رسائل الاجازة الصيفية

منصور احمد المقبول
1439/08/24 - 2018/05/10 18:22PM

الخطبة الأولى :
أما بعد .. كان الوالدان في ترقب وحذر، وتخوف وأمل .. ينتظران على أحر من الجمر ، ما تؤول إليه نتيجة الأبناء في الامتحانات ، وقد أُبرمت الوعود، وزفت البشائر، بالهدايا القيمة والرحلات الممتعة ، إذا كانت النتائج مرضية مشرفة وأعلنت النتائج ، وبدأت الإجازة الصيفية الطويلة ، تلك الإجازة التي ينتظرها ملايين الطلاب والطالبات من أبنائنا وبناتنا ؛ ليستريحوا من عناء السهر والمذاكرة ، والذهاب يومياً إلى المدارس والجامعات والمعاهد .

نعم فبعد ايام ستبدأ الإجازة والله أعلم بما قضى الله فيها من الأقدار والأخبار .. الله أعلم كم فيها من رحمة تنتظر السعداء !! وكم فيها من بلية ومصيبة تنتظر الأشقياء !! نسأل الله العظيم بمنه وكرمه وهو أرحم الراحمين أن يجعل ما وهب لنا من زيادة العمر زيادة لنا في كل خير ، وأن يعصمنا فيها من كل بلاء وشر وإذا كنا نتحدث عن الإجازة فإنني أوجه رسائل مهما لكل اخ ومسلم

اولاً ايها المسلمون إننا نتحدث عن جزء من أعمارنا ، ورصيد من أوقاتنا إن الوقت هو الحياة ولأهمية الوقت ، فإن الله سبحانه وتعالى أقسم به في أوائل سور كثيرة .{وَالْعَصْرِ} ، {وَالْفَجْرِ } ، {وَالضُّحَى} ، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ، وغيرها من الآيات. وقال سبحانه: ((فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ)) قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : أي إذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها وقطعت علائقها فانصب إلى العبادة وقم إليها نشيطا فارغ البال وأخلص لربك النية والرغبة.اهـ

أيها المؤمنون .. الوقت هو ثمرة العمر طيبة كانت أو خبيثة .. وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله : ( السنة شجرة، والشهور فروعها، و الأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمارها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرته طيبة، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل ) .

الرسالة الثانية من المعلم الى طلابه بالأمس القريب كنت معنا في بداية العام الدراسي .. ويوماً بعد يوم .. كلّما أجدك جالساً في مقعدك .. تنتظرني فآتيك ، أحييك فتردّ سلامي ، وأحدثك فتسمعني ، وأدعوك فتُجيبني . أعطيك دروساً في العلم وفي السلوك ، وآخذُ منك دروساً في حبّ الخير للناس والمجتمع هكذا وبأقصى سرعة ، الأيام تمضي والساعات تمُرُ مرّ السحاب ، فلم يتبقى لي معك سوى أيام قلائل وتتخرّج من مرحلتك الدراسية ، لتنتقل لمرحلة أخرى ، فكن كما عهدتك .. طيّب القلب .. حسن الخلق .. متسامحاً متعاوناً .. وازرع حبّك في قلوب الآخرين .

تلميذي الحبيب في محطتّك القادمة ، ستتعرف على معلّمين آخرين ، أوصيك بحسن النية بهم واحترامهم وتقديرهم وحبهم .. استمع لنصائحهم وتوجيهاتهم فهم أكثر منك خبرة في الحياة .وأخيراً .. اجعل لي نصيباً في قلبك ومكاناً في ذاكرتك مهما تمرّ الأيام ولا تنسى

اما الرسالة الثالثة فهي من طالب لمعلمه رسالة من قلبٍ طالما غرست فيه بعض غراسك وزرعت فيه بعض زرعك ،فرويته بمعالم فضلك ووهبته جميل هباتك .

أستا ذي ومعلمي : كم كنتُ أغبطك على هذه المهنة العظيمة ذات الشرف في الدنيا والآخرة، كيف لا وهي مهنة الأنبياء وطريق المرسلين، ولقد كنتُ أتأمل قوله تعالى(هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون) .فقلتُ في نفسي هنيئاً لك هذا الفضل .

فإذا جاء الناس يوم القيامة بالشاة والبعير والعمارات والعقارات والأموال والمراكب الفارهة التي جمعوها في الدنيا جئت أنت تحمل معك الفاتحة البقرة وآل عمران وسورة الاخلاص وأُناساً اهتدوا بهديك وتعلموا من علمك ونهلوا من فضلك قد نورت بصائرهم ونفيت عنهم الجهالات وابعدتهم عن الفضلات .فكم حاربت إبليس وأبعدت طلابك عن التلبيس وخشيت عليهم من ان يكونوا مفاليس وبشراك بشراك بحديث رسولك ومصطفاك ، حيث قال: (إن الله وملائكته ،حتى النملة في جحرها ،وحتى الحوت في البحر ،ليصلون على معلم الناس الخير)

معلمي الفاضل : إنك من المجاهدين بكل حقٍ وحقيقة فأنت على ثغرة من ثغور المسلمين فلئن كان المجاهد في ثغور البلاد يحميها من تسلط العابثين ،ودخول المعتدين الذين يُزعِزعون أمنها ويولدون الرعب لها فأنت من أعظم المجاهدين فمن يحمي العقول من عبث العابثين ولوث العلمانيين وتحريف الغالين وينفي شُبه الزائغين.....إنه أنت يا أستاذي الكريم فالقرآن إمامك والتوحيد سلاحك والتفسير بيانك والتاريخ سندك وعلم الأرض والفيزياء والكيمياء فهما مجال تطبيق علمك وغيرهما من العلوم هما مصدر الابتكار والاختراع من أجل القوة والغلبة. أيها المجاهد استمع لكتاب الله تعالى وهو يخبر عنك(ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبير).

أستاذي الكريم معلمي الفاضل :لإن افتخر المهندس برونق إنشائه وجمال إبداعه وبرز الطبيب بفرط ذكائه وخفة أدائه لأعماله وارتفاع صيته وشهرته وازدحم الناس على عيادته وظهر المخترع والمبتكر بجمال ابتكاره وذاع صيته في كل أرجاء بلاده ،فلا أنسى ذخيرتك العظمى التي تدر عليك الحسنات مدراراً وتسجلها في ميزانك بلا عدٍ ولا حسبان ، ذلك العالم الرباني وطالب العلم الهمام الذي قصد المصادر الربانية و المنح الإلهيه فحفظها وقام للناس موجهاً وللجهال معلماً وللمتعلمين معضداً فقام بالحق وبه يعدل . وذاك الشاعر الفصيح ،واللغوي الرصين الذي نافح برصانة كلماته عن الإسلام وأثار حماس أهل الجهاد فكان بحقٍ حسانَ عصره وعليَ زمانه ومهما أطلعنا الفلكي على بعض اكتشافاته وعظيم استنتاجاته ومهما اعتلى الطيار في السماء و أجاد الطير في الهواء والفضاء وتمايل بطيارته كتمايل طير الحمام بفرح الخروج مع ضوء النهار وبالغدو والإبكار . وذلكم القائد العسكري الذي أخذ العهد على نفسه بحماية دينه ومليكه ووطنه سواء ً كان في البر أو البحر أو الجو ....فيا استاذي حُقًّ لك أن تفخر فهؤلاء ِكلهم وغيرهم كثير ٌ و كثير بعض نتاجك (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون ).فلئن تقاعد أي موظف عن عمله وانقطعت عنه تبعاته ونسي متطلباته واندثرت في الغالب بعض صلاته ...فلا تنقطع صلاتك ولا تنتهي سنوات خدمتك فالكل لاينسى فضلك وإبداعك ,فأنت مربي الأجيال لتعمر الديار وينتشر الأمان بسبب انتشار العلم وسعة الفهم وقوة البيان ..... فأنت يا معلمي يا من حملت راية العلم سنين وسنين حُقَّ لك هذا الوسامُ من الملك العلام (ومن يؤتَ الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً).      

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ...............

الخطبة الثانية

أما بعد   أما الرسالة الاخيرة فإلى أولياء الامور قال سبحانه : ( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) ...

نداء إلى جميع أولياء الأمور للاستيقاظ من غفلتهم عن تربية أبنائهم تربية صحيحة ، والاعتبار بمصائب الغير وشكر النعمة ، فنجد اليوم فئة لا يستهان بها من ( أولياء الأمور ) لا يهتمون بأبنائهم ، وفلذات أكبادهم وبناتهم إلا في مسائل الأكل والشرب ، والسكن ، والكسوة ظنا منهم أن هذا فقط هو المطلوب ، ولا شيء غيره في حين أنه لا يكون بهذا وحده صلاح الأرواح والقلوب ، فهنالك جوانب أخرى تحتاج إلى الاهتمام والالتزام ، وإهمالها في حق الأبناء والبنات ظلم وحرام ، كالتربية على الكتاب والسنة ، وتنشئتهم على الأخلاق الحميدة ، والعادات الفاضلة والتليدة .. وهذه الجوانب يهملها الكثير من الآباء والأمهات وأولياء الأمور فنشأ اثر ذلك جيل لا يهتم ، ولا يراعي الآداب والدين ( الامن رحم ربي ) يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع ، وكلكم مسئول عن رعيته ) . وقال أيضا : ( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه ) . وأنت كأب مسئول عن هذه الأمانة التي حملك الله إياها أمانة تربية أبنائك ، والتي ستسأل عنها يوم القيامة ، أحفظت أم ضيعت ؟ وزينة الذرية لا يكتمل بهاؤها وجمالها إلا بالدين ، وحسن الخلق ، وإلا كانت وبالا على الوالدين في الدنيا والآخرة .وتأصيل الأدب في النفس يكون مبكرا فمن أدَّب ولده صغيرا سُر به كبيرا . فعليك أيها الأب الكريم الاعتناء بهذه البذرة التي بذلت في سبيلها الغالي والنفيس حتى حصلت عليها فأنت زرعت وعليك التعهد بالسقيا والرعاية والملاحظة المستمرة ولا توكل أمرك كله للغير فالثمرة لك  وأنت الذي ستتذوق حلاوتها فلا تتركها للزمن يذبلها وييـبسها فلا يستفاد منها .

فأنت المربي الأول لابنك تعرف منشأه ومدرج صباه وما عليك إلا أن تشعل زناد فكره وتوقظ جذوة مشاعره وتوقد شرارة عقله ليكون بارقة أمل يلوح ، ويهطل وبلا من نور العلم على أرض الجهل والضلال فيحيلها أرضا ذات مروج ، وأنهار ، وأشجار وأزهار ، ويبقى ساطعا في سماء التربية والتعليم كالقمر ليلة البدر .

ايها المسلمون لَمْ يَتَبَقَّ - عَلَى فَتْحِ أَبْوَابِ الْجِنَانِ، وَتَغْلِيقِ أَبْوَابِ النِّيَرانِ، وَتَصْفِيدِ الشَّيَاطِينِ إلّا أَيَّامٌ مَعْدُودَاتٌ. فِي هَذِهِ الْأيَّامِ اسْتَشْعِرْ أَنَّ أَمَامَكَ مَوْسِمًا عَظِيمًا، التَّفْرِيطُ فِيه حِرْمَانٌ، وَخَسَارَتُهُ تَعْنِي الْخَسَارَةَ بكامل معانيها. الاِسْتِعْدَادُ لِهَذَا الشَّهْرِ يَعْنِي اسْتِحْضَارَ نِيَّةِ التَّحَدِّي وَالتَّنَافُسِ فِي أَبْوَابِ الْخَيرَاتِ وَالطَّاعَاتِ؛ ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ و أَوَّلَ مَا يُمْكِنُ أَنْ تَسْتَعِدَّ بِهِ لِرَمَضانَ أَنْ تَتَأَهَّبَ لَهُ قَبْلَ دُخُولِهِ، بِنَفْسٍ مُسْتَبْشِرَةٍ، وَأَنْ تَتَلَهَّفَ وَتَسْتَشْرِفَ لِقُدُومِهِ، وَهَذَا مِنْ تَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ وَمِمَّا يَنْبَغِي فِعْلُهُ أَنْ يُكْثِرَ الْإِنْسانُ مِنْ دُعَاءِ اللهِ أَنْ يُبَلِّغَهُ رَمَضانَ، وَأَنْ يُعِينَهُ عَلَى الصِّيَامِ وَالْقيامِ وَصَالِحِ الْأَعْمَالِ، فَالْإِنْسانُ قَدْ يُدْرِكُ رَمَضانَ وَلَكِنْ لَا يُعَانُ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَلَا يَخْفَى عَلَيكُمْ أَنْ سَلَفَ الْأُمَّةِ كَانُوا يَدْعُونَ اللهَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَنْ يُبَلِّغَهُمُ اللهُ رَمَضانَ، وَذَلِكَ لِمَا يَعْلَمُونَ فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ وَالْفَلاَحِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلامِ رَحِمَهُ اللهُ: "تَأَمَّلْتُ أَنْفَعَ الدُّعَاءِ فَإِذَا هُوَ سُؤَالُ الْعَوْنِ عَلَى مَرَضَاتِهِ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي الْفَاتِحَةِ فِي قَوْلِهِ ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ففي هذا الموسم فرصة عظيمة لغرس مفاهيم الدين والأخلاق والبذل والعطاء في نفوس ابنائنا وبناتنا ليكونوا للإسلام أئمة هدى وللوطن مصابيح الدجى .

هذا، وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على خير الورى وأفضل من وطئ الثرى، كما أمركم بذلك المولى -جل وعلا-، فقال تعالى قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]. اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد بن عبد الله أبي القاسم، ما تعاقب الجديدان وتتابعت المواسم، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

المشاهدات 788 | التعليقات 0