غياب القدوة الحسنة لدى الكثير من شباب المسلمين

عايد القزلان التميمي
1439/10/13 - 2018/06/27 17:31PM

الخطبة الأولى

الحمد لله جعل لهذه الأمة منابر هدى وقدوة صالحة ليقتدِي بها الأولون، وليقتدي بها الآخِرون  {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}، فالحمد لله على أن أقام لنا الحجة، وجعل السبيل واضحة لا لبس فيها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون. وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، بلغ وبشر وأنذر وتركنا على البيضاء، على طريق بيضاء نقية، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده  إلا هالك. فصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون :أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل

عباد الله :  يعيش أغلب الشباب الآن في كثير من البلاد الإسلامية حالة من الانفلات الأخلاقي والاستخفاف بالقيم والتقاليد وغياب القدوة أو المَثل الأعلى بكل المجالات في التعليم والثقافة وغيرها، مما جعلهم أسرى لمواقع وشبكات التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت

وبعض الشباب يتخذ قدوته فنّانًا أو لاعبا أو أديبا فاسقا أو غير ذلك من القدوات الفاسدة .

عباد الله : وليس الكثير من أبناء الإسلام الذي يتخذ قدوته رسول الله صلى الله عليه وسلم!.. مع أن الله عز وجل يقول في كتابه بوضوح(( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)) [الأحزاب: 21].

أيها المؤمنون :  إن أساس القدوة أن يكون فعلُه موافقاً لقوله، بل يكون سره خيراً من علانيته، وإذا خالف هذا الأساس فلا قدوة حينئذ، ولا اقتداء، وقد قال شعيب -عليه السلام- لقومه: (وَمَآ أُرِيدُ أَنۡ  أُخَالِفَكُمۡ إِلَىٰ مَآ أَنۡهَىٰكُمۡ عَنۡهُۚ إِنۡ أُرِيدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَٰحَ  مَا ٱسۡتَطَعۡتُۚ) [هود/88]، وأنكر الله تعالى على من لا يستقيم على قوله، فقال سبحانه عن بني إسرائيل:

(أَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّ  وَتَنسَوۡنَ أَنفُسَكُمۡ وَأَنتُمۡ تَتۡلُونَ ٱلۡكِتَٰبَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ) [البقرة/44]، وقال للمؤمنين: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ ٢ كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لَا تَفۡعَلُونَ ٣) [الصف/2-3]،

وفي الحديث المتفق عليه عن أسامة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى . فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ . فَيَقُولُونَ : يَا فُلانُ ! مَا لَكَ ؟ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ ؟ فَيَقُولُ : بَلَى . قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلا آتِيهِ ، وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ " .).

عباد الله : قد أولَى ربنا في القرآنِ الكريمِ موضوعَ القُدوةِ اهتِمامًا كبيرًا، وعنايةً بالِغةً؛ فحثَّ على الاقتِداء بالرُّسُل والأنبِياء، فقال – عزَّ مِن قائل -:﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: 90].ومن أمثلة الشباب في القران الكريم، المثال الأول؛ النبي إبراهيم، عليه السلام، فإنه كان يتطلّع إلى الآفاق الواسعة، ويفتش عن الحقائق الناصعة، ويملك الشجاعة العالية، فيتأمل ويفكر في ملكوت السموات والأرض، حتى أدلّه الله - تعالى - على الحقيقة، وتبرأ من الأصنام ومن كل المشركين، فقال الله - تعالى - في كتابه الكريم (( وَكَذَٰلِكَ نُرِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلۡمُوقِنِينَ )) ٧٥}. (سورة الأنعام: 75)

    • والمثال الثاني الذي يضربه ربنا في القرآن الكريم للفتيان والشباب هو النبي يوسف، عليه السلام، وهو الذي آتاه الله العلم والحكمة عندما بلغ أشده، وأصبح الفتى، القوي، الصابر، الصامد أمام عواصف الشهوة، وأمام ضغوط الاضطهاد، والقمع، والتهديد بالسجن، وهذا ما يعبر عنه القرآن الكريم:(( وَرَٰوَدَتۡهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيۡتِهَا عَن نَّفۡسِهِۦ وَغَلَّقَتِ ٱلۡأَبۡوَٰبَ وَقَالَتۡ هَيۡتَ لَكَۚ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ رَبِّيٓ أَحۡسَنَ مَثۡوَايَۖ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ )) وفي مكان آخر يبين ربنا في القرآن الكريم مكانة يوسف عليه السلام الرفيعة: { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ }. (سورة يوسف: 22)

    والمثال الثالث هو النبي موسى، عليه السلام، وهو الذي عاش في بيت فرعون ، بعد أن اتخذه فرعون ولداً، لكن موسى عليه السلام بقي متمسكاً بتوحيده لرب العالمين ، ومرتبطاً ومستعينا بالله وحده ، وينتصر للمظلومين ويدافع عنهم، وكان يتحمل الآلام والمعاناة والمطاردة والهجرة من أجل ذلك، ويؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة.

    قال الله عزّ وجل: { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَٱسۡتَوَىٰٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ } (سورة القصص: 14)

    والمثال الرابع؛ أهل الكهف، قال الله سبحانه وتعالى فيهم: { إِنَّهُمۡ فِتۡيَةٌ ءَامَنُواْ بِرَبِّهِمۡ وَزِدۡنَٰهُمۡ هُدٗى }.

    إن هذه الصور والأمثلة الواقعية الجميلة تنطلق من مفهوم صحيح للفتوة والشباب والقوة، وهو توحيد الله في الأقوال والأفعال، والسيطرة على الشهوات والرغبات .

    عباد الله : وآياتُ التأسِّي والاقتِداء في كتابِ الله كثيرةٌ جليلةٌ، وأشهرُها الاقتِداءُ بسيِّد الأنبِياء نبيِّنا وحبيبِنا وقُدوتِنا وشفيعِنا وقُرَّة أعيُنِنا مُحمدِ بن عبد الله، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾

    ولا تنحَصِرُ القُدوةُ في الأنبِياء والمُرسَلين وحدَهم؛ فمِن القدوات الحسنة التي ذكرَها القُرآنُ الكريم: لُقمان الحكيم، ومُؤمِنُ آل فِرعون، وذُو القرنَين، وغيرُهم كثير.ولقد عُنِيَ النبيُّ القُدوة – صلى الله عليه وسلم – بوَضعِ المَثَل والأُسوة أمامَ أعيُن الصحابةِ ؛ فكان – صلى الله عليه وسلم – يقولُ:«صلُّوا كما رأيتُمُوني أُصلِّي»؛ رواه البخاري.وكان يعملُ العملَ أمامَ الصحابةِ – رضي الله عنهم -، ثم يقول لهم: «أيها الناس! إنما صنَعتُ هذا لتأتمُّوا بِي، ولتعلَّمُوا منِّي»؛ متفق عليه.وكان يقولُ: «خُذُوا عنِّي مناسِكَكم»؛ رواه مسلم.

    لقد حثَّ – صلى الله عليه وسلم – على الاقتِداء به، وبخُلفائِه الراشِدين، فقال – عليه الصلاة والسلام -: «عليكُم بسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلفاء الراشِدين المهديِّين، عضُّوا عليها بالنواجِذِ»؛ رواه الترمذي، وقال: “حديثٌ صحيح”.

    بارك الله لي ولكم .....

    الخطة الثانية :

    الحمد لله جعل قوة هذه الأمة في إيمانها، وعزها في إسلامها، والتمكين لها في صدق عبادتها، أحمدُه سبحانه    وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله, دعا إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم, صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه, كانوا في هذه الأمة قدوتها ومصابيحها, والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا.

    إن ارتِباطَ الأجيال اللاحِقة والناشِئة المُعاصِرة بسيرة سلَفهم مِن الأئمَّة الحُنَفاء، والقادَة النُّجَبَاء يَسِيرُون بسِيرَتهم، ويقتَفُون أثَرَهم، ويقتَبِسُون مِن نُورِ علمِهم وفضلِهم لهُو مِن أهمِّ القضايَا التي ينبغي أن يهتم بها العُلماء، والآباء، والمُربُّون .

    إن القُدوةَ الحسنةَ التي يُحقِّقُها المُسلمُ عُمومًا بسِيرتِه الحسنةِ هي في حقيقةِ أمرِها دعوةٌ عمليَّةٌ للإسلام، وقد انتشَرَ الإسلامُ في كثير من البلاد بالقُدوة، وحُسن المُعاملَة .فيا أيها الآباء:كونُوا قُدوةً لأبنائِكم في القَولِ والعَملِ

    ويا شبابَ الأمة .. يا عِمادَ مُستقبَلِها! تمسَّكُوا بقِيَم الدين، ومنهَجِ الأسلافِ الصالِحِين؛ فأمَّتُنا زاخِرة بأهلِ القُدوة والصلاحِ،  وكُونُوا على قَدرِ المسؤوليَّة؛ فأنتُم اليومَ تقتَدُون بغيرِكم، وغدًا يُقتَدَى بكم.

     

    المرفقات

    القدوة-الحسنة-لدى-الكثير-من-شباب-المسل

    القدوة-الحسنة-لدى-الكثير-من-شباب-المسل

    المشاهدات 4069 | التعليقات 0