الميم الناقصة !!

عبدالله اليابس
1439/07/26 - 2018/04/12 19:30PM

الميم الناقصة (المصلحون)             الجمعة 27/7/1439هـ  

الحمد لله العلي الكبير، يخلُق ما يشاء ويختار، وما كان للإنسان في الخلق تخيير, رفع الناس بعضهم فوق بعض درجات ليبلوهم، فهذا غني وذاك فقير, أرسل رسله تترى، {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ}, أحمَده تبارك وتعالى الحمدَ الكثير, وأشهد أن لا إله إلا الله العليم القدير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير, {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}, وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله البشير النذير, النور المبين والسراج المنير, اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى أصحابه ما تردد نَفَس بين شهيق وزفير, وكلما عسعس الليل وتنفس الصبح وفاح من الورود عبير...

أمَّا بعدُ: فأوصِيكُمْ ونَفْسي بِتَقْوى اللهِ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)

يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. لو أن شخصًا دخل علينا هذا الجامع .. وقال: لدي سؤال .. وأُريد من أحد المصلين أن يجيب عليه.. ثم سأل: لماذا نحن على هذه الأرض؟ لماذا خلقنا الله؟

أظن أن الإجابة يسيرةٌ جدًا.. بل إن أصغر طفل في هذا الجامع يستطيع أن يجيبه على سؤاله .. بل بالدليل .. سيقول: خلقنا الله لعبادته .. والدليل قول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.

نعم .. إن الإجابة يسيرة .. ولكنَّ نقلها إلى الواقع ليس بيسير ..

جميعنا نعلم هذا الأمرَ الرباني .. أننا ما وجدنا في هذه الدنيا إلا لفترة مؤقتة .. أمرنا فيها أن نعبد الله .. أن نعمر أوقاتنا بذكره وطاعته.. {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}.

ابتغ الآخرة .. ولا تنس الدنيا .. فأصبح كثير منا يبتغي الدنيا وينسى الآخرة!

 لما طُرد إبليس من الجنة وضع نصب عينيه مشروعًا أن يُضل بني آدم عن الغاية التي خُلقوا لها, ليوردهم معه النار.. وللأسف فإن أكثر بني آدم من المساهمين في نجاح هذا المشروع ..

بل إن بعض من تبع مشروع الشيطان أصبح أداة فاعلة في تنفيذ هذا المشروع .. فأصبحوا دعاة على أبواب جهنم.. يدعون الناس للتخفف من التدين .. بحجة أن الله غفور رحيم .. وأن الدين يسر.. لكنهم جعلوا اليسر دينًا .. ونسوا أن الله شديد العقاب.

سمَّوا التدين قيودًا وأغلالاً.. ودعوا للحرية.. ونسُوا أن التفلت من الدين عبودية من نوع آخر..

هربوا من الرق الذي أمروا به *** فبلوا برق النفس والشيطانِ

وصفوا دعاة الخير.. والآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر بأنهم يتدخلون فيما لا يعنيهم.. ونسوا أو تناسوا أن أولئك الصالحين المصلحين يبلغون رسالة ربهم .. وينصحون لأمتهم .. ويسلكون طريق الأنبياء من قبلهم.. وهم سد في وجه العقوبة عن الأمة.. {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}.

أيها الإخوة.. إن الصالحين بحمد الله في أمة محمد صلى الله عليه وسلم كثير .. ولكن المصلحين أقل ..

هناك صالحون .. صالحون في علاقتهم مع ربهم.. صالحون في مسيرة حياتهم .. ولكن هذا الصلاح لم يُتمم برحلة البحث عن الميم الناقصة .. ميم المصلحين.

تزول الأمم .. وتحل العقوبات .. وتتكالب المصائب .. إذا ظهر الفاسدون والمفسدون.. وغابت ميم المصلحين .. وإن وجد الصالحون.

{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا}, {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا},{وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ}.

هذه زَيْنَبُ بْنَتُ جَحْشٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُا تحدث أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ, وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ, فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأجُوجُ وَمَأجُوجُ مِثْلُ هَذِهِ. ــ وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا ــ, قَالَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ, إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ).

هو زمن وجد فيه الصالحون ولم يملكوا الميم التي تجعلهم مصلحين.

أيها الصالح .. زادك الله صلاحًا.. وعمر طريقك ثباتاً وفلاحًا .. إنك في زمن كثر فيه المتساقطون, وانحرف كثيرٌ عن جادة المرسلين, فاثبت إنك على الحق المبين.

إن الله تعالى قد أنعم عليك بنعمة حُرمها أكثر أهل الأرض اليوم.. ألا وهي نعمة الهداية .. أتعلم أن أهل الجنة يتحدثون عن هذه النعمة؟ {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}.

أيها الصالح.. لقد طال الأمد بكثير من زملائك على هذا الطريق, فتركوه دون أن يصلوا إلى نهايته المشرقة .. وأنت اليوم والله أقرب للنهاية منك بالأمس .. فاثبت إنك على الحق المبين ..

أيها الصالح.. إن هذا النعمة التي أنعم الله عليك بها لها ثمن .. وثمنها الصبر .. روى الحاكم في مستدرك وأبو داوود وغيره عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (يَا أَبَا ثَعْلَبَةَ، مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، فَإِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا, وَهَوًى مُتَّبَعًا, وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً, وَرَأَيْتَ أَمْرًا لَا بُدَّ لَكَ مِنْ طَلَبِهِ, فَعَلَيْكَ نَفْسَكَ, وَدَعْهُمْ وَعَوَامَّهُمْ ، فَإِنَّ وَرَاءَكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ, صَبْرٌ فِيهِنَّ كَقَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ أَجْرُ خَمْسِينَ يَعْمَلُ مِثْلَ عَمَلِهِ), فاثبت إنك على الحق المبين.

أيها الصالح.. زادُك في زمن الفتن ليس متابعة الأخبار, وليس قراءة التحليلات والحسابات, وإنما الزاد الحقيقي هو القرب من الله, والأنس به, الزاد الحقيقي أن يكون لك ورد ثابت من الليل, وورد من كتاب الله, وورد من الأذكار في الصباح والمساء, إن الزاد الحقيقي بقربك من الله, والالتجاء إليه, فاثبت إنك على الحق المبين.

أيها الصالح.. أيسرك أن تكون صالحًا منزوياً على نفسه؟ إلى من تترك إخوانك ممن لم يلتحق بعدُ بركب الصلاح؟ أتتركهم ضحايا للمفسدين؟ كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (اللهم إليك أشكو جلد الفاجر وعجز الثقة)..

أيها الصالح.. أما آن الوقت الذي تكتسب فيه ما ينقصك؟ أما حانت اللحظة التي تضيف فيها لنفسك الميم التي تكملك؟ لترتقي من رتبة الصالحين إلى مرتبة المصلحين؟

قلها الآن .. بلى قد آن .. بلى قد آن ..

 بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, قد قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ.. {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. أيها الصالحون.. أمتكم أمتكم.. لا تتخلوا عنها.. لا تتركوها تنهش فيها السباع الضارية.

انفض غبار الكسل, واحمل لواء الدعوة, ونشر الخير, بلغ عن الله ورسوله ولو آية.

إذا جلست في مجلس فلا تسكت.. وانشر عبير الذكر فيه.. وإذا رأيت منكرًا فلا تسكت .. وإنما بادر بالإنكار, روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله لعيه وسلم يقول: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ).. فلم تلجأ إلى أضعف الإيمان.. وأنت تستطيع التغيير.

ليس مطلوبًا منك تغيير الأمة في لحظة.. لكن ستُسأل عمن ولاك الله أمرهم من زوجة وأبناء وبنات, {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}. وابدأ بنفسك ومن تعول.

تفقد اليوم زوجك وبناتك, تفقد حجابهن.. هل هو كما يريد الله؟ أم كما يريد الذين يتبعون الشهوات؟ نظف بيتك من المنكرات, وأسسه على التقوى, خاطبهم بالحسنى, {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}, اقترب من أولادك اليوم أكثر.. حاورهم.. ناصحهم.. اعمر بيتك بالطاعة والإيمان..

ادع إلى الله في حيك.. في مسجدك .. بين جيرانك.. في عملك.. في السوق إذا مشيت.. وعند الإشارة إذا توقفت.. وكن داعيًا.. وتشبث بميم المصلحين.. لتكون سبباً في رفعة درجاتك.. وسبباً للخيرية {كنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}.

اللهم اهدنا واهد بنا واهد لنا ويسر الهدى لنا.

يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.

المرفقات

الناقصة-27-7-1439

الناقصة-27-7-1439

المشاهدات 1929 | التعليقات 1

السلام عليكم

شيخ عبدالله ... زادك الله فضلا وتألقا ... وعلما وهداية و بارك في يراعك

وتطبيقا لما ورد فيها من إرادة الخير للغير

ففي المرفقات الخطبة كاملة بصيغة (PDF) مع بعض التنسيق والتصرف

المرفقات

https://khutabaa.com/forums/رد/301057/attachment/%d9%85%d9%8f%d8%b5%d9%92%d9%84%d9%90%d8%ad%d9%8e%d8%a7%d9%8b

https://khutabaa.com/forums/رد/301057/attachment/%d9%85%d9%8f%d8%b5%d9%92%d9%84%d9%90%d8%ad%d9%8e%d8%a7%d9%8b