المرأة وقضاياها المطروحة

محمد بن سليمان المهوس
1439/07/30 - 2018/04/16 06:49AM
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وأشْهَدُ أنّ مُـحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثاتُها ،وَكُلَّ مُحْدثةٍ بِدْعَةٍ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٍ، وكُلَّ ضَلالةٍ فِي النّارِ .
أيُّهَا الْمُـْـسلِمُونَ / الْـمُتأمِّلُ لِـحالِ المرأةِ قبْل بُزوغ شمس هذا الدينِ العظيم يَرى العجب ! فَحُقوقُ المرأةِ في الجاهلية مُنْتَهَكَةٌ ومَهْضُومَةٌ حيثُ تعيشُ في ظُلمة الجهل وقهرِ الرجال بعاداتهمُ الجاهليةِ الذين يكْرهونَ البنات، ويدفُنونـَهُنَّ في التراب أحياءَ خشيةِ العار، وقد أنكر الإسلامُ هذه العادة، وصوَّرها القرآنُ في أبْشعِ صورةٍ، فقال عن العرب في الجاهلية: ((وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)) وقد بالغ اللهُ سبحانه وتعالى في الإنكار عليهم في دفن البنات، فقال: ((وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ))
ثم تنوَّعت أساليبُ ظُلمِ الرجال للمرأة ؛ فلم يكُن للمرأة حقُّ الإرث، وكانوا يقولون في ذلك: لا يرثنا إلا من يحمل السيف، ويحمي البيضة ، ولم يكن للمرأة على زوجها في الجاهلية أيَّ حقٍّ، وليس للطلاق عددٌ محدود، ولا لتعدد الزوجات عددٌ معين، وكانوا إذا مات الرجل، وله زوجةٌ وأولادٌ من غيرها، كان الولدُ الأكبر أحقَّ بزوجة أبيه من غيره، فهو يعتبرها إرْثًا كبقية أموالِ أبيه!
يقول ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما: كان الرجلُ إذا مات أبوه، أو حَمـُوهُ، فهو أحقُّ بامرأته إن شاء أمْسكها، أو يـَحْبسَها حتى تفتديَ بصداقها، أو تموتُ فيذهبُ بمالها.
وقد كانت العِدَّةُ في الجاهلية حوْلاً كاملاً، وكانت المرأةُ تَحُدُّ على زوجها شرَّ حدادٍ وأقبحِه، فتلبسُ شرَّ ملابِسها، وتسكنُ شرَّ الغُرف، وتترك الزينةَ ،والتطيَّبَ والطهارةَ، فإذا انتهى العامُ خرجت بأقبح منظرٍ، وانتنِ رائحةٍ.
كان العربُ في الجاهلية يُكْرِهُونَ إماءَهم على الزنا، ويأخذون أجورَهنَّ : حتى نزلَ قولُ الله تعالى ((وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا))
وكان عند العربِ في الجاهلية أنواعٌ من الزواج الفاسد الذي كان يوجد عند كثير من الشعوب، ولا يزال بعضُه إلى اليوم في البلاد الهمجية ، والتي منها اشتراكُ الرَّهْطُ من الرجال في الدخول على امرأةٍ واحدة، وإعطائُها حقَّ الولد تُلْحِقُه بمن شاءت منهم ، ومنها نكاحُ الاسْتِبْضاعِ وهو أنْ يأخذَ الرجلُ امرأته لِتُمَكِّنَ من نفسها لِرجلٍ معينٍ من الرؤساء الـمُتصفين بالشجاعة، ليكونَ لها ولد مثله!
ومنها نكاحُ الْـمُتعة وهو المؤقَّتُ، وقد استقر أمرُ الشريعةُ على تحريمه،  ومنها نكاحُ الشغار وهو أن يُزوج الرجلُ بنتَه، أو أختَه، أو مَنْ هي تحت ولايتِه على أن يُزوجَه أخرى بغير مهرٍ، صداقُ كلُّ واحدةٍ بُضعُ الأخرى.
إلى غير ذلك.
يقولُ عمرُ بنُ الخطابِ رضي الله عنه: كنا في الجاهلية لا نَعُدُّ النساء شيئًا، فلما جاء الإسلامُ، وذكرَهُنَّ اللهُ رأينا لَـهُنَّ بذلك علينا حقًا. رواه البخاري
ثم جاء الإسلامُ ياعباد الله ورفع من شأن المرأة ،وقرر حقيقة تزيل هذا الظلم عنها فجعلها قسيمةَ الرجل لها ما له من الحقوق، وعليها أيضًا من الواجبات ما يُلائِمُ تكوينَها وفطرتَها؛بل سوَّاها بالرجل في أهْلِيَّةِ الوجوبِ والأداء، وأثبت لها حقَّها في التصرف، ومباشرةَ جميع الحقوق كحق البيع، وحق الشراء، وغيرِ ذلك .
ومن مظاهر تكريم الله للمرأة: أن ذكرها بجانب الرجل فقال الله تعالى: ((إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا))
وجعلَها الإسلامُ مربيةَ الأجْيال، وربط صلاحَ الْـمُجتمع بصلاحها، وفسادَهُ بفسادها، وبلغ من تكريم الإسلام للمرأة أنْ خصَّص لها سورةً من القرآن سماها «سورة النساء» ولم يخصص للرجال سورة لهم، فدل ذلك على اهتمام الإسلام بالمرأة، إلى غير ذلك من أنواع التكريم لها ، فاتَّقوا اللهَ عبادَ الله ،واحْمَدُوا اللهَ على نعمة الإسلام ، وسَلُوا اللهَ الثباتَ عليه .
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْكِتَابِ والسُّنَّةِ، وَنَفَعَنَا بِما فِيهِمَا مِنَ الْآياتِ وَالْحِكْمَةِ ،أقولُ قَوْلِي هَذا، واسْتَغْفِرِ اللهُ لِي وَلَكُم مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَإنّه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحيم .
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانِهِ ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً ، أمّا بَعْدُ :
 أيُّهَا الْمُـْـسلِمُونَ / اتقُوا اللهَ تعالى ، واعْلَموا أنَّ دينَنا الحنيفَ رعى حُقُوقَ الْـمَرأة ، وعَظَّم شأنَها ،فأوصى بها أمّاً ، فقال تعالى ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)) وأوصى به زوجة ، فقال رسول الله صلى الله عله وسلّم " اسْتوْصُوا بِالنِّساءِ خيْراً" رواه البخاري ،وقد حمَّلَها رسولُ الهُدى عليه الصلاة والسلام أمانةَ تربيةِ الأولاد فقال : "....والمرأةُ راعيةٌ في بيتِ زوجِها وهي مسؤولةٌ عن رعيّتها" متفق عليه ، وأوصى بها ابنةً فقال رسولُ الله صلى الله عله وسلّم " مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تُدْرِكَا دَخَلْتُ أَنَا وَهُوَ الْجَنَّةَ كَهَاتَيْنِ "  رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ عَالَ ثَلَاثَ بَنَاتٍ فَأَدَّبَهُنَّ وَزَوَّجَهُنَّ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ " .
إلا أنها وفي هذا الزمن مستهدفةٌ، مستهدفة بجرّها إلى مثل حال غيرها  في البلدان التي استجابت لنداءات أبالسة دعاة حرية المرأة بمشاريعهم التخريبية والذي تطل علينا تحت صُورٍ وأشكالٍ عدة؛ فمرة يقولون أن حقوق المرأة مهضومة, وأنها مسلوبة الإرادة والحرية والتَّصرف، وأنَّ لها قضيةٌ يطرحونها عبر بعض وسائل الإعلام المختلفة ، وعبْرَ وسائلِ التَّواصُلِ الـمُنتشرةِ والذي لا يخفى على الجميع شرَّ هذه الوسائل ، وما تدعوا إليْه .
فاتَّقُوا الله عبادَ الله وحافظوا على كرامة نسائِكم وبناتكم ، وحذارَ من الالتفاتِ إلى تلك المشاريع التخريبية والدعواتِ الـمُضَلِّلَةِ، وكونوا مفاتيحَ للخير مغاليقَ للشر ، فأمانةُ التربية عليكم عظيمةٌ .
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ ، فَقَالَ: (إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا ) وقال ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا" رَوَاهُ مُسْلِم .
المرفقات

301132

301132

المشاهدات 1457 | التعليقات 2

بيض الله وجهك على هذه الخطبة و جعلك مباركا ..


جزاك الله خيرا