التهنئة بالعيد وفضل الاستغفار بعد العمل الصالح. جمعة وافقت عيد

عبد الله بن علي الطريف
1439/09/25 - 2018/06/09 23:41PM
التهنئة بالعيد وفضل الاستغفار بعد العمل الصالح 1439/10/1هـ جمعة وافقت عيد
الحمد لله مصرف الشهور والأيام، وفَّق من شاء لطاعته؛ فاستثمرها وقام بحقها خير قيام، والشكر له أن وفَّقنا لإتمام شهر الصيام، وها نحن في يوم العيد بعد التمام.
 وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الفضل والإنعام. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد الأنام؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون) [الحشر: 18]
أيها الإخوة: تقبل الله منا ومنكم وعيدكم سعيد أعاده الله علينا جميعاً وعلى الأمة بالصحة والعافية والتمكين.
واعلموا أن أمر التهنئة بالعيد هي إلى العادات أقرب منها إلى العبادات، والأصل في أمور العادات الإباحة، حتى يرد دليل بالمنع، والعادات تختلف من زمان لآخر، ومن مكان لآخر، والابتداء بها حسن لأنها ثابتة عن بعض الصحابة وفعلهم أولى بالاتباع من غيرهم.. وهي من مكارم الأخلاق وتجلب المحبة وتزيد الألفة بين المؤمنين وفيها من إدخال السرور على المسلم وتحصيل الصلة والبر بالأقارب ما يدركه كل عاقل..
والأمر فيها واسع، ولا ينبغي للمسلم تركها لعدم ورود نص خاص فيها، وعلى المسلم أن يراعي عرف أهل بلده في التهنئة ولا يسوغ له مخالفتهم بترك التهنئة إن كانوا يستحسنونها، ويتأكد تقديمها إذا خشي مفسدة في تركها أو قطيعة رحم حتى لا يقع في الذم، ويتهم بالكبر ونحوه.
ولا يشترط في التهنئة لفظ أو صيغة محددة لأن الشارع لم يحدد في ذلك شيء بل يهنئ بكل لفظ أو عبارة تدل على المقصود كالدعاء بالقبول والمغفرة والبركة والسعادة وأن يعيده الله على المسلمين بالخير والبركة ونحوه بشرط خلو العبارات من المحظور أو التشبه بعادات أهل الكتاب وطقوسهم الدينية. ولذلك كانت عبارات السلف في هذا الباب متغايرة ومختلفة ليست على نسق واحد.. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ،: كُنْت مَعَ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانُوا إذَا رَجَعُوا مِنْ الْعِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لَبَعْضٍ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك. وَقَالَ أَحْمَدُ: إسْنَادُ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ إسْنَادٌ جَيِّدٌ. قاله في المغني لابن قدامة وعن جبير بن نفير قال: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنكم" قال ابن حجر إسناده حسن..
وعن علي بن ثابت قال سألت مالكاً عن قول الناس في العيد: تقبل الله منا ومنك فقال: "مازال الأمر عندنا كذلك". ذكره السيوطي في الحاوي قال: وأخرجه ابن حبان في الثقات. وذكر في المغني قَالَ عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ: سَأَلْت مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ مُنْذُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَقَالَ: لَمْ يَزُلْ يُعْرَفُ هَذَا بِالْمَدِينَةِ.. اهـ.
وقَالَ شيخُ الإسلام ابن تيمية: أَمَّا التَّهْنِئَةُ يَوْمَ الْعِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إذَا لَقِيَهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ وَأَحَالَهُ اللَّهُ عَلَيْك وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهَذَا قَدْ رُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ وَرَخَّصَ فِيهِ الْأَئِمَّةُ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ.
 أيها الإخوة: وما زالت التهاني بين الناس مستمرة بحمد الله وفي عصر التقنية الحديثة قامت وسائل الاتصال بدور كبير في تيسير التواصل بين الأهل والأقارب؛ وهذه نعمة نشكر الله عليها. لكن يجب الحذر من اتخاذها الوسيلة الوحيدة للتواصل بين الأهل والأرحام في أيام العيد؛ فهذا عمل لا يُستساغ ما داموا في بلد واحد ويستطيعون التواصل بالأبدان، خصوصاً إذا كانوا من الأقارب؛ من الدرجة الأولى والثانية.
أحبتي: إذا لم نتواصل في أيام العيد ونلتقي وننسى ما بيننا من الخلافات فمتى نلتقي؟! إذا لم يُحَيِّ بعضنا بعضًا ويدعو بعضنا لبعض في العيد فمتى يكون ذلك؟! والعيد فرصة للوصل، وبداية الوصل فيه فرصة سانحة بين الأرحام مقبولة بعد الانقطاع، فأمر صلة الرحم عظيم، فقد عظَّمه الله وجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان فقال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه" رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه. ووصى أحد أصحابه بأن يصلَ رحمه وإن أدبرت. رواه الطبراني وابن حبان واللفظ له وهو صحيح عن أبي ذر رضي الله عنه.  وقال صلى الله عليه وسلم: "الرحمُ متعلقةٌ بالعرش تقول: من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله" رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها. 
 وجعل صلى الله عليه وسلم وصل المبغض من الأرحام عملاً جليلا فقال :"أفضلُ الصدقةِ الصدقةُ على ذيِ الرحمِ الكاشِحِ" أي أفضل الصدقةِ الصدقةُ على ذي الرحم المضمر للعداوة في باطنه. رواه الطبراني وابن خزيمة في صحيحه والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم وصححه الألباني.
قال الله تعالى (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ* أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد:22،23] بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم…
 الخطبة الثانية:
الحمد لله، أعظَمَ للمتقين العاملين أجورَهم، وشرح بالهدى والخيراتِ صدورَهم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وفّق عبادَه للطاعات وأعانهم، وشهد أنّ نبيَّنا محمّدًا عبدُ الله ورسوله خير من علَّمَ أحكامَ الدِّين وأبانها لهم، -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وأصحابِه والتابعين لهم بإيمان وإحسان، وسلّم تسليمًا كثيرا.
 أيها الإخوة: أتبعوا شهركم بالتقوى، وعليكم بكثرة الاستغفار فهو من أفضل الأعمال وأيسرها وقد حث عليه ربنا فقال: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران: 133]
 نعم أحبتي: أفقٌ وضيء؛ أفقُ المغفرة، وغايةٌ سامية تستحقُ المسارعة والسباق، وأسباب المغفرة كثيرة لا يمكن حصرها في مثل هذا المقام.
 فالاستغفارُ يُشرع بعد الطاعات حتى لا يتسرب للنفس العجب بالعمل فيحبط، يقول ابنُ القيم رحمه الله مبينًا حاجةَ الطائعينَ إلى الاستغفار: "الرضا بالطاعة من رُعوناتِ النَّفسِ وحماقتِها، وأربابُ العزائمِ والبصائر أشدّ ما يكونون استغفاراً عقبَ الطاعات، لشُهُودِهم تقصيرَهم فيها، وتركِهمُ القيامَ به لله كما يليق بجلاله وكبريائِه".
وبشر رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم المكثرين من الاستغفار بالسرور والجنة؛ فقَالَ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ تَسُرُّهُ صَحِيفَتُهُ فَلْيُكْثِرْ فِيهَا مِنَ الِاسْتِغْفَارِ" رواه البيهقي في الشعب والطبراني وحسنه الألباني عَنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه.
من أهم ثمار كثرة الاستغفار في الأمة جماعات وفرادى: أنه سبب لدفع البلاء والنقم عن العباد والبلاد، ورفع الفتن والمحن عن الأمم والأفراد، لاسيما إذا صدر ذلك عن قلوب موقنة، مخلصة لله مؤمنة؛ قال الله عز وجل (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال: 33]. وقال: (وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً) [النساء:110] ما أحوجنا لهذا في كل وقت، وخصوصاً هذا الوقت لما تمر به الأمة من فتن ومحن، نسأل الله أن يجليها.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من المستغفرين، وأن يلهمنا الاستغفار كما نلهم النفس، وأن يرزقنا التوبة النصوح، إنه جواد كريم.
وصلوا وسلموا على نبيكم استجابة لأمر ربكم فقد قال....
 
 
المشاهدات 980 | التعليقات 0