دَاءُ الصَّالِحِينَ 25 مُحَرَّم 1440هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1440/01/23 - 2018/10/03 21:08PM

دَاءُ الصَّالِحِينَ 25 مُحَرَّم 1440هـ

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الرِّيَاءَ مِنْ أَشَدِّ الذُّنُوبِ خَطَرًا وَمِنْ أَقْبَحِ الصِّفَاتِ ضَرَرًا، وَمِنْ أَخْفَى الْأَعَمْالِ ظُهُورًا، إِنَّهُ دَاءُ الصَّالِحِينَ وَمُصِيبَةُ الْعَامِلِينَ، إِنَّ الرِّيَاءَ إِظْهَارٌ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ عَلَى أَنَّهُ للهِ وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ لِلْبَشَرِ وَلَيْسَ لِرَبِّ الْبَشَرِ، إِنَّ الرِّيَاءَ مَأْخُوذٌ مِنَ الرُّؤْيَةِ، وَهِيَ النَّظَرُ وَالْمُشَاهَدَةُ، وَقَدْ خَافَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَفْضَلِ النَّاسِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ، وَخَيْرِ الْأَتْقِيَاءِ، إِنَّهُمُ الصَّحَابَةُ الْأَوْفِيَاءُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ) قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ (الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَقَالَ (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ؟) فَقُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ (الشِّرْكُ الْخَفِيُّ, أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ فَيُصَلِّيَ فَيَزِيدَ صَلَاتَهُ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رجلٍ) رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ ابْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ.

فَدَلَّ الحَدِيثَانِ عَلَى خَطَرِ الرِّيَاءِ وَعَظِيمِ ضَرَرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ خَفِيٌّ وَمَحَلُّهُ الْقُلُوبُ التِي لا يَطِّلِعُ عَلَيْهَا إِلَّا اللهُ عَلَّامُ الْغُيُوبُ، ثُمَّ إِنَّهُ مُحِبْطٌ لِلْعَمَلِ إِذَا صَاحَبَهُ أَوْ كَانَ الْحَامِلَ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ يَا مَنْ تُرِيدُ نَجَاةَ نَفْسِكَ وَخَلاصَ عَمَلِكَ، لا تَعْمَلْ إِلَّا للهِ، ثُمَّ لا تُرَائِي بِعَمَلِكَ الْمَخْلُوقِينَ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَنْفَعُوكَ، بَلْ إِذَا عَمِلْتَ لَهُمْ ضَرُّوكَ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْخَطْبَ جَسِيمٌ وَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ بِالْهَيِّنَةِ، وَاسْتَمِعُوا لِهَذَا الْحَدِيثِ الْعَظِيمِ الْمُخِيفِ، عَنِ شُفَيٍّ الأَصْبَحِيِّ - وَهُوَ مِنَ التَّابِعِينَ - أَنَّهُ دَخَلَ المَدِينَةَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: أَبُو هُرَيْرَةَ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ، فَلَمَّا سَكَتَ وَخَلَا قُلْتُ لَهُ: أَسْأَلُكَ لَمَا حَدَّثْتَنِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَلْتَهُ وَعَلِمْتَهُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَفْعَلُ، لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَلْتُهُ وَعَلِمْتُهُ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً [أي: شَهَقَ حَتَّى كَادَ يُغْمَى عَلَيْهِ] فَمَكَثْنَا قَلِيلًا ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا البَيْتِ مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً شَدِيدَةً ، ثُمَّ أَفَاقَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ فَقَالَ: أَفْعَلُ، لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا وَهُوَ فِي هَذَا البَيْتِ مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ مَالَ خَارًّا عَلَى وَجْهِهِ فَأَسْنَدْتُهُ عَلَيَّ طَوِيلًا، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى العِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ، فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ القُرْآنَ، وَرَجُلٌ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ كَثِيرُ المَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ: أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ المَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ فُلَانًا قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ، وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ المَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ المَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ، وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: فِي مَاذَا قُتِلْتَ؟ فَيَقُولُ: أُمِرْتُ بِالجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ المَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَرِيءٌ ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ), ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتِي فَقَالَ (يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا أَنَّ شُفَيًّا دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَحَدَّثَهُ بِهَذَا الحَدِيثِ الذِي سَمَعَهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : قَدْ فُعِلَ بِهَؤُلَاءِ هَذَا فَكَيْفَ بِمَنْ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ؟ ثُمَّ بَكَى مُعَاوِيَةُ بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهُ هَالِكٌ، ثُمَّ أَفَاقَ مُعَاوِيَةُ وَمَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ فِيهِمُ الْخَيْرَ وَيُحِبُّونَهُ وَيَعْمَلُونَهُ يَقَعُونَ فِي الرِّيَاءِ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ أَوْ رُبَّمَا يَعْلَمُونَ وَلَكِنَّهُم لا يُدْرِكُونَ خَطَرَهُ، وَهَذَا يَتَسَبَّبُ فِي إِحْبَاطِ أَعْمَالِهِمْ أَوْ عَلَى الْأَقَلِّ فِي نَقْصِ أُجُورِهِمْ وَحَسَنَاتِهِمْ.

فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُظْهِرُ خَفْضَ الصَّوْتِ، وَإِغَارَةَ الْعَيْنَيْنِ، وُذُبُولَ الشَّفَتَيْنِ، لِيَدُلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُوَاظِبٌ عَلَى الصَّوْمِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُحَاوِلُ إِظْهَارَ أَثَرِ السُّجُودِ عَلَى وَجْهِهِ لِيُبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُرَائِي بِتَحْرِيكَ الشَّفَتَيْنِ بِالذِّكْرِ فِي مَحْضَرِ النَّاسِ، وَإِظْهَارِ الْغَضَبِ لِلْمُنْكَرَاتِ بَيْنَ النَّاسِ، أَوْ خَفْضِ الصَّوْتِ وَتَرْقِيقِهِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، لِيَدُلَّ بِذَلِكَ عَلَى الْحُزْنِ وَالْخَوْفِ مِنَ اللهِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُطِيلُ الْقِيَامَ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إِظْهَاراً لِخُشُوعِهِ، أَوْ بِأَنَّهُ يَحُجُّ كُلَّ عَامٍ وَأَنَّهُ لا تَطِيبُ نَفْسُهُ إِلَّا بِالْعُمْرَةِ فِي رَمَضَانَ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُرَائِي بِأَنَّ الْعَالِمِ الْفُلَانِيَّ زَارَهُ أَوِ الشَّيْخِ الْفُلَانِيِّ هَاتَفَهُ أَوْ أَنَّ الْمُسْؤُولَ الْفُلَانِيِّ اسْتَشَارَهُ، وَهَكَذَا فِي سِلْسِلَةٍ طَوِيلَةٍ مِمَّا يُلَبِّسُ بِهِ الشَّيْطَانُ عَلَى الْأَخْيَارِ، وَتَكُونُ فِي صُورَتِهَا للهِ وَلَكِنَّ وَاقِعَهَا رِيَاءٌ وَسُمْعَة.

أيَهُّا الْمُسْلِمُونَ : وَإِنَّ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاعَ أَخِيرًا مِنْ جَمْعِ تَبَرُّعَاتٍ لِمَشْرُوعٍ مُعَيَّنٍ أَوِ الْمُسَاهَمَةِ فِي دَفْعِ دِيَةِ لِمَحْكُومٍ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ، فَتَجِدُ بَعْضَ النَّاسِ يُسَابِقُ لِلْمُسَاهَمَةِ فِي الدَّفْعِ وَرُبَّمَا وَصَلَ لِمِئَاتِ الآلافِ أَوْ رُبَّمَا الْمَلايِينِ، ثُمَّ لا يَرْضَى حَتَّى يُعْلَنَ اسْمُهُ فِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ وَرُبَّمَا صَوَّرَ شيكَ التَّبَرُّعِ وَكَبَّرَهُ ثُمَّ أَخَذَ لَهُ صُورَةً مَعَهُ وَكَتَبَ الْمُتَبَرِّعَ الْفُلَانِيَّ أَوِ الْمُحْسِنَ الْكَبِيرَ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَأَيْنَ الإِخْلَاصُ؟ وَأَيْنَ طَلَبُ الْأَجْرِ؟ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ الذَي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، وَالصَّلاةُ عَلَى خَاتَمِ رُسُلِهِ وَأَفْضَلِ أَنْبِيَائِهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ لِقَائِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيراً.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ الرِّيَاءَ دَاءٌ وَمَرَضٌ خَطِيرٌ يَجِبُ عَلَى كُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَسْعَى فِي عِلَاجِ نِفْسِهِ مِنْهُ، وَمَا مِنْ دَاءٍ إَلَّا وَلَهُ دَوَاءٌ.

فَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ عِلَاجِ الرِّيَاءِ أَنْ تَلْجَأَ إِلَى رَبِّكَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُعَافِيَكَ مِنَ هَذَا الدَّاءِ، فَقُلْ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي الإِخْلَاصَ فِى الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ قَلْبِي وَنِيَّتِي.

وَمِنْ ذَلِكَ: أَنْ تُعَوِّدَ نَفْسَكَ عَلَى إِخْفَاءِ الْعِبَادَاتِ ثُمَّ لا تَتَحَدَّثْ بِهَا عِنْدَ أَحَدٍ أَبَدًا، فَمَثَلًا: اسْتِغْلَّ فُرْصَةَ ذَهَابِ أَهْلِكَ فِي سَفَرٍ أَوْ شِبْهِهِ فَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَكَذَلِكَ قُمِ اللَّيْلَ وَلا أَحْدَ يَدِرِي عَنْكَ، وَهَكَذَا فَتَصَدَّقْ عَلَى فَقِيرٍ أَوْ عَلَى عَائِلَةٍ مُحْتَاجَةٍ، وَاجْعَلْ كُلَّ ذِلْكَ سِرًّا.

وَمِنْ عِلَاجِ الرِّيَاءِ أَنْ تَعْلَمَ أَنْ مَنْ تَتُوقُ نَفْسُكَ لِمُرَاءَاتِهِمْ لا يَمْلِكُونَ لِأْنَفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا، فَكَيْفَ يَمْلِكُونَ لَكَ نَفْعًا أَوْ يَدْفَعُونَ عَنْكَ ضُرًّا.

وَمِنْ عِلَاجِ الرِّيَاءِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ اللهَ يَبْغَضُ الْمُرَائِي وَيَمْقُتُهُ وَسَوْفَ يُعَاقِبُهُ إِنْ عَاجِلًا أَوْ آجِلًا مَا لَمْ تُدْرِكْهُ رَحْمَةُ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بِهِ، وَمَنْ رَاءَى رَاءَى اللهُ بِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَمِنَ الْعِلَاجِ أَنْ تَدْعُوَ بِالدُّعَاءِ الْخَاصِّ، فَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ (يَا أَبَا بَكْرٍ، لَلشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ) ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلِ الشِّرْكُ إِلَّا مَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَلشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ، أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى شَيْءٍ إِذَا قُلْتَهُ ذَهَبَ عَنْكَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ؟) قَالَ (قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ. فَأَكْثِرْ مِنْ هَذَا الدُّعَاءِ صَبَاحَكَ وَمَسَاءَكَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً, اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلمينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعَدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينَ، اللَّهُمَّ أَعْطِنَا وَلَا تَحْرِمْنَا, اللَّهُمَّ أكرمنا ولا تُهنا اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَليْنَا اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ، وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ، وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

المرفقات

الصَّالِحِينَ-25-محرم-1440هـ

الصَّالِحِينَ-25-محرم-1440هـ

المشاهدات 1997 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا