المطر نعمة لقوم .. ونقمة على قوم

إبراهيم بن سلطان العريفان
1440/02/30 - 2018/11/08 21:24PM

الحمدُ لله الذي صبَّ الماء صبًّا، وشقَّ الأرض شقًّا، وأنبتَ فيها حبًّا وعنبًا وقضبًا، وزيتونًا ونخلاً، وحدائقَ غُلْبًا، وفاكهة وأبًّا، متاعًا لكم ولأنعامكم. وأشهدُ أن لا إله إلا الله، جعَل من الماءِ كلَّ شيء حيٍّ، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه.

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )

إخوة الإيمان والعقيدة ... تعيشُ بلادُنا أجواءً ممطرةً وسحبًا غائمة، ورعودًا وبروقًا لامعة، وأوْدية جارية وسدودًا ممتلئةً، ونفوسًا - برحمة الله مُستبشِرة فرحة ( وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الوَلِيُّ الحَمِيدُ ).

نسألُ الله أن يَجعَلَها سُقْيا رحمةٍ لا سُقْيا عذاب، ولا بلاءٍ، ولا هدم، ولا غرق، وأن يعمَّ بنفْعِها وبركتها البلادَ والعباد.

عباد الله ... الماء آيةٌ من آيات الله، ودليلٌ من دلائل قدرتِه الباهرة ( وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ ) الماء نعمةٌ من الله جليلة، وهبةٌ من الخالق جميلة.

الماء أغْلى مفقودٍ، وأرْخصُ موجود، إذا عدم أو غار أو عجز الخلْق عن طلَبِه، فقدَتِ الأرْضُ نضارَتَها، وعدمتْ ثِمارَها، وهلكتْ ماشيتُها، وأصبح لونُها شاحبًا (  كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ ) فإذا عاد إليها الماء اهتزَّت وربتْ وأنبتت من كلِّ زوْجٍ بهيج ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ ).

الماء جعله الحيُّ الرزَّاق للأرض حياةً، ولعبادِه بركةً ورحْمة، وللأنْعام رِزْقًا( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ المَاءَ إِلَى الأَرْضِ الجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ ).

الماء خَلْقُه عجيب، ونبؤُه غريب، صوَّره ربُّه بلا لون، وأوجدَه بِلا طعم، وأنزله بِلا رائحة، خفيف الرُّوح بَهي الطَّلعة، لطيفٌ رقراقٌ يُخالِط الجوف، وسهلٌ لينٌ يُحمل في الآنِية والأسْقِية، وفي المقابل هو عنيدٌ مهْلِك يطغى على الأوْدِية، ويبلغ الجبال فيغرق من تحتَه ويهدِمُ ما أمامه.

نعم - أيُّها المسلمون - فهذِه النَّسمات اللَّطيفة والقطَرات الصَّغيرة التي يُتَنَعَّم بها، قد تكون سيْلاً هادِرًا مُهْلكًا لأنَّ الماء جنديٌّ من جُنود الله، وقد سجَّل له القُرآنُ عمليَّات كبيرة، قامَ بِها ضدَّ مَن خالفَ أمْر الله، واستكبَر في الأرض، وتمرَّدُوا على شرْع الله، وفسَقوا وظلَموا، فكان عاقبتهم أن سلَّط الله عليْهِم هذا الجنديَّ، فأغرقَهُم ومزَّقهم كلَّ ممزَّق ( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَاءَ مَطَرُ المُنذَرِينَ ).

فاحذروا أنواعًا من المعاصي والمنْكرات والفسوق، فالبعض من النَّاس يخرج بعد نزول المطر إلى البراري والصَّحاري، مصطَحِبين منكراتِهم ومعاصيهم، من أنواع اللَّهْو المحرَّم، يعصون الله في أرضه، ويستمتِعون بنعمته، بل كثيرٌ من أولئك - وللأسف - يضيِّعون الصَّلاة أو يؤخِّرونَها عن وقتها، مع إهْمال واضحٍ للبنين والبنات، وتبرُّجُ النساء وعدم احتشامهنَّ في تلك الرحلات أمرٌ لا يخفى، ناهيكم عن غوغاءِ الشَّباب وإيذائهم لخلْق الله، وتلصُّصهم على المحارم والعورات، ورفع أصوات الموسيقى والغناء المحرَّم.

اتَّقوا الله في أنفسكم، واحذَرُوا أن تكونوا ممَّن قال الله فيهم ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ )

ألا فاتَّقوا الله - عباد الله - وخذوا على أيْدي السفهاء، مُروا بالمعروف وانهَوْا عن المنكر ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ ).

عباد الله ... إنَّ هطول الأمْطار ونزولَ الماء رحمةٌ من والله، وبركةٌ على خلقه، وربَّما يكون عقابًا وعذابًا لآخَرين، وكان النبي ﷺ إذا رأى غيمًا أو ريحًا تغيَّر لونُه، وعُرِفَ ذلك في وجهِه، فقالت له عائشة - رضي الله عنها -: يا رسولَ اللهِ ،الناسُ إذا رأوْا الغَيْمَ فرحوا رجاءَ أن يكونَ فيه المطرُ، وأَراك إذا رأيتَه عُرِفَتْ في وجهِك الكراهيةُ! فقال ( يا عائشةُ! ما يُؤْمِنُني أن يكونَ فيه عذابٌ؟ قد عُذِّبَ قومٌ بالريحِ، وقد رأى قومٌ العذابَ قالوا هذا عارض ممطرنا ).

هكذا كان سيدُ الخلق وأعرفُ الخلق بالله، فما بالُنا نحن نغفل عن هذا؟! وكأنَّنا بمأمن من أن يُصيبنا العذاب بالرِّيح أو بالمطر، أو البرد أو الزلازِل، أو غيْرها.

أيها المؤمنون .. في نزول المطر آياتٌ وعِبر؛ ففيه دليلٌ واضحٌ على قدرته - سبحانه - على إحياء الموتى، وإثبات البعْث والنُّشور، فالذي يُحْيي الأرْض بعد موتِها بالمطَر، قادرٌ على إحْياء الموتى بعد مُفارقتِهم للحياة ( وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ المَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ المَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )

إنَّ هذا الغيث الذي أنزَلَه الله عليْنا لَمن فضْل الله ورحمتِه، فكلُّنا يعلمُ أنَّ بلادَنا ليس بها أنْهار، وأنَّها تعتمد بعد الله في بعْض شؤونها على مياه الآبار التي تغذِّيها الأمطار، فعليْنا أن نقوم بشُكره - سبحانه - على نعمته، وأن نستعينَ بها على طاعته، فإنَّ مَن قام بشكر الله زاده الله، ومن كفَر بنِعْمة الله حرمه الله ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ).

ثبتَ عن نبيِّكم ﷺ أنَّه كان يقول إذا رأى الغَيْثَ ( اللَّهُمَّ صيّبًا نافعًا ) ويقول ( اللَّهُمَّ صيبًا هنيئًا ) وكان يقول ( مُطِرْنا بفضْل الله ورحمته ) وإذا خُشِيَ منه الضَّرر قال ( اللَّهمَّ حوالَيْنا ولا عليْنا، اللَّهُمَّ على الآكام، والظِّراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر ).

وجاء في الأثَر عن عبدالله بن الزُّبير رضي الله عنْهما أنَّه كان إذا سمِع الرَّعْد، ترك الحديث، وقال: سبحان الذي يسبِّح الرَّعد بِحمْده والملائكةُ من خيفته.

وكان ﷺ يكشْف بعْض بَدَنه حتَّى يُصيبَه المطر، ويقول ( إنَّه حديثُ عهدٍ بربِّه ) وفي رواية أنَّ النَّبيَّ ﷺ كشف عن رأسه حتَّى يصيبه المطر.

هذه بعض السنن القولية والفعلية من النبي ﷺ.

اللَّهُمَّ اجعلْ ما أنزلْتَه علينا عوْنًا على طاعتك، وبلاغًا إلى حين

أقولُ قوْلي هذا، واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، من كل ذنب وخطيئة، فاستغْفِروه وتوبوا إليه.

 

 

الحمد لله ربِّ العالمين، الرَّحْمن الرَّحيم، ولا عدْوانَ إلا على الظَّالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرَفِ الأنبِياء وخاتم المرسلين، نبيِّنا محمَّد، وعلى آلِه وصحْبِه أجمعين.

معاشر المؤمنين ... إنَّ المطر نِعْمة، حيث تحصل في وقْت نزول هذه النعمة فرحة وبهجة للكبار والصغار .. إلا أن البعض يقلبها إلى مصائب وأحزان، حيث يعرضون أنفسهم ومن معهم للمخاطر والهلكة، فعلى الرغم من التحذيرات الشديدة للدفاع المدني بالابتعاد عن أماكن السيول والأودية وتجمعات المطر حفاظاً على سلامة الأشخاص وسلامة من معهم من الأسر من الغرق أو الانجراف الخطير في مجاري السيول، إلا أن بعض الشباب -هداهم الله- يعمدون إلى المغامرة باقتحام تلك الأودية ومجاري السيول بالسباحة أو بالسيارات غير عابئين بتوجيهات الدفاع المدني فيترتب على ذلك غرق بعضهم، والإضرار بما معهم من مركبات وسيارات وأغراض.

فحكومتنا الرشيدة – وفقها الله – تنصح الجميع، وخاصة الشباب، ألا يعرضوا أنفسهم ومن معهم للغرق أو التلف بالجلوس في بطون الأودية أثناء هطول الأمطار، أو إقامة مخيماتهم فيها، أو النوم بداخلها، أو الدخول بسياراتهم فيها أثناء التنزه بالأماكن الممتلئة بالسيول أو المستنقعات، أو صعود المرتفعات والسباق الذي لا تحمد عقباه، وكم من شباب راحوا ضحية لهذا التهور الذي فيه إلقاء للنفس بالتهلكة، وإسراف فيما تحت يده من المركوبات.

وعلى أولياء الأمور الاهتمام بمراقبة النساء والأطفال وتحذيرهم من مغبة الاقتراب من أماكن تجمع السيول ومجاريها، وعدم تركهم يلعبون حولها بالسباحة فيها حتى لا يترتب على ذلك ضرر عليهم.

اللَّهُمَّ أنزل عليْنا من بركات السماء، واعمر قلوبَنا بطاعتِك، يا أرحم الرحمين. اللهم، كما أغثْتَ بلادَنا بالأمطار فأغِثْ قلوبَنا بالإيمان واليقين، وأقرَّ أعيُنَنا بنصْر الإسلام والمسلمين، اللَّهُمَّ أصلح حالَهم، واجْمع كلِمَتهم، ووحِّدْ صفَّهم، وقِهِم شرَّ أنفُسِهم وشرَّ عدوِّهم. اللهُمَّ آمِنَّا في الأوطان والدُّور، وأصلِحِ الأئمَّة وولاة الأمور.

المشاهدات 5279 | التعليقات 0