شَهْرُ شَعْبَانَ, وَمَوْسِمُ الأَمْطَارِ 4 شَعْبَانَ 1439 هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1439/08/02 - 2018/04/18 13:18PM

شَهْرُ شَعْبَانَ, وَمَوْسِمُ الأَمْطَارِ 4 شَعْبَانَ 1439 هـ

الْحَمْدُ للهِ الذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ, وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورَاً لِيُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةَ مَيْتَاً وَيُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقَ أَنْعَامَاً وَأَنَاسِيَّ كَثِيرَاً, وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرَاً, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً بَشِيراً وَنَذِيرَاً, وَدَاعِيَاً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجَاً مُنٍيرَاً, صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.

أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ عَبَادَ اللهِ وَامْتَثِلُوا أَمْرَهُ وَاجْتَنِبُوا نَهْيَه, وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ عَنْ قَرِيبٍ مُلَاقُوه.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّنَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ نَشْهَدُ هُطُولَ أَمْطَارٍ فِي كَثيرٍ مِنْ مَنَاطِقِ بِلَادِنَا فَلِلَّهِ الحَمْدُ وَالْمِنَّة, وَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَهَا غَيْثَاً مُغِيثَاً, وَأَنْ يُبَارِكَ فِيهَا لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ, وَهَذِهِ وَقَفَاتٌ تَتَعَلَّقُ بِالأَمْطَارِ:

الْوَقْفَةُ الأُولَى: مَا الذِي يَنْبَغِي إِذَا رَأَيْنَا السُّحُبَ ؟ وَالَجوَابُ: قَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى السَّحَابَ خَافَ وَارْتَعَبَ حَتَّى يَنْزِلَ الْمَطَرُ فُيُسَرَّى عَنْهُ, وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ نَخَافَ لا يَكُونَ عُقُوبَةً, فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ, قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ , وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةُ ؟ فَقَالَ (يَا عَائِشَةُ مَا يُؤَمِّنِّي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ! عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ, وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا : هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ, يعني: فجاءتهم (رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) ,,, فَهَلْ نَحْنُ نَخَافُ إِذَا رَأَيْنَا السُّحُبَ ؟ أَمْ أَنَّ مِنَّا مَنْ قَدْ يُطَارِدُهَا لِيَرَى أَيْنَ تَهْطُلُ؟ أَوْ هَلْ فِيهَا سَيْلٌ أَوْ بَرَدُ, فَاللهُ الْمُسْتَعَانُ.

الْوَقْفَةُ الثَّانِيَةُ: مَا الْعَمَلُ إِذَا نَزَلَ الْمَطَرُ؟ الْجَوَابُ: قَدْ جَاءَتِ الأَدِلَّةُ بِعَدَدٍ مِنَ السُّنَنِ تُعْمَلُ عِنْدَ  نُزُولِ الْمَطَرِ, فَ(السُّـنَّةُ الأُولَى) الدُّعَاءُ بِمَا وَرَدَ, فَتَقُولُ: اللَّهُمَّ صَيِّـَباً نَافِعَاً, فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى اَلْمَطَرَ قَالَ (اَللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ, وَالْمَعْنَى: اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْمَطَرَ يُصِيبُ الْمَكَانَ الْمُنَاسِبَ مِنَ الأَرْضِ وَيَكُونُ نَافِعَاً مُنْبِتَاً.
وَ(السُّـنَّةُ الثَّانِيَةُ) أَثْنَاءَ نُزُولِ الْمَطَرِ, فَتَقِفُ تَحْتَ الْمَطَرِ وَتَحْسُرُ شَيْئاً مِنْ مَلابِسِكَ لِيُصِيبَ الْمَطَرُ جَسَدَكَ رَجَاءَ الْبَرَكَةِ، فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطَرٌ قَالَ: فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ (لأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ) رَوَاهُ مُسْلِم, وَمَعْنَى (حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ) أَيْ بِتَكْوِينِ رَبِّهِ إِيَّاهُ، فَالْمَطَرُ رَحْمَةٌ وَهِيَ قَرِيبَةُ الْعَهْدِ بِخَلْقِ اللهِ تَعَالَى.

 وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ السَّمَاءَ مَطَرَتْ فَقَالَ لِغُلَامِه: أَخْرِجْ فِرَاشِي وَرَحْلِي يُصِيبُهُ الْمَطَرُ, فَقَيلَ لَهُ: لِمَ تَفْعَلُ هَذَا يَرْحَمُكَ اللهُ ؟ قَالَ: أَمَا تَقْرَأُ كِتَابَ اللهِ (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكَاً) فَأُحِبُّ أَنْ تُصِيبَ الْبَرَكَةُ فِرَاشِي وَرَحْلِي, أَخْرَجُهُ الْبَيْهَقِيُّ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَأَمَّا (السُّـنَّةُ الثَّالِثَةُ) فَهِيَ فِي أَثْنَاءِ نُزُولِ الْمَطَرِ: فَتَدْعُو اللهَ تَعَالَى وَتَسْأَلُهُ مِنْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ, فَإِنَّ ذَلِكَ مَوْضِعُ إِجَابَةٍ لِأَنَّهُ يُوَافِقُ نُزُولَ رَحْمَةٍ مِنْ رَحَمَاتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ثِنْتَانَ مَا تُرَدَّانِ: الدُّعَاءُ عِنْدِ النِّدَاءِ وَتَحْتَ الْمَطَرِ) رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ. وَالْمُرَادُ بِالنِّدَاءِ: الأَذَان.

وَأَمَا (السُّـنَّةُ الرَّابِعَةُ) فَبَعْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ أَنْ تَقُولَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ, فَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلَةِ, فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ(هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟) قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ! قَال: قَالَ (أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ, فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ, وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

فَمَا أَحْوَجَنَا لِهَذَا الحَدِيث ! فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَصْبَحَ يُعَلِّقُ نُزُولَ الْمَطَرِ عَلَى الظَّوَاهِرِ الْجَوِّيَّةِ, وَيَتَشَبَّثُ بِأَقْوَالِ أَهْلِ الأَرْصَادِ وَيَنْسَى أَنْ إِنْشَاءَ السَّحَابِ كَانَ بِقُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى وَأَنَّ نُزُولَ الْمَطَرِ مِنْهُ, فَلا يَحْدَثُ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ سُبْحَانَهُ.

وَأَمَّا (الْوَقْفَةُ الثَّالِثَةُ) فَهِيَ فِي حُكْمِ جَمْعِ الصَّلاةِ فَي الْمَطَرِ: فَإِنَّهُ إِذَا اشْتَدَّ الْمَطَرُ وَتَأَذَّى النَّاسُ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْمَسَاجِدِ جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ إِحْدَاهُمَا, وَهَذَا الْجَمْعُ رُخْصَةٌ وَلَيْسَ وَاجِبَاً, وَعَلَيْه فَلا يَنْبَغِي لِجَمَاعَةِ الْمَسْجِدِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ خُصُومَةٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ, وَالْمَوْكُولُ بِتَقِدِيرِ الأَمْرِ هُوَ الإِمَامُ, فَإِذَا لَمْ يَرَ الْجَمْعَ فَلا يَجُوزُ لِجَمَاعَةِ الْمَسْجِدِ الافْتِيَاتُ عَلَيْهِ وَإِقَامَةُ الصَّلاةِ , بَلْ تُصَلّى كُلُّ صَلاةٍ فِي وَقْتِهَا, فَإِنَّ شَقَّ عَلَيْهِمُ الْخُرُوجُ لِلصَّلاةِ التَّالِيَةِ صَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ, وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ بَلْ لَهُمْ أَجْرُ الجَمَاعَةِ.

وَمِمَّا يَجِبُ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ: أَنَّ مَنْ فَاتَتْهُ الصَّلاةُ وَدَخْلَ بَعْدَ فَرَاغِ الْجَمَاعَةِ فَلا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ, لِأَنَّ مَقْصُودَ الْجَمْعِ فِي الْمَطَرِ تَحْصِيلُ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ هُنَا قَدْ فَاتَتْهُ فَلا يَسْتَفِيدُ مِنَ الْجَمْعِ شَيْئَاً, لَكِنْ لَوْ أَنَّ مَنْ فَاتَتْهُمُ الصَّلاةُ مَعَ الإِمَامِ كَانُوا جَمَاعَةً فَجَمَعُوا فَلا بَأْسَ.

وَأَمَّا (الْوَقْفَةَ الرَّابِعَةَ) فَإِنَّها فِي حَالِ الخَوْفِ مِنَ الْمَطَرِ: فَإِذَا زَادِتْ مِيَاهُ الأَمْطَارِ وِخِيْفَ مِنْهَا سُنَّ أَنَ يَقُولَ النَّاسُ وَخُطَبَاءُ الْجُمُعَةِ فِي الدُّعَاءِ: الَّلهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا, اللَّهُمَّ عَلَى الظِّرَابِ وَالآكَامِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ, رَبَّنَا لَا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ. أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُبَارِكَ لَنَا فِيمَا أَنْزَلَ مِنَ الْمَطَرِ وَأَنْ يَجْعَلَهُ رَحْمَةً لا عَذَابَاً وَأَنْ يَرْزُقَنَا شُكْرَ نِعْمَتِهِ , أَقُولُ قَوْلِي هذا, وَأَسْتغفرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِروهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمينَ والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنَا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أَجْمَعينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فإِنَّنَا فِي هَذِهِ الأَيَامِ نَسْتَقْبِلُ شَهْرَ شَعْبَانَ, وَهُوَ مِنْ أَيَامِ اللهِ التِي نَحْنُ مُتَعَبَدُونَ لِلهِ بِهَا عَلَى الدَّوَامِ, وَلَكِنْ قَدْ جَاءَتْ لَهُ مَزِيَّتَانِ : (الأُولَى) فِي مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ فِيْهِ, فَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اَللهَ يَطَّلِعُ عَلَى عِبَادِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلمُؤْمِنِيْنَ , وَيُمْلِي لِلكَافِرِيْنَ وَيَدَعُ أَهْلَ الحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُ. و(الثَّانِيَةُ) كَثْرَةُ الصِّيَامِ فَقَدْ كَانَ النَّبِيُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخُصُّهُ بِهَا, حَيْثُ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ إِلَّا القَلِيْلَ, فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ, وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ, وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ, وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ (ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ, وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ.

فَالصِّيَامُ فِيْ هَذِا الشَّهْرِ كَالرَّاتِبَةِ القَبْلِيَّةِ لِرَمَضَانَ, كَمَا أَنَّ صِيَامَ سِتٍّ مِنْ شَوَّالَ كَالرَّاتِبَةِ البَعْدِيَّةِ. وَاَلذِيْ يَنْبَغِيْ لِلعَاقِلِ أَنْ يَغْتَنِمَ أَيَّامَهُ وَلَيَالِيَهِ فِيْ طَاعَةِ الرَّبِ عَزَّ وَجَلَّ, وَالصَّوْمُ فِيْ هَذِهِ الأَيَّامِ فِيْهِ نَوْعُ مَشَقَةٍ لِطُوْلِ اليَوْمِ وَحَرَارَةِ اَلجَوِّ, وَلَكِنَّ أَهْلَ الإِيْمَانِ يَصْبِرُونَ عَلَى ذَلِكَ اِبْتِغَاءَ الأَجْرِ , وَطَمَعَاً فِيْ النَجَاةِ مِنْ ظَمَأِ يَوْمِ القِيَامَةِ.

 أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: إِنَّهُ مِمَا يَنْبَغِي التَنْبِيهُ عَلَيْهِ مِمَا يَتَعَلَقُ بِهَذَا الشَهْرِ أَمْرَانِ (الأَولُ) أَنَّ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ مِنْ رَمَضَانَ الْمَاضِيَ فَلْيُبَادِرْ إِلَى صِيَامِهِ, لِأنَّ تَأْخِيْرَ القَضَاءِ إِلَى بَعْدِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا يَجُوْزُ.

(الثَانِي) أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ تَقَدُمِ رَمَضَانَ بِالصِّيَامِ اِحْتِيَاطَاً لِلشَّهْرِ, فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ, إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه. فَلَا يَجُوْزُ الصِّيَامُ فِي يَومِ التَاسِعِ والعِشْرِينَ أَوْ الثَلاثِينَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ مَخَافَةَ أَنْ يَدْخُلَ الشَّهْرُ وَهْوَ لَا يَدْرِي, فَهَذَا شَأْنُ الْمُتَنَطِّعِينَ, فَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اَللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ) قَالَها ثَلاثاً, رواه مسلم, الْمُتَنَطِّعونَ: هُمْ الْمُتَعَمِقُونَ الْمُشَدِدُونَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التَشْدِيْدِ.

أَسْأَلُ اللهَ أَنَّ يَجْعَلَ مَا أَنْزَلَ مِنَ الْمَطَرِ غَيْثَاً مُغِيثَاً هَنِيئَاً مَرِيئَاً, اللَّهُمَّ أَنْبِتْ بِهِ الزَّرْعَ وَأَدِرَّ بِهِ الضَّرْعَ, اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ بَلاغَاً لِلْحَاضِرِ وَالْبَادِ, اللَّهُمَّ عَلَى الضِّرَابِ وَالأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ,أأأأأأأأأأأ اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِنا دِينِنا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا وَأَصْلِحْ لِنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا وَأَصْلِحْ لِنا آخِرَتِنا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنا وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِنا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لِنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ, رَبَّنَا آتِنَا فِي اَلدُّنْيَا حَسَنَةً, وَفِي اَلْآخِرَةِ حَسَنَةً, وَقِنَا عَذَابَ اَلنَّارِ, اَللَّهُمَّ إِنِّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ, وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ, وَفُجْأَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ, اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلَاةَ أَمْرِنَا وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلَامِ, اللَّهُمَّ اجْمَعْ كَلِمَتَهَمْ عَلَى الحَقِّ يَارَبَّ العَالَمِينَ, وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نبيِّنَا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ, والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.

المرفقات

شَعْبَانَ-وَمَوْسِمُ-الأَمْطَارِ-4-شَ

شَعْبَانَ-وَمَوْسِمُ-الأَمْطَارِ-4-شَ

المشاهدات 2387 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا