وفاز المخلصون الصادقون

أ.د عبدالله الطيار
1440/02/13 - 2018/10/22 09:51AM

الخطبة الأولى:

إنّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ، ونعوذ باللهِ منْ شرورِ أنفسنَا ومنْ سيئاتِ أعمالنا منْ يهدهِ اللهُ فلَا مُضلّ لهُ ومنْ يُضلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ بعثهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وأصحابهِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ: فاتّقوا اللهَ أيها المؤمنونَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون}[آل عمران:102].

أيها المؤمنون: ما كان الإخلاص في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه.

كم نتناسى في زحمة الحياة وكثرة الشواغل وزحف الشهوات أنفس شيء وأغلاه؟ كم نتساهل بالإخلاص وهو مدار قبول الأعمال صغيرها وكبيرها؟ كم تدفعنا حظوظ النفس وغلبة الأهواء إلى كثير من أعمالنا لكنها تكون فارغة من الإخلاص.

إن صلاح النية وإخلاص العمل هو السر الحقيقي بين العبد وربه، وهو المحك الحقيقي لعظم ثواب الأعمال وسرَّ قبولها.

عباد الله: أرأيتم كيف كان سقيُ كلبٍ يأكلُ الثرى من العطش سبباً لمغفرة ذنوب من سقاه فأدخله الله الجنة، وكيف كان إزاحة غصن يؤذي الناس في الطريق سبباً لمغفرة ذنوب من أزال أذاه عن الناس.

إنه الإخلاصُ يجعلُ العمل القليل كثيراً، والصغير مباركاً نافعاً.

عباد الله: بل إن الإسلام ذهب إلى أبعد من ذلك؛ فالشهوةُ التي يضعها المرء برغبته تنقلب مع حسن النية إلى عبادة يتقرب بها العبدُ لربه سبحانه وتعالى، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم (أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر)(رواه مسلم) أي يكون له أجرٌ بذلك.

وربنا جل وعلا لا يرضى أن يشرك معه غيره في العبودية والطاعة، وصدق الله العظيم { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[الكهف:110].

وقال صلى الله عليه وسلم:(أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ ، مَنْ عَمِلَ عَمَلا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ) (رواه مسلم).

وروى الترمذي وغيره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخرج فى آخر الزمان رجالٌ يختلون الدنيا بالدين يلبسون للناس جلود الضأن من اللين، ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم قلوب الذئاب، يقول الله عز وجل: أبى يغترون؟ أم علىّ يجترءون؟ فبى حلفتُ لأبعثن على أولئك منهم فتنة تدع الحليم منهم حيران)(رواه الترمذي، وضعفه الألباني).

عباد الله: والفرقُ كبيرٌ بين هؤلاء وبين أولئك الأخفياء الأتقياء الذين يعملون الصالحات ويحسنون إلى العباد، ويتوارون عن الناس.

يحرصون على إخفاء أعمالهم تحقيقاً للإخلاص وطلباً للسلامة وخوفاً من الرياء، هؤلاء أصحاب نفوس كبيرة، هممهم عالية، يتطلعون إلى ثمرة أعمالهم في موقف هم أحوج الناس إلى الحسنة الواحدة، ويخافون على أنفسهم من مزالق الفتن، وأسْر الشهوات وما يحبط الأعمال.

قال بعض التابعين: "ليس شيء أشقَّ على النفس من الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب".

وقال آخر: "أعزُّ شيء في الدنيا الإخلاص".

عباد الله: إننا مطالبون بالإخلاص في سائر أحوالنا؛ الأب في بيته، والأم مع من تحت يدها، والمربي في مدرسته، وإمام المسجد في مسجده، والموظف في مكان عمله، والعامل فيما أسند إليه، والداعية إلى الله في دعوته، والآمر بالمعروف في كلماته ونصائحه.

الكل مطالب بالإخلاص ليثمر العمل ويقوى البناء وتُسدُّ الثغرات.

عباد الله: ومما يعين على الإخلاص النظرُ في كتاب الله، واستصغار العمل مهما كان، وألا يلتفت لكلام الناس مهما كان أثره، وأن يتذكر المرء الموقف بين يدي الله جل وعلا.

ولابد من تحقق شرطين لقبول العمل:

الأول: أن يكون العمل خالصاً لله جل وعلا، لا يراد به إلى وجه الله تعالى، وقد جاء في الحديث (رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ حَظٌّ مِنْ صَوْمِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ حَظٌّ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ وَالنَّصَبُ)(رواه ابن ماجة).

الثاني: أن يكون العمل على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء في الحديث (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)(رواه مسلم).

وصدق الله العظيم:{وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة}[البيِّنة:5]. أ

 

باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكمْ بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذكرِ الحكيمِ أقولُ ما سمعتمْ فاستغفروا اللهَ يغفر لي ولكم إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلين، نبيِّنا محمد صلى الله عليه وآلهِ وصحبهِ أجمعين، أما بعدُ:

فاتقوا اللهَ عبادَ اللهَ: واعلموا أن بلادنا المملكة العربية السعودية تقف شامخة في وجه كل عدوٍ حاقدٍ متربصٍ، وأن التآمر عليها بلغ مداه في هذه الأوقات، ورهانُ الشرِّ على بلادنا كان ولا يزال وسيظل متوجهاً إلى محاولة زعزعة الصفوف والنيل من دينها ووحدتها، وهذا ما حذر منه ربنا سبحانه وتعالى في قوله:{.. وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِين}[الأنفال:46].

إن البلاد أيها المؤمنون لا تصاب من الخارج، ولا تحيط بها الشدائد ولا تلحقها النكبات وتحيط بها الفتن إلا بعد أن تصابَ من الداخل، فالحصن الحصين للبلاد والعباد في الأزمات وغيرها يكمن في الإيمان بالله وحده، وصدق التوكل عليه وحسن الاعتماد عليه، وتفويض الأمور إليه، والاستمساك بشرعه، ثم في تآزر المجتمع وتماسكه والتفافه حول قادته وعلمائه.

وقد رأينا أيها المؤمنون في أزمات سابقة وحوادث كثيرةٍ مرَّت بها بلادنا أنها تخفُّ آثارها وتقلُّ أخطارها مع التمسك واجتماع الكلمة، وذلك حينما ينبري العقلاء لتهدئتها وبيان الحقِّ.

فأين هذه المعاني من أولئك الذين يستمعون الشائعات ويتابعون التحليلات التي تسيء إلى بلادنا وقادتنا وعلمائنا؟

عباد الله: نحن على يقين أن الله حافظٌ دينه، وناصرٌ أولياؤه، وأنه سبحانه سيحفظ بلادنا مأرز الإيمان ومنطلق الرسالة مهما تآمر المتآمرون، وتكتل الحاقدون، وما هذه الحوادثُ والأزمات التي يفتعلونها ويختلقونها ويتهمون بها هذه البلاد إلا جزءًا من سلسلة المكر والحقد وإيقاع الضرر ببلادنا، ومن على ثراها، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُون} [الشعراء:227].

هذا وصلّوا وسلّموا على الحبيبِ المصطفى فقدْ أمركم اللهُ بذلكَ فقالَ جلّ مِنْ قائلٍ عليمًا: {إِنَّ اللَّه وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:٥٦).

الجمعة: 10/2/1440هـ

المشاهدات 979 | التعليقات 0