البهجةُ والسرورْ - بسيدِ الأيامِ والشهورْ

خالد علي أبا الخيل
1439/09/12 - 2018/05/27 14:04PM

البهجةُ والسرورْ - بسيدِ الأيامِ والشهورْ

التاريخ: الجمعة:2 –رمضان-1439 هـ

الحمد لله، الحمد لله الرحيم الغفور، وأشهد أن لا إله إلا الله جعل رمضان سيد الشهور، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبرور صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وكل من كان لأوقات الخير مسرور.

أيها المسلمون:

 أفضل وصية، وأجمل هدية تقوى الله في السِّر والعلانية.

عباد الله: في هذه الأيام شهركم قد أظلكم، ها هو قد حل، ونزل ضيفًا وظل، ها هو الشهر القلوب له تواقة، والأفئدة له مُشتاقة، ولحظات النفس له مُرتاقة، ننتظره بفارغ الصبر، ونحسب اليوم والشهر، بل الدقيقة من الدهر، لماذا أيها الإخوة؟

والمسلمون في أصقاع المعمورة، تهتف به، وتتحدث به، وتتطلع له، وتتهيأ لقدومه، لماذا الحديث في هذه الأيام له طعمٌ، وودٌ حميم، والنفوس هياجة، والحياة مُحياها ثجاجة؟

شهرٌ ليس كالشهور، وأيامٌ كالزهور، كم كنا في عامنا الماضي متأسفين، وأحوالنا من الآسفين! كم أسبلنا العبرات عند فراقه، وبكينا عند رحيله، وعاهدنا نفوسنا لئن قدم علينا وحل بنا، لنُريَّن الله ما نفعل من جُهدٍ وبذلٍ وعمل، وهذا من النوايا الحسنة، والبشـرى المستحسنة، والأمنيات المشوِّقة، وعنوان حب الخير، والعطاء والبر.

عباد الله: بقدوم هذا الشهر والناس يتهيؤون في منازلهم وأحوالهم ومأكولاتهم ومشـروباتهم، فرحًا وسرورًا، وتهيئةً وحبورًا، أفلا يتهيؤون له عبادةً وأجورًا؟

جاء الصيام فجاء الخير أجمعه

 

 

ترتيل ذكرٍ وتحميدٌ وتسبيح

فالنفس تدأبُ في قولٍ وفي عملٍ

 

صوم النهار وبالليل التراويح

كيف لا يفرح المؤمن بفتح أبواب الجنان؟! كيف لا يفرح بغلق النيران؟! كيف لا يفرح في وقت النفحات، وأوقات الرحمات، وزمن الهبات والعطيات؟! كيف لا يفرح بأوقات المغفرة، ورفع الدرجة وعلو المنزلة؟! إنه سيد الشهور، وبهجة النور، وزينة البدور.

مرحبًا أهلًا وسهلًا بالصيام

 

 

يا حبيبًا زرانا في كل عام

قد لقيناك بحبٍ مفعمٍ

 

كل حبٍ في سوى المولى حرام

النفوس في هذه الأيام تستعد، والحياة تطمئن وتسعد، الفرح والسـرور بمواسم الخيرات والحبور من علامات الإيمان (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس: 58) و(للصائم فرحتان).

أيها المسلمون: لو أن ضيفًا غاليًا، وحبيبًا وافيًا، قدم عليكم بعد طول غياب، كيف شعوركم بقدومه، والتهيؤ له، واستعداده؟ كيف إذا حدد المقام بضعة أيام، وفي الصيام يقول الملك العلام (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ) (البقرة: 202) بل كيف والشهر يحمل في طياته، وخلال أيامه، ولحظات لياليه، الخير والبركة، السعادة والمسـرة، السـرور والبهجة؟! بل كيف إذا كان شهر العتق من النار، والفوز بدار الأبرار؟

إخوة العقيدة: ها هو قد هل أشرف الشهور، ذابت الأحداق في انتظاره، وتمزقت المآقي على فراقه، فسبحان الحكيم في خلقه وأمره.

أتى شهر السعد والمُكرمات

 

 

فحيِّه في أجمل الذكريات

يا موسم الغفران أتحفتنا

 

أنت المُنى يا زمن الصالحات

أتى الشهر ليُقرب البعيد إلى رب العبيد؛ أتى ليُلين القلب القاسي من الذنوب والمعاصي؛ أتى ليقول للدنيا: أنا شهر التوبة والتقى، والبر والتقوى.

 أتى هذا الشهر ليذكر المسلم بإخوانه الذين حلَّت بهم الفتن والنكبات، والتشـريد والقتل، والجوع والهم، والخوف، والحزن؛ أتى ليمُد العون للغير؛ أتى ليذكيّ النفوس، ويرد الشارد والمنكوص، يكاد المرء يبكي فرحًا بقدومه، ويسبل الدمعة بحضوره.

يا غائبًا: الكون أنشد شوقه

 

 

عجِّل خطاك فحِلمُنا لُقياك

رمضان هرول فالقلوب كليلةٌ

 

لله تشدوا ربنا رُحماك

فهنيئًا لمن أدركه، وهنيئًا لمن بلَّغه، فالحمد لله على إدراكه وبلوغه، روحانية الصائمين ترتاح، وتبتهج وتطير الأرواح، فهي في أفراحٍ وأفراح.

كيف سيكون حالنا –عباد الله- في هذا الشهر؟ هل من وقفةٍ صادقة، وتوبةٍ ناصحة، ونيةٍ خالصة، ودمعةٍ باكية، وسجدةٍ خاضعة؟

في الصيام حلاوة، وفي لحظاته بشاشةٌ وطلاوة، فسبحان الذي فاوت بين الليالي والأيام، وخصَّها بالنور والسرور والتمام، كان سلفنا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم إياه، أتدرون –أيها المسلمون- إن الشهر شهر النصـر والعز، والقوة والشجاعة، على النفس والشيطان والهوى، والعدو الأقوى، نعم إنها حياة الروح، وحياة القلب، وحياة الانتصارات.

يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجبٍ

 

 

حتى عصـى ربه في شهر شعبان

لقد أظلك شهر الصوم بعدهما

 

فلا تصيره أيضًا شهر عصيان

في الشهر المبارك، يمثل المؤمنون موسمًا من أعظم المواسم، ووقتًا من أَجل الأوقات والمغانم، أبشـروا أيها الصائمون، أبشـروا يا أهل الصيام، وأَمِّنوا يا أهل القيام بما يسركم من الملك العلَّام، أبشـروا يا أهل المساجد، أبشـروا أيها الصائمون والصائمات، أبشـروا يا أهل القرآن، أبشـروا يا أهل الصدقات، أبشـروا يا أهل المروءات والخيرات، أبشـروا يا من تحرصون على تفطير الصائمين، وإعانة المحتاجين، أبشـروا يا من تقومون على الأرامل والمساكين، أبشـروا يا من تفرجون هموم المهمومين، وقضاء المديونين، أبشـروا أيها التائبون، أبشـروا أيها الغافلون، أبشـروا ثم أبشـروا ثم أبشـروا برحمة أرحم الراحمين، وأجود الأجودين، وخير المعطين، يرحم عباده، ويغفر للمذنب ويرده إلى بابه، أبشـروا أيها المرضى بالشفاء وحسن العُقبى، أبشـروا يا من تُسابقون وتنافسون، فهذه أوقاتكم، وهذه أيامكم، وهذه أمنياتكم، فاصدقوا وصادقوا، وأخلصوا وخلِّصوا، واجتهدوا وابذلوا، وجِدوا وشمروا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران: 200).

يا صائمًا: ترك الطعام تعففًا

 

 

أضحى رفيق الجوع واللأواء

أبـشر بعيدك في القيامة رحمةً

 

محفوفةً بالبر والأنداء

كلما تذكر الصائم أن باب الجنة مفتوح، تلذذ واجتهد في النفس والوقت والروح.

أتى رمضــان مــزرعة العبــاد

 

 

لتطـهير القلــوب من الفســاد

فــأدِ حقــوقــه قــولًا وفعــلًا

 

وزادك فــاتـخـذه للـمعــادِ

الله أكبر كم هي غاليةٌ أوقات رمضان، كم هي نفيسةٌ ساعات شهر الصيام، كم هي جليلةٌ لياليه العظام.

إذا رمضان أتى مقبلًا

 

 

فأقبل بالخير يُستقبل

لعلك تخطئوه قبالًا

 

وتأتي بعذرٍ فلا يقبل

هذه أوقات المصالحة، وهذه أيام التجارة الرابحة، من لم يربح في هذا الشهر، ففي أي شهرٍ يربح؟! من لم يقرب من مولاه، ففي أي شهر يقرب؟! فهو مضمار السابقين، وغنيمة الصادقين، وربيع المؤمنين، وهو غرة الدهور، ومصباح الشهور، وربيع المؤمن يقتطف فيه الأجور.

قد جاء شهر الصوم فيه الأمان

 

 

والعتق والفوز بسكنى الجنان

شهرٌ شريفٌ فيه نيل المنى

 

وهو طراز فوقكم للزمان

طوبى لمن صامه واتقى

 

مولاه في الفعل ونطق اللسان

ويا هنا من قام في ليله

 

ودمعه في الخد يحكي الجمان

ذاك الذي قد خصه ربه

 

بجنة الخلد وحورٍ حسان

هنّاكم الله بشهرٍ أتى

 

في مدحه القرآن نص عيان

قلت ما سمعتم، وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله حمد الشاكرين، ونسأله أن يجعلنا من عباده الصائمين، وأن يمن علينا بالقبول والفوز المبين.

إخوة الإسلام: فرحنا واستبشارنا، أُنسنا وسرورنا، فما موقف شهرنا منا؟ تلكم كلماتٌ مختصرات، ووصايا وأساسيات، اجعلها أصلك في شهرك.

الوصية الأولى: الترتيب، فرتب وقتك، وحافظ على شهرك، وكل إنسان أعرف بما يصلح له، ويوافقه ويناسبه، واعلم أن الذي لا يرتب ماذا يعمل في شهره؟ أنه يضيع ولا يستفيد، فجزِّئ نهارك قراءةً وصلة، وبرًا وصدقة، وصلاةً ودعاء، بذلًا وعطاء، وهكذا في يومٍ متنقلًا في ربوع الصالحات وألوان الطاعات، لا سيما النفع المتعدي كالعلم وبذله، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخدمة المصلين، وتهيئة المساجد لهم، والإحسان والعطاء ونفع الناس بالعطاء، والبذل وسد الحاجة والفاقة.

الوصية الثانية: كن دعَّاءَ. أكثر من الدعاء، بما تحب في شهرك، في نهارك وليلك، في كل لحظةٍ، وتغانم كل سجدة، احرص ألا تفوتك لحظة إلا بدعوة، لا سيما الزوجة والذرية، ولا تنسى كل مسلمٍ ومسلمة، فرمضان شهر الدعاء، فابذل جهدك في دعائك لربك.

الوصية الثالثة: لا تفوتك صلاتك الفريضة، اجعل شهرك انطلاقةً للمحافظة على الصلوات المكتوبة، لا يؤذِّن غالبًا إلا وأنت في المسجد، علِّق قلبك بالصلاة، (وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ).

وحافظ على فعل الفروض بوقتها

 

 

وخذ بنصيب في الدجى من تهجدِ

ونادِ إذا ما قمت في الليل سامعًا

 

قريبًا مجيبًا بالفواضل يبتدي

ومُد إليه فسد فقرك حاجةً.

وكذا حافظ على السنن الرواتب، وركعتي الضحى، والتراويح احرص ألا تهملها أو تتركها، أو تتكاسل عنها أو تُصلي بعضها (فمَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) و(مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ).

أكثر من الجلوس في المساجد، فهو بيت العزة والرحمة، والفوز والنصـرة، والطمأنينة، والراحة، وكان شعار سلفنا الجلوس في المساجد، ويقولون مقالتهم: نجلس في مساجدنا ولا نغتاب أحدًا.

إياك أن تنام عن الصلوات المفروضات، فالبعض ينام عن الظهر، وربما أضاف إلى الظهر العصر.

الوصية الرابعة: القرآن، عش مع القرآن، تدبرًا وتلاوة، وتعلمًا وتعليمًا، وتأملًا ومُدارسة، حبذا أن تعاهد نفسك كم ختمةٍ تختمها في شهرك، فعند الصباح يحمد القوم السـرى، ومن البشائر أن لك بكل ختمة أكثر من ثلاثة ملايين حسنة، فرمضان شهر القرآن، عاهد نفسك بتلاوته وتأمله، والعمل به وتدبره.

الوصية الخامسة: البر والصلة للوالدين والأقارب، صلتهم والإحسان إليهم، وبِرهم، وإدخال السرور عليهم، وتفقد أحوالهم، سواءً كانوا أبناء أو بناتٍ، أو إخوةٍ أو أخوات، أو أعمامٍ أو عمات، أو أخوالٍ أو خالات، بالنفقة والهدية والعطية، وسد الخلة والحاجة والزكاة والصدقة، والتآلف والاجتماع والمودة.

الوصية السادسة: تصدق في شهرك يوميًا ولو بشيءٍ يسير ولو درهمًا، فالصدقة لها أثرها ونفعها وبِرها، وانظر في المنافع والمصالح، ولا تنسى أقاربك، فهم أعظم لأجرك، طعامًا أو سدادًا أو كساءٍ أو نفقة.

الوصية السابعة: حسن خُلقك في صومك، وابذل المعروف، وتنقَّل في وجوه الإحسان، وانفع الإنسان في قضاء الحاجة، والمعاونة والمساعدة.

الوصية الثامنة: احفظ صيامك من كل معصية، من الغيبة والنميمة، والنظر إلى الحرام، وسماع الحرام، وكلام الحرام، تريد أن ينفعك صومك؟ حافظ عليه، تريد أن تؤجر عليه؟ حافظ عليه، تريد أن تدخل من باب الريان؟ حافظ عليه، تريد الجنان، والنجاة من النيران؟ حافظ عليه، تريد أن تحظى ببركته وخيره؟ حافظ عليه.

إذا لم يكن في السمع مني تصاونٌ

 

 

وفي بصـري غضٌّ وفي منطقي صمتُ

فحظي إذن من صومي الجوع والظمأ

 

فإن قلت: إني صمت يومي، فما صمتُ

احفظه من القنوات الهابطة، والفضائيات السافلة، والمسلسلات والمسرحيات الآثمة التي تعود عليك بالوزر في نفسك وأهلك وولدك وأسرتك، إذا صُمت فليصم سمعك وبصرك.

الوصية التاسعة: إعانة الأسرة والولد والزوجة على الطاعة والقُربة، واجعل حوافز للقراءة، وجوائز للعبادة؛ تنشيطًا وتعليمًا، وتربيةً وتذكيرًا، فكما أنكم تحرصون على ألوان المأكولات والمشـروبات والمطعومات دون إسراف، فاحرصوا على الطاعة والعبادة والقراءة، وتهيئة الأجواء لهم ومساعدتهم، فرمضان –أيها الأب- فرصةٌ ذهبية، ومنحةٌ ربانية للدروس والتربية الأسرية.

الوصية العاشرة -وهي الخاتمة، أحسن الله لي ولكم الخاتمة-: لا تنسَ ذكر ربك، فالذكر أكبر معين على طاعة رب العالمين، وأفضل الأعمال في شهر الصائمين، فأكثرهم ثم أكثرهم، أكثر من ذكر ربك قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا، لا يفتر لسانك، فعندها تنتشـر في أمورك، وتذهب همومك، وتُفلح في شؤونك، وتجد إعانةً في عبادتك، في صلاتك وقراءتك وجلوسك في مسجدك، لاسيما بعد الفجر ولحظات الأسحار، وعند وجبات الإفطار.

وكذا لا تنسى إخواننا، وأحبابنا آبائنا وأمهاتنا بالدعاء لهم أحياءً وأمواتًا، وإخوانٌ لنا كانوا معنا في العام الماضي، نسأل الله أن يغفر لهم، وأن يرحمهم، وأن يجعل قبورهم روضةً من رياض الجنان، وإخوانٌ لنا مرضى على الأَسرة البيضاء، نسأل الله أن يُعافيهم ويُشافيهم.

بلغني الله وإياكم مُناه، بلغني الله وإياكم رضاه، وجعلني وإياكم من أهل بِره وتقواه.

إن شئتم نيل الشـفاعة في غدٍ

 

 

ونجاتكم في الحشـر من أهواله

إن جاء ذكر محمدٍ في محفــلٍ

 

صلوا على الهادي النبي وآله

 

 

المشاهدات 796 | التعليقات 0