مَاذَا نَفْعَلُ إِذَا حَصَلَ كُسُوفٌ ؟ 14 ذِي القَعْدَةِ 1439هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1439/11/13 - 2018/07/26 09:13AM

مَاذَا نَفْعَلُ إِذَا حَصَلَ كُسُوفٌ ؟ 14 ذِي القَعْدَةِ 1439هـ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ, الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيه, أَشْهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَه , وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسَولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً !

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا النَّاسُ, وَاعْلَمُوا أَنَّهُ يُتَوَقًّعُ غَداً أَنْ يَحْصُلَ كُسُوفٌ للْقَمَرِ, وَالنَّاسُ عَادَةً يَتَفَاوَتُونَ فِي رَدَّةِ الْفِعْلِ لِهَذَا التَّغَيُّرِ الْكَوْنِيِّ : فَمِنْهُمْ مَنْ يَفْزَعُ إِلَى الصَّلاةِ وَالدُّعَاءِ والاسْتِغْفَارِ وَقَدْ أَحْسَنَ هَؤُلاءِ ! وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْقَى فِي حَيَاتِهِ اليَوْمِيِّةِ الْمُعْتَادَةِ إِمَّا جَهْلاً أَوْ تَجَاهُلاً, فَلا يُؤَثِّرُ فِيهِمْ  مِثْلُ هَذَا الْحَدَثِ, بَلْ كَأَنَّ شَيْئَاً لَمْ يَكُنْ, بَلْ رُبَّمَا وُجِدَ مَنْ كَانَ يُبَارِزُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بِالْمَعْصِيَةِ أَثْنَاءَ الْكُسُوفِ, بَلْ وُجِدَ مِن النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: لا دَاعِيَ الآنَ للصَّلاةِ فَبِالتَّطَوُّرِ الْعِلْمِيِّ عَرَفْنَا مَتَّى يُكْسَفُ الْقَمَرُ وَمَتَّى يَنْتَهِي بِالضَبْطِ, فَسَوَاءٌ صَلَيَّنَا أَمْ لَمْ نُصَلِّ سَوْفَ يَتَجَلَّى الْكُسُوفُ! فَلْنَبْقَ نَتَمَتَّعُ بِحَيَاتِنَا وَلا دَاعِيَ لِتَخْوِيفِ الْبَشَرِيَّةِ ! وَهَؤُلاءِ جَمَعُوا حَشَفَاً وَسُوءَ كَيْلَةٍ, وَلَعَلَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِمْ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)  فَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ أَنْ تُحِيطَ بِنَا ذُنُوبُنَا وَتَحْرِمَنَا حتَّى التَّوْبَةَ والاسْتِغْفَار !

أَيُّهَا الإِخْوَةُ: تَعَالَوْا بِنَا نَنْظُرْ كَيْفَ حَصَلَ الكُسُوفُ فِي عَهْدِ النُّبُوَّةِ, وَكَيْفَ كَانَ مَوْقِفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَصَلَ الْكُسُوفُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ مَرْكَبًا (1) فَخَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ, يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ النَّاسُ: إِنَّمَا انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ, فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَرْكَبِهِ, وَتَوَضَّأَ, فَقَامَ فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ, فَأَخْطَأَ بِدِرْعٍ حَتَّى أُدْرِكَ بِرِدَائِهِ بَعْدَ ذَلِكَ (2) فَخَرَجَ يَجُرُّه, فَأَتَى المَسْجِدَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مُصَلَّاهُ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيه, وَبَعَثَ مُنَادِيًا: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ, وَثَابَ النَّاسُ إِلَيْه (3) فَاجْتَمَعُوا فَتَقَدَّمَ, وَقَامَ النَّاسُ وَرَاءَهُ, فَكَبَّرَ, وَجَهَرَ بِقِرَاءَتِهِ, فَقَامَ قِيَامَاً طَوِيلاً نَحْوَاً مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ, حتَّى جَعَلُوا يَخِرَّونَ (4) وَقَالَتْ أَسْمَاءُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: فَأَطَالَ الْقِيَامَ جِدَّاً حتَّى رَأَيْتُنِي أُرِيدُ أَنْ أَجْلِسَ, فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ وَأَلْتَفِتُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَسَنُّ مِنِّي, وَإِلَى الأُخْرَى هِيَ أَسْقَمُ مِنِّي, فَقُلْتُ: إِنِّي أَحَقُّ أَنْ أَصْبِرَ عَلَى طُولِ الْقِيَامِ مِنْكِ, فَأَقُومُ حتَّى تَجَلَّانِي الْغَشْيُ (5) وَإِلَى جَنْبِي قِرْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ فَفَتَحْتُهَا فَجَعَلْتُ أَصُبُّ مِنْهَا عَلَى رَأْسِي, ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعاً طَوِيلاً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ, فَقَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمْدَهُ, رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ, ثُمَّ قَامَ فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً هِيَ أَدْنَى مِنْ الْقِرَاءَةِ الأُولَى, ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعاً طَوِيلاً هُوَ أَدْنَى مِن الرُّكُوعِ الأَوَّلِ, ثُمَّ رَفَعَ فَقَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ, رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ, فَأَطَالَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ, ثُمَّ قَامَ فَصَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ, ثُمَّ تَأَخَّرَ وَتَأَخَّرَتِ الصُّفُوفُ خَلْفَهُ حتَّى انْتَهَى إِلى النِّسَاءِ, ثُمَّ تَقَدَّمَ وَتَقَدَّمُ النَّاسُ مَعَهُ, حتَّى قَامَ فِي مَقَامِهِ وَجَعَلَ يَبْكِي فِي سُجُودِهِ وَيَنْفُخُ وَيَقُولُ (رَبِّ لَمْ تَعِدْنِي هَذَا وَأَنَا أَسْتَغْفِرُكَ! رَبِّ لَمْ تَعِدْنِي هَذَا وَأَنَا فِيهِم) ثُمَّ رَفَعَ وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ, ثُمَّ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ!

فَكَانَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ الْأَوَّلُ الْأَوَّلُ أَطْوَلُ, ثُمَّ رَقِيَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَ النَّاسَ , فَحَمْدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ  بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما الشَّمْسُ وَالقَمَرُ آيَتَانِ مِن آيَاتِ اللهِ لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ , وَلَكِنَّ اللهَ يُخَوِّفُ بِهِمَا عِبَادَهُ, فِإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئَاً مِن ذَلِكَ  فَافْزَعُوا إِلى الصَّلاةِ وَذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ حتَّى يَكْشِفَ مَا بِكُمْ وَتَصَدَّقُوا, قَالَتْ أَسْمَاءُ: وَأَمَرَ بِالعَتَاقَةِ , قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئَاً فِي مَقَامِكَ هَذَا ثُمَّ رَأَيْنَاكَ كَفَفْتَ ؟

فَأَشَارَ بِيَدَيْهِ قِبَلَ قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ, ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ الآنَ مُنْذُ صَلَّيْتُ لَكُم الصَّلاةَ : الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مُمَثَّلَتَيْنِ فِي قِبْلَةِ هَذَا الْجِدَارِ ! فَلَمْ أَرَ كَاليَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ! مَا مِن شَيْءٍ تُوعَدُونَهُ إِلَّا رَأَيْتُهُ فِي صَلاتِي هَذِهِ, وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضَاً, وَذَلِكُمْ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَنِي مِنْ لَفْحِهَا, وَجَعَلْتُ أَنْفُخُ خَشْيَةَ أَنْ يَغْشَاكُمْ حَرُّهَا, وَرَأَيْتُ فِيهَا سَارِقَ بَدَنَتَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَرَأَيْتُ فِيهَا عَمْرَو بنَ لُحَيٍّ يَجُرَ قُصْبَهُ, وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ, وَرَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَةَ الْهِرَّةِ امْرَأَةً حِمْيَرِيَّةً سَوْدَاءَ طَوِيلَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ تُعَذَّبُ فِي هِرَّةٍ لَهَا رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا, وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِن خَشَاشِ الأَرْضِ حتَّى مَاتَتْ جُوعَاً, وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ) قَالُوا : بِمَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ (بِكُفْرِهِنَّ) قِيلَ : يَكْفُرْنَ بِاللهِ ؟ قَالَ (يَكْفُرْنَ العَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ؛ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئَاً قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ  خَيْرَاً قَطُّ, ثُمَّ جِيءَ بِالجَنَّةِ وَعُرِضَتْ عَلَيَّ, وَقَدْ دَنَتْ مِنِّي حتَّى لَو اجْتَرَأْتُ عَلَيْهَا لَجِئْتُكُمْ بِقِطَافٍ مِنْ قِطَافِهَا حتَّى لَقَدْ رَأَيْتُنِي أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قِطْفَاً مِن الْجَنَّةِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلْتُ أَتَقَدَّمُ, ثُمَّ بَدَا لِي أَلَّا أَفْعَل فَقَصُرَتْ يَدِي عَنْهُ, وَلَوْ أَخَذْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا! وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ مِثْلَ أَوْ قَرِيبَاً مِن فِتْنَةِ الدَّجَّالِ, يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَو الْمُوَفَّقُ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا, فَيُقَالُ: نَمْ صَالِحَاً, عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِنَا, وَأَمَّا الْمُنَافِقُ أَو الْمُرْتَابُ فَيَقُولُ: لا أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئَاً فَقُلْتُهُ, ثُمَّ قَالَ: يَا أُمَّةَ مّحَمَّدٍ, وَاللهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِن اللهِ, أَنْ يَزْنِي عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِي أَمَتُهُ, يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ لَوْ تَعْلَمْونَ مَا أَعْلَمْ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرَاً, ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْت) (6)

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: سَمِعْتُمْ مَا الذِي حَصَلَ مِن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن ذَلِكَ الْفَزَعِ وَمِن الصَّلاةِ وَمِن الخُطْبَةِ, وَمِنْ عَرْضِ الْجَنَّةِ والنَّارِ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي, فَاللَائِقُ بِنَا أن نقتدي برسولنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَفْعَلَ فِعْلَه, وَأَنْ نُظْهِرَ الْخَوْفَ مِن اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْ يَرَى اللهُ ذَلِكَ مِن قُلُوبِنَا, حتَّى لَوْ تَصَنَّعَ الإِنْسَانُ ذَلِكَ, أَيْ خَوَّفَ نَفْسَهُ وَحَدَّثَهَا بِأَنْ تَخْشَى عُقُوبَةَ الله ِفَهَذَا جَائِزٌ بَلْ مَطْلُوبٌ! وَلَيْسَ هَذَا مِن الرِّيَاءِ لأَنَّكَ تَفْعَلُ هَذَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ وَلَيْسَ أَمَامَ النَّاسِ!

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَنَفَعَنِي اللهُ وَإِيَّاكُم بِمَا فِيهَما مِن الْعِلْمِ وَالإِيمانِ وَالْحِكْمَةِ ! أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ )

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

 أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ إِذَا حَصَلَ كُسُوفٌ لِلشَّمْسِ أَو للْقَمَرِ فَإِنَّ السُّنَّةَ قَدْ بِعِدَّةِ أُمُورِ: فَمِنَهَا الدُّعَاءُ, وَالتَّكْبِيرُ والاسْتِغْفَارُ وَالصَدَقَةُ وَالعِتْقُ وَالصَّلاةُ, وَالذِّكْرُ !

فَنَدْعُوا اللهَ أَنْ يَكْشِفَ عَنَّا مَا حَصَلَ مِن الكُسُوفِ, وَنَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ, وَنُكْثِرُ مِنْهَا, وَنَسْتَغْفِرُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ, وَنَتَصَدَّقُ وَلَوْ بِالقَلِيلِ تَقَرُّبَاً إِلَى اللهِ وَاسْتِدْفَاعَاً لِمَا يَحْصُلُ فَإِنَّ صَنَائِعَ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ, وَنُصَلِّي صَلاةَ الكُسُوفِ الْمَعْرُوفةِ, فَي الْمَسَاجِدِ, وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ اجْتَمَعُوا فَي الجَوَامِعِ تَكْثِيراً لَلْعَدَدِ وَإِظْهَاراً لِهَذِهِ الشَّعِيرَةِ لَكَانَ أَوْلَى , وَيَنَادِي المُؤَذِّنُ فَي مُكَبِّرِ المَسْجِدِ قَائِلاً: الصَّلاةُ جَامِعَةٌ! وَيُكَرِّرُ بِقَدْرِ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ سَمَاعَ النَّاسِ! وَتُصَلَّى رَكْعَتَينِ جَهْرِيَّتَينِ بِرُكُوعَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةِ, وَيَنْبَغِي لأَصْحَابِ الفَضِيلَةِ  أَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ أَنْ يُطِيلُوا الصَّلاةَ بِحَسْبِ الْقُدْرَةِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, حَيْثُ أَطَالَ الصَّلاةَ جِدَّاً حتَّى كَانُوا يَسْقُطُونَ مِن الغَشْيِ مِن طُولِ القِيَامِ, وَأَمَّا التَّلاعبُ بِالصَّلاةِ وَتَخْفِيفُهَا فَإِنِّي أُعِيذُهُمْ بِاللهِ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ!

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: فَإِنْ انْقَضَتِ الصَّلاةُ وَلَمْ يَتَجَلَّ الكُسُوفُ فَإِنَّ الصَّلاةَ لا تُكَرَّر ُبَلْ يُكْتَفَى بِالصَلاةِ الأُولَى, وَمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلاةُ أَوْ بَعْضُهَا قَضَاهَا عَلَى صِفَتِهَا, وَمَنْ فَاتَهُ الرُّكُوعُ الأَوَّلُ مِن الرَّكْعَةِ فَقَدْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ حتَّى لَوْ أَدَرَكَ الرُّكُوعَ الثَّانِي, لأَنَّ الرُّكُوعَ الثَّانِي سُنَّةٌ وَأَمَّا الرُّكْنٌ فَهُوَ الرُّكُوعُ الأَوَّلُ!

وَيَجُوزُ للنِّسَاءِ الْحُضُورُ للْمَسَاجِدِ لصَلاةِ الكُسُوفِ وَيَجُوزُ لَهُنَّ صَلاةُ  الكُسُوفِ فِي بُيُوتِهِنَّ وَهَذَا أَفْضَلُ, وَيَجُوزُ لِمَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ مَسْجِدٌ قَرِيبٌ أَنْ يُصِلٍّيهَا ولو وَحْدَه!

أَسْأَلُ اللهَ بِمَنِّه وَكَرَمِهِ أَنْ يَرْزُقَنَا خَشْيَتَهُ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَأَنْ يَرْزُقَنَا الْعِلْمَ  النَّافِعَ وَالعَمَلَ الصَّالِحَ الذِي يُرْضِيهِ عَنَّا ! اللَّهُمَّ لا تُؤَاخِذْنَا بِذُنُوبِنَا وَلَا تُعَاقِبْنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا, اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَميعِ سَخَطِكَ, رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ! وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

  • قوله ركب ذات غداة مركبا أي سار مسيرا وهو راكب
  • معناه أنه لشدة سرعته واهتمامه بذلك أراد أن يأخذ رداءه فأخذ درع بعض أهل البيت سهوا ولم يعلم ذلك لاشتغال قلبه بأمر الكسوف فلما علم أهل البيت أنه ترك رداءه لحقه به إنسان
  • أي رجعوا إلى المسجد بعد أن كانوا خرجوا منه
  • أي يسقطون بسبب طول القيام
  • بمعنى الغشاوة وهو معروف يحصل بطول القيام في الحر وفي غير ذلك من الأحوال ولهذا جعلت تصب عليها الماء وفيه أن الغشي لا ينقض الوضوء ما دام العقل ثابتا
  • هذا الحديث مجموعة روايات للحديث من الكتب السبعة المعروفة وقد قام بالتوفيق بينها وصياغتها الشيخ خالد بن حامد المصري حفظه الله أحد أفاضل طلاب شيخنا محمد العثيمين رحمه الله
المرفقات

نَفْعَلُ-إِذَا-حَصَلَ-كُسُوفٌ-؟-14-ذِي-ا

نَفْعَلُ-إِذَا-حَصَلَ-كُسُوفٌ-؟-14-ذِي-ا

المشاهدات 2467 | التعليقات 2

بسم الله الرحمن الرحيم 

أصحاب الفضيلة : ورد في خطبتي هذه العبارة (وَاعْلَمُوا أَنَّهُ يُتَوَقًّعُ غَداً أَنْ يَحْصُلَ كُسُوفٌ للْقَمَرِ) 

والمراد معلوم من السياق بل والواقع , لكن ليعلم أنها سبقت قلم , وإلا فإن المتوقع هو ليلة السبت [ الليلة التالية لخطبة الجمعة ] 

وعليه فتستبدل العبارة بما يلي (وَاعْلَمُوا أَنَّهُ يُتَوَقًّعُ اللَّيلَةَ أَنْ يَحْصُلَ كُسُوفٌ للْقَمَرِ) 

ونزولا عند رغبة بعض المحبين من التنبيه على المراد كتبت ذلك

وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه


جزاك الله خيرا