أمور يجب استشعارها في بداية رمضان

خالد الشايع
1439/09/03 - 2018/05/18 00:26AM

 الخطبة الأولى ( أمور يجب استشعارها في أول رمضان )    2/9/1439

أما بعد فيا أيها الناس : يا لها من نعمة لا تقدر بثمن ، أن من الله علينا ببلوغ شهر رمضان ، كما من علينا بالصحة والعافية ، والأمن والأمان ، فعلينا أن نقدر قدرها ، ونعمل من أجلها .

عباد الله : هناك أمور يجب استشعارها في بداية رمضان ، ومن ثم العمل بها ، لنكون من السابقين في مضمار الخير .

من ذلك استشعار مضاعفة الأجور في رمضان ، فالأجر يتضاعف بفضيلة شرف الزمان والمكان ، كما يخص الله بعض الأزمنة بزيادة فضل ، كشهر رمضان فقد اجتمع فيه شرف الزمان وخصوص الفضل من الله  ، أخرج البخاري (1761) ومسلم (1946) من حديث أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَالَ اللَّهُ : كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ . . . الحديث ) .

لما كانت الأعمال كلها لله وهو الذي يجزي بها ، اختلف العلماء في قوله : ( الصيام لي وأنا أجزي به ) لماذا خص الصوم بذلك ؟

وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله من كلام أهل العلم عشرة أوجه في بيان معنى الحديث وسببِ اختصاص الصوم بهذا الفضل  .

أظهر الأوجه : أن المراد بقوله : ( وأنا أجزى به ) أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته . قال القرطبي : معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير . ويشهد لهذا رواية مسلم (1151) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ) أي أجازي عليه جزاء كثيرا من غير تعيين لمقداره ، وهذا كقوله تعالى : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) .

وتظهرُ فائدةُ هذا الاختصاص يوم القيامَةِ كما قال سَفيانُ بنُ عُييَنة رحمه الله : إِذَا كانَ يومُ القِيَامَةِ يُحاسِبُ الله عبدَهُ ويؤدي ما عَلَيْه مِن المظالمِ مِن سائِر عمله حَتَّى إِذَا لم يبقَ إلاَّ الصومُ يتحملُ اللهُ عنه ما بقي من المظالِم ويُدخله الجنَّةَ بالصوم .

ويرجى مضاعفة الأجور لكل عمل تقوم به أثناء الصيام حيث يتضاعف معه ، وكذا يرجى في الليل ، لأنه يثبت تبعا مالا يثبت استقلالا .

أيها المسلمون : عندما يستشعر العبد أن العمل الصالح أجره مضاعف في رمضان ، فإن ذلك يدعوه إلى الاستكثار من الأعمال الصالحة وإخلاص النية في ذلك .

ومن الأمور التي يجب استشعارها في رمضان : العفو عن الآخرين ، وإزالة الشحناء من القلوب ، لأن الجزاء من جنس العمل ، فمن عفى عفي عنه ، ومن تجاوز ، تجاوز الله عنه ، فإذا كان أخوك قد أخطأ عليك ، مهما عظم الخطأ ، تذكر ثواب الله في العفو ، فإن ذلك يدعوك للعفو ، ورمضان زمن للمصالحة والوصل ، ونبذ الخلاف والهجران .

قال سبحانه (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)

والمعنى ، إذا كنتم تحبون أن يغفر الله لكم ، فاعفوا أنتم واصفحوا عمن ظلمكم وأخطأ في حقكم .

أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ تَجَاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ" وفي رواية لمسلم: "قال اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ تَجَاوَزُوا عَنْهُ"

معاشر المؤمنين : إن من الجفاء أن ندعو الله بالمغفرة ، والعفو ، وقلوبنا مظلمة بالحقد على الآخرين ، فعامل الناس بمثل ماتحب أن يعاملوك به .

وإن شهر رمضان فرصة للمصالحة التي قد تكون قد طالت مدة الهجران فيها ، وقد تكون من أقرب الناس لك .

اللهم طهر قلوبنا من الحقد والحسد والغل عن إخواننا المسلمين ، أقول قولي ....

                                        الخطبة الثانية

أما بعد فيا أيها الناس : يقول سبحانه ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )

بين الله سبحانه في هذه الآية أن الصيام كان مفروضا على الأمم من قبلنا ، وهذا يدل على أهمية الصيام ، كما بين الغرض من فرض الصيام على الأمة ( لعلكم تتقون )

فعلى العبد أن يسعى في تحصيل التقوى في شهر رمضان ، فمن حصلها فهو من الفائزين ، إن العبد ليتعب نفسه في الصيام ، ثم يعمل من المعاصي ما يخرم صومه ، ويضيع أجره .

عباد الله : إن الصيام الحقيقي هو الصيام عن المعاصي بتركها وهجرها والكف عنها ، وهو صوم القلب ، لا فقط صوم الجوارح ، وقد دلْت عموم السنَّة وخصوصها على ذلك ، وكذا جاء في كلام أهل العلم ما يبينه ويوضحه .

أخرج البخاري في صحيحه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ).

وأخرج أحمد في مسنده من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ )

وقد كان الصحابة وسلف الأمة يحرصون على أن يكون صيامهم طُهْرة للأنفس والجوارح ، وتَنزُّهًا عن المعاصي والآثام .

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ليس الصيام من الشراب والطعام وحده ، ولكنه من الكذب والباطل واللغو .

وقال جابر بن عبد الله الأنصاري : إذا صمتَ فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب ، والمأثم ، ودع أذى الخادم ، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء .

وعن حفصة بنت سيرين – وكانت عالمة من التابعين - قالت : الصيام جُنَّة ، ما لم يخرقها صاحبها ، وخرقها الغيبة .

وعن ميمون بن مهران : إن أهون الصوم ترك الطعام والشراب .

ذكر هذه الآثار : ابن حزم في " المحلى " ( 4 / 308 ) .

ولا نعجب بعدها إذا علمنا أن بعض أهل العلم قال ببطلان صوم من وقع في المعصية أثناء صيامه ، وإن كان الصحيح أنه لا يبطل الصوم ، لكن لا شك في نقصانه ، ومخالفته لحقيقة الصوم .

" فتح الباري " ( 4 / 104 ) .

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

"أما الذي يجب عنه الصوم : فلعلكم تستغربون إذا قلت : إن الذي يجب عنه الصوم هو: المعاصي , يجب أن يصوم الإنسان عن المعاصي ؛ لأن هذا هو المقصود الأول في الصوم ؛ لقول الله تبارك وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة/183 ، لم يقل : لعلكم تجوعون ! أو لعلكم تعطشون ! أو لعلكم تمسكون عن الأهل ! لا ، قال : ( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) , هذا هو المقصود الأول من الصوم , وحقَّق النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وأكده بقوله : (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) إذاً أن يصوم الإنسان عن معاصي الله عز وجل , هذا هو الصوم الحقيقي ، أما الصوم الظاهري : فهو الصيام عن المفطرات , الإمساك عن المفطرات تعبداً لله عز وجل من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، هذا صوم نسميه الصوم الظاهري، صوم البدن فقط , أما صوم القلب الذي هو المقصود الأول : فهو الصوم عن معاصي الله عز وجل .

اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا يارب العالمين ....

المشاهدات 1310 | التعليقات 0