القولُ المُكَرَمْ - في عاشوراء والمحرمْ

خالد علي أبا الخيل
1440/01/08 - 2018/09/18 10:48AM

القولُ المُكَرَمْ - في عاشوراء والمحرمْ

التاريخ: الجمعة:4 –محرم-1440 هـ

الحمد لله، الحمد لله الذي علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم، أحمده سبحانه على ما أعطى ومَنّ وأكرم، ومن ذلك الشهر المحرَّم، وأشهد أن لا إله إلا الله الأعز الأكرم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، خص بالصوم شهر الله المحرَّم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه لاسيما الخلفاء الأربعة أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي وسائر العشرة، وجميع الصحابة، ومن على سُنتهم اتبع واقتفى.

 أما بعد...

فيا عباد الله: اتقوا الله حق التقوى، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

أيها المسلمون سبحان من فاوت بين الشهور والأيام، ومن أودعها أعمالًا صالحةً تُقرب من دار السلام.

الشهور –عباد الله- عند الله اثنا عشـر شهر في كتاب الله، ومنها أربعةٌ حُرم وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرَّمٌ، ورجب، ميزها سبحانه وخصها بخصائص، ونحن في هذا الشهر الحرام شهر الله المحرَّم هو أحدها خصه الله على غيره بخصائص:

الأول: أنه شهرٌ حرام كما صح في القرآن، وعنه عليه الصلاة والسلام.

 الثاني: أن صيامه سُنَّةٌ وقربى.

الثالث: أن صومه أفضل الصيام بعد رمضان كما رواه مسلم.

الرابع: أنه أضافه إليه إضافةً تشريفٍ وتكريمٍ وتخصيصٍ وتفضيل.

الخامس: أن فيه يومٌ يُسن صومه، وصومه يُكفر سنة وهو عاشوراء.

السادس: اجتمع إضافته إليه شهر الله المحرَّم والصيام مُضافٌ إليه (الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ) فاجتمع إضافة الشهر وإضافة العمل.

ومع فضله –عباد الله- وشرفه -إخوتي في الله- إلا أن محرَّم لم يرد فيه شيءٌ مخصوصٌ من الأعمال سوى الصيام المطلق، وصيام يوم عاشوراء وما عدا الصيام فلا يصح تخصيصه بعبادة كالعمرة والاستغفار، والدعاء والصدقة، والنفقة والقيام، وكذا يوم عاشوراء لا يُخص إلا بالصيام، والصيام في شهر الله المُحرَّم مُطلق والمرء أمير نفسه من شاء أن يستقل، ومن شاء أن يستكثر، ومن عمل صالحًا فلنفسه.

 شهرُ الحَرَامِ مُبَاركٌ مَيمُونُ

 

والصَّومُ فِيهِ مضَاعَـفٌ مَسنُـون

وَثُوابُ صَائِمِهِ لِوَجْهِ إِلَهِه

 

فِي الخُلْدِ عِنْـدَ مَلِيكِه مخزون

عباد الله: أما يوم عاشوراء فهو اليوم العاشر من المحرم، وصومه سُنَّة وثوابه وأجره يُكفر سنة، ففي مسلم عن أبي قتادة قال: سُئل رسول الله ﷺ عن صيام يوم عاشوراء، فقال: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ) ولآكديته كان عليه الصلاة والسلام يتحرى صومه على غيره، فعند مسلم عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: ما علمت صيامًا يطلب صومه وفضله على الأيام إلا هذا اليوم.

وكان صيام يوم عاشوراء واجبًا، ثم نُسِخ بفرض الصيام، فأصبح مسنونًا، ولأهمية صومه كان السلف يعتنون بصيامه ويربون أبنائهم على صيامه، فروى مالكٌ في الموطأ، وعبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما عن عمر كان يأمر بصيام يوم عاشوراء، فقد أرسل إلى الحارث بن هشام أن غدًا عاشوراء فصُم، وأمر أهلك أن يصوموا، وأرسل إلى عبد الرحمن بن الحارث مساءً ليلة عاشوراء أن يتسحروا وأصبِح صائمًا.

وكان عليٌّ وأبو موسى رضي الله عنهما يأمران ويُرغبان ويُذكران بصيامه كما رواه عبد الرزاق، وأما صبيانهم فقد كانوا كما قالت الرُّبيِّع بنت معوذ: كنا نصوِّم صبياننا الصغار، ونجعل لهم اللعبة من العُهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه اللعبة حتى يكون وقت الإفطار.

فلا تنسوا أزواجكم وأبناءكم، وعمالكم، ومن تحت أيديكم بالتذكير والتنبيه، والترغيب.

 والحكمة من صيامه ما بيَّنه ابن عباسٍ بقوله: قدِم رسول الله ﷺ المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: (مَا هَذَا؟) قالوا: هذا يومٌ صالح، هذا يومٌ نجا الله فيه موسى وقومه، قال: (فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ) رواه البخاري.

وعاشوراء كان معروفًا قبل البعثة تقول عائشة رضي الله عنها: إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه، وصومه اجتمع فيه أوجه السُّنَّة الثلاثة: القولية والفعلية والإقرارية.

ومما ينبغي علمه أنه لا يُكره إفراده، فلو صام المرء العاشر فقط فقد حاز الأجر والمثوبة كما قرره ابن القيم وابن تيمية، والنبي ﷺ لم يصم إلا العاشر، ويُسن أن يُضيف المرء إلى العاشر صيام التاسع؛ لما رواه مسلم أنه عليه الصلاة والسلام قال: (فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ) وقال: (لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ) وصوم التاسع مع العاشر فيه مخالفةٌ لليهود والنصارى؛ فلهذا أشعر بالمخالفة في صيامه عليه الصلاة والسلام.

وقد صح عن ابن عباس عند البيهقي وعبد الرزاق صوموا التاسع مع العاشر خالفوا اليهود.

وتصدق المخالفة بصوم التاسع مع العاشر، ولو مرةً في العمر، وإذا استمر بصوم التاسع مع العاشر أُثيب وأُجِر، وأما صيام يومٍ قبله أو يومٍ بعده، فلا يصح فيه شيء، والحديث الوارد (صُومُوا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ) وفي روايةٍ (وَيَوْمًا بَعْدَهُ) فلا يصح، ومن صام ثلاثة أيام التاسع، والعاشر، والحادي عشر بنية صيام ثلاثة أيام من كل شهرٍ صح وأُجِر.

هذا وفي صيامه تذكير ما قصه الله علينا بنصر الله لأنبيائه وأوليائه أتباع دينه، وأن الذل والخسـران والهوان لأعدائه، وفي قصة موسى وفرعون هلاك فرعون وجنوده ونصـر موسى وقومه في العاشر من محرم نصرًا وعزًّا شامخًا للمؤمنين، وذلًا وهوانًا على الكافرين، فالغلبة والعزة، والرفعة والنصرة للحق وأهله وفيها أن النِّعم إذا شُكِرت كرَّت وزادت ونمت، وإذا كُفِرت فرَّت وانمحت وذهبت.

إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا

 

فَإِنَّ المَعاصي تُزِيلُ النِّعَمْ

وَحُطْهَا بِطَاعَةِ رَبِّ الْعِبَادِ

 

فَرَبُّ الْعِبَادِ سَرِيعُ النِّقَمْ

هذا واعلموا أن صوم يوم عاشوراء فيه فوائد:

الأولى: أنه سُنَّةٌ قوليةٍ فعلية وإقرارية.

الثاني: مشاركة موسى بهذه النِّعمة وهي الانتصار على فرعون الطاغية.

الثالثة: أن صيامه يُكفِّر سنةً كاملة.

الرابعة: التأسي والاقتداء بالصحابة في الحرص على صيامه.

الخامسة: أن صيامه في شهر الله المحرم، وصيامه عملٌ صالح.

السادسة: أنه يومٌ كان عليه الصلاة والسلام يتحرى صومه.

السابعة: أن صومه مع التاسع فيه مخالفةٍ لليهود والنصارى.

هذا واعلموا أن صيامه يُكفِّر الصغائر، واختُلِف في الكبائر.

أما حقوق الناس، وأموالهم، وغيبتهم، والكذب عليهم، وأكل حقوقهم، وقذفهم، والوقوع في أعراضهم فلا يُكفره الصيام بإجماع المسلمين.

قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد...

عباد الله: مما ينبغي أن يُعلم عدم الاغترار والاعتماد على الصيام فقط، وأنه يُكفِّر سنةً ماضية، فبالتالي يعمل ما يشاء من الذنوب، بل ينبغي أن يصوم ويرجو ثوابه، وعظيم أجره، وقبول صيامه، ويسأل قبول عمله، فالمؤمن يرجو ويخاف.

وهناك مسألة يحسن التنبيه عليها وهي أن من عليه قضاءٌ من رمضان هل يصوم عاشوراء قبل القضاء أم لا؟ والجواب: أن الصحيح له أن يتطوع بصيام عاشوراء أو غيره قبل القضاء وللقضاء أيامٌ أُخر.

وهناك مسألةٌ أخرى وهي: لو نوى القضاء في يوم عاشوراء فيُقال: لا يخلو من حالات:

الحالة الأولى: أن ينوي عاشوراء فقط ولا ينوي القضاء، فهذا لا يكون إلا عن عاشوراء فقط.

الحالة الثانية: أن ينوي القضاء وعاشوراء جميعًا، فهذا يقع عن القضاء ويُثاب على عاشوراء -إن شاء الله- وفضل الله واسع.

الحالة الثالثة: من الناس من يتذكر أثناء النهار أن اليوم يوم عاشوراء، فيُقال لهذا: يجوز صيامه بنيةٍ من النهار بشرط أنك لم تأكل شيئًا قبل، لكن لا يُجزئ عن الفرض.

الحالة الرابعة: لو نوى القضاء لمن كان عليه قضاء بنيةٍ من النهار فلا يصح.

وقد ضل -عباد الله – في عاشوراء طائفتان ضالتان، وفرقتان باطلتان:

الأولى: الروافض فاتخذوا يوم عاشوراء يوم حزنٍ، ولطمٍ، ونوحٍ، وشقٍّ للجيوب وضربٍ للخدود وضرب الأجساد بالسواطير والسكاكين والسلاسل، وإخراج الدماء من الأجساد، والبكاء والصـراخ والعويل، وإنشاد المراثي والأشعار، والتعازي بعزاء الجاهلية، والصياح ورفع الأصوات، فاتخذوه يوم مصيبة وترح، وهمٍّ وغمٍّ وتعزية، وهؤلاء بهذا يُظهرون كما زعموا موالاة الحسن وأهل بيته وبئس ما زعموا.

الثانية: النواصب يُظهرون الأناشيد والأشعار والفرح والاستبشار، والسرور والحبور، وأخذ الزينة والبهجة، والتجمُّل والاكتحال والاختضاب، والتوسعة في النفقة، والإسراف في المآكل والمشارب.

وكذا اختلاطٌ بين الرجال والنساء وربما حصل الفاحشة الكبرى، فهم اتخذوه عيدًا وفرحًا، ومرحًا وأُنسًا.

هذا ومن بدع عاشوراء –أيها الإخوة الأوفياء- تخصيصه بعبادة غير الصيام فلا يصح فيه شيءٌ غير الصيام، تخصيصه بالفرح والسـرور والتوسعة في النفقة لا دليل عليه، تخصيصه بالحزن والمآتم، والأكدار والأحزان، تخصيصه بقيام ليلة العاشر، تخصيصه بعمرة أو دعاءٍ أو صدقة أو زيارةٍ للمقابر أو استغفار، وكذا إخراج الزكاة تأخيرًا أو تقديمًا لا دليل عليه، وكذا تخصيصه بالذبح أو الاغتسال أو الاكتحال ونحو ذلك.

وكذا تخصيصه بأحاديث موضوعة ومكذوبة كحديث: (مَنْ وَسَّعَ عَلَى عيالِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ السَّنة) (مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَمْرَضْ ذَلِكَ الْعَامَ) (مَنْ اكْتَحَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَرْمَدْ ذَلِكَ الْعَامِ) كل هذا وأمثاله لا صحة له ولا دليل عليه، بل هي أحاديثٌ مكذوبةٌ موضوعة.

وكذا تخصيصه بإجازة أو عطلةٍ أو ترك عمل أو تخصيصه بجلوسٍ في المسجد أو الاعتكاف فيه أو خلوةٍ أو مناجاةٍ لا دليل عليه.

وعليه فليُحذر من الرسائل الجوالية والواتس والنصية، والمواقع والمنتديات والتغريدات التي تنشر البدع والمحدثات، والأحاديث المكذوبة في عاشوراء، والقصص المُختَلقة، فلا يُرسل الإنسان إلا ما صح وسأل عنه أهل العلم الموثوقين، فلا يقص ولا يلصق ولا ينقل ولا ينسخ إلا ما دل عليه الدليل الصحيح، وإلا باء بالإثم والوزر القبيح، والتبعة في نشر البدع والكذب والخرافات، وكان من دُعاة الضلالة التي يبوء بإثمها وإثم من عملها وأرسلها، ونشرها ونسخها، فليس كل بيضاء شحمة ولا كل حبةٍ قُبة.

فيجب علينا أن نتقي الله –عباد الله- وأن نُسارع إلى الطاعات ما دمنا على قيد الحياة.

وتزودوا فإن خير الزاد التقوى.

 

 

المشاهدات 793 | التعليقات 0