وقفات حول الإجازة والسفر للخارج (منقول)

عباد الله، إنّ من المسلَّمات عند المسلم أنّ هذا الدين دين شمولي، وحياة المسلم كلها مرتبطة بهذا الدين، فجِدّه وهزله، ونومه ويقظته، كلّها لله  ، أيها المسلمون، ونحن إذ نبارك لأبنائنا وبناتنا لنجاحهم ونتمنى لمن بقي منهم النجاح والتوفيق ، يجدر بنا أن نتحدث عن مشكلة تقع في كل إجازة ألا وهي الفراغ .

 إن مرجع كثير من المشكلات الدينية أو الاجتماعية أو الأخلاقية والسلوكية في فترات الإجازات الصيفية ترجع إلى ذلك الفراغ الهائل الذي يخيم على أكثر الناس في هذه الفترة، فما الإجازة عند أكثر الناس إلا كمٌ كبيرٌ من الوقت الفارغ الذي لا يحسن استعماله ولا تصريفه، فهي أوقات سائبة وطاقات معطلة من خير الدنيا أو الآخرة، ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)) أيها المؤمنون الفراغ نعمة لمن استغله في الطاعة والبر ولكنه وللأسف نعمة مهدرة مضيعة عند كثير من الناس، بل هو سبب كثير من المفاسد والشرور الدينية والدنيوية، فمن ذلك: تسلّط الشيطان بالوساوس الفاسدة التي ينشأ عنها كثير من الانحرافات والمعاصي، وهو سبب لكثير من الأمراض الجسمية والنفسية، الحسية والمعنوية، فحق على كل مؤمن أن يأخذ بما أمر الله تعالى به وبما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم: ((اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)). عباد الله إن كيفية قضاء الإجازة الصيفية أمر يحتاج إلى عددًا من الوقفات:

الوقفة الأولى: مع الشباب ذكورًا وإناثًا:أيها الشباب، أنتم عماد الأمة ورصيدها وذخرها وسر نهضتها وبناة مجدها ومستقبلها، فبصلاحكم واستقامتكم تصلح الأمة وتستقيم، ومن أهم عوامل تحقيق صلاحكم واستقامتكم وعيكم بواجبكم وملؤكم أوقاتكم بالنافع المفيد، وها أنتم ـ أيها الشباب ـ تستقبلون إجازتكم السنوية، فإياكم إياكم والفراغ والبطالة، فإنهما أصل كثير من الانحراف ومصدر أكثر الضلال، كما قال الأول: إن الشباب والفراغ والجِدة   مفسدة للمرء أي مفسدة     فاملؤوا أوقاتكم في هذه الإجازة بالنافع والمفيد في دين أو دنيا، ولا تتركوها نهبًا لشياطين الإنس والجن. وقد يسر الله تعالى لكم في هذه الأزمان قنوات عديدة، تستغلون من خلالها أوقاتكم، وتنمون قدراتكم وعلومكم ومعارفكم، بل وإيمانكم، فمنها حِلق القرآن الكريم المنتشرة في المساجد، فإنها من رياض الجنة وفيها خير عظيم. ومن هذه القنوات التي تحفظون بها أوقاتكم تلك الدروس العلمية والدورات التي تقام هنا وهناك، وفيها يتعلم الشاب ما يجب عليه معرفته من علوم الشريعة والدين.ومن هذه القنوات أيضًا المراكز الصيفية التي يشرف عليها أساتذة فضلاء ومربون نجباء، يعملون على إشغال أوقات الشباب بما يفيدهم وينفعهم، ففيها الأنشطة الترويحية والمهنية، وفيها الدورات العلمية والثقافية.فاحرصوا ـ أيها الشباب ـ على الانضمام إليها، والاستفادة منها، فإن فيها خيرًا كثيرًا. فإن أبيت هذا فاحرص على شغل وقتك بتجارة أو زراعة أو صناعة، تملأ وقتك، وتحفظك من شرور الفراغ وأهله، فإن نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل ولا بد.وإياك ـ يا أخي الحبيب ـ ورفقةَ السوء وقرناءَ الشر الذين يزينون لك المنكر ويدعونك إليه، ففر منهم فرارك من الأسد.

الوقفة الثانية: مع أولياء الأمور من الآباء والأمهات، فأقول لهم: أيها الأفاضل، إن الله تعالى منّ عليكم بالولد، ذكورًا وإناثًا، وتلك من مننه الكبار. وحمّلكم الله تعالى مسؤولية تربيتهم وحفظهم وتنشئتهم على العبادة والطاعة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجِّسانه)) ، فما تقومون به اليوم من حسن التربية والرعاية والحفظ والصيانة لفلذات أكبادكم تجنونه ثوابًا وأجرًا عند الله في الآخرة، وبرًا وإحسانًا في الدنيا، وقد كلفكم الله وأمركم بحفظهم ووقايتهم، قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)) [التحريم:6]، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((والرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رعيتها)) رواه الشيخان. فمحافظتك على أولادك ورعايتك لهم والاجتهاد في إصلاحهم وإبعادهم عن الفساد وأهله مقدمة ضرورية لاستقامتهم وصلاحهم.وينشأ ناشئ الفتيان منّـا     على ما كان عوّده أبوه

فالأب الذي أدار ظهره لأولاده وبيته، فلم يجلس فيه إلا ساعات قصارًا، في نوم أو أكل، وقد أخذت مشاغله بتلابيب قلبه، وشغلت لبه وقلبه، فلم يلتفت لأولاده، ولا لتربيتهم وإصلاحهم، هل قام بما أوجب الله عليه؟!

والأب الذي ترك الحبل على الغارب لأولاده ذكورًا وإناثًا، يخرجون متى يشاؤون، ومع من يريدون، يسهرون إلى الفجر، وينامون أكثر النهار، ويصاحبون أهل السوء، ويهاتفون أهل الشر، هل قام بحفظهم ورعايتهم؟!والأب الذي أدخل إلى بيته وسائل الإفساد والدمار، وامتطت صحون الشر وأطباق البلاء صهوة بيته، وانتشرت أجهزة الشر وأشرطة الخراب في حجر أولاده، هل قام بتنشئة أولاده على البر والتقوى؟!إن الجواب على هذه الأسئلة ما ترونه من أحوال أبناء هؤلاء لا ما تسمعون. فيا أولياء الأمور، اتقوا الله فيمن استرعاكم الله إياهم، مروا أولادكم بالمعروف، ورغبوهم فيه، وانهوهم عن المنكر، ونفروهم منه، احفظوهم عن قرناء السوء وأصحاب الشر، أبعدوهم عن وسائل الإعلام الفاسد، أشغلوا أوقاتهم في هذه الإجازة بما يعود عليهم بالنفع في دينهم ودنياهم، وبادروا بذلك كله في أوائل أعمارهم، فإن الأمر كما قيل:

إن الغصون إذا عدّلتها اعتدلت      ولا تليـن إذا قوّمتها الخشب

الخطبة الثانية أما بعد: فيا أيها المؤمنون، الوقفة الثالثة: مع أولئك الذي قد شدوا حقائبهم، وأعدوا أمتعتهم، وحجزوا مراكبهم للسفر إلى بلاد الكفر والبلاء، ومواطن الفتنة العمياء في الغرب أو الشرق، وما شابهها من البلدان العربية أو الإسلامية، إلى هؤلاء أقول: اتقوا الله في أنفسكم وأهليكم، فإن السفر إلى تلك البلاد محرم لا يجوز، لما فيه من تعريض النفس والأهل والولد للفتنة التي أعلاها الكفر بالله تعالى، وأدناها موافقة المعاصي والذنوب، أو على أقل الأحوال استساغة المنكر والفجور، فإن تلك البلاد والمصايف قد تعرت قلوب أهلها عن الإيمان، وانسلخت أجسادهم عن زي أهل الحشمة والحياء والإسلام، وانتشرت بين أهلها الخمور، وظهر الزنا والخنا، فعدّ المنكر معروفًا، والمعروف منكرًا، فإنا لله وإنا إليه راجعون. ولا شك أن من ذهب إلى تلك الأمصار فقد عرض نفسه للفتن والأخطار، وأنت ـ يا عبد الله ـ مأمور بالنأي عن الفتن صغيرها وكبيرها، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في فتنة الدجال أن خير مال المسلم في آخر الزمان غنم يتبع بها شعف الجبال، يفر بدينه من الفتن، أعاذنا الله وإياكم من الفتن، ما ظهر منها وما بطن.وليعلم هؤلاء المفتونون بالسفر إلى تلك البلاد أن عليهم وزر كل ذنب يقارفه أولادهم و أهلوهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا يَنقص ذلك من آثامهم شيئًا)).

الوقفة الأخيرة: هي مع ورثة الأنبياء من الدعاة وطلبة العلم، فأقول لهؤلاء: أنتم يا من عقد الأمة عليكم آمالها، ورنت إليكم بأبصارها، وهوت إليكم بأفئدتها، إن المسؤولية التي أنيطت بكم وألقيت على كاهلكم في توجيه الناس وتربيتهم ودعوتهم وتبصيرهم أعظم من مسؤولية غيركم، لا سيما في هذا الزمان الذي كثر فيه الباطل والفساد، ونفقت فيه سلع أهل الكفر والإلحاد، ونشط دعاة التغريب والإفساد، وقويت فيه أسباب الزيغ والانحراف، فالأمة مهددة بجحافل هؤلاء المفسدين المتربصين الذين يجرون الناس إلى الفساد جرًا، ويأطرونهم على الكفر والفسوق والعصيان أطرًا. فواجبكم إزاء هذا الواقع المفزع المرير كبير خطير، لا يسوغ لكم التخلي عنه ولا الرجوع عنه، فسابقوا ـ بارك الله فيكم ـ أعداءكم، واعملوا بمضاء وجدٍّ، فاجتهدوا في الدعوة إلى الله تعالى، اسلكوا كل سبيل، واطرقوا كل باب لنشر الخير بين الناس، سافروا إلى القرى والأمصار، وعلموا الجاهل، وأرشدوا التائه، ودلوا الحائر، مُروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، حذروا الناس من الفساد والعصيان، عَرُّوا لهم الباطل، واهتكوا ستره، واكشفوا زيفه، واجهوا الغارة الشعواء التي يشنّها خصوم الإسلام وأعداؤه بالعلم والبيان والدعوة والصبر والإيمان، قاوموا وسائل التدمير والإفساد بوسائل البناء والإرشاد، انشروا الكلمة الطيبة والمحاضرة النافعة والكتاب المفيد، أقيموا الدروس والكلمات في مساجدكم وأحيائكم ومجالسكم واجتماعاتكم، وليبذل كل منكم في مجاله؛ فالمدرس في حلقته، والمربي في مركزه، والإغاثي في مواطن الاحتياج إليه، أخلصوا في ذلك كله لله تعالى، فإن ما كان لله يبقى، وما كان لغيره يذهب أدراج الرياح، لا تحقروا من أعمال البر والدعوة شيئًا، ولو أن تلقى أخاك المسلم بوجه طلق. واعلموا أنكم إذا أخذتم بذلك كنتم من أحسن الناس قولاً، قال الله تعالى: ((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)) [فصلت:33].

 

المرفقات

306495

306495

المشاهدات 617 | التعليقات 0