{ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً }

حسام بن عبدالعزيز الجبرين
1440/01/18 - 2018/09/28 14:48PM

( فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً ) 18 / 1  / 1440هـ

الحمد لله الشهيد الخبير ، الرقيب البصير ، الرحيم الستّير وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ،له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله ؛ بعثه للإيمان مناديا ، وإلى دار السلام داعيا ، ولكتابه تاليا ، ولخليقته هاديا ، وبالمعروف آمراً وعن المنكر ناهيا  ..

صلّى الإلـهُ على النبيِ وسلّمـا    *** ما غرّد الطيرُ المحلقُ في السمـا

صلّوا عليه وسلّموا كـي تربحـوا  *** ضِعْف الصلاةِ من الرحيم تكرّمـا 

أما بعد إخوة الإيمان : فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فإن الله لم يخلق خلقه عبثا ، ولم يتركهم سدى ، بل خلقهم لأمر عظيم عرضه على السموات والأرض والجبال فأبين حمله وأشفقن منه   [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً. إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً. ] الأحزاب 70 -72

عباد الرحمن : حديثنا اليوم عن عبادة قلبية من أعظم العبادات ، بحضورها وبقوتها تضاعف الحسنات ، وبها تفرج الكربات ، وبها ينال العبد شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، عبادة ترتبط بكل العبادات الأخرى ، بها يتذوق المؤمن حلاوة العبودية  .. إنها إخلاص العبادة لله .

 قال الحق سبحانه  { فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ }الزمر2   وقال عز وجل  {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ  }الزمر3

وقال {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء  }البينة5 . و أخرج الشيخان حديث " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " وبه استفتح البخاري صحيحه ويقول عليه الصلاة والسلام : " أسعَدُ الناسِ بشَفاعَتي يومَ القيامةِ ، مَن قال لا إلهَ إلا اللهُ ، خالصًا من قلبِه " أخرجه البخاري ، والأحاديث في النية وابتغاء وجه الله كثيرة .

يقول العز بن عبد السلام : " الإخلاص هو أن يقصد بطاعته وجه الله ولا يريد بها سواه " اهـ .

ثم إن الإخلاص معشر الكرام درجات ومراتب ،  فالعباد غالبا يتقربون لله طلبا لثوابه وخوفا من عقابه وهذا عظيم وجليل ، وأعلى منه مرتبة التقرب لله لذاته سبحانه  ولذا تجد من قويت عنده هذه الصفة يعظم الأوامر عامة ويفعلها سواء أكانت واجبة أم مسنونة ، وسواء ورد فيها فضل يرغّب في فعلها أم لم يرِد فيها فضل معين ، لكنه يفعلها تعظيما وإجلالا للآمر سبحانه ! وكذا النواهي يجتنبها سواء أكانت محرمة أم مكروهة ! وسواء أورد فيها وعيد أم لم يرِد ؛ يجتنب النواهي تعظيما وإجلالا لله سبحانه .

عباد الله : وحين يقوى التعظيم والإخلاص والتعبد، يزداد الحياء من الله واتهام النفس بالتقصير فلذا يخاف عدم قبول أعماله {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ }المؤمنون60

وحين يقوى الإخلاص في قلب المتعبد يبتعد عنه رؤية العمل والرضا به ، مستشعرا قول الله سبحانه { وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ }الحجرات7  وقوله جل وعز { وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ  }النور21 ولقد أخبرنا سبحانه عن المتقين المتهجدين الذين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون أنهم بالأسحار يستغفرون ، وشُرع لنا بعد صلاة الفريضة الاستغفار وفي الحج مع جلالة العمل أمروا بالاستغفار{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }البقرة199 .

 عباد الله : ثمرات الإخلاص كثيرة :فبالإخلاص دخول الجنة والنجاة من النار ، و بالإخلاص تفرج الكروب ويستجاب الدعاء وغير خفي خبر الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة فكلهم قال : اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه ففرج الله عنهم ، و بالإخلاص يزيد العلم { وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ }البقرة282 والإخلاص  يحمي العبد من الفتن  والفواحش {  كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ }يوسف24 وفي قراءة { إنه من عبادنا المخلِصِين } ، وبالإخلاص يؤجر العبد على المباحات قال معاذ رضي الله عنه " إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي "، وبالإخلاص يكون العبد في الظل يوم القيامة  ، وبقوة الإخلاص تتفاضل الأعمال المتساوية في الظاهر ويعظم أجرها ، والإخلاص يضع بركة في العلم والجهد ، وبالإخلاص يتذوق المؤمن حلاوة العبودية ، وبالإخلاص ينفى الرياء والنفاق .

اللهم اعف عنا واغفر لنا يارب العالمين واهدنا واجعلنا من عبادك المخلصين ..

الحمد لله { لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء }آل عمران5 وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ذي الجلال والإكرام والعظمة والكبرياء وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خاتم الرسل والأنبياء صلى الله عليه ما هلّ قطْرٌ وأسفر ضياء أما بعد :

فإن الإخلاص مجال متسع للحياة يدخل جميع شؤونها {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الأنعام162 فالإخلاص يزيد من فاعلية المسلم في مجتمعه لأنه يفعل الخير ابتغاء وجه الله سبحانه ولو لم يعلم به أحد ! والإخلاص يثمر إتقان المسلم لعمله واستمراريته في ذلك لأنه لا يراقب الرئيس وإنما يراقب ربه ويحتسب عمله عند السميع البصير العليم الخبير  .

والعباد متفاوتون في تحقيق الإخلاص والتفاضل في تحقيقه سبب لتفاضل درجات أهله ، ولذا قيل النية تجارة العلماء ! فمثلا من يجيب دعوة الزواج بإمكانه احتساب إجابة الدعوة المأمور بها شرعا واحتساب إدخال السرور عليهم واحتساب المصافحة والسلام على الناس واحتساب صلة الرحم إن كان الزواج لقريب !فهذه أربع نيات والعمل واحد !

أيها الأحبة : ولتحصيل الإخلاص طرق : تعظيم الله سبحانه ، و سؤاله الإخلاص ، وأن يكون الإنسان في سره كحاله في علانيته وإن كان عمله في السر أفضل فذلك أعظم .

إخوة الإيمان : والأعمال الصالحة قسمان : الأول : أعمال لازمة لا يتعدى نفعها للغير كالصلاة والصوم فهذه لا بد لها من نية ولو كانت مقصوده إسقاط الواجب فإنه يثاب .

القسم الثاني : أعمال متعدية ينتفع بها الغير كإماطة الأذى فهذه اختلف فيها أهل العلم فمنهم من قال لا يؤجر إلا إذا نوى لحديث " إنما الأعمال بالنيات " وغيره من الأدلة ، وقال بعض أهل العلم  أنه يؤجر على انتفاع الغير بها وإن لم يكن له نية عند فعلها ولذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من زرع زرعا أو غرس غرسا فأكل منها حيوان أو سُرق منها فإن له بذلك أجرا ، ويدل لذلك أيضا قول الله سبحانه {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ} وهذا إذا فعله ولو لمجرد الإصلاح ففيه خير ثم قال{ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }النساء114 وهذا أمر زائد على الخير الذي ذكره في أول الآية ، ومما لا شك فيه أن حضور النية أعظم أجرا .

ونختم بقول ابن المبارك رحمه الله : " رب عملٍ صغيرٍ تعظمه النية ، ورب عملٍ كبيرٍ تصغره النية " .

ثم صلوا وسلموا ...

المرفقات

اللَّهَ-مُخْلِصاً

اللَّهَ-مُخْلِصاً

المشاهدات 661 | التعليقات 0