الْوَاجِبَ تَعْلِيمُ الْأَبْنَاءِ التَّوْحِيدَ وَأُصُولَ الِاعْتِقَادِ

محمد البدر
1440/01/10 - 2018/09/20 07:07AM
الْخُطْبَةِ الأُولَى:
أما بعد عِبَادَ اللهِ: قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ﴾[النحل:36].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء:25].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات:56]. إِنَّ أَعْظَمَ أَمْرٍ يَنْبَغِي عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُرَاعِيَهُ هُوَ الْأَمْرُ الَّذِي خَلَقَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِأَجْلِهِ، وَأَوْجَدَهُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لِتَحْقِيقِهِ، وَهُوَ عِبَادَةُ اللهِ؛ لِأَنَّ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- لَمَّا ذَكَرَ خَلْقَ الْجِنِّ وَالْإِنْسَانِ؛ أَخْبَرَ أَنَّهُ مَا خَلَقَهُمَا إِلَّا لِيَعْبُدُوهُ، إِلَّا لِيُوَحِّدُوهُ، إِلَّا لِيَتَّقُوهُ، إِلَّا لِيَأْخُذُوا بِمَنْهَجِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي كُلِّ مَا آتَاهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِيهِ مِنْ أَمْرٍ، وَيَنْتَهُوا عَنْ كُلِّ مَا نَهَاهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَنْهُ مِمَّا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا وَسُنَّةً ،فَالتَّوْحِيْدُ هُوَ الغَايَةُ الَّتِيْ لأَجلِهِ أُرسِلَتِ الرُّسُلُ وَأُنزِلَتِ الكُتُبُ، وَلأَجلِهِ انقَسَمَتِ الخَلِيقَةُ إِلى مُؤمِنِينَ وَكُفَّار، وَعَلَيهِ يَقَعُ الثَّوَابُ وَالعِقَابُ، وَهُوَ حُقُّ اللهِ عَلَى جميعِ العِبَادِ.
وَالتَّوْحِيْدُ: هُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ وَاحِدًا والتَّوْحِيْدُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ، وَهِيَ مَجْمُوْعَةٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ (مَرْيَم:65).وَهِيَ:
1) تَوْحِيْدُ الرُّبُوْبِيَّةِ: وَمَعْنَاهُ تَوْحِيْدُ اللهِ بِأَفْعَالِهِ, وَأُصُوْلُهَا: الخَلْقُ وَالمُلْكُ وَالتَّدْبِيْرُ قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُوْلُوْنَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُوْنَ، فَذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُوْنَ﴾ (يُوْنُس:32).
2)تَوْحِيْدُ الأُلُوْهِيَّةِ(أَوْ تَوْحِيْدُ العِبَادَةِ):وَمَعْنَاهُ جَعْلُ العِبَادَةِ للهِ وَحْدَهُ مِنْ صَلَاةً وَدُعَاءً وَذَبْحٍ وَنَذْرٍ وَتَوَكُّلٍ وَرَغْبَةٍ وَرَهْبَةٍ وَمَحَبَّةٍ ، فَمَنْ صَرَفَ شَيْئًا مِنْهَا لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى فَهُوَ مُشْرِكٌ بِهِ سُبْحَانَهُ قَالَ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِهِ البَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِيْرُ﴾ (لُقْمَان:30).وَقَالَ تَعَالَى: ﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوْمًا مَخْذُوْلًا﴾ (الإِسْرَاء:22).
3) تَوْحِيْدُ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ: وَمَعْنَاهُ أَنْ يَعْتَقِدَ العَبْدُ أَنَّ اللهَ جَلَّ جَلَالُهُ وَاحِدٌ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ لَا مُمَاثِلَ لَهُ فِيْهِمَا قَالَ تَعَالَى:﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيْعُ البَصِيْرُ﴾ (الشُّوْرَى:11).
وَهَذَا النَّوْعُ الأَخِيْرُ يَتَضَمَّنُ  شَيْئَيْن:
أ) الإِثْبَاتُ، وَذَلِكَ بِأَنْ نُثْبِتَ للهِ تَعَالَى جَمَيْعَ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ الَّتِيْ أَثْبتَهَا لِنَفْسِهِ فِي كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ب) نَفْيُ المُمَاثَلَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ لَا نَجْعَلَ للهِ مَثِيْلًا فِي تِلْكَ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.
عِبَادَ اللهِ: إنّ فاقد التَّوْحِيْدُ ميّت ولو كان يمشي على الأرض ،ومحقّق التَّوْحِيْدُ هو الذي يحيا الحياة الحقيقية قَالَ تَعَالَى: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ [الأنعام:122] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال:24].
بالتَّوْحِيْدُ - عِبَادَ اللهِ- أمن الأوطان وراحة الأبدان                                                 وسعادة الناس قَالَ تَعَالَى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾[النور:55].
والمسلِم يعتَزّ إذا خضع لعبودية الله مدبر هذا الكون العظيم قَالَ تَعَالَى: }قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ { [الأنعام:161]فلا يعبد إلا الله ، إليه يلجأ في الملِمّات، ومنه يخاف وحدَه في العلانية والخفيّات قَالَ تَعَالَى: }وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ{  [يونس:107].
وَالْوَاجِبَ علينا تَعْلِيمُ الْأَبْنَاءِ التَّوْحِيدَ وَأُصُولَ الِاعْتِقَادِ فهو أَسَاسُ صَلَاحِ الْأُسْرَةِ وَالْمُجْتَمَعِ وهو الوقاية من كل الفتن والدرع الحصين من الوقوع في براثن الجماعات المخالفة للشرع قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾[لقمان: 13].
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا..
الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ:
أما بعد عِبَادَ اللهِ: كل انسان يحتاج إلى التَّوْحِيْدُ في خضم هذه الفتن المتلاحقة فإنَّ توحيد الله جلّ وعلا هو أوْلى أمرٍ وأعظم أمر ينبغي أن يعتقده المسلم ،فحياة المسلم يجب أن تكون كلُّها توحيد لرب العالمين و يحتاج الصغار إلى أن ينشّئوا علي معرفة التَّوْحِيْدُ وحبه قَالَ تَعَالَى:}قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{[الأنعام:162-163].ومِنْ فضل الله علينا أن فطرنا على التَّوْحِيْدُ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ». ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: }فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ، ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ{ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.              ألا وصلوا ....
المشاهدات 1022 | التعليقات 0