أخطارُ السهرِ وَقِلَّةِ النومِ-29-10-1439ه-محمد الشرافي-الملتقى-بتصرف

محمد بن سامر
1439/10/28 - 2018/07/12 23:17PM
     أما بعد: فالوصيةُ بتقوى اللهِ، وَصِيَّةِ اللهِ لَلأَوَّلَيْنِ وَالآخَرِيْنِ ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾.
     الحديث اليوم عَنْ عَادَةٍ سَيِّئَةٍ صَارَتْ تَنْتَشِرُ بَيْنَ النَّاسِ انْتِشَارَ النَّارِ فِي الْهَشِيمِ، عَادَةٍ مُخَالِفَةٍ لِلسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَمُخَالِفَةٍ لِلْفِطْرَةِ الْبَشَرِيَّةِ، وَمُخَالَفَةٍ لِلْقَوَاعِدِ الصِّحِيَّةِ الطِّبِيَّةِ، إِنَّهَا عَاَدةٌ تُؤَدِّي إِلَى مُخَالَفَاتٍ شَرْعِيَّةٍ، وَإِلَى أَضْرَارٍ بَدَنِيَّةٍ، وَمَفاسَدَ اجْتِمَاعِيَّةٍ، إِنَّهَا عَادَةُ السَّهَرِ بِاللَّيْلِ وَالنَّوْمِ بِالنَّهَارِ.
     إِنَّ السَّهَرَ إِلَى الْفَجْرِ أَوْ إِلَى قَرِيبٍ مِنْهُ مُخَالِفٌ لِشَرْعِ اللهِ، وَمُخَالِفٌ لِطَبِيعَةِ بَدَنِ الْإِنْسَانِ، وَلَهُ آثَارٌ سَيِّئَةٍ خَطِيرَةٌ.
     فَاللهُ-عَزَّ وَجَلَّ-جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَمَحَلًّا لِلرَّاحَةِ وَالطُّمْأَنْيِنَةِ قَالَ اللهُ-تَعَالَى-: ﴿وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا﴾، وَقَالَ-عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا*وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا﴾، فَاللَّيْلُ وَقَتُ النَّوْمِ وَالرَّاحَةِ وَالنَّهَارُ وَقْتُ النَّشَاطِ وَالْحَيَوِيَّةِ وَطَلَبِ الرِّزْقِ، ونَوْمُ النَّهَارِ لا يُعَوِّضُ نَوْمَ اللَّيْلِ، فَاللَّيْلُ هُوَ السَّكَنُ، وَهُوَ وَقْتُ الرَّاحَةِ، وكان رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ العِشَاءِ وَالحَدِيثَ بَعْدَهَا، فَلا يَنْبَغِي السَّهَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا لِحَاجَةٍ مباحة ظَاهِرَةٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ-رَضَيَ اللهُ عَنْهُ-قَالَ: "جَدَبَ إِلَيْنَا-عابَ وذمَّ-رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-السَّمَرَ بَعْدَ الْعِشَاءِ"، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: :إِيَّاكُم وَالسَّمَرَ بَعْدَ هَدْأَةِ اللَّيْلِ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ مَا يَأْتِي اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ".
     مَا أَكْثَرَ مَنْ يَتَخَلَّفُ عَنْ صَلاةِ الْفَجْرِ، وصلاةِ الظهرِ؛ بسببِ السهرِ بالليلِ، والنومِ بالنهارِ، وَالنَّوْمُ عَنِ الصَّلَاةِ خَطِيرٌ جِدًّا، فَقَدْ يَكُونُ سَبَبًا فِي عَذَابِ الْقَبْرِ الْفَظِيع، فَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-عَنِ النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي الرُّؤْيَا، قَالَ: "أَمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالحَجَرِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفِضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ"، بَلْ إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ سَبَّبَ لَهُ السَّهَرُ تَرْكَ صَلَاةِ الْجُمْعَةِ التِي هِيَ مِنْ أَهَمِّ الصَّلَوَاتِ، وَالتَّخَلُّفُ عَنْهَا مِنَ الذُّنُوبِ الْكَبِيرَةِ، قال رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-: "لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ-تركِهم-الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ".
     كَمْ تَسَبَّبَ السَّهَرُ فِي ضَيَاعِ كَثِيرٍ مِنَ الْوَاجِبَاتِ الاجِتْمَاعِيَّةِ وَالْعَائِلِيَّةِ وَالْوَظِيفِيَّةِ، فَكَمْ يُعَانِي الْمُديرونَ والمراجعونَ مِنْ الْخَلَلِ الذِي يُسَبِّبُهُ غِيَابُ الْمُوَظَّفِ، وكم تعاني الْأُمَّهَاتُ فِي الْبُيُوتِ مِنْ عَدَمِ قَضَاءِ حَاجِيَّاتِ الْبَيْتِ الضروريةِ؛ بِسَبَبِ إِهْمَالِ رَبِّ الْأُسْرَةِ فِي قَضَائِهَا لِأَنَّهُ يَسْهَرُ بِاللَّيْلِ وَيَنَامُ بِالنَّهَارِ، بَلْ رُبَّمَا مرضَ أَحَدُ أَفْرَادِ الْعَائِلَةِ فاُضْطُرَّ للذهابِ إلى الطَّبِيبِ فَلا يَجِدُ مَنْ يوصله إلى المُسْتَشْفَى، وَكُلُّ ذَلِكَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْعَادَةِ الْقَبِيحَةِ السهرِ.
     وَبِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا سَبَقَ فَإِنَّ السَّهَرَ نَتَائِجُهُ عَكْسِيَّةٌ، عَلَى صِحَّةِ الْمَرْءِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْقَلْبِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ، قَالَ أَهْلُ الطِّبِّ: إِنَّهُ مَعَ تَغَيُّرِ مَوَاعِيدِ النَّوْمِ يَصْحُو الإِنْسَانُ مُتَأَخِرًا وَتَتَغَيَّرُ مَوَاعِيدُ وَجَبَاتِهِ الْغِذَائِيَةِ، خَاصَةً لَدَى صِغَارِ السِّنِّ وَالشَّبَابِ، وَهَذَا بِدَوْرِهِ يُؤَدِّي إِلَى الْبِنْيَةِ الْهَزِيلَةِ، وَضَعْفِ الْمُقَاوَمَةِ، والسُمنةِ التي هي بوابةٌ لكثيرٍ من أمراضِ العصرِ الدائمةِ الخطيرةِ: كالسكري والضغطِ.
     وَأَمَّا الْأَضْرَارُ النَّفْسِيَّةُ: فَإِنَّ مَنْ أَصْبَحَ السَّهَرُ عَادَةً لَدَيْهِ يَبْدُو مُتَعَكِّرَ الْمِزَاجِ، سَرِيعَ الاسْتِثَارَةِ والانفعالِ، غَيْرَ قَادَرٍ عَلَى تَحَمُّلِ الْمَهَامِّ التِي تَتَطَلَّبُ الْجُهْدَ وَالتَّرْكِيزَ، وَكَثِيرٌ مَا يُرَاجِعُ الْعِيَادَةَ النَّفْسِيَّةَ أَشْخَاصٌ لَدَيْهِمْ مُشْكِلَاتٌ نَفْسِيَّةٌ وَبَدِنِيَّةٌ نَاتِجَةٌ عَنِ اضْطِرَابَاتٍ فِي النَّوْمِ، وَأَهَمُّ ذَلِكَ الْكَآبَةُ وَالْحُزْنُ، وَتَعَكُّرُ الْمِزَاجِ، وَسُرْعَةُ الانِفْعَالِ، وَالْقَلَقُ وَالتَّوَتَّرُ، بَلْ إِنَّ بَعْضَهُمْ يُصَابُ بِالْهَذَيَانِ وَالتَّشَتُّتِ الذِّهْنِيِّ.
     وَأَمَّا أَضْرَارُ السَّهَرِ عَلَى ذَاكِرَةِ الِإْنِسَانِ وَالْجِهَازِ الْعَصَبِيِّ والمناعي: فَقَدْ أَكَدَّتِ الدِّرَاسَاتُ وَالْبُحُوثُ أَنَّ السَّهَرَ مِنْ أَقْوَى الْعَوَامِلِ المضعفةِ لمناعةِ الجسمِ ضدَ الأمراضِ، وَمِنْ أَسْبَابِ ضَعْفِ التَّرْكِيزِ، وَسُرْعَةِ النِّسْيَانِ، وَالْكَسَلِ وَالْفُتُورِ وَسُرْعَةِ الْإِجْهَادِ.
     أَيُّهَا المباركون: قَبْلَ عِدَّةِ سَنَوَاتٍ كَانَ النَّاسُ عِنْدَنَا يَنَامُونَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ بِسَاعَتَيْنِ عَلَى الْأَكْثَرِ، وَيَنْهَضُونَ مَعَ بَوَاكِيرِ الْفَجْرِ الْأُولَى مُكْتَمِلِي الْحَيَوِيَّةِ وَالنَّشَاطِ، وَمَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَنْصَرِفُ كُلُّ طَرَفٍ إِلَى مُهَمَّاتِهِ الْيَوْمِيَّةِ، وكَانَتِ مُعَدَّلاتُ الإِصَابَةِ بِالسُّكَّرِي وَضِيقِ الشَّرَايِينِ وَتَصَلُّبِ الْمَفَاصِلِ وَالاعْتِلَالاتِ الْهَضْمِيَّةِ تَكَادُ تَكُونُ صِفْرًا، نَحْنُ فِي أَمَسِّ الْحَاجَةِ إِلَى إِعَادَةِ تَأْهِيلٍ وَبَرَامِجِ تَوْعِيَةٍ، لِلالْتِزَامِ بِقَوَاعِدِ التَّعَامُلِ مَعَ الْوَقْتِ وَشُرُوطِ الْجَوْدَةِ النَّوْعِيَّةِ لِلْحَيَاةِ.
     أستغفر اللهَ....
 
 
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
     أَمَّا بَعْدُ: فيَقُولُ علماءُ صحةِ البدنِ: "إن مثلثَ الصحةِ الذي يقي من الأمراضِ ويشفي منها-بإذنِ اللهِ تعالى-: 1-الغذاءُ الصحيُ المتوازنُ في الكمِيةِ والنوعيةِ، 2-ممارسةُ الرياضةِ من نصفِ ساعة إلى ساعةٍ، مع التقليلِ من الجلوسِ والإكثارِ من الحركةِ، بتطبيقِ قاعدة ِ25/5 أو 50/10، فكل 25 دقيقةِ جلوسٍ يقابلها 5 دقائقَ حركةٍ، أو كلُ 50 دقيقةِ جلوسٍ يقابلها 10 دقائقَ حركةٍ، 3-النومُ المبكرُ عندَ العاشرةِ أو بعدَها بقليلٍ.
     "اللهم إنا نعوذ بك من الهمِ والحزَنِ، ومن العجزِ والكسلِ، ومن الجُبنِ والبخلِ، وغلبةِ الدينِ، وقهر الرجالِ"، "اللهم إنا نعوذ بك من زوالِ نعمتِك، وتحوُّلِ عافيتِك، وفُجاءةِ نقمتِك، وجميعِ سخطِك"، "اللهم إنا نسألك العافيةَ في الدنيا والآخرةِ"، "اللهم عافنا في أبدانِنا وأسماعِنا وأبصارِنا"....
المرفقات

السهر-وَقِلَّةِ-النوم-29-10-1439ه-محمد-الشراف

السهر-وَقِلَّةِ-النوم-29-10-1439ه-محمد-الشراف

السهرِ-وَقِلَّةِ-النوم-29-10-1439ه-محمد-الشرا

السهرِ-وَقِلَّةِ-النوم-29-10-1439ه-محمد-الشرا

المشاهدات 755 | التعليقات 0