عظمة القرآن

إبراهيم بن صالح العجلان
1439/09/10 - 2018/05/25 03:31AM
أيها المؤمنون:
ذكر ابن كثير في تاريخه: أن أَبا جَهْلٍ وَأَبا سُفْيَانَ وَالْأَخْنَس خرجوا ليلة خلسة لِيَسْمَعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرآن وَهُوَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ، فَأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَجْلِسًا لِيَسْتَمِعَ مِنْهُ، وَكُلٌّ لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِ صَاحِبِهِ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ للقرآن، وقد بألبابهم فصاحة القول وبلاغته ومعانيه العظام، التي ما عرفوها في شعر العرب، حَتَّى إِذَا أَصْبَحُوا وَطَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا، فَجَمَعَهُمُ الطَّرِيقُ، فرأى بعضهم بعضا، فَتَلَاوَمُوا، وَقَالَوا لِبَعْضٍ: لَا تَعُودُوا، فَلَوْ رَآكُمْ بَعْضُ سُفَهَائِكُمْ لَأَوْقَعْتُمْ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا، ثُمَّ انْصَرَفُوا، حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ فَعَلُوا مِثلَ ذَلكَ، ثُمَّ انْصَرَفُوا، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ فَعَلُوا مِثلَ ذَلكَ، فَلما جَمَعَهُمُ الطَّرِيقُ، فَقَالُوا: لَا نَبْرَحُ حَتَّى نَتَعَاهَدَ أَنْ لَا نَعُودَ فَتَعَاهَدُوا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ تَفَرَّقُوا.. ولسانُ حَالِهِمْ:
جاءَ النبِيّونَ بِالآياتِ فَاِنصَرَمَتْ = وَجِئتَنا بِحَكيمٍ غَيرِ مُنصَرِمِ
آياتُهُ كُلَّما طالَ المَدى جُدُدٌ = زيَّنَهُنَّ جَلالُ العِتقِ وَالقِدَمِ
يَكادُ في لَفظَةٍ مِنهُ مُشَرَّفَةٍ = يوصيكَ بِالحَقِّ وَالتقوى وَبِالرحِمِ
يا أَفصَحَ الناطِقينَ الضادَ قاطِبَةً = حَديثُكَ الشهدُ عِندَ الذائِقِ الفَهِمِ
وهذا ا بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه كان في الجاهلية خصماً عنيداً، وعدواً للإسلام لدوداً ، حتى قيل لو سلم حمار الخطاب لما أسلم عمر،  فما لذي غيره؟ ومن الذي حوله من النقيض إلى النقيض؟
 إنه القرآن الذي سمع منه عمرُ قولَ الحق ﴿ طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾  فاندهش عمر لهذه القوارع والتنزيه والتعظيم ، فتأثر عمر ورق قلبه ولان صدره حتى عُرف تأثير القرآن في وجهه, ثم أعلن بعدها إسلامه.
معجزة القرآن ليست فقط مع العَربُ الفُصَحَاءُ الأَقْحَاحُ، فهم وإن فَعلُوا ذَلكَ عِندمَا سَمِعُوا القرآنَ، فإنَّ النَّجَاشِيَّ الحبشي الأَعجَمِيَّ الذي لا يَنطِقُ العَربيةَ لَمَّا سَمِعَ القرآنَ بَكَى وأَبكَى.
القُرآنُ.. لَم يَكُنْ لِيؤثِّرَ أو لِيَخْضَعَ لِعظَمَتِهِ الإِنسُ فحَسبُ، بلْ هَؤلاءِ الجِنُّ سَمِعُوه فاهْتَدَوا وأَسلَمُوا وأَذعَنُوا، ورَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ، فقَالُوا: ﴿ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ﴾.                                                   
  إنه القُرآنُ الذِي أَدْهَشَ العُقُولَ، وأَبكَى العُيُونَ، وخضعت له المشاعر، وانقادت لسماعه الأسماع ، وطَأطأتْ لَه رُؤوسُ الكُفرِ.
كم هو جميل أن نتحدث عن القرآن في كل وقت، ولكن أجملها أن نتذاكر القرآن في شهر القرآن، هذا الشهر الذي زاده  الرحمن تشريفاً بنزول القرآن فيه، (شهر رمضان الذي نزل فيه القرآن)
لرفعة هذا القرآن ما نزل به إلا أفضل الملائكة، على قلب خير الرسل، فأصبحت أمته بعد ذلك أفضل الأمم، ولآجل هذا النزول أصبح  رمضان خير الشهور.
وليلة القدر التي نزل فيها القرآن خير الليالي.نزل جبريل بالقرآن فأصبح جبريل افضل الملائكة نزل، القرآن على محمد ﷺ فصار محمد سيد الخلق. وجاء، القرآن إلى أمة محمد فأصبحت أمة محمد خير أمة. نزل القرآن في شهر رمضان فأصبح رمضان خير الشهور نزلالقرآن في ليلة القدر فأصبحت ليلة القدر
دعونا نتحدث عن عظمة هذا السفر الذي الآن به قلوباً قاسية، وهدى به نفوساً تائهة ، (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ).
وصف الله  العظيم كتابه العظيم بأوصاف عاليه سامقة، فهو كتاب عظيم حكيم ، مبارك مبين، نور وهدى، شفاء ورحمة للمؤمنين.
هو ربيع المؤمنين، وحداء القانتين، ما طابت الحياة إلا معه ، ولا نجاة إلا بالاستمساك به ( فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى )
من رام السعادة في الدارين فيلزم ما بين دفتيه ليجعله سميره وأنيسه، ويتخذه رفيقه وجليسه.
قد جاوزت فضائله كل فضل وحاز أهله أعلى نُزُلٍ، فخير الناس في دنيا الناس هم أهل القرآن ((خيركم من تعلم القران وعلمه)) .
تلاوته كلها خير ولا تأت إلا بخير ((الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القران وتتعتع فيه وهو عليه شاق فله أجران))
حاز الأجر العظيم من قرأ حروفه وكلماته فكيف بسوره وأجزائه ، و(ألم) في ديوان الحسنات بثلاثين، فيا حسرتاه على المفرطين.
هذا الكتاب العزيز الكريم يأتي، يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ( اقرءوا القران فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه اقرءوا  الزهراوين البقرة وسورة ال عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة).
شرف في الدنيا والآخرة ورفعة وكرامة أعدها الله لأهل القرآن، ((لقد أنزلنا كتاب فيه ذكركم أفلا تعقلون))، وفي الحديث: (إن الله ليرفع بهذا القرآن أقواما ويضع اخرين).
أهل القرآن هم أكثر الناس اغتباطا يوم القيامة، (يقال لقارئ القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا؟ فإن منزلتك عند اخر آية تقرؤها).
أيها الصائمون: لقد عرف عظمة فضائل كلام رب العالمين سلف هذه الأمة فعجت به ألسنتهم ، ورقت لهم قلوبهم، واقشعرت من وعده ووعيده جلودهم.
نعم ... لقد قرؤوا  حروفه، وأقاموا حدوده، وتدبروا معانيه، وتفكروا في عجائبه،
وعملوا بمحكمه، وآمنو بمتشابهه، فأصبحوا خير أمة أخرجت للناس.
كان الواحد منهم يسير في أرض الله وهو يحمل أخلاق القران، وآداب القرآن ، ومبادئ القرآن ، فانتشر الإسلام ودخل الناس في دين الله افواجاً ببركة هذا القرآن الذي هذَّب أهله وزكى نفوسهم، وقوم سلوكهم، فجعلهم أسوة ومثلاً باقياً.      
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ((إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وانفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم اجورهم ويزيدهم من فضله انه غفور شكور))
بارك الله لي ولكم في القران العظيم
 
الخطبة الثانية
أما بعد فيا أخوة الإيمان: إن نفوسنا إذا لم تقبل على القرآن في شهر الرحمة والغفران حرية بالمحاسبة والمراجعة .......وإن قلوبنا التي لا تحركها مواعظ القرآن ووعد الرحمن حرية مع ذاتها وقفة تقريع ومعاتبة.     
                                                         كم نحن بحاجة مليا أن نعرض أعمالنا على هدايات القران ، هلاَّ سألنا أنفسنا عن أثر القرآن في أخلاقنا وتعاملاتنا، وصلاحنا وخشيتنا ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدِّعاً من خشية الله ).
فيا من قصر مع كتاب ربه وكلنا له نصيب من هذ التقصير، لنجعل هذه الأيام نقطة انطلاق نحو القرآن ، وبداية المصالحة مع الهجران ، لنأخذ على أنفسنا أن يكون لنا ورد يومي مع كلام ربنا ،ولنجعل ذلك من أساسيات يومنا وأوائل اهتمامنا .
مع التواصي على تعلم كتاب الله وتعليمه ونصرته والدعوة إليه بالنفس والمقال والعلم والحال ، فإن لم يكن فبالمال الحلال، فالدال على الخير كفاعله وفي نصوص السنة من (جهز غازيا فقد غزا ) وفي محكم التنزيل (وتعاونوا على البر والتقوى).
يا أمة القران، هذا شهر القرآن، فاستنهضوا الهمم للقرآن، وحركوا القلوب للقرآن، فذاك كسب عظيم، ونفحة مباركة، وتجارة رابحة، ومن تزكى فإنما  يتزكى لنفسه ومن عمي فعليها، وما ربك بظلام للعبيد .....
اللهم صل على محمد
المرفقات

القرآن-14

القرآن-14

المشاهدات 3449 | التعليقات 0