خطبة : ( ولا تحزنوا )

عبدالله البصري
1439/04/17 - 2018/01/04 19:15PM
وَلا تَحزَنُوا  ...     18 / 4 / 1439
 
الخطبة الأولى :
 
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مِن سِيمَا سَنَوَاتِنَا المُتَأَخِّرَةِ ، كَثرَةُ الهُمُومِ وَالغُمُومِ ، وَاستِيلاءُ الأَحزَانِ عَلَى القُلُوبِ ، وَتَلَجْلُجُ الأَسَى في الصُّدُورِ ، في وَاقِعٍ مُتَضَارِبٍ مَرِيجٍ ، يَكثُرُ فِيهِ فَشلُ الإِنسَانِ في تَحقِيقِ أَهدَافِهِ ، وَتَتَعَدَّدُ العَوَائِقُ دُونَ بُلُوغِهِ غَايَاتِهِ ، عَدَا مَا جُبِلَت عَلَيهِ الدُّنيَا مِن كَبَدٍ وَمَشَقَّةٍ ، وَمَصَائِبَ تُصَبِّحُ النَّاسَ وَتُمَسِّيهِم ، وَمَا يُحِيطُ بِالأُمَّةِ الإِسلامِيَّةِ بِخَاصَّةٍ مِن مِحَنٍ وَشَدَائِدَ ، وَمَا يُقَاسِيهِ المُسلِمُونَ في أَوطَانِهِم مِن بَغيٍ وَظُلمٍ وَهَضمٍ ، وَتَعَدٍّ عَلَى مُقَدَّرَاتِهِم وَسَلبٍ لِحُقُوقِهِم وَاستِضعَافٍ لَهُم .
وَإِنَّهُ مَهمَا شَعُرَ المُسلِمُونَ بِالهَوَانِ وَالضَّعفِ ، أَو أَحَسُّوا بِالهَزِيمَةِ أَو حَصَلَت لَهُم أَيُّ مُصِيبَةٍ ، أَو وَجَدُوا مِنَ العَدُوِّ غَضَاضَةً أَو استِضعَافًا ، فَإِنَّهُ لا يَجُوزُ أَن يُسلِمَهُم ذَلِكَ الشُّعُورُ إِلى أَن تُحِيطَ بِهِمُ الأَحزَانُ وَتُقَيِّدَهُم الأَشجَانُ ، أَو تُقعِدَهُم عَن بَذلِ الأَسبَابِ لإِزَالَتِهَا وَالتَّخفِيفِ مِن أَثَرِهَا ، قَالَ – تَعَالى – في ثَنَايَا مَا ذَكَرَهُ مِمَّا أَصَابَ المُسلِمِينَ مِن ضَعفٍ وَهَزِيمَةٍ ، مُشَجِّعًا لَهُم وَمُقَوِّيًا لِعَزَائِمِهِم وَمُنهِضًا لِهِمَمِهِم : " وَلا تَهِنُوا وَلا تَحزَنُوا وَأَنتُمُ الأعلَونَ إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ "
أَجَل – أَيُّهَا الإِخوَةُ – إِنَّهُ لا يَنبَغِي لِلمُؤمِنِينَ أَن يَستَسلِمُوا لِلحُزنِ وَهُم مُؤمِنُونَ بِاللهِ ؛ فَهَذِهِ الدَّارُ دَارُ مُرُورٍ وَغُرُورٍ ، يُعطِي اللهُ مِنهَا المُؤمِنَ وَالكَافِرَ ، وَيُمِدُّ مِن عَطَائِهَا البَرَّ وَالفَاجِرَ ، وَيُدَاوِلُ الأَيَّامَ فِيهَا بَينَ النَّاسِ ، وَسُنَّةُ المُدَافَعَةِ فِيهَا قَائِمَةٌ وَمُستَمِرَّةٌ ، يَومٌ لِهَذِهِ الطَّائِفَةِ وَيَومٌ لِتِلكَ ، وَيَومٌ يَتَّسِعُ الرِّزقُ فِيهِ وَيَومٌ يَضِيقُ ، وَحِينًا يُعَافى العَبدُ وَحِينًا يُبتَلى ، ارتِفَاعٌ وَانخِفَاضٌ ، وَشِفَاءٌ وَأَمرَاضٌ ، وَيُسرٌ وَعُسرٌ يَتَعَاوَرَانِ ، وَسَرَّاءُ وَضَرَّاءُ تَتَبَادَلانِ ، غَيرَ أَنَهَا دَارٌ مُنقَضِيَةٌ أَيَّامُهَا ، فَانِيَةٌ لَذَّاتُهَا ، زَائِلَةٌ بِحُلوِهَا وَمُرِّهَا ، مَاضِيَةٌ بِخَيرِهَا وَشَرِّهَا ، رَاحِلَةٌ بِزَينِهَا وَشَينِهَا ، بِخِلافِ الدَّارِ الآخِرَةِ ، فَإِنَّهَا خَالِصَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا " قُلْ مَن حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتي أَخرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا في الحَيَاةِ الدُّنيَا خَالِصَةً يَومَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَومٍ يَعلَمُونَ "
نَعَم – أَيُّهَا الإِخوَةُ – لا يُحزِنُ المُؤمِنَ كثيرًا مَا بلَغَهُ الكَافِرُ مِن عُلُوٍّ ، أَو نَالَهُ الفَاجِرُ مِن حَظٍّ ، أَو مَارَسَهُ الظَّالِمُ مِن ظُلمٍ ، كَيفَ وَقَد قَالَ – تَعَالى - : " وَلا يَحزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ في الكُفرِ إِنَّهُم لَن يَضُرُّوا اللهَ شَيئًا يُرِيدُ اللهُ أَلاَّ يَجعَلَ لَهُم حَظًّا في الآخِرَةِ وَلَهُم عَذَابٌ عَظِيمٌ " وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " إِنَّ اللهَ لَيُملِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لم يُفلِتْهُ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ؟!
وَإِنَّهُ حِينَ يُنهَى المُؤمِنُ عَنِ الحُزنِ وَيُدعَى إِلى تَجَاوُزِهِ ، فَإِنَّهُ لا يُقَالُ لَهُ اخرُجْ عَن طَبِيعَتِكَ وَجِبِلَّتِكَ ، وَخَالِفْ فِطرَتَكَ وَخِلقَتَكَ ، وَلَكِنَّ المَنهِيَّ عَنهُ وَالمَذمُومَ ، هُوَ مَا يَنتُجُ عَنِ الحُزنِ مِن آثَارٍ غَيرِ مَحمُودَةٍ ، وَتَصَرُّفَاتٍ تَتَنَافى مَعَ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ ، مِن سُوءِ ظَنٍّ بِاللهِ أَو تَعَدٍّ لِحُدُودِهِ ، أَو ذَمٍّ لِلقَضَاءِ وَالقَدَرِ ، أَو عَدَمِ رِضًا بما جَرَى بِهِ القَلَمُ بِإِرَادَةِ الحَكِيمِ الخَبِيرِ ، أَو يَأسٍ وَقُنُوطٍ وَكَفِّ أَيدٍ عَنِ العَمَلِ ، أَو قُعُودٍ وَتَرَاجُعٍ عَنِ العَطَاءِ وَالبَذلِ ، أَو حُزنٍ عَلَى مَا نَقصَ مِن عَطَايَا الدُّنيَا أَو فَاتَ مِن شَهَوَاتِهَا ، مَعَ عَدَمِ اهتِمَامٍ بِالدِّينِ وَلا تَحَرُّكِ غَيرَةٍ لأَجلِهِ ، وَلا أَسَفٍ عَلَى مَا انكَسَرَ مِن قَوَاعِدِهِ أَو تَصَدَّعَ مِن حَوَائِطِهِ ، وَلا نَدَمٍ عَلَى مَا هُدِمَ مِن بُنيَانِهِ أَو ضَاعَ مِن فَرَائِضِهِ أَوِ انتُهِكَ مِن حُرُمَاتِهِ ، أَجَل – أَيُّهَا الإِخوَةُ – إِنَّ الشَّيطَانَ يُسَلِّطُ الأَحزَانَ عَلَى الإِنسَانِ ، لِيَشغَلَ فِكرَهُ وَيَشِلَّ عَقلَهُ ، وَيَصِلَ بِهِ إِلى اليَأسِ وَالقُنُوطِ ، فَيَضِلَّ بِذَلِكَ عَمَّا خُلِقَ لَهُ ، وَلا يُرَكِّزَ جُهدَهُ في اتَّخَاذِ قَرَارَاتِهِ وَلا في البَحثِ عَن حَلٍّ لِمُشكِلاتِهِ ، بَل يَزدَادُ تَخَبُّطًا وَتَشَتُّتًا ، وَيُخطِئُ في حَقِّ نَفسِهِ وَحَقِّ مَن حَولَهُ ، بَل وَفي حَقِّ رَبِّهِ وَخَالِقِهِ ، الَّذِي بِيَدِهِ كُلُّ شَيءٍ ، وَإِلَيهِ يَرجِعُ كُلُّ شَيءٍ .
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – إِخوَةَ الإِيمَانِ – وَلا يَستَسلِمَنَّ أَحَدُنَا لِلأَحزَانِ ، وَلْنَرفَعْ شَكوَانَا إِلى الرَّحِيمِ الرَّحمَنِ ، وَلْنَلْهَجْ بِذِكرِهِ وَلْنُكثِرِ مِن دُعَائِهِ ، وَلْنُدَاوِمْ عَلَى التَّسبِيحِ وَالاستِغفَارِ ، وَلْنَفزَعْ إِلى الصَّلاةِ وَلْنَقتَرِبْ بِالسُّجُودِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ العِلاجُ النَّاجِعُ المُذهِبُ لِلحَزَنِ وَالأَسَى ، الطَّارِدُ لِلهَمِّ وَالغَمِّ ، وَلْنَتَحَلَّ بِالصَّبرِ وَسَعَةِ الأُفُقِ في تَنَاوُلِ الأُمُورِ ؛ فَإِنَّ مَعَ كُلِّ عُسرٍ يُسرًا ، وَإِنَّ بَعدَ كُلِّ ضِيقٍ فَرَجًا ، قَالَ – تَعَالى – عَن نَبِيِّهِ يَعقُوبَ - عَلَيهِ السَّلامُ - : " قَالَ إِنَّمَا أَشكُو بَثِّي وَحُزنِي إِلى اللهِ وَأَعلَمُ مِنَ اللهِ مَا لا تَعلَمُونَ " وَفي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ عَن أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ : كَانَ النَّبيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ : اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ ، وَالعَجزِ وَالكَسَلِ ، وَالجُبنِ وَالبُخلِ ، وَضَلَعِ الدَّينِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ " وَفي الصَّحِيحَينِ أَيضًا عَن أَبي هُرَيرَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ - : كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَتَعَوَّذُ مِن جَهدِ البَلَاءِ وَدَرَكِ الشَّقَاءِ وَسُوءِ القَضَاءِ وَشَمَاتَةِ الأَعدَاءِ " وَفي رِوَايَةٍ : " تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِن جَهدِ البَلاءِ وَدَرَكِ الشَّقَاءِ وَسُوءِ القَضَاءِ وَشَمَاتَةِ الأَعدَاءِ " وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَلَقَد نَعلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدرُكَ بِمَا يَقُولُونَ . فَسَبِّحْ بِحَمدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ . وَاعبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأتِيَكَ اليَقِينُ " وَقَالَ – تَعَالى – آمِرًا نَبِيَّهُ بِالصَّبرِ وَعَدَمِ الضَّيقِ لِمَكرِ المَاكِرِينَ : " وَاصبِرْ وَمَا صَبرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلا تَحزَنْ عَلَيهِم وَلا تَكُ في ضَيقٍ مِمَّا يَمكُرُونَ " وَفي مُسنَدِ أَحمَدَ وَغَيرِهِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، قَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – لِمُعَاذٍ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ - : " قَد جَفَّ القَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ ، فَلَو أَنَّ الخَلقَ كُلَّهُم جَمِيعًا أَرَادُوا أَن يَنفَعُوكَ بِشَيءٍ لم يَكتُبْهُ اللهُ عَلَيكَ لم يَقدِرُوا عَلَيهِ ، وَإِن أَرَادُوا أَن يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لم يَكتُبْهُ اللهُ عَلَيكَ لم يَقدِرُوا عَلَيهِ ، وَاعلَمْ أنَّ في الصَّبرِ عَلَى مَا تَكرَهُ خَيرًا كَثِيرًا ، وَأَنَّ النَّصرَ مَعَ الصَّبرِ ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ ، وَأَنَّ مَعَ العُسرِ يُسرًا " اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ ، وَالعَجزِ وَالكَسَلِ ، وَالجُبنِ وَالبُخلِ ، وَضَلَعِ الدَّينِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ ، وَأَقُولُ هَذَا القَولَ وَأَستَغفِرُ اللهَ ...
 
 
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى – وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا . وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدرًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَكَمَا يَذهَبُ الحَزَنُ بِالقُربِ مِنَ اللهِ وَصِدقِ اللُّجُوءِ إِلَيهِ ، وَيَتَبَدَّدُ بِالاشتِغَالِ بِعِبَادَتِهِ وَالفِرَارِ إِلَيهِ ، فَإِنَّ ثَمَّةَ أُمُورًا تُجَدِّدُ قَدِيمَ الأَحزَانِ وَتَبعَثُ مَيِّتَ الأَشجَانِ ، وَتَضِيقُ بها الصُّدُورُ وَتَتَعَقَّدُ الأُمُورُ ، وَيَعِيشُ الإِنسَانُ بِسَبَبِهَا بَينَ هَمٍّ وَغَمٍّ وَانقِبَاضِ نَفسٍ وَضَعفِ عَزمٍ ، مِن ذَلِكَ تَعَلُّقُ القَلبِ بِالدُّنيَا وَمَدُّ البَصَرِ إِلى مَا عِندَ الآخَرِينَ مِن نِعَمٍ دُنيَوِيَّةٍ ، قَالَ – تَعَالى - : " لا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ إِلى مَا مَتَّعنَا بِهِ أَزوَاجًا مِنهُم وَلا تَحزَنْ عَلَيهِم وَاخفِضْ جَنَاحَكَ لِلمُؤمِنِينَ " وَمِن ذَلِكَ الظَّنُّ بِأَنَّ عُلُوَّ أَهلِ البَاطِلِ سَيَدُومُ وَلَن يَزُولَ ، وَالحُزنُ لِعَدَمِ استِجَابَتِهِم وَرُضُوخِهِم لِلحَقِّ ، قَالَ – تَعَالى – : " وَمَن كَفَرَ فَلا يَحزُنْكَ كُفرُهُ إِلَينَا مَرجِعُهُم فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ " وَقَالَ – عَزَّ وَجَلَّ - : " فَلا يَحزُنْكَ قَولُهُم إِنَّا نَعلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعلِنُونَ " وَمِن ذَلِكَ التَّنَاجِي بِالبَاطِلِ وَتَردَادُ مَا يُسَبِّبُ الحُزنَ وَيَشغَلُ البَالَ ، وَكَثرَةُ الخَوضِ فِيهِ وَتَنَاقُلُهُ وَالتَّرَاسُلُ بِهِ ، مَعَ فَقدِ نُورِ الأَمَلِ وَمَوتِ رُوحِ التَّفَاؤُلِ ، وَالاشتِغَالِ بِنَدبِ الحَظِّ وَشَكوَى الزَّمَانِ ، وَسَبِّ الحَالِ بِاللِّسَانِ وَلَو عَلَى سَبِيلِ المُزَاحِ ؛ فَإِنَّ البَلاءَ مُوَكَّلٌ بِالمَنطِقِ ، قَالَ – تَعَالى - : " إِنَّمَا النَّجوَى مِنَ الشَّيطَانِ لِيَحزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيسَ بِضَارِّهِم شَيئًا إِلاَّ بِإِذنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَليَتَوَكَّلِ المُؤمِنُونَ " وَرَوَى البُخَارِيُّ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا - أَنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى أَعرَابيٍّ يَعُودُهُ ، قَالَ : وَكَانَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ فَقَالَ لَهُ : " لا بَأسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللهُ " قَالَ : قُلتَ طَهُورٌ ؟! كَلاَّ ، بَل هِيَ حُمَّى تَفُورُ أَو تَثُورُ عَلَى شَيخٍ كَبِيرٍ ، تُزِيرُهُ القُبُورَ ، فَقَالَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " فَنَعَمْ إِذًا " وَقَالَ شَاعِرٌ :
اِحفَظْ لِسَانَكَ لا تَقُولَ فَتُبتَلَى
إِنَّ البَلاءَ مُوَكَّلٌ بِالمَنطِقِ
وَقَالَ آخَرُ :
لا تَنطِقَنَّ بِمَا كَرِهتَ فَرُبَّمَا
نَطَقَ اللِّسَانُ بِحَادِثٍ فَيَكُونُ
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – عَزَّ وَجَلَّ – وَالحَذَرَ الحَذَرَ مِن أَن يَتَمَلَّكَنَا الحَزَنُ عَلَى فَوتِ شَيءٍ مِنَ الدُّنيَا فَحَسبُ ؛ فَإِنَّ الحَزَنَ الأَكبَرَ وَالهَمَّ الأَعظَمَ وَالغَمَّ الأَطَمَّ ، هُوَ مَا يَنتَظِرُ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَالظَّالِمِينَ عِندَ المَوتِ وَبَعدَهُ ، فَيَلقَونَ مِنهُ مَا يُفزِعُهُم وَيَذهَبُ بِأَلبَابِهِم وَيُقَطِّعُ قُلُوبَهُم ، وَأَمَّا المُؤمِنُونَ الصَّادِقُونَ ، فَحَسبُهُم مِنَ الحُزنِ مَا قَد يَقَعُ لَهُم مِنهُ في الدُّنيَا ، فَيَصبِرُون عَلَيهِ وَيِحتَسِبُونَ ، ثُمَّ يُبَشَّرُونَ بِزَوَالِهِ عَنهُم عِندَ المَوتِ وَيَسلَمُونَ مِنهُ إِلى الأَبَدِ ، وَيَبقَى لَهُمُ الأَجرُ إِن شَاءَ اللهُ ، قَالَ – تَعَالى - : " فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنُونَ " وَقَالَ – عَزَّ وَجَلَّ - : " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُم أَجرُهُم عِندَ رَبِّهِم وَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنُونَ " وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ استَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحزَنُوا وَأَبشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتي كُنتُم تُوعَدُونَ " وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَت لَهُم مِنَّا الحُسنَى أُولَئِكَ عَنهَا مُبعَدُونَ . لا يَحزُنُهُمُ الفَزَعُ الأَكبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ المَلائِكَةُ هَذَا يَومُكُمُ الَّذِي كُنتُم تُوعَدُونَ " وَقَالَ – تَعَالى – وَاصِفًا حَالَهُم بَعدَ دُخُولِ الجَنَّةِ : " وَقَالُوا الحَمدُ للهِ الَّذِي أَذهَبَ عَنَّا الحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ " وَفي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ عَنهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – أَنَّهُ قَالَ : " مَا يُصِيبُ المُسلِمَ مِن نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ وَلا هَمٍّ ، وَلا حُزنٍ وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ ، حَتَّى الشَّوكَةُ يُشَاكُهَا ، إِلاَّ كَفَّرَ اللهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ "
المرفقات

تَحزَنُوا

تَحزَنُوا

تحزنوا

تحزنوا

المشاهدات 7019 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا  ياشيخنا ونفع الله بعلمك