلِمِينَ وَاحْقِنْ دِماءَهُم , وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاكْفِهِمْ شَرَّ الأَشْرَارِ وَكَيْدَ الكُفَّارِ ! اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ.

 (1) رواه الطبراني في الدعاء بهذا اللفظ, وأصله في الصحيحين بلفظ مقارب.

المرفقات

أَطْبَقَ-عَلَيْهِمُ-الْغَارُ-29-ربيع-ال

أَطْبَقَ-عَلَيْهِمُ-الْغَارُ-29-ربيع-ال

المشاهدات 2401 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا


جزيت الجنة شيخنا الفاضل