التَّرْغِيْبُ فِي التَّوْحِيْدِ وَ التَّرْهِيْبُ مِنْ تَرْكِ التَّوْحِيْدِ

محمد البدر
1439/05/02 - 2018/01/19 04:42AM
الخطبة الأولى :
أما بعد عِبَادَ اللهِ: قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ﴾[النحل:36].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء:25].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات:56].فالتوحيد هو الغاية التي أرسل الله جلّ وعلا لأجلها رسله الكرام وأنزل كتبه العظام .
التَّوْحِيْدُ: هُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ وَاحِدًا والتَّوْحِيْدُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ، وَهِيَ مَجْمُوْعَةٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾
(مَرْيَم:65).
وَهَذِهِ الأَنْوَاعُ هِيَ:
1) تَوْحِيْدُ الرُّبُوْبِيَّةِ: وَمَعْنَاهُ تَوْحِيْدُ اللهِ بِأَفْعَالِهِ, وَأُصُوْلُهَا: الخَلْقُ وَالمُلْكُ وَالتَّدْبِيْرُ.
قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُوْلُوْنَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُوْنَ، فَذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُوْنَ﴾ (يُوْنُس:32).
2)تَوْحِيْدُ الأُلُوْهِيَّةِ (أَوْ تَوْحِيْدُ العِبَادَةِ): وَمَعْنَاهُ جَعْلُ العِبَادَةِ للهِ وَحْدَهُ.قَالَ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِهِ البَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِيْرُ﴾ (لُقْمَان:30).وَقَالَ تَعَالَى: ﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوْمًا مَخْذُوْلًا﴾ (الإِسْرَاء:22).
وَإِنَّ تَحْقِيْقَ الإِيْمَانِ بِاللهِ تَعَالَى يَكُوْنُ بِإِفْرَادِ اللهِ تَعَالَى وَحْدَهُ بِالعِبَادَةِ مِنْ صَلَاةً وَدُعَاءً وَذَبْحٍ وَنَذْرٍ وَتَوَكُّلٍ وَرَغْبَةٍ وَرَهْبَةٍ وَمَحَبَّةٍ وَ .... ، فَمَنْ صَرَفَ شَيْئًا مِنْهَا لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى فَهُوَ مُشْرِكٌ بِهِ سُبْحَانَهُ.
وَإِنَّ المُشْرِكِيْنَ الأَوَائِلَ لَمْ يَكُنْ شِرْكُهُم هُوَ بِاعْتِقَادِ خَالِقٍ أَوْ رَازِقٍ أَوْ نَافِعٍ أَوْ ضَارٍّ مَعَ اللهِ تَعَالَى - كَمَا يَظُنُّ ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ بِالقُرْآنِ ، وَإِنَّمَا كَانَ شِرْكُهُم هُوَ بِاتِّخَاذِ الوَسَائِطِ وَالشُّفَعَاءِ بَيْنَهُم وَبَيْنَ اللهِ تَعَالَى ؛ حَيْثُ تَعَلَّقُوا بِهِم فَدَعَوْهُم وَاسْتَغَاثُوا بِهِم.
3) تَوْحِيْدُ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ: وَمَعْنَاهُ أَنْ يَعْتَقِدَ العَبْدُ أَنَّ اللهَ جَلَّ جَلَالُهُ وَاحِدٌ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ لَا مُمَاثِلَ لَهُ فِيْهِمَا، قَالَ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيْعُ البَصِيْرُ﴾(الشُّوْرَى:11).
وَهَذَا النَّوْعُ الأَخِيْرُ يَتَضَمَّنُ  شَيْئَيْن:
أ) الإِثْبَاتُ، وَذَلِكَ بِأَنْ نُثْبِتَ للهِ تَعَالَى جَمَيْعَ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ الَّتِيْ أَثْبتَهَا لِنَفْسِهِ فِي كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ب) نَفْيُ المُمَاثَلَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ لَا نَجْعَلَ للهِ مَثِيْلًا فِي تِلْكَ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.
عِبَادَ اللهِ:إنّ فاقد التوحيد ميّت ولو كان يمشي على الأرض ، ومحقّق التوحيد هو الذي يحيا الحياة الحقيقية ، قَالَ تَعَالَى: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ [الأنعام:122] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال:24].
بالتوحيد - عِبَادَ اللهِ- أمن الأوطان وراحة الأبدان                                                 وسعادة الناس قَالَ تَعَالَى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾[النور:55].
والمسلِم يعتَزّ إذا خضع لعبودية الله مدبر هذا الكون العظيم، }قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ { [الأنعام:161]، فلا يعبد إلا الله ، إليه يلجأ في الملِمّات، ومنه يخاف وحدَه في العلانية والخفيّات،  }وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ{  [يونس:107].أقول هذا القول ...
الخطبة الثانية :
أما بعد عِبَادَ اللهِ:كل انسان يحتاج إلى التوحيد فإنَّ توحيد الله جلّ وعلا هو أوْلى أمرٍ وأعظم أمر ينبغي أن يعتقده المسلم ،فحياة المسلم يجب أن تكون كلُّها توحيد لرب العالمين قَالَ تَعَالَى:  }قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ(162)لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ { [الأنعام:162-163].
ومِنْ فضل الله علينا أن فطرنا على التوحيد قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ». ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: }فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ، ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ{ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. صلوا وسلموا- ..
المشاهدات 1535 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا