إغلاق المحلات وقت الصلاة

إبراهيم بن سلطان العريفان
1439/05/23 - 2018/02/09 10:08AM

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

إخوة الإيمان والعقيدة ... الصلاة عمود الدين، وركن الإسلام الثاني، تتجلى مظهر العبودية في أدائها على أعظم صورة حيث يضع العبدُ أشرفَ أعضائه على الأرض تعظيماً لربه، ولا يضعها لأحد سواه، فكان ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ).

الصلاة تجدد الصلة بالله فهي تطهير لصفحة ماضية، وفتح لصفحة جديدة مع الله عز وجل، فالصلوات الخمس مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر.

الصلاة: صلة بين العبد وبين ربه
الصلاة: عون في المهمات ونهي عن الفحشاء والمنكرات
الصلاة: نور المؤمنين في قلوبهم ومحشرهم، فمن حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة.

الصلاة: سرور نفوس المؤمنين وقرة أعينهم.

الصلاة: تُمحى بها الخطايا وتُكفر السيئات.
فمن سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن.

عباد الله ... في هذا الزمن وفي هذه الأيام خرج من يهوِّن أمر الصلاة .. وتتحدث الرويبضة بجهل وسفه عن حكم إغلاق المحلات التجارية أثناء الصلاة .. متزعمين أن هذا أمر اجتهادي .. وأنه قرار من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

إن إغلاق المحلات التجارية في زمن النبي ﷺ هو فعل النبي ﷺ وهدي خلفائه وصحابته من بعده، وقد قال في حقهم ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ) وقال ﷺ ( وأصحابي أَمَنَةٌ لِأُمَّتي فإذا ذهَب أصحابي أتى أُمَّتيما يُوعَدونَ ).

بل زمن النبي عليه السلام لم تكن الأسواق تفتح في المدينة بعد الأذان تعظيماً لهذه الشعيرة، قال عبدالله بن عباس رضي الله عنه  في تفسير قوله تعالى ( رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ  ) كانوا رجالاً يبتغون من فضل الله، يشترون ويبيعون، فإذا سمعوا النداء بالصلاة ألقوا ما بأيديهم وقاموا إلى المساجد فصلوا.

ولما رأى ابن مسعود رضي الله عنه ناساً من أهل السوق سمعوا الأذان فتركوا أمتعتهم وقاموا إلى الصلاة، فقال : هؤلاء الذين قال الله فيهم (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ )

وكان هديه ﷺ تنبيه الناس في الطريق وإقامتهم إلى الصلاة، وأن لا يكلهم إلى إيمانهم وصلاحهم، ولا إلى سماعهم النداء، يقول أبو بكرة رضي الله عنه: خرجت مع النبي ﷺ لصلاة الصبح فكان لا يمر برجل إلا ناداه بالصلاة أو حركه برجله.

وكان عمل الصحابة رضي الله عنهم عدم البيع وقت الصلاة، بل الانصراف من السوق وتركه إلى المساجد، يقول زيدٌ بن خالد الجهني: كنا نصلى مع النبي ﷺ المغرب وننصرف إلى السوق. يعني أنهم قطعوا الضرب في الأسواق عصراً بدخول وقت المغرب ثم انصرفوا إلى سوقهم مرة أخرى.

وكان الأمر بذلك والطواف على الناس وتنبيههم في أول الأمر في المدينة وفي آخر حياته صلى الله عليه وسلم، وفي أسفاره أيضاً، كما في حجة الوداع، عن مسلم ِ بن يَسار عن أَبيه، قَالَ: خرجت مع مولاي فضالة بن هلال في حجة الوداع فسمعت رسول الله ﷺ يقول: الصلاة الصلاة.

ويقول أنس رضي الله عنه: كانت الصلاة إذا حضرت على عهد النبي ﷺ سعى رجل إلى الطريق، فنادى : الصلاة الصلاة.

عباد الله ... وقد كان هذا العمل مستمرًا في زمن الخلفاء الراشدين .. ينبهون على الصلوات في الأسواق والطرقات ويأمرونهم بذلك،

فقد اشتهر هذا في فعل الخلفاء عمر وعلي رضي الله عن الجميه يقومون به بأنفسهم لا ينيبون عليه أحداً، فقد ذكر غيرُ واحدٍ ممن ألف في السِيَر أن عمر بن الخطاب وعلياً كانا من عادتهما إذا طلع الفجر خرجا يوقظان الناس لصلاة الصبح ( الصلاة الصلاة ).

وإذا كان هذا حال النائم في زمنهما، فكيف باليقظان يبيع ويشتري ويفترش الطرقات، وهل يُعقَل أن عمر يقيم النائم، ويدع البائع اليقظان فلا يأمره.

وقد صح عن ابن الحنفية عن الحسن بن علي: أن علياً إذا خرج من باب بيته للصلاة نادى أيها الناس الصلاة الصلاة.

بل كان الأعرابي يقدم المدينة ومعه الجلب ليبيعه في سوق المدينة وقت الصلاة ولا يجد الناس في السوق، فيلزم الصلاة معهم ويَخرج بعدها إلى السوق.

وما زال المسلمون قائمون بهذا العمل ماضياً في زمن بعد الخلافة الراشدة، فهذا سالم بن عبدالله بن عمر بن الخطاب وقد توفي في خلافة هشام على المدينة عام (106هـ) أنه نظر إلى قوم من السوق، قاموا وتركوا بياعاتهم إلى الصلاة، فقال: هؤلاء الذين ذكر الله في كتابه ( رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ  ).

فلا تُقام الأسواق والصلاة حاضرة في الحواضر، وإذا قدم أهل البوادي أخذوا حُكم الحواضر.

يقول الحسن: والله لقد كانوا يتبايعون في الأسواق فإذا حضر حق من حقوق الله بدأوا بحق الله حتى يقضوه ثم عادوا إلى تجارتهم.

ويقول سفيان الثوري: كانوا يتبايعون ولا يدعون الصلوات المكتوبات في الجماعة.

وكان جمعٌ من المفسرين على تباين بلدانهم، يحملون قول الله تعالى: (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ  ) على ترك البيع والشراء والانصراف للصلوات.

فيا عباد الله ... أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتدوا، ولا تكونوا كالذين قال الله عنهم ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا )

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ...

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

معاشر المؤمنين ... مضى هذا الأمر عملاً وهدياً متبعاً في ممالك المسلمين وحواضر الإسلام، على اختلاف الآفاق، وتباين القرون. فإن حال الأسواق السالفين: إذا سمعوا الأذان ابتدروا المساجد، وكانت الأسواق تخلوا من التجار.

وبقي معمولاً به في جزيرة العرب في الدولة السعودية منذ نشأتها، حيث ذكر أن الملك عبد العزيز طيَّب الله ثراه أعاد الناس إلى الطريق القويم: فعندما ينادي حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح، يظهر بالأسواق رجال بيدهم عصي يتجولون بالأسواق منادين: الصلاة الصلاة، ويترك أصحاب الدكاكين أمتعتهم وأموالهم والأماكن مفتوحة، ولا أحد يستطيع أن يمد يده إلى الأمتعة والمال. والأمر بذلك إلى اليوم يؤمر به ويعمل، وأكثر الناس يدعون متاجرهم رغبة لا رهبة.

وما زال البشر على اختلاف أديانهم وبلدانهم يَسُنون لأنفسهم قوانين في البيع والشراء في اليوم والليلة، لمصالح الناس في النوم، حتى لا تضطرب الحياة، من غير نكير، فإذا كان هذا أمراً يُعاقب عليه ولي الأمر لمصلحة النوم ونحوه، والشرع أوقظ النائم لأجل الصلاة وهو يغط في نومه، عُلم أن الأمر بإغلاق المتاجر والمحلات لمصلحة الصلاة آكد، في حق ولي الأمر، وحق التاجر.

ثم يظهر لنا من الجهلة من أصحاب الأقلام والحناجر المستأجرة في الإعلام المرئي والمقروء ممن يُسَوِّغ فتح المتاجر وقت الصلاة، يورد مصالحَ متوهمة، كحاجة الناس المالية والصحية، والصلوات لا تأخذ إلا دقائق معدودة في كل وقت، وما سمع الناس على مر العصور أن تاجراً خسر وأفلس لإغلاق متجره لأداء صلاته. والناس يُغلقون المتاجر لأجل مصالح الإنسان كالنوم والطعام ونحوهما ليلاً ونهاراً في اليوم الواحد وقتاً طويلاً وما تحدثوا عن مواضع الربح والخسارة في طلب صحة الأبدان واتباع النظام، فكيف بسلامة الدين.

 ولم ير الناس فرداً مات جوعاً على أعتاب المطاعم والمتاجر يطلب الشراب والطعام، والناس منصرفون عن متاجرهم في صلاتهم.

فنسأل الله أن يديم علينا الأمن والأمان، وأ، يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا، ويكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، وأ، يجعلنا من الراشدين.

عباد الله ... صدر أمر مكلي بإقامة صلاة الاستسقاء يوم الاثنين القادم بمشيئة، فأحيوا سنة نبيكم ﷺ طاعة لله ثم طاعة لولي الأمر وفقه الله.

صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة عليه ...

 

المشاهدات 1351 | التعليقات 0