اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ

                                                                       اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ

                                                                        للشيخ أبوزيد السيد عبد السلام رزق الأزهري

الْحَمْدُ للَّهِ الْوَاحِدِ الْمَاجِدِ الْعَظِيمِ ، الْقَدِيرِ الْبَصِيرِ النَّصِيرِ الْحَلِيمِ ، الْقَوِيِّ الْعَلِيِّ الْغَنِيِّ الْحَكِيمِ ، قَضَى فَأَسْقَمَ الصَّحِيحَ وَعَافَى السَّقِيمَ قَسَمَ عِبَادَهُ قِسْمَيْنِ : طَائِعٌ وَأَثِيمٌ ، وَجَعَلَ مَآلَهُمْ إِلَى دَارَيْنِ : دَارِ النَّعِيمِ وَدَارِ الْجَحِيمِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ عَصَمَهُ مِنَ الْخَطَايَا كَأَنَّهُ فِي حَريِمٍ ، ومِنْهُمْ مَنْ قَضَى لَهُ أَنْ يَبْقَى عَلَى الذُّنُوبِ وَيُقِيمَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ وَالْعَمَلُ بِالْخَوَاتِيمِ ، خَرَجَ مُوسَى رَاعِيًا فعاد وَهُوَ الْكَلِيمُ ، وَذَهَبَ ذُو النُّونِ مُغَاضِبًا فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مليِم ، وَكَانَ مُحَمَّدٌ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَتِيمًا فَكَانَ الْكَوْنُ لِذَلِكَ الْيَتِيمِ ، وَعَصَى آدَمُ وَإِبْلِيسُ فَهَذَا مَرْحُومٌ وَهَذَا رَجِيمٌ ، فَإِذَا سَمِعْتَ بِنَيْلِ الْمَمَالِكِ أَوْ رَأَيْتَ وُقُوعَ الْمَهَالِكِ ، فَقُلْ : ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [فصلت آية 12] وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَ اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ ولا شيء مثلُه، ولا شيء يعجزُه، ولا إلهَ غيرُه ، أولٌ بلاَ إبتداء دائمٌ بلا َانتهاء لايفنى ولا يبيدُ،ولا يكونُ إلا مايريد ، لا تبلغُه الأوهامُ ولا تدركُه الأفهامُ، ولا يشبهُ الأنامَ، حيٌّ لا يموت، قيومٌ لا ينامُ ، وأشهدُ أنَ محمداً عبدهُ ورسولهُ وصفيهُ منْ خلقهِ وحبيبهُ وخليِلُه صلىَ عليهِ صلَّى عليه بارئُ العباد، ما جرت الأقلام بالمداد، وأمطرت سحبٌ وسال وادِ وآله وصحبه ومن سلك سبيلهم ما دار نجم في فلك ثُمَ أمَا بعد :

 

أخرج الإمام مسلم في صحيحة  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ » هيا بنا أيها الأحبة ندخل إلى بستان الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم نقطف منه زهرةونستنشق عبير عطره هيا بنا نرعي أسماعنا لمن آتاه الله تعالى جوامع الكلم صلى عليه ربنا وسلم ما أستقبلت أودية غيث السما ، كان من دعائه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول

                                                                                         « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ »

قال المناوي رحمه الله في " فيض القدير" (2/110) :" ( اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك ) أي ذهابها ، ويعم النعم الظاهرة والباطنة ، والاستعاذة من زوال النعم ، تتضمن الحفظ عن الوقوع في المعاصي ؛ لأنها تزيلها

النعمة إذا شُكِرت قرَّت، وإذا كُفِرت فرَّت قال الله -عز وجل-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم:7] فماحفظ الله علي عبده النعم إلا بالطاعة والشكر وما زالت النعم إلا بكثرة الذنوب والخطايا قال تعالى((وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ))[الشورى:30] وقال تعالى: ((مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ))[النساء:79] وقال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ))[آل عمران:155] وقال: ((أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ))[آل عمران:165] وقال: ((أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ))[الشورى:34] وقال: ((وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُورٌ))[الشورى:48]، وقال تعالى: ((وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ))[الأنفال:33]

يقول ابن القيم رحمة الله عند تفسير قوله تعالي {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ}(الرعد: 11) إن الله لا يغير ما بقوم من الكروب حتى يغيروا ما بأنفسه م من الذنوب فلا يكون التغير إلا بعد التغيير فبظلمنا وذنوبنا صبت علينا المظالم وهكذا ينتقم الله من الظالم بالظالم. وقال تعالي {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ }[الشورى: 30]قال أبو حاتم: بلغني أن الحسن البصري قال لما نزلت هذه الآية قال رسول الله والذي نفس محمدٍ بيده ما من خدش عود ولا اختلاج عرق ولا عثرة قدم إلا بذنب وما يعفو عنه كان أكثر )تفسير القرآن العظيم ابن كثير

ظهر الفساد في البر والبحر من خطايا بني أدم ، اقشعرت الأرض، وأظلمت السماء،وذهبت البركات وقلت الخيرات وهزلت الوحوش وتكدرت الحياة من فسق الظلمة، وبكى ضوء النهار وظلمة الليل من الأعمال الخبيثة والأفعال الفظيعة، وشكى الكرام الكاتبون والمعقبات إلى ربهم من كثرة الفواحش وغلبة المنكرات والقبائح، وهذا والله منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه، ومؤذن بليل بلاء قد أدلهم ظلامه، فاعدلوا عن هذا السبيل بتوبة نصوح ما دامت التوبة ممكنة وبابها مفتوح، هذه سنة كونية سارية نافذة لا تتغير ولا تتبدل على مر العصور والأجيال فقد يكون زوال النعم  طوفاناً يغمر الناس أو زلزالاً يزلزل الأرض أو جفافاً أو أعاصيراً أو صواعقاً أو أمراضاً جسدية أو روحية أو قلقاً وحروباً أو تفرقاً وتمزقاً ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾

                                                       إذا كنت في نعمة فارعها فان المعاصي تزيل النعم
                                                       وحطها بطاعة رب العباد    فرب العباد سريع النقم

والله تعالي يحفظ علي عبده النعم ما سخرها في خدمة الناس أخرج الطبراني بإسناد جيد وحسنه الألباني  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ عَبْدٍ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ نِعْمَةً فَأَسْبَغَهَا عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَ إِلَيْهِ شَيْئًا مِنْ حَوَائِجِ النَّاسِ، فَإِنْ تَبَرَّمَ بِهِمْ فَقَدْ عَرَّضَ تِلْكَ النِّعْمَةَ لِلزَّوَالِ " وقال صلي الله عليه وسلم " إنّ لله تعالى أقْواماً يَخْتَصُّهُمْ بالنِّعَمِ لِمَنافِعِ العِبادِ ويُقِرُّها فيهِمْ ما بَذَلُوها فإذا مَنَعُوها نَزَعَها مِنْهُمْ فَحَوَّلها إلى غَيْرِهِمْ "

                                                                                                                 وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ

ﻭﺗﺤﻮﻝ ﻋﺎﻓﻴﺘﻚ وما أدراك ما العافية؟! هي العيشة الرضية الهنية، والسعادة الأبدية، والراحة الروحانية، لا عيش أهنأ منها، ولا لباس أحسن من لباسها، من أفضل النعم، وأهنأ العطاء والكرم. ومن أهميتها أن تنام على سؤالها وتستيقظ على سؤالها في صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَ رَجُلاً إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ قَالَ « اللَّهُمَّ خَلَقْتَ نَفْسِى وَأَنْتَ تَوَفَّاهَا لَكَ مَمَاتُهَا وَمَحْيَاهَا إِنْ أَحْيَيْتَهَا فَاحْفَظْهَا وَإِنْ أَمَتَّهَا فَاغْفِرْ لَهَا اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ » وعندما تستيقظ تقول  «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي رَدَّ عَلَيّ رُوحِي، وَعافانِي في جَسَدِي، وأذِن لي بذِكْرِهِ»

في صحيح مسلم عن طارق بن أَشْيَمَ - رضي الله عنه - قَالَ : كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أسْلَمَ عَلَّمَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَقُولُ حِينَ أَسْأَلُ رَبِّى أمَرَهُ أنْ يَدْعُوَ بِهؤلاَءِ الكَلِمَاتِ « قُلِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى وَارْحَمْنِى وَعَافِنِى وَارْزُقْنِى ». « فَإِنَّ هَؤُلاَءِ تَجْمَعُ لَكَ دُنْيَاكَ وَآخِرَتَكَ ».العافية أحلى ما يملكه الإنسان ويهبه الرحمن، تذكر إخوانك على الأسرّة البيضاء، تذكر إخوانك الموتى، تذكر إخوانك الضعفاء، تذكر الفقراء والمحتاجين، تذكر أهل البلاء والمدينين، تذكر من لا يجد طعاما ولا لباسا ولا أمنا ولا كساء، تذكر من هم في خوف وقلق وهم وغم وحرق.  لولا العافية لما شعرت بلذة محبوب، لولا العافية لما طلبت كل شهي ومرغوب، لولا العافية لتكدرت حالك وانشغل بالك، لولا العافية لم يكن لك قرار وثبات واستقرار، لولا العافية لم تتزوج وتطلب المال وترغب في الحياة والعيال، لولا العافية لم يدم لك مطعم وشراب ولا ما تشتهي مما لذ وطاب.أخرج النسائي بسند صححه الألباني عَنْ شُتَيْرِ بْنِ شَكَلِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِى دُعَاءً أَنْتَفِعُ بِهِ . قَالَ « قُلِ اللَّهُمَّ عَافِنِى مِنْ شَرِّ سَمْعِى وَبَصَرِى وَلِسَانِى وَقَلْبِى وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّى ». يَعْنِى ذَكَرَهُ

ما طاب شيء إلا بالعافية، قال وهب بن منبه: "مكتوب في حكمة آل داود: العافية الملك الخفي"، نعم! العافية ملك خفي لا يعلم به إلا من فقده، فلا ينفع ملك ولا مال ولا ولد ولا جاه ولا عيال إذا فقدت. كان الحَجاج -على ما فيه من صلف وتجبر- جوادا كريما لا تخلو مائدته من آكل،حَجَّ الْحَجَّاجُ، فَنَزَلَ بَعْضَ الْمِيَاهِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَدَعَا بالْغَدَاءَ، فَقَالَ لِحَاجِبِهِ: انظر من يتغذّى مَعِي. فَنَظَرَ نَحْوَ الْجَبَلِ؛ فَإِذَا هُوَ بِأَعْرَابِيٍّ بَيْنَ شَمْلَتَيْنِ مِنْ شَعْرٍ نَائِمٍ، فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ وَقَالَ: ائْتِ الْأَمِيرَ. فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ: اغْسِلْ يَدَيْكَ وَتَغَدَّى مَعِي. فَقَالَ: إِنَّهُ دَعَانِي مَنْ هُوَ خَيْرٌ منك فَأَجَبْتُهُ. قَالَ: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى دَعَانِي إِلَى الصَّوْمِ فَصُمْتُ. قال: في هذا الجو الشَّدِيدِ؟ قَالَ: نَعَمْ، صُمْتُ لِيَوْمٍ هُوَ أَشَدُّ حَرًّا مِنْ هَذَا الْيَوْمِ. قَالَ: فَأَفْطِرْ وَتَصُومُ غَدًا. قَالَ: إِنْ ضَمِنْتَ لِي الْبَقَاءَ إِلَى غَدٍ. قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ إِلَيَّ! قَالَ: فَكَيْفَ تَسْأَلُنِي عَاجِلًا بِآجِلٍ لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: إِنَّهُ طَعَامٌ طَيِّبٌ. قَالَ: لَمْ تُطَيِّبْهُ أَنْتَ وَلَا الطَّبَّاخُ، وَلَكِنْ طَيَّبَتْهُ الْعَافِيَةُ.قال نبي الرحمة علية الصلاة والسلام " مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً في سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا ) وإذا  تمت عليك العافية وسلمت -بإذن الله- من كل آفة، فإياك والشماتةَ واسأل الله لك ولكل مبتلى العافية.أخرج الترمذي بسند صححه الألباني عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال : " مَنْ رأى مُبْتَلىً فَقالَ : الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي عافاني مِمَّا ابْتلاكَ بِهِ وَفَضَّلَنِي على كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً، لَمْ يُصِبْهُ ذلكَ البَلاءُ "

                                                                              رأيت البلاء كقطر السما *** ءِ وَما تُنبِتُ الأَرضُ من نامِيَه
                                                                               فَلا تسألنَّ إِذا ما سَأَلـ ***        ــتَ إِلهكَ شَيئاً سِوى العافِيَه

 قال رجل لصاحبه وكانا ينظران إلى الدور والقصور فقال له أين نحن حين قسمت هذه الأموال وكان صاحبه أعقل منه وأحكم فأخذ بيده وذهب به إلى المستشفى وقال له أين نحن حين قسمت هذه الأمراض فسكت الرجل وعلم أن العافية لا يساوي قدرها شيء وكم من إنسان عنده من المتاع والقصور ولكن تنقصه العافية.                                                                              

                                                                                                                            وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ

قوله: (وفجأة نقمتك): أي أعوذ بك من العقوبة، والانتقام بالعذاب مباغتة، دون توقع وتحسب، وخُصَّ فجاءت النقمة بالاستعاذة؛ لأنها أشد و أصعب من أن تأتي تدريجياً، بحيث لا تكون فرصة للتوبة، إنَّ فُجَاءَةَ النِّقْمَةِ قَدْ حَوَّلَتْ أَتْقِياءَ إلى أَشْقيَاءَ، ومِنْ مُؤْمِنينَ إلى كَافِرينَ، فَها هُوَ جَبْلَةُ بنُ الأَيْهَمِ، بَعْدَ مَا كَانَ تَقِياً , مِنْ رَعَايَا أَمِيرِ المُؤْمِنينَ عُمرَ بنِ الخَطَّابِ ـ رَضي اللهُ عنهُ ـ ومن عُبَّادِ الرَّحمنِ، أَصْبَحَ شَقَياً مِنْ عُبَّادِ الصُلْبَانِ، قَلِّبْ نَظَرَكَ أَخِي الْكَرِيمَ فِي وَفَيَاتِ عَالَمِ الْيَوْمِ؛ ترى وَفَيَاتٍ مُفَاجِئَةٌ، سَكَتَاتٌ قَلْبِيَّةٌ، وَجَلَطَاتٌ دِمَاغِيَّةٌ، وَذَبَحَاتٌ صَدْرِيَّةٌ، شباب ذهبوا بالسيارات عادوا جنائز.. تَرَى الرَّجُلَ الشَّدِيدَ لَا يَشْكُو بَأْسًا وَلَا يَئِنُّ وَجَعًا، يَخْرُجُ مِنْ دَارِهِ فَلَا يَرْجِعُ.. تَرَى الرَّجُلَ الْمُعَافَى يَنَامُ مِلْءَ الْجُفُونِ فَمَا يَسْتَيْقِظُ إِلَّا عَلَى نِدَاءِ مَلَكِ الْمَوْتِ يَدْعُوهُ لِلرَّحِيلِ،جَنَائِزُ وَجَنَائِزُ أَصْحَابُهَا مِنَ الشَّبَابِ الْأَصِحَّاءِ، وَلَيْسُوا مِنَ الشُّيُوخِ وَلَا مِنَ السُّقَمَاءِ..فهل نعتبر!

                                                                       يَا نَائِمَ اللَّيْلِ مَسْرُورًا بِأَوَّلِهِ *** إِنَّ الْحَوَادِثَ قَدْ يَطْرُقْنَ أَسْحَارً

كَذَلِكَ حَدَّثنَا التَّاريخُ عَنْ مَلكٍ مِنْ مُلُوكِ الأَنْدَلُسِ المُعتَمدُ بنُ عَبَّادٍ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ، كَانَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ دِينٍ ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ مَلِكاً ظَالِماً، وَقَدْ اعْتَرَفَ بِالظُّلْمِ الَذِي وَقَعَ مِنهُ، بَعْدمَا أُسِرَ، وَزُجَّ بِهِ فِي السِّجْنِ ، لَقَدْ نَزَعَ اللهُ مُلْكِهُ، وَصُودِرَتْ أَمْوَالُهُ، فَقَالَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، حِينَمَا زَارَتهُ بَنَاتُهُ لِيُسلِّمْنَ عَلَيهِ:                        

فِيمَا مَضَى كُنتَ بالأعيادِ مَسْرُورَا      وَكَانَ عِيدُكَ باللـذاتِ مَعْمُورَا       

 وَكنتَ تَحْسِبُ أنَّ العِيدَ مَسْعَــدةٌ      فَساءَكَ العِيدُ فِي أَغْمَاتَ مَأسوُرا         

تَرَى بَنَاتِكَ في الأطْمَارِ جَائِعَــــــةً        فِي لِبْسِهنَّ رَأَيتَ الفَقْرَ مَسْطُورَا        

مَعَاشُهُنّ بُعَيدَ العِزِّ مُمْتَهـــــــــنٌ             يَغْزِلْنَ للِنَّاسِ لا يَمْلِكْنَ قِطْمِيرا          

بَرَزْنَ نَحْوكَ لِلتَّسْليِمِ خَاشِعَــــــةً             عُيُونُهنَّ فَعَــادَ القَلْبُ مَـوْتُـوَرا      

 قَد أُغْمِضَت بَعدَ أَنْ كَانَت مُفَتَّرةً        أَبْصَارُهُن حَسِيرَاتٍ مَكَاسِـيرَا           

يَطَأْنَ فِي الطِّينِ وَالأقْدَامُ حَافِيةً        تَشْكُو فِرَاقَ حِذاءٍ كَانَ مَوْفُورَا     

قَدْ لُوِّثتْ بيدِ الأَقْذاءِ واتَّسَخَتْ           كأَنّها لَمْ تَطـأْ مِسْكَاً وَكَافُـــورَا   

لا خَدَّ إلا وَيَشْكُو الجَّدْب ظَاهِرُه        وَقَبلُ كَانَ بَمَاءِ الوَرْدِ مَغْمُــورَا   

 لَكِّنهُ بِسيُولِ الحُزْنِ مُخْتَرَقٌ             وَلَيسَ إِلا مَعَ الأنْفَاسِ مَمْطُورَا   

أَفْطَرتَ فِي العيدِ لا عَادَتْ إِسَاءَتُهُ     وَلَسْتَ يَا عِيدُ مِنِّي الْيومَ مَعْذُورَا   

وَكُنتَ تَحْسَبُ أَنَّ الفِطْرَ مُبتَهَجٌ        فَعَادَ فِطْرُكَ لِلأكْبَـــادِ تَفْطِــيرَا        

 قَدْ كَانَ دَهْرُكَ إنْ تَأْمُرهُ مُمْتَثِلاً         لِما أَمَــرْتَ وَكَانَ الفِعْلُ مَبْرورَا       

وَكمْ حَكَمْتَ عَلَى الأقوامِ فِي صَلَفٍ      فَرَدَّكَ الدَّهْرُ مَنْهيـــاً وَمَأمُورا          

مَنْ بَاتَ بَعْدكَ فِي مُلكٍ يُسَرّ بهِ        أَو بَاتَ يَهْنَأُ باللذاتِ مَسْرُورَا      

 وَلَمْ تَعِظْهُ عَوَادِ الدَّهرِ إذْ وَقعَتْ       فَإِنَما بَاتَ فِي الأَحْلامِ مَغْرُورَا

وَمِنَ الْأَدْعِيَةِ النَّافِعَةِ فِي دفع مُفَاجَأَةِ الْبَلَاءِ فِي النَّفْسِ وَالْوَلَدِ ما جاء في سنن أبي داود بسند صححه الألباني عن عُثْمَان  ابْنَ عَفَّان يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ و قَالَ فَأَصَابَ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ الْفَالِجُ  ـ شلل يصيب أحد شقى الجسم طولا ـ  فَجَعَلَ الرَّجُلُ الَّذِي سَمِعَ مِنْهُ الْحَدِيثَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ مَا لَكَ تَنْظُرُ إِلَيَّ فَوَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ عَلَى عُثْمَانَ وَلَا كَذَبَ عُثْمَانُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّ الْيَوْمَ الَّذِي أَصَابَنِي فِيهِ مَا أَصَابَنِي غَضِبْتُ فَنَسِيتُ أَنْ أَقُولَهَا "

                                                                                                         « وَجَمِيعِ سَخَطِكَ »

ﻣﻦ ﺃﻋﻈﻢ ﺍﻟﺪﻋﻮﺍﺕ، ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻌﻴﺬ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺳﺨﻄﻪ - ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ - ﻭﺃﻋﻈﻢ ﺳﺨﻄﻪ ﺃﻥ ﻳﺄﺗﻲ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻣﺎ ﺣﺮﻡ ﺍﻟﻠﻪ؛ ألاَ إن مَن آثر الله واتَّقاه، وقدَّم مرضاته على هواه، جمع اللهُ حوله القلوب، ودفع عنه عواديَ الخطوب، وجعل له من عدوه نصيرًا، ومن مناوئه ظهيرًا، ألاَ وإنَّ مَن باع دينه بدنياه، وخشي الناس ولم يخشَ الله، هَتَكَ الله سِتره، ونكَس عليه أمْرَه، وصرَف عنه قلوب العباد، ولم يُبلِّغه حظًّا مما أراد. وسبحان مقلب القلوب والأبصار، يُصرّفها كيف يشاء ،أخرج الترمذي في الزهد عن رجل من أهل المدينة قال: كتب معاوية رضي الله عنه إلى عائشة رضي الله عنها أن اكتبي لي كتابا توصيني فيه ولا تكثري علي، فبعثت عائشة رضي الله عنها إلى معاوية: سلام الله عليك أما بعد فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَنِ الْتَمَسَ رِضَا الله بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ الله مَؤُونَةَ النَّاسِ ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ الله وَكَلَهُ الله إِلَى النَّاسِ " مما قاله ابن القيم عن التماس رضا الله دون سواه " وإذا تعرفوا إلى ملوكهم وكبرائهم وتقربوا إليهم لينالوا بهم العزة والرفعة فتعرف أنت إلى الله " قال ابن رجب عن ملتمسي رضا المخلوقين : " كيف يقدم طاعة من هو تراب على طاعة رب الأرباب ؟ أم كيف يرضي التراب بسخط الملك الوهاب إن هذا لشيء عجاب " . روي مسلم تقول عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: "فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَيْلَةً مِنْ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِك،َ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ"

                                                                 فَلَيْتَكَ تَحْلُو وَالحَيَاةُ مَرِيرَةٌ   *****  وَلَيْتَكَ تَرْضَى وَالْأَنَامُ غِضَابُ
                                                                 وَلَيْتَ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ عَامِرٌ ***       وَبَيْنِي وَبَيْنَ العَالَمِينَ خَرَابُ
                                                                 إِذَا صَحَّ مِنْكَ الوُدُّ فَالْكُلُّ هَيِّنٌ ***      وَكُلُّ الَّذِي فَوْقَ التُّرَابِ تُرَابُ

وعند عودته صلى الله عليه وسلم  من ثقيف في رحلته المعروفة، وقد أصابه ما أصابه فكان مما دعا به: [أعوذُ بنورِ وجهِكَ الَّذي أشرَقت لهُ الظُّلماتُ، وصلُحَ علَيهِ أمرُ الدُّنيا والآخرةِ، أن يحلَّ عليَّ غضبُكَ، أو أن ينزلَ بي سخطُكَ] سواء كان سخطا في مالي فأفتقر، أو في ديني فأضل، أو في عرضي فأنفضح فأنا ألتجئ إليك وأعتصم بك وأتوسل إليك أن تعيذني من جميع الأسباب الموجبة لسخطك، والجالبة لغضبك جل شأنك، لأن من سخطت عليه فقد خاب وخسر ولو كان في أدنى شيء أو بأيسر سبب، فأنت القائل سبحانك: {ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى}

قال ﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ : ﻋﺠﺒﺎً ﻟﻚ يا من تعصي ربك كل يوم  , ﻣﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺭﺍﻓﻖ ﺍﻟﺨﻀﺮ ﻓﺨﺎﻟﻔﻪ ﻣﻮﺳﻰ ﺛﻼﺙ ﻣﺮﺍﺕ , ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺍﻟﺨﻀﺮ )) ﻫَﺬَﺍ ﻓِﺮَﺍﻕُ ﺑَﻴْﻨِﻲ ﻭَﺑَﻴْﻨِﻚَ ((ﺃواما ﺗﺄﻣﻦ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻌﺒﺪ , ﻭﺍﻧﺖ ﺗﺨﺎﻟﻒ ﺍﻟﻠﻪ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﻣﺮﺍﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻚ" ﻫَﺬَﺍ ﻓِﺮَﺍﻕُ ﺑَﻴْﻨِﻲ ﻭَﺑَﻴْﻨِﻚَ "

فاللهم إنا نعوذ بك من فجاءة نقمتك، وجميع سخطك، اللهم احم بلادنا وسائر بلاد الإسلام من الفتن، والمحن ما ظهر منها وما بطن . هذا وصلى الله وسلم على البشير النذير والسراج المنير .

 

المشاهدات 2085 | التعليقات 0