يأتوك رجالاً

عبدالله اليابس
1439/11/06 - 2018/07/19 19:59PM

يأتوك رجالا                                            الجمعة 7/11/1439هـ  

الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَيَّأَ لِأَصْحَابِ السَّعَادَةِ أَسْبَابَ التَّوْفِيقِ, وَيَسَّرَ لِمَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادَةِ حَجِّ بَيْتِهِ العَتِيقِ, وَجَعَلَ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهَوي إِلَيْهُ مَنْ الحُرِّ وَالرَّقِيقِ, فَيَأْتُونَهُ {رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرُ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}, الحمد لله الذي جَعَلَ بَيْتَهُ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً لِهُمْ مِنْ عَذَابِ الحَرِيقِ, وَقَرَنَ وُجُوبَ حَجِّهِ بِاِسْتِطَاعَةِ السَّبِيلِ وَأَمْنِ الطَّرِيقِ. فَأَدْنَى بِذَلِكَ كُلَّ بَعِيدٍ سَحِيقٍ, فَسُبحَانَ مَنْ جَعَلَ حَجَّ بَيْتِهِ بَيْنَ العَبْدِ وَالنَّارِ حِجَابًا وجُنَّة, وَجَعَلَ ثَوَابُ الحَجِّ المَبْرُورُ الجَنَّةَ..
وَأَشْهَدُ أَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وحده لا شريكَ له, وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدًا سَيِّدُ الإِنْسِ والجِنَّة, صَلَّى اللهَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ جَعَلُوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ وِقَايَةً كالمِجَنَّة..
 أَمَّا بَعْدُ: فأوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ: (فَاِتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
 يَا أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. شَهْرٌ وَاحِدٌ يَفْصِلُنَا عَنْ حَدَثٍ تَارِيخِيٍّ.. نَعَمْ .. حَدَثٌ تاريخيٌ بِمَعْنَى الكَلِمَةِ, حَيْثُ سَيَجْتَمِعُ مَلَايِينُ البَشَرِ.. فِي بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ العَالَمِ.. لِيُجِيبُوا نِدَاءَ اللهِ.. ذَلِكَ النِّدَاءُ الَّذِي أَمَرَ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَبِيَّهِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَلَامُ بِأَنْ يُؤَدِّيه {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}.
قالَ ابن كثيرٍ رحمه الله: "فَذُكر أَنَّهُ قَالَ: يَا رَبِّ، وَكَيْفَ أُبْلِغُ النَّاسَ وَصَوْتِي لَا يَنْفُذُهُمْ؟ فَقِيلَ: نَادِ وَعَلَيْنَا الْبَلَاغُ". ورُوِيَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام لَمَّا أَمَرَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ اعْتَلَى جَبَلَ أَبِي قَيْسٍ وَجَعَلَ إِصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَنَادَى: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا».
نَعَمْ.. وَمُنْذُ تُلِّكُمُ اللَّحْظَةِ.. تَوَافَدَتْ الجُمُوعُ عَلَى تِلْكَ البِقَاعُ المُقَدَّسَةِ. تَهْتِفُ وَتُجَأرُ إِلَى اللهِ: (لَبَّيْكَ اَللَّهُمَّ لَبَّيْكَ. لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ. إِنَّ الحَمْدَ. وَالنِّعْمَةَ. لَكَ وَالمُلكَ. لَا شَرِيكَ لَكَ)..
مُنْذُ ذَلِكَ الحِينِ.. وَالنَّاسُ تَأْتِي زُرَافَاتٍ وَوُحْدَانًا إِلَى بَيْتِ اللهِ.. طَمَعًا فِي ثَوَابِ اللهِ.. وَرَغْبَةُ فِي المَغْفَرَةِ مِنْ اللهِ.. {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ }..
 دَعَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَلَامُ رَبَّهُ: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ}, فَأَصْبَحَ تَعَلُّقُ النَّاسِ بِتِلْكَ البِقَاعِ مُثَلًا يَضْرِبُ.. وَأَمْرًا يُستعجَب.. قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَمُجَاهِدُ وَسَعِيدُ بِنْ جُبَيْرٍ: "لَوْ قَالَ (أَفْئِدَةَ النَّاسِ) لِاَزْدَحَمَ عَلَيْهِ فَارِسُ وَالرَّوْمُ وَاليَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ, وَلَكِنْ قَالَ: {مِنَ النَّاسِ}, فَاِخْتَصَّ بِهِ المُسْلِمُونَ"..
إِنَّهُ وَاللهِ المَكَانُ الَّذِي لَا يُمَلُّ. فَمَا أَنْ تُغَادِرَهُ حَتَّى تَشْتَاقَ لِأَنْ تَعُودَ إِلَيْهُ..

سَلَام عَلَى تِلْكَ الدِّيَارِ فَإِنَّهَا ** دِيَارِي الَّتِي أَشْتَاقُهَا وَرُبُوعِي

كَيْفَ لَا يَشْتَاقُ المُسْلِمُ لِتِلْكَ البِقَاعِ الَّتِي تُجَابُ فِيهَا الدَّعَوَاتُ.. وَتُغْفَرُ فِيهَا الخَطِيئَاتُ.. وَتُسْكَبُ فِيهَا العِبْرَاتُ.. وَفِيهَا بَيْتُ رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ؟
كَيْفَ لَا يَشْتَاقُ المُسْلِمُ لِتِلْكَ الأَرْضِ الَّتِي فِيهَا مَشَى إِبْرَاهِيمُ, وَتَرَعْرَعَ فِيهُ إِسْمَاعِيلُ, وُولْد فِيهَا مُحَمَّدٌ, عَلَيْهُمْ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمَّ التَّسْلِيمَ..
إِنَّهَا أَرْضٌ مُبَارَكَةٌ.. أُخْرِجُ مِنْهَا حَبِيبِنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُطَارَدًا فِي الجِبَالِ, ثُمَّ دَخَلَهَا فَاتِحًا عَلَى الجِمَالِ. وَاليَوْمَ يُعْلِى عَلَى جِبَالِهَا كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ: (أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ)..
قُلُوبُ الصَّالِحَيْنِ.. يَغْمُرُهَا الشَّوْقُ وَالحَنِينُ.. لَبَّيْتِ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ..
سَمِعُوا نِدَاءَ اللهِ لَهُمْ بِالحَجِّ. فَأَجَابُوا نِدَاءَهُ. وَتَابَعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ.. كَيْفَ لَا وَقَدْ بَلَغَهُمْ حَدِيثُ اِبْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهُ الَّذِي أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ, فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ والذُّنوبَ, كَمَا يَنْفِي الْكيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ والذَّهبِ وَالفِضَّةِ, وَلَيْسَ لِلحَجِّ المَبْرُورِ ثَوَابٌ دُونَ الجَنَّةِ).
لَمَّا عَلِمَ الصَّالِحُونَ ذَلِكَ اِمْتَثَلُوا لَهُ خَيْرَ اِمْتِثَالٍ, فَهَذَا الأُسُودُ النَّخَعِيُ رَحِمَهُ اللهُ سَافَرَ 80 مَرَّةً بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ مِنْ العِرَاقِ, وَسُمِّيَ الأَسْوَدُ لِأَنَّهُ نَشَفَ جِلْدُهُ مِنْ العِبَادَةِ وَالصِّيَامِ, وَكَذَلِكَ حَجَّ سُفْيَانُ بنُ عُيينةَ 80 مَرَّةً, وَحَجُّ عَطَاءُ 70 مَرَّةٍ, وَطَاوُوسُ وابنُ المسيِّبِ حَجًّا 40 مَرَّةً, وَالشَّيْخُ عَبْدالعَزِيزُ بنُ بَازٍ لَمْ يَتْرُكِ الحَجَّ مُنْذُ بَلَغَ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ صَالِحُ الخُريصيُّ, وَالشَّيْخُ مُحَمَّدٌ بِنْ قَاسِم رَحِمَ اللهَ الجَمِيعُ يَقُولُ: تَأْتِي سَنَوَاتٌ لَيْسَ لِنَّا نِيَّةٌ فِي الحَجِّ, فَإِذَا سَمِعْتُ النَّاسَ يُكَبِّرُونَ فِي العَشْرِ أَخَذَنِي الشَّوْقُ, وَقَالَ: حَجَجْتُ مَرَّةً فِي سَيَّارَةٍ عَلَى بَرَامِيلِ زَيْتٍ مِنْ الرِّيَاضِ إِلَى مَكَّةَ..
 تَحْيَا بِهِمْ كُلُّ أَرْضٍ يَنْزِلُونَ بِهَا *** كَأَنَهِمُ لِبِقَاعِ الأَرْضِ أَمْطَارُ
وَنُورُهُمْ يَهْتَدِي السَّارِي لِرُؤْيَتِهِ *** كَأَنَهُمُ فِي ظَلَامِ اللَّيْلِ أَنْوَارُ

 إِنَّهُ الحَجُّ يَا مَنْ لَمْ يَحُجَّ.. هُنَاكَ تُغْفَرُ الذُّنُوبُ. وَتَرْجِعُ مِنْهَا كَيَوْمَ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ, صَحِيفَتُكَ بَيْضَاءُ نَقِيَّة, لَا خَطِيئَةَ فِيهَا, أَخْرَجَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ الله عنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ حَجَّ لِله فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ).

إِنَّهُ الحَجُّ يَا مَنْ لَمْ يَحُجَّ.. فَرِيضَةُ اللهِ عَلَيْكَ إِنَّ اِسْتَطَعْتَ بَدَنِيًّا وَمَالِيَّاً.. وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الفَوْرِ.. لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ العِلْمِ لغير عُذرٍ. فَمَنْ أَخَّرَهُ لِلعَامِ الَّذِي يَليهِ فَهُوَ آثِمٌ. خُصُوصًا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ أَنْ يَعِيشَ لِلعَامِ التالي. وَلَا يَضْمَنُ أَنْ يَبْقَى صَحِيحًا مُعَافًى.. كما لا يضمنُ أَنْ يَمْلِكَ المَالَ الَّذِي يَحُجُّ بِهِ, {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}, رَوَى اِبْنُ مَاجَه وَغَيْرَهُ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ, فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ, وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ, وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ).

يَا مَنْ رَأْى النَّاسَ تَسْتَعِدُّ لِلحَجِّ وَهُوَ قَاعِدْ. أَمَّا تَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ كَرِهَ اللهُ اِنْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُم وَقِيلَ اُقْعُدُوا مَعَ القَاعِدِينَ؟.
قَالَ سَرِيُ السَّقطِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: خَرَجْتُ إِلَى الحَجِّ مِنْ طَرِيقِ الْكُوفَةُ, فَلَقِيتُ جَارِيَةً حَبَشِيَّةً تَمَشِي, فَقُلْتُ: إِلَى أَيْنَ يَا جَارِيَة؟ قَالَتْ: إِلَى مَكَّةَ. فَقُلْتُ لَهَا: إِنَّ الطَّرِيقَ بِعِيْد. فَقَالَتْ: بَعِيدٌ عَلَى الكَسْلَانِ أَوْ ذِي مَلالةٍ, وَأَمَّا عَلَى المُشْتَاقِ فَهُوَ قَرِيبُ..
اللهُم أَعَنَّا عَلَى ذَكَرِكَ وَعَلَى شُكْرِكَ وَعَلَى حُسْنِ عِبَادَتِكَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ..
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ, وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنْ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ, قَدْ قُلتُ مَا سَمِعْتُم وَاَسْتَغْفَرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ.. {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.
فَيَا أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فِي بِدَايَةَ هَذَا الأُسْبُوعِ فُتِحَ بَابُ الحَجْزِ الإِلِكْتْرُونِيِّ فِي حَمَلَاتِ الحَجِّ في المملكة, وَقَدْ سَمِعْنَا قَبْلَ قَليلٍ طَرَفًا مِنْ أَخْبَار كثرة حجِ مَنْ سَبَقَنَا.. كُلُّ ذَلِكَ وَقَدْ كَانَ الحَجُّ صَعْبًا عَسِيرًا. مَحْفُوفًا بِالمَشَاقِّ وَالصِّعَابِ, وَكَانَ الحَاجُّ لَا يَخْرُجُ مِنْ بَلَدِهِ حَتَّى يَكْتُبَ وَصِيَّتَهُ, وَيُسَدِّدَ دُيُونَهُ, وَيُودَعَ أَهْلَهُ وَدَاعَ مَنْ لَنْ يَعُودَ إِلَيْهِمْ..
لَقَدْ كَانَ الحَجِيجُ يَذْهَبُونَ إِلَى مَكَّةَ مَشْيًا عَلَى الأَقْدَامِ, وَأَحْسَنَهُمْ حَالًا مَنْ تَتَوَفَّرُ لَهُ نَاقَةٌ يَرْكَبُهَا, وتَهْتَزُّ به طَوالَ الطَّريق, يَمْشُونَ سَاعَاتٍ وَيَسْتَرِيحُونَ أُخْرَى, يَقْطَعُونَ الفيافي وَالقِفَارَ فِي شِدَّةِ الحَرِّ, أَوْ شِدَّةِ البَرْدِ, يَقْضُونَ الأَيَّامَ وَالأَسَابِيعَ وَ أَحْيَانًا الأَشْهُرَ ذَاهِبَيْنِ. ثًمَّ يُمْضُونَ مِثْلَهَا آيِبيِنَ.. فَإِذَا وَصَلُوا إِلَى مَكَّةَ اِشْتَغَلُوا بِنَصْبِ الخِيَامِ, وَتَهْيِئَةِ المُقَامِ, وَشِرَاءِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ والأنعام, وَاِشْتَغَلَتْ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ بِجَمْعِ الحَطَبِ, وَجَلْبِ المَاءَ, وَاِشْتَغَلَ آخَرُونَ بِالطَّبْخِ والنظافة. كُلُّ ذَلِكَ وَقَدْ قَدِمُوا مِنْ رِحْلَةٍ طَوِيلَةٍ مُتْعِبَةٍ مُرْهِقَةٍ. وَيَرْغَبُونَ التَّفَرُّغِ لِلطَّاعَةِ.
أَمَّا اليَوْمَ فَإِنَّ رِحْلَةَ الحَجِّ لَا تَتَجَاوَزُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ, يَتَوَضَّأُ الإِنْسَانُ مِنْ بَيْتِهِ فِي بَلَدِهِ. وَيُصَلِّي فِي الحَرَمِ بِذَلِكَ الوُضُوءِ, وَيَسْكُنُ فِي فَنَادِقَ وَمُخَيَّمَاتٍ فَاخِرَةٍ مُكَيِّفَةٍ, وَيُؤْتَى إِلَيْهِ بِأَشْهَىَ الأَطْبَاقِ وَالمَشْرُوبَاتِ طَوَالَ اليَوْمِ, وَيَتَنَقَّلُ بَيْنَ المَشَاعِرِ بِأَحْدَثِ الوَسَائِلِ, وَقَدْ وُسِّعَتْ الجَمَرَاتُ, وَزُوِّدَتْ الشَّوَارِعَ بِرَذَاذِ المَاءِ. فَلَا يُسَاوِي مَا يَبْذُلُهُ الحَاجُّ اليَوْمَ مِعشارَ مَا كَانَ يُعَانِيهُ السَّابِقُونَ فِي الحَجِّ..
أفبعد هَذَا يَكْسَلُ مُسْلِمٌ عَنْ أَدَاءِ هَذِهِ الفَرِيضَةِ؟
مَنْ نَالَ مِنْ عَرَفَاتَ نَظْرَةَ سَاعَةٍ *** نَالَ السُّرُورُ وَنَالَ كُلُّ مُرَادِ
تَاللهِ مَا أَحَلَى المَبِيتَ عَلَى مِنَى *** فِي لَيْلٍ عِيدٍ أَبْرَكِ الأَعْيَادِ
ضَحَّوْا ضَحَايَاهُمْ وَسَالَ دِمَاؤُهَا *** وَأَنَا المُتَيَّمُ قَدْ نَحَرَتْ فُؤَادِي
لَبِسُوا ثِيَابَ البِيضِ شَارَاتِ الرِّضى *** وَأَنَا المُلَوِّعُ قَدْ لَبِسْتَ سَوَادِي
يَا رَبِّ أَنْتَ وَصَلْتَهُمْ صِلْنِي بِهِمْ *** وَبِحَقِّكُمْ يَا رَبِّ فُكَّ قِيَادِي
فَإِذَا وَصَلْتُمْ سَالِمِينَ فَبَلِّغُوا *** مِنِّي السَّلَامَ أُهِيلَ ذَاكَ الوَادِي
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات

رجالا-الحج-7-11-1439

رجالا-الحج-7-11-1439

المشاهدات 832 | التعليقات 0