التنبيهاتْ - في آفاتِ الشائعاتْ

خالد علي أبا الخيل
1440/02/21 - 2018/10/30 11:54AM

التنبيهاتْ - في آفاتِ الشائعاتْ

التاريخ: الجمعة:17 –صفر-1440 هـ

الحمد لله، الحمد لله ملء الأرض والسماوات، وأشهد أن لا إله إلا الله وهو أفضل الحسنات، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله حذَّر من الشائعات، ونبَّه على خطر اللسان والكلمات صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل البر والخيرات المحافظين لألسنتهم وضبط الكلمات.

إخوة الكتاب والسُّنَّة اتقوا الله فهي حصنٌ وجُنة ودرعٌ ومجنة، وفوزٌ بالجنة.

أيها المسلمون: مرضٌ خطير وداءٌ كبير يأكل الحسنات ويُضيِّع الأوقات، ويُفرِّق الأفراد والمجتمعات إنه داء الشائعات، وإلقاء الكلمات دون تروٍ وتأنٍ وتأملات، وهو مرضٌ فتاك معروفٌ منذ قِدم الزمن، ويُروجه المغرضون، ويتفوه به المنافقون، لكنه في هذه الأزمان والأوقات زمن التقنيات والشبكات، والمواقع والمنتديات، والواتس والتغريدات، وسهولة المواصلات والتواصلات وسرعة المعلومات، وحُب الاستطلاع على المستجدات أخذت حيزًا كبيرًا وأشغلت الناس كبارًا وصغارًا، بل حيَّرت العقول شبابًا وكهولًا.

تسمع الخبر في الصباح ويأتي نفيه عند الرواح، تسمعه إذا جن الليل، وتسمع خلافه إذا فرق الفجر دون حيفٍ أو ميل، فانتشرت الأخبار واستفاضت في الليل والنهار، ويا ليت الأمر ينتهي عند السماع! بل يترتب على الخبر الفُرقة والنزاع، والاختلاف والانزعاج، والأذى وفساد المزاج.

إن الشائعات لها مفاسدها العظيمة، وآثارها السيئة، ومثالبها المشينة.

من آثارها: نشر الأكاذيب الملفقة، والاتهامات المُنمَّقة، والظنون المزوَّقة، والغيبة والنميمة، والفُرقة والبُهت والرذيلة.

إن الشائعات –أيها الإخوة والأخوات- تُفسد الوديات، وتُزعزع المجتمعات، وتزرع الخوف والقلق والهم، والمرض والحرى.

من أخطر الحروب المعنوية، وأعظم الدسائس العدائية، وأكبر الأوبئة النفسية والأسلحة التدميرية، تُخلخل العقول، وتُفسد الآراء والمقول، تبعث على التشتت والتنافر، وتوسِّع فجوة التفرق والتناحر، وتُورِث البغضاء والشحناء والتدابر.

إن نقل الأخبار بشتى الوسائل بالكلام أو بالنقل أو الواتس أو تويتر أو الفيسبوك أو النت، أو القص واللصق أو النسخ أو الرسائل الجوالة، أو الكلمات العابرة أو قنص الكلمات دون تمام العبارات، أو العجلة والسرعة أو حب نقل الحوادث المروِّعة، والمقاطع الموجعة، والحروب الطاحنة، والدماء السائلة.

إن نقل ذلك دون تروٍ وتريث، وتؤدةٍ وتثبُّت له تبعاته على الناقل، والكاتب، والبادئ الأول، فلا يسلم من سيئةٍ، بل من سيئات، فقصاره أن يُحدِّث بما يعلم، ويُرسل ما صح ويُفهَم، وقد أحسن من انتهى إلى ما سمِع، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، ولا يسألك ربك لماذا لم تنشر وترسل، وتُخبر وتعمل بقدر ما أنت مسئولٌ عن التثبت والتأني، والنقل الصحيح، والخبر الصريح.

الأصل في الأخبار –أيها الأخيار- أنها أخبارٌ مشكوكة، ومقاطع مبثوثة، وظنونٌ موهومة، وقُصارها كأخبار بني إسرائيل لا تُصدَّق ولا تُكذَّب، فهل يليق بك أن تُرسل وتُخبر بما هو أدهى وأحقر ولم تعلم ما صحة المصدر؟

إن التسرع بنقل الأخبار في هذه الأزمان صار أسرع من الهشيم في النار؛ ولهذا جاء المنهج الرباني، والمصدر الوقائي والحصن والدرع النوراني (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (الحجرات:6).

أصلٌ عظيم، وتقعيدٌ حكيم، وميزانٌ دقيق، وتحرٍّ وتحقيق؛ لأن الأمر خطير، ونسبة القول لمن ليس له وزرٌ كبير، فأمرنا بالتبين والتثبت، والتحري والتريث؛ لئلا نُقدِم إلا على بصيرة، وعلمٍ وروية، وما شهدنا إلا بما علمنا.

ولهذا قد يتساهل المرء بقبول الشائعات، ومواقع المنتديات، ووسائل التقنيات، فيحصل اقتباسٌ أو ريتويتٌ أو قصٌّ أو لصقٌ أو نسخٌ والكلام عارٍ عن الصحة ولا أصل له في النسبة، فتقع الكارثة والمهلكة (أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات:6).

ومن أخبار النبوة في التنفير من كل حديثٍ يُسمَع ويُتَفوَّه به (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ ما سمع) أخرجه مسلمٌ في المقدمة.

يقول المناوي $: أي إذا لم يتثبَّت؛ لأنه لم يسمع عادةً الصدق والكذب، فإذا حدَّث بكل ما سمع لا محالة يكذب، والكذب الإخبار عن الشيء على غير ما هو عليه وإن لم يتعمد، لكن التعمد شرط الإثم. انتهى.

ويقول النووي $ اعلم أنه ينبغي لكل مسلم أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلامًا ظهرت فيه المصلحة ومتى استوى الكلام، وتركه في المصلحة فالسُّنَّة الإمساك عنه؛ لأنه قد ينجر الكلام المُباح إلى حرامٍ أو مكروهٍ؛ وذلك كثيرٌ في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء انتهى.

ولهذا كان قبول الأخبار بدون رجوعٍ وتثبتٍ وادكار مذمومٌ ومطية الفُجَّار (بِئْسَ مَطِيّةُ الرجلِ زَعَمُوا) رواه أبو داود، ومصدره زعموا، قالوا: أرسلوا، نشروا، ذكروا، وبعض الناس يبني على الشائعات والأقوال المسموعات الشحناء والبغضاء، والحسرات والتفرق، والاختلاف وسوء الظن، بل يزيدوا الطين بِلة، فيبني عليه الضرر المتعدي، فيغتاب ويشتم، ويكذب وينم، فيقع في عرض عالمٍ أو عابد أو مسلمٍ ومسلمةٍ مسالمٌ مساند.

 وبعض الناس يخطف الشائعات كلمح البرق، فيُرسل ويُعيد، بل ربما لم يقرأها، ولم ينظر محتواها يكفيه العنوان، ومجرد الأسماء وتزويق البيان، وربما صارت على خلاف مُبتغاه، وما يُنظمه ويهواه، فيرمي بها بريئًا غافلًا (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) (النساء:112).

وبعض الناس يُرسل كالريح المرسلة؛ لأجل أن يكون أول المُخبرين، وفي الطليعة للمعلومات من السابقين، وهذا على حساب ظُلم الآخرين، والوقوع في أعراض المؤمنين، فيبوؤوا بالإثم ولمن أرسل؛ لأنه سوف يُرسل، فتتراكم عليه الظلمات والحسرات كما خبرٍ سمعناه وكأنه في البخاري، أو آيةٍ مُحكمةٍ ظننا فأرسلنا فأصبح الخبر لا صحة لفحواه، وكم وكم وكم فسرعان ما جاء نقضها، وعدم صحتها أو أن الحساب مخترق، أو أنه لا يُوجد حسابٌ أصلًا، أو الرسالة عن طريق الغلط أو السؤال في غير محله أو أرسلها عبث الأبناء، فهل هذا عذرٌ أمام رب الأرض والسماء أو نفى نسبته وصحته، بل إنك تجد خبرًا كأنه بالصحيحين صوتًا وصورة، وبعد البحث أو النفي لا صوتٌ ولا صورة (مَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ، أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ) عصارة أهل النار كما في سُنن أبي داود عن النبي المختار.

إننا في زمنٍ تتطاير الأخبار وتسير الشائعات والأفكار كما تطير ورق الأشجار في الفيافي والقفار.

الإشاعة في هذا الزمان لها انتشارٌ لم يُعهد في سالف الأزمان كالهشيم في النيران، وصدق سيد ولد عدنان (إن الرَّجُلِ لَيَكذِبُ الْكَذْبَةِ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ) وفي هذا الوقت ضغطة زرٍّ ولمس حاسوبٍ تطير الكلمات والرسائل كلمحة بصر.

فصُن لسانك وتثبَّت من رسائلك، ولا تُرسل حتى تقرا ما أُرسِل إليك، وبعد القراءة تفحصها هل هي مناسبةٌ للنشر؟ وهل لها صحةٌ في الأثر؟ هل الحديث المرسل صحيحٌ في الخبر؟ فلا تكن سُلمًا يصعد عليك المروجون، ويصلوا إلى مرادهم المنافقون، ولا الكذبة المغرضون، حتى ولو كان حديثًا فسأل عن صحته حثيثًا، ولا تكون رسولًا للشيطان تُرسل المقاطع الموهومة، والرسائل المحتملة المجهولة؛ لأجل الصرعة والطرفة.

قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على منِّه وفضله وكرمه وامتنانه.

أيها المسلمون: الشائعات سببٌ لكل كارثة، ولكل آفةٍ حادثة، المؤمن الفطن لا تنطلي عليه الشائعات، ولا يبني عليها الظنون والتخرصات، ولا يكون رسولًا ناصرًا للشائعات والتوهمات، المنافقون والمغرضون ينتهزون الفرص لبث السموم والدنس، وإذا كان الوعيد الشديد جاء فيمن أحب إشاعة الفاحشة، فكيف بمن تولى إشاعتها ونشرها بنفسه (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) (النور:19).

من آثارها السلبية: الفُرقة والاختلاف، وتأليب العوام، وإثارة الفوضى بين الأنام، والتحريض على الإفساد والإجرام عبر التواصلات الاجتماعية والرسائل النصية، والمنتديات واسنابات والتغريدات.

وإذا وردت عليك شبهةٌ مضللة أو شهوةٍ فاتنة أو شائعةٌ مغرضة فادفعها بسلاح التثبت والتأني، والعلم والتروي.

ومن أسباب النجاة من الشائعات: عدم الخوض فيها، والتعقل فيها، وترك الأمر لأهله المختصين به من أولي الأمر من الأمراء والعلماء الراسخين، وأصحاب الشأن المختصين لاسيما فيما يتعلق بأمن الناس وخوفهم.

ولهذا جاء الأمر بالتثبت ورده على أهله، فقال سبحانه: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (النساء:83).

إذا تبين مما سبق تقعيدًا وتأصيلًا تأسيسًا وتأكيدًا، فمن هذه الإشاعات التي تستهدف هذا الوطن في أمنه ودينه، وقيادته ومواطنيه، ومقدراته ومقدساته، تستهدف المملكة العربية السعودية، ومن ذلك تلك الحملات في التواصلات الشرسة المغرضة؛ لإرادة الفُرقة والزعزعة، وبلادنا مستهدفةٌ من قِبل أعداءً مغرضين مفسدين، وأشرارًا منافقين.

فيجب عدم تلقُّف الشائعات نحوها في دينها وأمنِها وقادتها، ولنحرص على توحيد الصف، وجمع الشمل، وعلى اللُحمة الوطنية والالتفات حول علمائنا الراسخين، وولاة أمورنا المسلمين، وعدم استقبال أي شائعة دون تروٍ وتثبتٍ وعلومٍ نافعة، فنحن في أمنٍ وأمان للوطن والمواطن باطمئنان، فالمسلم لا ينبغي أن يكون أُذنًا لكل ناعق، ومصغيًّا ومرسلًا ومغردًا لكل جاهلٍ ماحق.

بلادنا تتعرض في هذه الأيام إلى هجمةٍ شرسة إعلاميةٍ منظمة؛ لتفكيكها، وزرع الفُرقة بين علمائها وأمرائها؛ ولنزع الثقة في بلادها، وإثارة الفتنة فيها، فهي مؤامرةٌ محبوكة ومكيدةٌ مدبرة.

الواجب علينا في هذه الظروف توحيد الصف والحذر من الإعلام المغرض، ولنكُن واعين مدركين لما يُراد بنا ولبلادنا، ولنكُن معتصمين بكتاب رب العالمين وسُنَّة سيد المرسلين، فالاعتصام بهما نجاة، والتمسك بهما حياة، فبلادنا ومملكتنا لها قيمتها ومنبعها، فهي قبلة المسلمين، ومأوى أفئدة المؤمنين من الحجاج والمعتمرين، وخرَّجت الحُفاظ والعلماء والدعاة المصلحين، فماذا يُريد المرجفون من بلاد الحرمين الشريفين؟ إلا الأراجيف والتخويف، والزعزعة والفُرقة بين الأمة.

نحن في أمنٍ وأمان، ورغدٍ ورخاءٍ واطمئنان، يسير الراكب من أقصى البلاد إلى أقصاها يقف وينام ويجلس حيث شاء في عيشٍ وهناء.

لذا يجب صد العدوان عنَّا، والوقوف مع ولاتنا، وعدم استقبال أي شائعةٍ عن بلادنا، هذا هو الواجب على كل مواطن الدفاع عن دينه وبلده ووطنه.

حفظ الله بلادنا من كل سوءٍ ومكروه.

المشاهدات 722 | التعليقات 0