سلسلة شهر الانتصارات 3(عين جالوت)

د. محمد بن سعود
1439/09/16 - 2018/05/31 02:23AM

الحمد لله، الحمد لله الذي أفاضَ علينا من خيره ولم يزَل يُفيض، يدُه سحَّاءُ الليلَ والنهار، لا تُعجِزها نفقةٌ ولا تغيض، له المحامدُ والمكارم فلا يُحيطُ بحمده نثرٌ ولا قَريض، أحمده تعالى أشكره، وأُثني عليه وأستغفره، تفضَّل علينا بسيد الشهور، ويسَّر لنا فيه ما نحوزُ به عظيمَ الأجور، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم البعث والنشور. أما بعد:-

 فالوصيةُ المبذولةُ الكبرى هي الوصيةُ بالتقوى؛ بها تكفيرُ الذنوب، والنجاةُ من الخُطوب، ومعرفةُ الحق حين التباسِ الدُّروب )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ(

أيها الصائمون: في أضيق مراحل الحصار على أهل الإسلام في مدن الإسلام، وبعد قدوم الجاثوم التتاري الذي يفترس البلْدات والقرى والمعاقل والحصون واحدةً فواحدة، سقطت الخلافة العباسية؛ لتكون هذه الظاهرةُ التتريةُ طاعونَ العصر السابع الهجري،

 يا عصبَةَ الإسلامِ نوحِي واندُبِي ... حزناً علَى ما تَم للمستعصِمِ

دَستُ الوزارةِ كان قَبْلَ زمَانِهِ ... لابْنِ الفراتِ فَصَارَ لابنِ العلقمِي

ولقد ظن الناس أنه لن تقوم للإسلام قائمةٌ بعد ذلك، فإذا نورٌ يشِع من الشام ومصرَ يقوده مماليكٌ يُباعون ويُشترون، لكنها صيحة: وإسلاماه،

وفي العشر الأواخر من رمضان سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّ مِئَةٍ وقع حدثٌ عظيم، حدثٌ ما كان ليكون لولا أن الله أراد أن يكون، ولوكره الممانعون،

حدث عظيم، في شهر عظيم، من لدن رب عظيم.

يومٌ من أيام الله، يومٌ:

تتقاتلُ الأيامُ دون بلوغِهِ *** كيما تفوزَ بنسبةِ الأمْجَادِ

عباد الله: في هذا الشهر الكريم، ستكون الذكرى قد طافت على سبع مئة وثمانين عاماً على الذكرى الجميلة، ذكرى جبرِ اللهِ للإسلام وأهله في عينِ جالوت، هذه الذكرى لم تمحُها الأيام من ذاكرتنا؛

إنها المعركة التي أعزّ الله بها دينَه وجندَه وحزبَه الأمين، واستنقذ بها بلاد الإسلام من أيدي المغول المعتدين، إنها المعركة التي ضربَت أطنابُ عِزّها على مناكب الجوزاء، وأشرق به وجه الأرض ابتهاجًا وضياءً،

فدونكم الحدث:

 لما سقطت دولة الخلافة، وسقطت بلاد الشام في أيدي المغول، هرب الناس باتجاه الأراضي المِصرية، وقد انغرس في نفوس المسلمين أن الشيء الذي سيُنقذُ المسلمين وممتلكاتِهم من الزحف المغولي المدمر= هو البحث عن قيادة حكيمة قوية توحّد كلمتَهم، وتعيد تنظيم جموعِهم، وتبعث فيهم روحَ الجهاد لدرء العدوان الذي استشرى خطرُه،

ولما بلغَ السُّلْطَانَ الشَّهِيْدَ، المَلِكَ المُظَفَّرَ، سَيْفَ الدِّيْنِ قُطُزَ بنَ عَبْدِ اللهِ المُـعـِزِّيَّ المملوكي، أَنَّ المغول قَدْ فَعَلُوا بِالشَّامِ الأفاعيل، وَقَدْ نَهَبُوا الْبِلَادَ كُلَّهَا حَتَّى وَصَلُوا إِلَى غَزَّةَ، وَقَدْ عَزَمُوا عَلَى الدُّخُولِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وأنَّ الْمَلِكَ النَّاصِرَ صلاحَ الدين صَاحِبَ دِمَشْقَ قد عزم عَلَى الرَّحِيلِ إِلَى مِصْرَ= بَادَرَهُمْ قطُزُ قَبْلَ أَنْ يُبَادِرُوهُ، وَبَرَزَ إِلَيْهِمْ، وَأَقْدَمَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يَقْدُمُوا عَلَيْهِ؛ حيث جمع الأمراءَ وكبارَ القادة، وكبارَ العلماءِ، وأصحاب الرأي في مصر، وتناقشوا في أمر القيادة التي تتصدى للمغول؛ فاتفقوا على تأميره –رحمه الله- ولم يكن للناس خليفة،

ثم قام مباشرة –وهو الملك المحنك- بتعيين وزير يثق في قدراته، ثم أقر قائد الجيش في مكانه وهو (فارسُ الدين أقْطَاي الصغيرُ المستعرِب) لكفاءته العسكرية وأمانته وصدقِه، رغم أنه من خصومه المماليكِ البحريةِ الصالحية، وأمَرَهما بتجهيز الجيش، وتنظيمِ الصفوف، فانشغل الناس بالإعداد للمواجهة، ولقد ساهم ذلك في تقوية الوضع الداخلي، وكان خطوةً في تحقيق النصر.

كما استطاع قُطُز أن يُقنع خصومَه من أمراءِ المماليك البحريةِ الذين كانوا قد هربوا إلى بلاد الشام، وعلى رأسهم ركنُ الدين بِيبرس الْبُـنْـدُقْـدَارِيُّ بالعودة إلى الأراضي المصرية، والانضواء تحت لوائه، متناسِين ما بينهم من الخلافات؛ لأنهم في وقتٍ يحتاجون فيه إلى توحيد الصف على عدو خارجي واحد، ولأن بِيبرسَ صاحبُ كفاءة قتالية عالية جدًا، وله مهارة قيادية رفيعةُ المستوى، وهو صاحب ذكاء حاد.

أيها الصائمون: أراد الملك سيفُ الدين قبل الشروع في مواجهة المغول أن يختبر الصليبيين على ساحل بلاد الشام، لمعرفة موقفهم من ذلك الصراع الذي أصبح محاذياً لهم، لتخوفه من انضمام هؤلاء الصليبيين إلى المغول عند نشوب الحرب، -وهذا من دهائه رحمه الله- وبناء عليه توجهت سِفارة مِصرية إلى عَكا تطلب من الصليبين السماح للجيوش الإسلامية باجتياز بلادهم وشراء ما تحتاجه من المؤن، فأبدى الصليبيون موافقتهم؛ مما جعله في مأمن من ذلك الجانب، وتجنَبَ خطر اشتباكه في أكثرَ من جهة في تلك اللحظات الحرجة.

ولما كانت الأزمةُ الاقتصادية -التي تمر بها البلاد- طاحنةً، والتتارُ على الأبواب، وقد وصلوا غزة، والدولةُ تحتاج للأموال= جمع سيفُ الدين قطزُ مجلسَه الاستشاري، ودعا العلماءَ والفقهاء، وعلى رأسهم سلطانُ العلماء العلامة العزُّ بنُ عبد السلام، وبدؤوا يبحثون عن حل لتجهيز كتائب المسلمين، فأفتى العز بأنه: (إذا طرق العدوُّ البلاد وجب على العالَمِ الإسلاميِّ كلِّه قتالُهم، وجاز أن يؤخذ من الرعية ما يستعان به على جَهازهم، بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء من السلاح والسروج والذهب والفضة والسيوف المحلاة بالذهب، وأن تبيعوا مالكم من ممتلكات وآلات (أي يبيع الحكامُ والأمراءُ والوزراء ما يمتلكون)، ويقتصرُ كل منكم على فرسه وسلاحه، وتتساوَوا في ذلك أنتم والعامة).

فقَبِل سيف الدين هذه الفتوى ببساطة، وبدأ بنفسه وباع كلَّ ما يملك، وأمر الوزراءَ والأمراءَ أن يفعلوا ذلك، فانصاع الجميع وامتثلوا أمْره، وكان هذا العملُ الجليل من أسباب النصر في عين جالوت قال تعالى"إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم"، ونصر الله لا يكون إلا بتطبيق شرعه.

عباد الله: أرسل هولاكو إِلَى قطزَ رسالةً كلُّها تهديد ووعيد؛ قال فيها: "مِن مَلك الْمُلُوك شرقاً وغرباً القانُ الْأَعْظَم، يَعلم الْملكُ المظفر قُطز وَسَائرُ أُمَرَاء دولته وَأهلِ مَمْلَكَته بالديار المصرية وَمَا حولهَا من الْأَعْمَال أَنّا نَحن جندُ الله فِي أرضه، خُلِقنَا من سَخطه، وسُلِّطنا على من حلَّ بِهِ غَضَبُه، فلكم بِجَمِيعِ الْبِلَاد مُعْتَبر، وَعَن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم وَأَسْلمُوا إِلَيْنَا أَمركُم قبل أَن ينْكَشف الغطاء فتندموا وَيعود عَلَيْكُم الْخَطَأ، فَنحْن مَا نرحم من بَكَى، وَلَا نَرِقُّ لمن شكى ... فَعَلَيْكُم بالهرب وعلينا بِالطَّلَبِ، فَأَيُّ أَرض تؤويكم وَأي طَرِيق تنجيكم وَأي بِلَاد تحميكم، فَمَا من سُيُوفنَا خلاص، وَلَا من مهابتنا مناص، فخيولُنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق ... فالحصون لدينا لَا تَمنع، والعساكر لقتالنا لَا تَنْفَع ... فأبشروا بالمذلة والهوان ... فَمن طَلب حربنا نَدم، وَمن قصد أماننا سلم، ...كثيرُكم عندنَا قَلِيل، وعزيزكم عندنَا ذليل وَبِغير المذلة ما لملوككم عندنَا سَبِيل، فَلَا تُطيلوا الْخطاب، وأسرعوا برد الْجَواب قبل أَن تُضرم الْحَرْب نارُها، وتَرمي نحوَكم شَرَارهَا ... فقد أنصفنا إِذْ راسلناكم وأيقظناكم إِذْ حذرناكم فَمَا بَقِي لنا مقصد سواكم، وَالسَّلَام علينا وَعَلَيْكُم وعَلى من أطَاع الْهدى وخشي عواقب الردى وأطاع الْملك الْأَعْلَى". انتهت الرسالة التي تلتهب نارًا من ورق، والتي كانت بمثابة التحدي النهائي لآخِرِ قيادة إسلامية،

ولو كنتُ الحديدَ لكسّروني ... ولكني أشد من الحديدِ

الله أكبر! كانت تلك الرسالة استفتاحًا لمعركةِ النصرِ المبين، تلك المعركة التي عادت بعدها لأمة الإسلامية مكانتها وهيبتها، كان ذلك النصرُ بداية عودة امتداد الحق الإسلامي، تلك المعركة كانت -ولا تزال- نصرًا تعالى أن يحيط به نظمٌ من الشعر أو نثْرٌ من الخُطَبِ.

لن نوفيكِ ياعينَ جالوتٍ بأي سَرد قصَصي، ولكنّا سنَسْتلهِم عبَق طيوبك التي لازلنا -ولن نزالَ- نحيا على أريجِها.

أيها الصائمون: قرأ المظفرُ الرسالةَ واستدعى الأمراءَ ليعرض عليهم الأمر، ثم قال لهم: (إن الرأي عندي أن نتوجه جميعًا إلى القتال، فإن ظفرنا فهو المراد، وإلا فلن نكون ملومين أمام الخلق). فأيّد الأمراءُ المجتمعون كافةً هذا الرأيَ.

ثم أصدر سيف الدين أوامره إلى ولاة الأقاليم المصرية بجمع الجيوش، وَنُودِيَ فِي الْقَاهِرَة وَسَائِر إقليم مصر بِالْخرُوجِ إِلَى الْجِهَاد فِي سَبِيل الله، ونصرةً لدينِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسَار حَتَّى نزل بالصالحية وتكامل عِنْده الْعَسْكَر، وَأمر الْملكُ قطزُ الْأَمِيرَ بِيبرس أَن يتَقَدَّم فِي عَسْكَر ليعرف أَخْبَار التتر، فَسَار بيبرسُ إِلَى غَزَّة وَبهَا جموع التتر، فرحلوا عِنْد نُزُوله وَملك هُوَ غَزَّة،

 وإذا كان المغول قد غدروا وقتلوا وظلموا، فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون، وأصابهم سيئات ما كسبوا، وإن الغدارين في الشام وغيرِها لن يغني كيدهم من الله شيئًا، والعاقبةُ للمتقين

سار الجيش الذي يقوده الملك المظفرُ إلى منطقة عين جالوت بأرض فلسطين، الذي يمتاز بقربه من المناطق الساحلية التي كان يسيطر عليها الصليبيون، الذين أبدوا استعدادهم الكامل لتسهيل مرور القوات الإسلامية إليه، هذا بالإضافة إلى كون هذا الجزء من أرض فلسطين منطقةٌ فسيحة يعلوها جبل، الأمرُ الذي سيمكن قواته من مواجهة العدو في كل الظروف

وإذا أرادَ الله شيئاً مِن عَلٍ *** نادَى: ألا يا شيءُ كُنْ؛ فيكونُ

 ثم أمر سيفُ الدين بالأمراء فَجُمعُوا، فحضَّهم على قتال التتر وَذكَّرهمْ بِمَا وَقع بِأَهْل الأقاليم من الْقَتْل والسبي، وخوَّفهم وُقُوع مثلِ ذَلِك، وحثهم على استنقاذِ الشَّام من التتر، ونصرةِ الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين، وحذّرهم عُقُوبَة الله، فضجُّوا بالبكاء، وتحالفوا على الِاجْتِهَاد فِي قتال التتر، ودفعِهِم عَن الْبِلَاد،

وفي الخامس والعشرين من رمضان سنة ست مئة وثمانية وخمسين للهجرة، التقى الجمعان بعد طلوع الشمس، وقد امتلأ الوادي بالناس، وكان قائدُ المغول كَتْبُغَا نُوِينَ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا عَظِيمًا شَدِيدًا، أبلى فيه سيف الدين بلاء عظيمًا، ولما زُلزل المسلمون زلزالًا شديدًا في المعركة صرخ –رحمه الله- صرخة عظيمة، سمعها معظم العسكر فقال: (واإسلاماه، واإسلاماه، واإسلاماه، يالله انصر عبدك قطزَ على التتار). فَكَانَتِ النُّصْرَةُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، فَهَزَمَهُمُ الْمُسْلِمُونَ هَزِيمَةً هَائِلَةً، وَقُتِلَ كَتْبُغَا نُوِينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ بَنِيهِ، وَاتَّبَعَهُمُ الْجَيْشُ الْإِسْلَامِيُّ يَقْتُلُونَهُمْ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَفِي كُلِّ مَأْزِقٍ، وَقَدْ أُسِرَ مِنْ جَمَاعَةِ كَتْبُغَا نُوِينَ الْمَلِكُ السَّعِيدُ بْنُ الْعَزِيزِ بْنِ الْعَادِلِ، فَأَمَرَ الْمُظَفَّرُ بِضَرْبِ عُنُقِهِ.

 وصدق اللهُ العظيم )إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ(،  وقال سبحانه: )إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ(

 أما باقي القصة فإليكموها بعد أن أستغفرَ الله لي ولكم ولسيف الدين؛ فاستغفروه يغفر لكم الله .

الخطبة الثانية:

 الحمد لله ناصرِ المستضعفين، وكاسرِ الجبابرة المستكبرين، نحمده حمد الشاكرين، ونستغفره استغفار المذنبين، ونسأله من فضله العظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ كتَب العز والنصرَ للمؤمنين، وألقى الذِّل والصغار على الكافرين والمنافقين، القائل -سبحانه)وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ(K وأشهد أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه إمامُ المجاهدين, صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

ثم أما بعد: كانتْ معركة عين جالوتٍ إيذاناً من الله بولادةِ بُدورٍ جديدة، بعد أن زُلزل المسلمون زلزالًا شديدًا، وظن الكثيرون أنه لن تقوم للمسلمين قائمة،

أيها الصائمون: اتَّبَعَ الْأَمِيرُ رُكْنُ الدِّينِ بِيبَرْسُ الْبُنْدُقْدَارِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الشُّجْعَانِ التَّتَارَ يَقْتُلُونَهُمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ، إِلَى أَنْ وَصَلُوا خَلْفَهُمْ إِلَى حَلْبَ، وَهَرَبَ مَنْ بِدِمَشْقَ مِنْهُمْ، فَتَبِعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ دِمَشْقَ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ وَيَنْهَبُونَ الْأَمْوَالَ فِيهِمْ، وَيَسْتَفِكُّونَ الْأُسَارَى مِنْ أَيْدِيهِمْ قَهْرًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَنُ عَلَى جَبْرِهِ الْإِسْلَامَ، وَمُعَامَلَتِهِ إِيَّاهُمْ بِلُطْفِهِ الْحَسَنِ، وَجَاءَتْ بِذَلِكَ الْبِشَارَةُ السَّارَّةُ، فَجَاوَبَتْهَا الْبَشَائِرُ مِنَ الْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ وَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمئِذٍ بِنَصْرِ اللَّهِ فَرَحًا شَدِيدًا، وَأَيْدَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ تَأْيِيدًا، وَكُبِتَ أَعْدَاءُ اللَّهِ النَّصَارَى وَالْيَهُودُ وَالْمُنَافِقُونَ، وَظَهَرَ دِينُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ، وَنَصَرَ اللَّهُ دِينَهُ وَنَبِيَّهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ.

ثم أختم بقصة عجيبة نقلها الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ الْيُونِينِيُّ فِي " الذَّيْلِ عَلَى الْمِرْآةِ " عن الملكِ المظفرِ سيفِ الدين، أنَّ أَحدَ الأجناد قال: (كُنْتُ أَخْدِمُ سيفَ الدين وَهُوَ صَغِيرٌ، وَكَانَ عَلَيْهِ قَمْلٌ كَثِيرٌ، فَكُنْتُ أَفْلِيهِ وَأُهِينُهُ، فَقَالَ لِي يَوْمًا: وَيْلَكَ، أَيْشُ تُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَكَ إِذَا مَلَكْتُ الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ مَجْنُونٌ؟! فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ، وَقَالَ لِي: أَنْتَ تَمْلِكُ الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ، وَتَكَسِرُ التَّتَارَ. وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ).

هذا رمضان –يا عباد الله- الذي شهد غزوةَ بدر، وفتحَ مكة، وشهدَت فيه بلادُ الأندلس انتصارها فيه بقيادة طارقِ بنِ زياد،

إنه شهرُ الانتصارات الكريمة، وإنا لِنَصرِ أهلِ الشام من الله لَمُنتظرون،

أيا أكنافَ بيتِ الشامِ إني *** أرى غيثاً يجودُ به الغمامُ

فحبْلُ الظلم في الدنيا قَصِيرٌ *** وعُقبى قاتلِ الشعبِ انهزامُ!.

ثم صلوا رحمكم الله على المؤيَّد المنصور خيرِ خلق الله، الهاشمي القرشي محمدِ بن عبد الله، ......

المرفقات

جالوت

جالوت

المشاهدات 653 | التعليقات 0