هَمٌّ عظيمٌ "كيف سيكونُ أثرُكَ على مَن خلفَك" ؟!

أبو بدر
1440/02/02 - 2018/10/11 18:50PM
همٌّ عظيمٌ "كيف سيكونُ أثرُكَ على مَن خلفَك" ؟!
تاريخ النشر: 02/ 02 /1440 هـ
إن الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا .. من يهدِه اللهُ فلا مضلَ له ومن يضللْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه.صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) أما بعد:
 
انتهى أجله.. وانقضى عمره، مضت أيامه ولياليه.. تصرّمت ساعاته.. دقائقه وثوانيه.. مات  ورحل، وبلغ كتابه الأجل.. غادر هذه الدنيا، وانتقل إلى داره الأخرى
 
عباراتٌ ثقيلة كثيراً ما كررناها.. وكثيراً ما سنكررها.. إلى أن تكرّر عنا.. نسأل الله عمراً طويلاً مع عملٍ صالحٍ برحمة الله ينجينا..
 
أيها الأحبة ليس الهم الأكبر.. متى سنرحل.. ولا كيف سنرحل.. فهذا أمر قد فرغ منه، وليس لأحدنا فيه حيلة.. لا بتقديم ولا بتأخيرٍ ولا مكانٍ ولا كيفية، قال الحق سبحانه وتعالى: (ِإنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34) وقال سبحانه : (إنك ميت وإنهم ميتون) ..وقال عز وجل: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد) وقال تعالى: (أينما تكونوا يدرككم الموت)
 
فكلنا سيمر بهذه المحطة بلا ريب.. ولا أحد في العالم يشك في ذلك.. وكل الخلق في الفناء سواء.. وكلهم راحلين ولكن لهم لقاء.. والفرق الذي بينهم هو ما بعد الرحيل.. ففائزٌ مسرور وبالخير بعد رحيله مذكور، وخاسر مثبور، لم تغنِه الأموال والدور..   (إن سعيكم لشتى)..
 
إنما الهم كل الهم كيف ستكون الحال بعد الرحيل.. وكيف يترك أحدنا بعد رحيله الأثرَ الجميل.
وهذا ممكنٌ ولله الحمد ولكنه ليس لكل الناس بل هو يسيرٌ على من هداه الله إليه، ويسره عليه قال تعالى : "وَهُدُوا إلى الطَّيِّبِ مِنَ القَوْلِ وَهُدُوا إلى صِرَاطِ الحَمِيْدِ " ( الحج: 24 )
{ وهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ } الذي أفضله وأطيبه كلمة الإخلاص، ثم سائر الأقوال الطيبة التي فيها ذكر الله، أو إحسان إلى عباد الله ولهذا يقولون في الجنة ــ جعلني الله وإياكم ووالدِينا وأحبابَنا من أهلها ــ يقولون فيها: { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ }
 
أيها الأحبة: لن أذهب بكم بعيداً.. بل من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا منذ ألفٍ وأربعِمئة وأربعين عاما: كم من البشر خلق الله عز وجل وعاشوا في هذه الدنيا ثم ارتحلوا منها؟!!
ثم سؤال آخر كم نذكر منهم ممن خلد ذكرهم بسبب أثرهم الجميل؟ وكم نسبتهم إلى المجموع؟!
نعم إنه توفيق الله لمن آمن به وسعى لمرضاته واستثمر حياته استثماراً حقيقياً ليترك أثراً طيباً مستمراً.. نعم إنها التجارة الرابحة.. مستمرة المكاسب في الحياة وبعد الممات
 
بعد الرحيل: يترك المرء خلفه العديد من الأقوال والأفعال والمواقف التي يصعب نسيانها، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
 
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلاَ يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَىْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلاَ يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَىْءٌ » رواه مسلم وغيره.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى, كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ, لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا, وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ, كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ, لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أوزارهم شَيْئًا)) أخرجه مسلم
 
أخي الفاضل: هل بينك وبين ربك خبيئة من عمل صالح؟ كم من رجل مات بعيداً عن أهله وأقاربه وأصدقائه ومعارفه.. وقبل الصلاة عليه يبعث الله من ينشر خبره، ويأمر الله عز وجل المسلمين من خلقه بشهود جنازته والصلاة عليه ودفنه والدعاء له. لماذا ربما لأن بينه وبين الله عز وجل معاملات وخبايا عبادات ادخرها الله عز وجل له لمثل هذا اليوم وما بعده.
 
وكم من جنازةٍ شهدناها لمسلمٍ مشهور بصلاحه وتقواه ومحبة الناس له.. وعند ازدحام الصفوف للصلاة عليه.. وإذا بجنازة أخرى ليس معها إلا أربعة رجال لا خامس لهم.. تصف بجوار الأخرى أمام الجموع.. لتنال ثواب كثرة المصلين عليها ودعائهم لها.. فأي أسرار وآثار اجتهد عليها هؤلاء لجني ثمارها في مثل هذا الوقت وما بعده؟!.
 
(بالأمس فقدنا شيخاً جليلاً ورجلاً فاضلاً من أبرز رجال هذه المحافظة ورئيس محكمتها سابقاً رحمه الله وغفر له ولموتانا وموتى المسلمين وسمع الجميع بخبر رحيله، ولجّت الألسن بالدعاء له، وصلى عليه خلق كثير في جنازة مشهودة.. ولا غرابة فقد ترك آثاراً كثيرة رحمه الله)
 
على أحدنا أن يتساءل كم سيصلي عليه؟ كم سيدعو له؟ كم من عملٍ سيستمر مُدرا عليك من الأجور والحسنات بعد موتك؟
 
فالعمل الذي يقدمه العبد هو في الحقيقة لنفسه، بل ويجزيه الكريم بأعظم منه (وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا) ..
 
المعلم.. يترك أثرا في طلابه.. الموظف يترك أثرا في مراجعيه.. الرئيس يترك أثرا في مرؤوسيه..
المؤذن والإمام يترك أثراً في نفوس جماعة مسجده ومصليه.
التاجر يترك أثراً في عملائه.. بتخفيض فوائده وأرباحه، وإنظاره للمعسرين، وتجاوزه عن المعوزين.. ودعمه للمحتاجين.. وهكذا فيبني أثراً صغيراً يكبر في حياته ليبقى بعد وفاته.
بل حتى العامل قد يترك أثره الطيب على من سبق له التعامل معهم بأمانته ونصحه وصدقه.
الآباء يتركون آثاراً متباينة في نفوس أولادهم.. فأبناء يروون مواقف والدهم بحبٍّ وشوق وحرقة على فراقه.. لعظيم أثره الطيب عليهم
وآخرون يصدون عندما يأتي ذكر والدهم وكأنهم فرحين بفراقه.. وهذا هو الأثر الذي عاش يبنيه والآن تركه في نفوسهم بعد رحيله.
وقل مثل ذلك في الأولاد وآثارهم مع والديهم. وكذا الصديق والأخ والقريب..
 
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: " أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ " ( إبراهيم : 24 )
 
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشُّكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، صلى اللهُ عليه وآلِه وصَحْبِه، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا .. أما بعدُ:
 
أيُّها المسلم .. لا تحتقر نفسك.. ولا تبتر همّتك.. ولا تقلل من دافعيتك.. ولا تستصغر قدراتك
فإن كنت تملك لسانا وصوتا، فإنك تملك القدرة على صنع الأثر الجميل
وإن كنت تملك وجاهةً أو مالاً، فإنك تملك القدرة على صنع الأثر الجميل
وإن كنت تملك فهماً وعلماً ولو كان يسيراً، فإنك تملك القدرة على صنع الأثر الجميل
من منا لا يحفظ سورة الفاتحة؟ من منا لا يعرف كيف يصلي؟ .. هذا من العلم الذي لو علمته من يجهله.. من أولادك أو عمالك أو أهلك لوصلك أثره كلما انتفع به الناس من بعدك.
 
كن من الذين قال الله عنهم: "وَهُدُوا إلى الطَّيِّبِ مِنَ القَوْلِ وَهُدُوا إلى صِرَاطِ الحَمِيْدِ " ( الحج: 24 )
 
ارفع بصرك، وانظر من حولك فالفرص متاحة أمامك ما دام في العمر بقية، صدقة جارية ، تعامل حسن ، بر بالوالدين وإحسان، عطف على الفقير والمسكين ، كفالة يتيم ، صلة أرحام ، كلمة طيبة، تيسير على معسر ، كشف كربة ومساعدة ملهوف.
بناء مسجد ، وقف مصاحف وكتب، ومشاركة في مدارس تحفيظ القرآن الكريم ، مساهمة في الدعوة إلى الله، تعليم الناس وخاصة الأميين
 
كل ما سبق وغيره آثارٌ حميدة، وصفاتٌ نبيلة.. يكتبها العزيز الحميد، وينفعك بها يوم المزيد
ولا تغب عن ذهنك هذه الآية وتاملها جيداً: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْء أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَام مُبِين ) يس الآية 12
 
{ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا } من الخير والشر، وهو أعمالهم التي عملوها وباشروها في حال حياتهم، { وَآثَارَهُمْ } وهي آثار الخير وآثار الشر، التي كانوا هم السبب في إيجادها في حال حياتهم وبعد وفاتهم، وتلك الأعمال التي نشأت من أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، فكل خير عمل به أحد من الناس، بسبب علم العبد وتعليمه ونصحه، أو أمره بالمعروف، أو نهيه عن المنكر، أو علم أودعه عند المتعلمين، أو في كتب ينتفع بها في حياته وبعد موته، أو عمل خيرا، من صلاة أو زكاة أو صدقة أو إحسان، فاقتدى به غيره، أو عمل مسجدا، أو محلا من المحال التي يرتفق بها الناس، وما أشبه ذلك، فإنها من آثاره التي تكتب له، وكذلك عمل الشر.
 
ولهذا: { من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة } وهذا الموضع، يبين لك علو مرتبة الدعوة إلى اللّه والهداية إلى سبيله بكل وسيلة وطريق موصل إلى ذلك، ونزول درجة الداعي إلى الشر الإمام فيه، وأنه أسفل الخليقة، وأشدهم جرما، وأعظمهم إثما.
فكيف يكون حال من نشر الحرام ودعا إلى الحرام؟ نعوذ بالله من ذلك
 
اصدق مع الله، وأخلص عملك لله، اقرأ في سير المرسلين وأصحابهم، وانظر كيف كانت آثارهم، ابحث عمّن يعينك على البر والتقوى، كن جادا وحازماً في تحقيق هدفك، تفاءل واصبر واحتسب، ثم بادر إلى الشروع في مشروعك.. واترك أثرك الجميل قبل رحيلك
 
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ، كما أمركم بذلك ربكم، عز وجل فاللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن صحابته أجمعين وعن التابعين وتابعي التابعي.
 
اللهم لك الحمدُ ربنَا حتى ترضى ولكَ الحمدُ إذا رضيتَ، اللهم أعنا على ذكرِكَ وشُكرِكَ وحُسنِ عبادَتِكَ، اللهم آمنا في أوطانِنا، اللهم آمنا في أوطانِنا، وأدمْ نعمةَ الأمنِ والاستقرارِ في بلادِنا، اللهم من أرادَنا وبلادَنا والمسلمينَ بسوءٍ فأشغلُه في نفسِه، واجعلْ كيدَه في نحرِه، واجعلْ تدبيرَه تدميرَه، اللهم وفق إمامَنا لما تحبُ وترضى وخذْ بناصيته للبرِ والتقوى، اللهم وفقه لهداك، واجعل عملَه في رضاك، وهيئ له البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ التي تدلُه على الخيرِ وتعينُه عليه، واصرفْ عنه بطانةَ السوءِ يا ذا الجلالِ والإكرامِ.
 
 
اللهمَّ وأبرِم لأمةِ الإسلامِ أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ الطاعةِ، ويُهدَى فيه أهلُ المعصيةِ، ويُؤمَرُ فيه بالمعروفِ، ويُنهَى فيه عن المنكرِ.
 
اللهم إنا نعوذُ بك من الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطنَ.
 
اللهم فرِّجْ همَّ المهمومينَ من المُسلميِن، ونفِّسْ كربَ المكروبينَ، واقضِ الدَّينَ عن المدينينَ، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وفُكَّ أسرانا وأسرَى المُسلمين، واغفِر لموتانا وموتى المسلمين برحمتِك يا أرحمَ الراحمينَ.
 
 
 
المشاهدات 2443 | التعليقات 0