(وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا....)

إبراهيم بن صالح العجلان
1440/03/08 - 2018/11/16 01:42AM
(وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا) 8/3/1440هـ
( خطبة قديمة تمَّ اختصارها وتعديلها )
إخوة الإيمان:

ما أعْظَمَ جُودَ الوليِّ الحميدِ، وما أكرمَ وأهنئَ عطاءَ الكريمِ المجيدِ، {وَهُوَ الَّذِي يُنزلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}.

وفي القرآن العظيم جعل الله الغيثَ سبباً لإزالة البأساء، وحصولِ الطهارة، وذهابِ رجز ِالشيطانِ، وانقشاعِ الغم، (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ).

تَكون النعمةُ عزيزة بِقَدْرِ الحاجةِ إليها، وهلْ عطاء ومنحة أغلى من نعمةٍ لا يقومُ العيشُ إلا بها، ويَعْظُمُ الفرحُ بهذه النعمةِ على العبادِ حينَ يَحُلُّ بدارِهم القَحْطُ ، فتغبَّرُّ أجواؤُهم ، وتَيْبَسُ أشجارُهم ، وتغورُ آبارُهم، فيموتُ الزَّرعُ ، ويَجِفُّ الضَّرعُ، فتهلكُ المواشي، ويَنْزِلُ الضُّرُّ على أهلِ البوادي، فتنتظرُ الأرواحُ الفرجَ من السماءِ، ويَتحيَّنُ كلُّ محتاجٍ وملهوفٍ الغيث والماء. 

فإذا السحابُ الثقالُ تجتمعُ وتتلاحمُ، فتهتزُّ وتمطرُ، وتجودُ بوابلٍ صيِّب، وماءٍ طيِّب، هنيئاً مريئاً، عذباً فراتاً، فيَعُمُ الفرحُ، ويَظهرُ البِشْرُ { فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}.

كيف لا يستبشرونَ ... وأرضُهم بعد سكونِها قد اهتزَّتْ، وأجواؤُهم بزخاتِ المطرِ قد ازدانتْ، مؤذنةً بمفاوزَ مخضَّرة، وأشجارٍ مُثمرة، ونباتٍ مُزهرة.

إنها نِعَمٌ للبلادِ والعبادِ والشجرِ والدوابِ قد عمَّ خيرُها، ودنى نَفْعُها { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ}.

هذا الغيث العميم آيةٌ من آياتِ الله على وحدانيتِه، وقدرتِه على تصريفِ الرياح مُبَشِّرات، حتى أضحى هذا التفردُ وتلك القدرةُ مستَقِرَّاً في الفطرِ {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}.

هل من إلهٍ غيرُ اللهِ يُقلِّبُ السحابَ كيف يشاء؟ هل من إلهٍ غيرُ اللهِ يأمر  المُزَنَ فتتراكَمُ وتتلبَّدُ، ثم تسوقُها الرياحُ إلى بلد محدَّد، فينزُلُ حينها الغيثُ بِقَدَرٍ مَقْسُومٍ، وأجلٍ معلومٍ، ذلك تقدير العزيز العليم.

هذا الذي أنزلَ سيلاً في البلدْ *** فكيف لو صبَّ جبالاً من بَرَدْ

أنزلَـه رفقـاً بنا مِـدراراً      ***    وبعضَـه سخَّـره أنهـاراً

فالله وحده لا إله إلا الله سواه هو الذي الذي ينزل الماء، ويَقْسِمُ النَّعْماء، فيُمطر أرضاً، ويَمنعُ أُخرى، ربما أنزل غيثَه في القفارِ، وربما أودعَه في لُجَجِ البحار، {وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}.

إن هذا السحب يوم تجتمع بعد تفرق، وتتلاحم بعد تشتت كأنما تنبئونا بعجز الإنسان مهما بلغ من التقدم والتحضر، فلم ولن يستطيع هذا الإنسان أن يستخرج من السماء قطرة واحدة إلا بإذن الله تعالى { أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنزلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ}.

تأمل يا عبدالله عظمة الخالق مع حصول الغيث، فجميع خزائنَ السحابِ الثقالِ محصيَّةٌ في علمِ الله تعالى، تأملْ  في قطرات الأمطار، وتمعَّن في اشتداد صبِّها، ثم استشعرْ حينَها ومعها أنَّ كلَّ قطرةٍ وإن دقَّتْ فقد عَلِمَ ربُّنا سبحانه حركتَها ونزولَها ومستقرَها، { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا }

هذه الأمطار تحمل في طياتها النعم وربما يكون معها النقم ، قد تأتي بالمنح وربما تحل في إثرها المحن ، فوجود نعمة المطر أو حرمانها ليس علامة على رضا أو غضب من الله.                                                                 

لقد امتُحِنَ خيرُ القرونِ بالجفاف والمجاعات، وأغدق سبحانه على أمم تطاول

 عليهم الكفر أزماناً بالنعم والخيرات:{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُون}.

نعم. هذه الأمطار في أصلها رحمة ونعمة ، ولكنَّ الله سبحانه وتعالى قد يجعلها نقمة على أهلها ، فيكون هلاكهم وخرابهم بجند المطر ، وفي قصص القرآن دعا العبد الشكور نوح عليه السلام :  { أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} ، فكان الجواب : {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ* وَفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ}.

وها نحن نرى اليوم فياضانات مدمرة ، وأعاصير مروِّعة تقتلع وتَنْسِف، وتهدم وتُتْلِف، ولا شك أنَّ هذه نقم توجب يقظةَ القلوب، وعودتَها إلى علام الغيوب.

هذا الغيث برعوده وبروقه يقلِّبُ العبادَ ما بين طمع وخوف ، فإذا رأو بوادر الغيث ووضحت ، فرحوا وطمعوا ، وإذا بَرَقَتْ المُزْنُ ورَعَدَتْ ، خافوا وذَعَرُوا . وهذه آية وعبرة جعلها الله لأهل الأرض، إن هذه السحب حين ترعد رعدتها كأنما هي رسالة من السماء لتعظيم الملك ، وقَدْرِه حقَّ قَدْرِه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا}

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ..

 

الخطبة الثانية

أما بعد فيا إخوة الإيمان :

ومع تتابع القطر والمطر تزدان الأجواء، فيعتاد البعض الخروج حينها لِرُؤْيَةِ الْأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ وَهِيَ تَجْرِي بِالمَاءِ،،

وترويح النفس والاستمتاع بجمال الطبيعة والهواء ونعمة الماء من المباحات ولا إشكال .

وإنما المحزن والمؤسف، أن ترى صوراً من  التهورات والاستعراضات في قطع الأودية ومواجهة تيارات السيول، لتذهب معها أرواح فلته، ونفوس كانت تعيش لحظة النشوة.

وبسبب هذه المغامرات تتحول لحظة السعادة  والفرح، إلى فجائع وأَحْزَان وترح، على الوالدين والأقارب والأصدقاء تدوم أزماناً، وَهَذَا مِنْ قَتْلِ الْأَنْفُسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى، (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، (ولا تقتلوا أنفسكم  إن الله كان بكم رحيماً).

فالواجب على العقلاء الحذر من هذه التهورات، والتواصي على الأخذ بمبدأ السلامة، وبالأخص فيما يتعلق بحفظ الأرواح، فحفظ النفوس من الضرورات التي جاء بها الشريعة.

وأخيراً يا أهل الإيمان ... اشكروا ربَّكم على ما ترونه من الغيث المبارك، وسلوه أن

يجعله رحمة لكم، وبلاغاً إلى حين، قيِّدوا هذا النعم بشكرها بأعمالكم ، وأقوالكم ، وقلوبكم.

ثم أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى والرحمة ، كما أمركم رب العالمين  بذلك ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ...)

المرفقات

الذي-ينزل-الغيث-من-بعد-ما-قنطوا

الذي-ينزل-الغيث-من-بعد-ما-قنطوا

المشاهدات 3789 | التعليقات 0