السكرات عبر وعظات

الشيخ السيد مراد سلامة
1440/02/07 - 2018/10/16 23:26PM
السكرات عبر وعظات ([1])
للشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي جعل القرآن هداية ًللمقبلين، وجعل تلاوته بخضوع تهل دمع الخاشعين، وأنزل فيه من الوعيد ما يهز به أركان الظالمين، وأخبر فيه أن الموت نهايةٌ لعالمين، وأننا بعد الموت للحساب مبعوثين وأننا سنحاسب عما كنا فاعلين، وسنقف بذل وخضوع بين يدي رب العالمين، [ َوَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ] [الفجر: 23] [وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ ] [إبراهيم: 49] ليس هناك فرق بين ملك معظم وإنسان مهين، هذا جزاء من أخلص العمل لله رب العالمين، وهذا عطاء رب الأرباب مالك يوم الدين.

سبحانه من إله عظيم أعز الحق وأخرس المبطلين سبحانه عدد

ما دعاه عباده المساكين سبحانه عدد ما انهمرت دموع المنيبين سبحانه جواد كريم قوي متين

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده شريك له وأن محمدًا رسول الله ما جرا أثواب الحرير وما مشى التاج من فوق الجبين مرصعًا القميص مرقعًا

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) [آل عمران/102}

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) [النساء/1][      

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)  [الأحزاب/69-71][

أما بعد

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم-  وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثاتها بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

 أمة الإسلام: نقف اليوم مع الهول المهول والخطب الجسيم مع السكرات عبر وعظات فما هي السكرات؟

وما أدلتها؟ وكيف كان أحوال الأنبياء والأولياء مع السكرات؟

 أعيروني القلوب والأسماع

العنصر الأول تعريف السكرات: هي كربات الموت وغمراته

أخي السلم: إنّ حتمية الموت، سنّة إلهية وقانون ربّاني، لأنّه من جهة يرتبط بإظهار قدرة الله تعالى في إفناء مخلوقاته، ثم في إعادة بعثها من جديد، ومن جهة أخرى يرتبط بمبدأ الحكمة والعدل الإلهيين في إبداع عالم آخر تتم فيه المحاسبة والجزاء والثواب. لذلك كان الموت حتمياً. وانتقال الروح من عالم إلى عالم آخر أمر حتمي أيضاً، وفي ذلك يقول الله تعالى:﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾. ويقرِّر الإمام علي –رضي الله عنه- هذا المبدأ والقانون الإلهي النافذ، بكلمات واضحة وبسيطة حينما يقول "لكلّ حيٍّ موت".([2])

الموت له سكرات يلاقيها كل إنسان حين الاحتضار ولو لم يكن بين يدي العبد من هول ولا عذاب سوى السكرات لكن جديرا أن يتنغص عليه عيشه ويتكدر عليه سروره ويفارقه سهوه ولا ينام جفنه

الأدلة على سكرات الموت ولقد دل القران الكريم وسنة نبينا الأمين-صلى الله عليه وسلم على شدة النزع والسكرات فقال رب الأرض و السماوات –جل جلاله-{وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام: 93]

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولو ترى، يا محمد، حين يغمر الموت بسكراته هؤلاء الظالمين العادلين بربهم الآلهة والأنداد، والقائلين: "ما أنزل الله على بشر من شيء"، والمفترين على الله كذبًا، الزاعمين أنّ الله أوحى إليه ولم يوحَ إليه شيء، والقائلين: "سأنزل مثل ما أنزل الله" فتعاينهم وقد غشيتهم سكرات الموت، ونزل بهم أمر الله، وحان فناء آجالهم، والملائكة باسطو أيديهم يضربون وجوههم وأدبارهم، كما قال جل ثناؤه: { فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ } [سورة محمد : 27 ، 28] . يقولون لهم: أخرجوا أنفسكم.

و"الغمرات" جمع "غمرة"، و"غمرة كل شيء"، كثرته ومعظمه، وأصله الشيء الذي يغمر الأشياء فيغطيها، ومنه قول الشاعر: ([3])

وَهَلْ يُنْجِي مِنَ الْغَمَرَاتِ إلا... بُرَاكَاءُ القِتَالِ أوِ الفِرَارُ ([4])

{فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 27، 28]

يقول سيد قطب رحمه الله-«فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ» ! وهو مشهد مفزع مهين. وهم يحتضرون. ولا حول لهم ولا قوة. وهم في نهاية حياتهم على هذه الأرض.

وفي مستهل حياتهم الأخرى. هذه الحياة التي تفتتح بضرب الوجوه والأدبار. في لحظة الوفاة، لحظة الضيق والكرب والمخافة. الأدبار التي ارتدوا عليها من بعد ما تبين لهم الهدى! فيالها من مأساة! «ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ، وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ، فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ»  ..

فهم الذين أرادوا لأنفسهم هذا المصير واختاروه. هم الذين عمدوا إلى ما أسخط الله من نفاق ومعصية وتآمر مع أعداء الله وأعداء دينه ورسوله فاتبعوه. وهم الذين كرهوا رضوان الله فلم يعملوا له، بل عملوا ما يسخط الله ويغضبه.... «فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ» .. التي كانوا يعجبون بها ويتعاجبون ويحسبونها مهارة وبراعة وهم يتآمرون على المؤمنين ويكيدون. فإذا بهذه الأعمال تتضخم وتنتفخ. ثم تهلك وتضيع ([5])

{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: 19]

يقول سيد قطب رحمه الله وهو يصور لنا ذلك المشهد الخيف: والموت أشد ما يحاول المخلوق البشري أن يروغ منه، أو يبعد شبحه عن خاطره. ولكن أنى له ذلك:

والموت طالب لا يمل الطلب، ولا يبطئ الخطى، ولا يخلف الميعاد وذكر سكرة الموت كفيل برجفة تدب في الأوصال! وبينما المشهد معروض يسمع الإنسان: «ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ».

 وإنه ليرجف لصداها وهو بعد في عالم الحياة! فكيف به حين تقال له وهو يعاني السكرات! وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-لما تغشاه الموت جعل يمسح العرق عن وجهه ويقول: «سبحان الله. إن للموت لسكرات»  ..

يقولها وهو قد اختار الرفيق الأعلى واشتاق إلى لقاء الله. فكيف بمن عداه؟

ويلفت النظر في التعبير ذكر كلمة الحق: «وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ»  .. وهي توحي بأن النفس البشرية ترى الحق كاملا وهي في سكرات الموت. تراه بلا حجاب، وتدرك منه ما كانت تجهل وما كانت تجحد، ولكن بعد فوات الأوان، حين لا تنفع رؤية، ولا يجدي إدراك، ولا تقبل توبة، ولا يحسب إيمان.

وذلك الحق هو الذي كذبوا به فانتهوا إلى الأمر المريج!  .... وحين يدركونه ويصدقون به لا يجدي شيئا ولا يفيد! ومن سكرة الموت، إلى وهلة الحشر، وهول الحساب ([6])

وصف السلف الصالح لسكرات الموت:

إخوة الإسلام: إن للموت وسكراته غصص لا يعلمها إلا من ذاقها فتأملوا عباد الله في ذلك الوصف الرهيب فعن عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه -:"أنه قال لكعب الأحبار: حدِّثنا عن الموت، فقال كعب: نعم يا أمير المؤمنين، هو كغصن كثير الشوك أُدخِل في جوف رجل، فأخذتْ كلُّ شوكة بعِرْق، ثم جذَبه رجلٌ شديدُ الجذب، فأخذ ما أخذ، وأبقى ما أبقى".

وها هو عمر – رضي الله عنه المبشر بالجنة يتمنى لو انه يملك طلاع الأرض ذهبا ليفتدي به من هول المطلع فعن عمر -رضي الله عنه -يقول: "لو أن لي طِلاع الأرض ذهبًا، لافتديت بها من هول المَطلَع".

 عبد الله: هل رأيت المناشير وهي تنشر الخشب هل رأيت المقاريض وهي تقرض؟

لعلك رأيت ذلك فسكرات الموت اشد منها قال شداد بن أوس: "الموت أفظع هول في الدنيا والآخرة على المؤمن، وهو أشد من نشرٍ بالمناشير وقرْض بالمقاريض، وغَلْي في القدور، ولو أن الميت نُشِرَ (بُعِث من قبره)، فأخبر أهل الدنيا بألم الموت، ما انتفعوا بعيش ولا تلذَّذوا بنوم".

 وقد يرى المسلم شدة السكرات والغمرات على الميت ولكن من يتعظ ومن يعتبر؟

انظروا إلى حال الحسن البصري –رحمه الله لما دخل على مريض يَعوده "فوجده في سكرات الموت، فنظر إلى كَرْبه، وشدَّةِ ما نزَل به، فرجع إلى أهله بغير اللون الذي خرج به من عندهم، فقالوا له: الطعام يرحمك الله! فقال: يا أهلاه، عليكم بطعامكم وشرابكم، فوالله لقد رأيتُ مصرعًا لا أزال أعمل له حتى ألقاه".

أخي المسلم ولا ينبئك ثم خبير لما حضرت عمرو بن العاص -رضي الله عنه -الوفاة قال له ابنه عبد الله:

"يا أبتاه، إنك قد كنتَ تقول لنا: ليتني كنتُ ألقى رجلاً عاقلاً عند نزول الموت، حتى يَصِف لي ما يَجِد، وأنت ذلك الرجل، فصِفْ لي الموتَ، فقال: والله يا بني لكأن جَنْبِي في تَخْت([7])، وكأني أتنفَّس من سَمِّ إبرة، وكأن غصن الشوك يُجَرُّ به من قدمي إلى هامتي، ثم قال:

ليتني كنتُ قبل ما بدا لي

في قلال([8])الجبالِ أرعى الوعولا  والله ليتني كنتُ حيضًا([9])، أعركتني([10]) الإماء بدريب الإذخر([11])"؛

 العنصر الأنبياء والسكرات

أحباب رسول الله –صلى الله عليه وسلم-الأنبياء هم صفوة خلق الله من خلقة وهم أعلى مكانا وأسمى منزلة وعلى الرغم من ذلك لم يسلم الأنبياء من الموت وشدة السكرات وإليكم مشاهد الأنبياء وهم على فراش الموت

خليل الرحمن إبراهيم –عليه الصلاة و السلام – ذلك النبي الذي جعل الله تعالى  النار بردا و سلاما عليه ذلك النبي الذي وصفه الله تعالى بقوله {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 120 - 123]

وعلى الرغم من سمو المنزلة لم يسلم من الموت ولا من السكرات

يُروى عن إبراهيم -عليه الصلاة والسلام -لما مات قال الله -عز وجل -له:

((كيف وجدتَ الموتَ؟ قال إبراهيم -عليه الصلاة والسلام -: كسفود ([12]) جُعِل في صوف رَطب ثم جُذِب، فقال له رب العزة: أما إنَّا قد هوَّنا عليك)).([13])

 كليم الله موسى عليه السلام: من قال له ربه سبحانه وتعالى {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف: 144]

يعاني السكرات ويصف لنا شدتها

يُروى عن موسى -عليه السلام -: "أنه لما صارت رُوحه إلى الله -عز وجل -قال له ربه: ((يا موسى، كيف وجدتَ الموت؟ قال: وجدتُ نفسي كشاة حيَّة بيد القصَّاب ([14]) تُسلَخ)). ([15])

ورُوي عنه أيضًا أنه قال:

"وجدتُ نفسي كالعصفور الحي حين يُقْلَى في المِقلى، لا يموت فيستريح، ولا ينجو فيطير".([16])

حبيب الرحمن محمد صلى الله عليه وسلم-

وقد عانى الرسول -صلى الله عليه وسلم -كذلك من هذه السكرات؛ فقد أخرج البخاري من حديث عائشة -رضي الله عنها -قالت: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -كان بين يديه رَكوةٌ ([17]) -أو علبة فيها ماء، يشك عمر (أحد رواة الحديث) -فجعل يُدخِل يده في الماء فيمسح بها وجهه ويقول: ((لا إله إلا الله، إن للموت سكرات))، ثم نصب يده فجعل يقول: ((في الرفيق الأعلى))، حتى قُبِضَ ومالت يده"، قال أبو عبد الله: العلبة من الخشب، والرَّكوة من الأدم (الجِلْد).

وأخرج البخاري عن عائشة أيضًا -رضي الله عنها -قالت: "مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم -وإنه بين حاقِنَتي([18]) وذاقنتي([19])، فلا أكره شدة الموت لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم".

وفي "الصحيح" أيضًا: "أنه لما ثَقُل النبي -صلى الله عليه وسلم -جعل يتغشَّاه الكرب، فجعلت فاطمة -رضي الله عنها -تقول: واكرب أبتاه! فقال -صلى الله عليه وسلم -: ((لا كَرْب على أبيك بعد اليوم)).

وعند الإمام أحمد بسند صحيح عن أنس -رضي الله عنه -قال: "لما قالت فاطمة ذلك -يَعني لما وجَد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كَرْب الموت ما وجد، قالت فاطمة: واكرباه! قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا بُنيَّة، إنه قد حضر بأبيك ما ليس الله بتارك منه أحدًا لموافاة يوم القيامة))([20])

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.

أما بعد:

الحكمة من تشديد السكرات على خير المخلوقات

ما الحكمة من تشديد الموت على النبيِّين وهم أفضل الخلق على الإطلاق؟

يُجيب عن هذا القرطبي -رحمه الله -فقال: "لتشديد الموت على الأنبياء فائدتان:

الأولى: تكميل فضائلهم ورفْع درجاتهم، وليس ذلك نقْصًا ولا عذابًا، بل هو من جنس ما قال النبي -صلى الله عليه وسلم -كما في الحديث الذي أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد: ((إن أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل)).

الثانية: أن يعرف الخَلق مقدار ألم الموت وأنَّه باطن، وقد يَطَّلع الإنسان على بعض الموتى، فلا يرى عليه حركة ولا قلَقًا، ويرى سهولة خروج الرُّوح، فيظن سهولة أمر الموت، ولا يعرف ما الميت فيه

فإذا كانت هذه سكرات الموت على الأنبياء والمرسلين وعباد الله الطيبين، فكيف بالظالمين الذين قال عنهم رب العالمين: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [الأنعام: 93].

موعظة:

يقول الحسن البصري -رحمه الله -: "اتقِ الله يا ابن آدم، لا يجتمع عليك خَصلتان: سكرة الموت، وحسرة الفوت".

وقال ابن السماك: "احذَر السكرة والحسرة، أن يَفجأَك الموت وأنت على الغِرَّة، فلا يَصِف واصفٌ قدْر ما تلقى".

و إلى لقاء قادم إن شاء الله

 

 

[1] -مستلة من كتابي الخطب والمواعظ الباهرة في ذكر الموت وأهوال المقبرة طباعة دار العالمية بالإسكندرية

[2] - الآمدي، غرر الحكم، ص 161.

[3] -هو بشر بن أبي حازم.

[4] - تفسير الطبري-ط الرسالة-ت أحمد شاكر (11/ 537)

[5] - في ظلال القرآن (6/ 3298)

[6] - في ظلال القرآن (6/ 3364)

[7] -التخت: وعاء تُصان فيه الثياب.

[8] -القلال: جمع قُلَّة، وقُلَّةُ كل شيء قمته وأعلاه.

[9] -لخِرقة: التي تستثفِر بها الإماء

[10] -وعركه؛ أي: دلكه.

[11] -(كتاب المحتضرين ص 93).

[12] - السفود: حديدة معقفة يشوى عليها اللحم.

[13] - العاقبة في ذكر الموت (ص: 114)

[14] - القصَّاب: الجزَّار.

[15] - العاقبة في ذكر الموت (ص: 114)

[16] - العاقبة في ذكر الموت (ص: 114)

[17] -الرَّكوة: إناء صغير من الجلد يُشرب فيه الماء.

[18] -الحاقنة: المطمئن بين الترقوة والحلق.

[19] -الذاقنة: نقرة الذقن، وقيل غير ذلك

[20] -(السلسلة الصحيحة: 1738).

المرفقات

عبر-وعظات-3

عبر-وعظات-3

المشاهدات 2360 | التعليقات 0