خطبة : الفتن والمبشرات

عبد الرحيم المثيلي
1439/05/16 - 2018/02/02 01:35AM

الخطبة الأولى

الحمدُ لله برحمته اهتدى المُهتدونَ، وبعدلِهِ وحكمَتِهِ ضلَّ الضَالونَ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا يُسألُ عمَّا يفعلُ وهم يُسألونَ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ الله ورسولُه، ترَكنا على مَحجَّةٍ بَيضَاءَ لا يزيغُ عنها إلاَّ أهُلُ الأهواء ِوالظُّنونِ، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه، وعلى آله وأصحابِه وأتباعِه بإحسانٍ إلى يومٍ لا ينفعُ فيه مالٌ ولا بنونَ إلاَّ مَنْ أتى اللهَ بِقلبٍ سَلِيمٍ.

صلى عليك الله يا علم الهدى .. ما شع نور الشمس في الأكوانِ

يا رب أكرمنا برؤية وجهه .. في جنة الفردوس خير مكانِ

أما بعد : فاتقوا الله ..

عباد الله : إننا في زمن ٍكثرت فيه الفتن وتتابعت حتى أصبحت يرقق بعضها بعضاً فكل يوم تطالعنا فيه الفتن وتطل برأسها علينا فتن كقطع الليل المظلم ...

أيها المسلمون : إن هذه الفتن يجب أن تزيدنا إيماناً بربنا, ويقيناً بصدق نبينا وتمسكاً بديننا فلقد أخبر بها نبينا r قبل أربعة عشر قرناً أنها ستقع .. وقد وقعت كما وصفها لنا r.

فمن الفتن التي أخبرنا بها نبينا r أنه يكون أناس من أمته يستحلون الخمر والزنا والحرير والمعازف ..

قال r : «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر، والحرير، والخمر، والمعازف » [ أخرجه البخاري وأبو داود وابن ماجه ]

ومعنى يستحلونها : أي يعتقدون حلها, أو يفعلونها فعل المستحل لها.

ولقد وقع ما أخبر به نبينا r فنرى اليوم من يقترف هذه الآثام كأنما هي مباحات لم يحرمها الله ولا رسوله r بل وطال الزمان حتى وجد من يفتي بحلها وإباحتها عياذاً بالله .

وأخبر نبينا r أن أناساً من أمته يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها, قال r : «يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها» .[ النسائي ] وعند أبي داود : « تستحل أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها» .

فهاهم اليوم يسمونها في بعض البلاد الإسلامية بالمشروبات الروحية, ويسمون الربا بالفوائد البنكية, والبنوك الربوية بالمصارف التقليدية. يسمونها بغير اسمها كما أخبرنا المصطفى r.

ومن الفتن : خروج الأئمة المضلين الداعين إلى البدع والفسوق والفجور .. قال r: «إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين » [ أبو داود ], وفي مسند الإمام أحمد : «إن أخوف ما أخاف على أمتي كلُّ منافقٍ عليمِ اللسان», وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله r يقول: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً : اتخذ الناس رؤوساً جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا» [ متفق عليه ] .

وكم يطالعنا عبر القنوات ووسائل الإعلام من هؤلاء المضلين الذين يتزيون بزي العلماء, ويتكلمون بكلام الأعداء, بدأوا بالمسائل الخلافيات, ثم تطاولوا على الثوابت والمحكمات, يشككون الناس في دينهم, ويبثون بينهم الشبهات..

أغاروا على ثوابت الدين حتى ما تركوا من الإسلام إلا اسمه, ومن الكتاب إلا رسمه!

يضعفون الأحاديث الصحيحة, وينشرون الأحاديث الضعيفة, ويردون المحكم إلى المتشابه ليضلوا من لا علم عنده.. فلا بارك الله فيهم, ولا كثر في الأمة منهم !

ومن الفتن :كثرة المنتكسين, وانتشار المتذبذبين فلا يثبت لهم في الإسلام قدم كلما جائتهم فتنة عصفت بهم فأصبحوا من الخاسرين .. يقول نبينا r: «بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا» [ مسلم ].

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ..

ومن الفتن : ظهور النساء الكاسيات العاريات ..قال r : «صنفان من أهل النار، لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا» [ مسلم ].

ومعنى أنهن كاسيات عاريات أي يلبسن لباساً لا يسترهن إما لأنه يبدي ما تحته لرقته وشفافيته, وإما لأنه يبرز أعضاء الجسم لضيقه, وكل ذلك قد وقع في هذه الأمة

ومن الفتن : تداعي الأمم الكافرة على المسلمين .. قال r : «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: من قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قيل: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا، وكراهية الموت» [ أبو داود ].

وها نحن اليوم نرى كيف توجهت سهام الأمم الكافرة نحونا, واتفقت مصالحهم على حرب الإسلام والمسلمين, ورموهم عن قوسٍ واحدة .. فإلى الله المشتكى !

ومما أخبرنا به نبينا r : السنوات الخداعات : قال r : «سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة» ، قيل: وما الرويبضة؟ قال: «الرجل التافه يتكلم في أمر العامة» [ أخرجه أحمد وابن ماجه ]

والرويبضة هو الرجل الحقير التافة قليل العلم يتكلم في الأمر العظيم الجسيم من أمر الأمة .

اللهم صل وسلم على محمد والله لكأنه يتكلم عن زماننا هذا فكم فيه من الرويبضات من إعلاميين سفهاء وأشباه رجال يتكلمون في أمر الدين ويحللون ويحكمون ساء ما يحكمون !

ومن الفتن : تقليد أبناء المسلمين لليهود والنصارى وأعداء الدين .. قال r : «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟» [ البخاري ومسلم ]

انظروا من حولكم وتأملوا كيف قلد المسلمون اليوم أعداءهم ؟

قلدوهم في كل شيء إلا فيما ينفعهم قلدوهم في أعيادهم وفي لباسهم وفي مظهرهم كله ..

عباد الله : هذه بعض الفتن التي أخبرنا بها نبينا r فوالله ثم والله إن المؤمن الصادق في إيمانه لا يزداد بوقوعها إلا يقنيا ...كانت خبر يقين وهي اليوم رأيُ عين وحقُ يقين.. فلا تزدكم الفتن إلا إيماناً ويقيناً .. الثبات الثبات فإنما هي أيام وساعات ثم تلقون ربكم ..

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4) مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 1 - 6]

بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة ..

الخطبة الثانية

أيها المسلمون: لقد بشرنا رسولنا r بمبشرات .. بشرنا بأن الغلبة في النهاية لهذا الدين ولمن تمسك به وسينتصر الإسلام بنا أو بغيرنا فلننظر ما هو حظنا من نصرة ديننا .. {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } [محمد: 38]

فمن تلكم المبشرات التي أخبرنا بها نبينا r : أن الإسلام سينتشر فوق كل أرض وتحت كل سماء ولن يبقَ بلد إلا يدخله الإسلام, وسيبلغ ملك هذه الأمة مشارق الأرض ومغاربها .. قال r : « ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر » [ أحمد ].

وفي الحديث الآخر : « إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها » [ مسلم ].

إنها بشارة من النبي r بأن الأمة ستعود إلى دينها ، وسيدخل هذا الدين الحواضر والبوادي، وسيظـهر هذا الدين على الدين كله ولو كره الكافرون .. فلا تخف على الدين وخف على نفسك.

ومن المبشرات : حديث الملحمة الكبرى وهي قتال عظيم يقع بين المسلمين والنصارى يستمر أربعة أيام تكون الغلبة في النهاية لجيش المسلمين عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: « لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق- موضعان قريبان من حلب - فيخرج إليهم جيش من المدينة، من خيار أهل الأرض يومئذ .. » [ مسلم ], وفي حديث ابن مسعود : « عدوٌ يجمعون لأهل الإسلام، ويجمع لهم أهل الإسلام، قلت: الروم تعني؟ قال: نعم .. » قال في آخر الحديث : « فإذا كان اليوم الرابع، نهد إليهم بقية أهل الإسلام، فيجعل الله الدبرة عليهم، فيقتلون مقتلة لم ير مثلها .. » [ مسلم ].

ومن المبشرات : ما رواه الحاكم في المستدرك  عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : « كنا عند رسول الله r فسئل أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله r : «مدينة هرقل تفتح أولاً» يعني القسطنطينية.[ صححه الألباني وقال : وقد تحقق الفتح الأول – يعني فتح القسطنطينية – بعد ثمانمائة سنة من إخبار النبي r , وسيتحقق بإذن الله الفتح الثاني – يعني فتح روما - ].

ومن المبشرات : انتصار المسلمين على اليهود في أرض فلسطين. عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r : ((لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه شجر اليهود)) [ مسلم ].

ووالله إنك لتعجب أشد العجب, وتتألم أشد الألم حينما تعلم أن بعض اليهود في فلسطين يؤمنون ويوقنون بهذا اليوم أكثر من بعض المنتسبين للإسلام .. فاليهود في فلسطين يكثرون من غرس شجر الغرقد !

عباد الله : أبشروا .. وبشروا , وأحسنوا الظن بربكم وتفاءلوا , واعملوا لدينكم ولا تتكاسلوا .. مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر, ادعوا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلوا بالتي هي أحسن..

واعلموا أن دين الله باقٍ ومنتصر بكم أو بغيركم .. فقدموا لأنفسكم ما يرضى به الله عنكم ..

المشاهدات 3863 | التعليقات 1

الخطبة مكتوبة 

المرفقات

https://khutabaa.com/forums/رد/295446/attachment/%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a8%d8%b4%d8%b1%d8%a7%d8%aa

https://khutabaa.com/forums/رد/295446/attachment/%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a8%d8%b4%d8%b1%d8%a7%d8%aa