كَانَ إِسْلَامُهُ فَتْحَاً وَهِجْرَتُهُ نَصْرَاً 18 رَبِيع الثَّانِي 1439هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1439/04/16 - 2018/01/03 07:30AM

كَانَ إِسْلَامُهُ فَتْحَاً وَهِجْرَتُهُ نَصْرَاً 18 رَبِيع الثَّانِي 1439هـ

الْحَمْدُ للهِ الذِي بَعَثَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَيْرِ الْقُرُونِ، وَاخْتَارَ لَهُ مِنَ الْأَصْحَابِ أَكْمَلَ النَّاسِ عُقُولاً وَأَقْوَمَهُمْ دِينَاَ وَأَغْزَرَهُمْ عِلْماَ وَأَشْجَعَهُمْ قُلُوبَاً, فَجَاهَدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ, فَأَقَامَ بِهِمُ الدِّينَ وَأَظْهَرَهُمْ عَلَى جَمِيعِ الْعَالَمِينَ, وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ إِلَهُ الْأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ, صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً.

أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَتَأَمَّلُوا فِي سِيرَةِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسِيرَةِ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ, فَإِنَّ فِيهَا الْعِبَر.

وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِيرَةً عَطِرَةً عُمُرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, إِنَّهُ الْفَارُوقُ الذِي فَرَّقَ اللهُ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ  وَالْبَاطِلِ, كَانَ إِسْلَامُهُ فَتْحَاً، وهِجَرَتُهُ نَصْراً وإِمَارَتُهُ رَحْمَةً, إِنَّهُ الذِي بَشَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَنَّةِ مِرَارَا, فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَبُو بَكْرٍ فِي الجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الجَنَّةِ وَالزُّبَيْرُ فِي الجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الجَنَّةِ، وَسَعْدٌ فِي الجَنَّةِ، وَسَعِيدٌ فِي الجَنَّةِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ فِي الجَنَّةِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ  وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ, وَعَنْ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ أُحُدًا، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ، فَقَالَ (اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ، وَصِدِّيقٌ، وَشَهِيدَانِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلٍ الْعَدَوِيُّ الْقُرَشَيُّ, وُلِدَ بَعْدَ حَادِثَةِ الْفِيلِ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً؛ وَنَشَأَ فِي كَنَفِ وَالِدِهِ، وَوَرِثَ عَنْهُ الصَّرَامَةَ وَالْحَزْمَ, بَعِيدَاً عَنِ التَّرَفِ وَمَظَاهِرِ الثَّرَاءِ وَالنُّعُومَةِ, أَمْضَى شَطْرَاً مِنْ حَيَاتِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَنَشَأَ كَأَمْثَالِهِ مِنْ أَبْنَاءِ الْعَرَبِ، وَامْتَازَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ تَعَلَّمَ الْقِرَاءَةَ وَالْكِتَابَةَ، وَأَقْبَلَ عَلَى تَعَلُّمِ الْفُرُوسِيَّةِ وَالْمُصَارَعَةِ حَتَّى أَتْقَنَهُمَا، فَكَانَ يَثِبُ عَلَى الْفَرَسِ وَثْبَاً، وَيَنْطَلِقُ بِهَا لِيَسْبِقَ كُلَّ مَنْ سَابَقَهُ، وَتَفَوَّقَ فِي الْمُصَارَعَةِ عَلَى كُلِّ مَنْ صَارَعَهُ.
كَانَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ وَيَتَقَرَّبُونَ إِلَيْهَا، وَكَانَ عُمُرُ أَحَدَ هَؤُلاءِ الذِينَ عَكَفُوا عَلَى عِبَادَتِهَا، وَكَانَ شَبَابُهَا يَشْرَبُونَ وَيَطْرَبُونَ، فَأَدْلَى عُمُرُ بِدَلْوِهِ مَعَهُمْ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : كَيْفَ تَغَيَّرَ هَذَا الْفَتَى وَكَيْفَ انْقَلَبَتْ حَيَاتُهُ ؟ إِنَّ  أَوَّلَ شُعَاعَ نُورٍ لامَسَ قَلْبَهُ، يَوْمَ رَأَى نِسَاءً مِنْ قُرَيْشٍ يَتْرُكْنَ بَلَدَهُنَّ وَيَرْحَلْنِ إِلَى الْحَبَشَةِ بَعَيداً عَنْ بَلَدَهِنَّ بِسَبَبِ مَا لَقِينَ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ مِنْ كُفَّارِ مَكَّةَ, فَرَقَّ قَلْبُهُ وَعَاتَبَهُ ضَمِيرُهُ فَرَقَّ لَهُنَّ وَأَسْمَعَهُنَّ كَلِمَةً طَيِّبَةً التِي لَمْ يَكُنَّ يَطْمَعْنَ أَنْ يَسْمَعْنَ مِنْهُ مِثْلَهَا.
قَالَتْ أُمِّ عَبْدِ اللهِ بِنْتُ حَنْتَمَةَ : لَمَّا كُنَّا نَرْتَحِلُ مُهَاجِرِينَ إِلَى الْحَبَشَةِ، أَقْبَلَ عُمُرُ حَتَّى وَقَفَ عَلَيَّ، وَكُنَّا نَلْقَى مِنْهُ الْبَلَاءَ وَالْأَذَى وَالْغِلْظَةَ، فَقَالَ لِي: إِنَّهُ الانْطِلَاقُ يَا أُمَّ عَبْدِ اللهِ ؟ قُلْتُ نَعْمَ، وَاللهِ لَنَخْرُجَّنَ فِي أَرْضِ اللهِ، آذَيْتُمُونَا وَقَهَرْتُمُونَا، حَتَّى يَجْعَلَ اللهُ لَنَا فَرَجَاً، فَقَالَ عُمُرُ: صَحِبَكُمُ اللهُ. وَرَأَيْتُ مِنْهُ رِقَّةً لَمْ أَرَهَا قَطُّ. فَلَمَّا جَاءَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةً (تَعْنِي : زَوْجُهَا) ذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: كَأَنَّكَ قَدْ طَمِعْتَ فِي إِسْلَامِ عُمَرَ ؟ قُلْتُ لَهُ نَعْم. فَقَالَ: إِنَّهُ لا يُسْلِمُ حَتَّى يُسْلِمَ حِمَارُ الْخَطَّابِ ! فلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُصَدِّقُ أَنَّ عُمَرَ يُسْلِمُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : بَيْنَمَا كَانَتْ قُرَيْشُ قَدِ اجْتَمَعَتْ فَتَشَاوَرَتْ فِي أَمْرِ النّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالُوا: أَيُّ رَجُلٍ يَقْتُلُ مُحَمَّدَاً ؟ فَقَالَ عُمُرُ: أَنَا لَهَا، فَقَالُوا: أَنْتَ لَهَا يَا عُمَرُ, فَخَرَجَ يَوْماً فِي الْهَاجِرَةِ،  مُتَوَشِّحَاً سَيْفَهُ يُرِيدُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْضَاً مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَقِيَهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ النَّحَّام (وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ عُمَرُ) فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا عُمَرُ ؟ قَالَ أَرِيدُ هَذَا الصَّابِئَ الذِي فَرَّقَ أَمْرَ قُرَيْشٍ وَسَفَّهَ أَحْلَامَهَا وَعَابَ دِينِهَا وَسَبَّ آلِهَتَهَا فَأَقْتَلُهُ، قَالَ لَهُ :  لِبِئْسَ الْمَمْشَى مَشَيْتَ يَا عُمَرُ، وَلَقَدْ وَاللهِ غَرَّتْكَ نَفْسُكَ، أَتُرَى بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ تَارِكِيكَ تَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَقَدْ قَتَلْتَ مُحَمَّدَاً ؟  أَفَلَا تَرْجِعُ إِلَى أَهْلِ بَيْتِكَ فَتُقِيمَ أَمْرَهُمْ ؟ قَالَ: وَأَيُّ أَهْلِ بَيْتِي؟ قَالَ: خَتْنُكَ وَابْنُ عَمِّكَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ وَأُخْتُكَ فَاطِمَةُ، فَقَدْ وَاللَّهِ أَسْلَمَا، وَتَابَعَا مُحَمَّدًا عَلَى دِينِهِ فَعَلَيْكَ بِهِمَا.

فَلَمَّا سَمِعَ عُمَرُ ذَلِكَ احْتَمَلَهُ الْغَضَبُ فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ وَقَرَعَ الْبَابُ قَالُوا: مَنْ هَذَا ؟ قَالَ: ابْنُ الْخَطَّابِ. وَكَانَ عِنْدَهُمْ خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُعَلِّمُهُمُ القُرَّآنَ مِنْ صًحِيفَة، فَلَمَّا سَمِعُوا حِسَّ عُمَرَ أَمَرُوهُ فَاخْتَبَأَ, فَلَمَّا دَخَلَ وَرَأَتْهُ أُخْتَهُ عَرَفَتْ الشَّرَّ فِي وَجْهِهِ، فَخَبَّأَتِ الصَّحِيفَةَ تَحْتَ فَخِذِهَا قَالَ: مَا هَذِهِ الْهَيْمَنَةُ التِي سَمِعْتُهَا عِنْدَكُمْ ؟ (وَكَانُوا يَقْرَؤُونَ طَهَ) فَقَالَا: مَا عَدَا حَدِيثَاُ تَحَدَثَّنَاهُ بَيْنَنَا, قَالَ: فَلَعَلَّكُمَا قَدْ صَبَوْتُمَا؟ وَاللَّهِ لَقَدْ أُخْبِرْتُ أَنَّكُمَا تَابَعْتُمَا مُحَمَّدًا عَلَى دِينِهِ. ثُمَّ عَدَى عَلَى خَتْنِهِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ فَبَطَشَ بِه, فَقَامَتْ إِلَيْهِ أُخْتُهُ لِتَكُفَّهُ عَنْ زَوْجِهَا، فَضَرَبَهَا فَشَجَّهَا، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ، قَالَتْ لَهُ أُخْتُهُ وَخَتْنُهُ: نَعَمْ قَدْ أَسْلَمْنَا، وَآمَنَّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ. فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ مَا بِأُخْتِهِ مِنَ الدَّمِ، نَدِمَ عَلَى مَا صَنَعَ وَارْعَوَى، وَقَالَ: لِأُخْتِهِ أَعْطِينِي هَذِهِ الصَّحِيفَةَ الَّتِي سَمِعْتُكُمْ تَقْرَؤُونَ آنِفًا، أَنْظُرُ مَا هَذَا الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ. وَكَانَ عُمَرُ  قَارِئاً، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ، قَالَتْ لَهُ أُخْتُهُ: إِنَّا نَخْشَاكَ عَلَيْهَا. قَالَ: لَا تَخَافِي. وَحَلَفَ لَهَا لَيَرُدَّنَّهَا إِذَا قَرَأَهَا إِلَيْهَا. فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ، طَمِعَتْ فِي إِسْلَامِهِ. فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَخِي، إِنَّكَ نَجَسٌ عَلَى شِرْكِكَ، وَإِنَّهُ لَا يَمَسُّهَا إِلَّا الطَّاهِرُ. فَقَامَ عُمَرُ فَاغْتَسَلَ، فَأَعْطَتْهُ الصَّحِيفَةَ، وَكَانَ فِيهَا سُوَرُ طَهَ, فَقَرَأَهَا (طَهَ * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)

فَعَظُمَتْ هَذِهِ الآيَاتُ فِي صَدْرِهِ . فَقَالَ : مِنْ هَذَا فَرَّتْ قُرَيْشُ ! ثُمَّ قَرَأَ فَلَمَّا بَلَغَ قَوْلَهُ تَعَالَى (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ) فَقَالَ عُمَرُ : يَنْبَغِي لِمَنْ يَقُولُ هَذَا أَنْ لا يُعْبَدَ مَعَهُ غَيْرُهُ ، دُلُّونِي عَلَى مُحَمَّدٍ!

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : هَكَذَا بَدَأَ النُّورُ يَدْخُلُ قَلْبَ عُمَرَ وَرَقَّ لِلْإِسْلَام, وَهَذِهِ هِدَايَةُ اللهِ (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا) أَسْأَلُ اللهَ لِي وَلَكُمُ الهِدَايَةَ, أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم .

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالِمِينَ , وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .

أَمَّا بَعْدُ : فَلَمَّا سَمِعَ خَبَّابٌ مَا قَالَهُ عُمَرُ طَمِعَ فِي إِسْلَامِهِ وَخَرَجَ مِنَ مَخْبَئِهِ فِي البْيَتِ فَقَالَ : أَبْشِرْ يَا عُمَرُ ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونَ قَدْ سَبَقَتْ فِيكَ دَعْوَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإني سمعته يَقَولُ (اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) [رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

فَقَالَ : دُلُّونِي عَلَى مَكَانِ مُحَمَّد، فَلَمَّا عَرَفُوا مِنْهُ الصِّدْقَ قَالُوا : هُوَ أَسْفَلَ الصَّفَا. فَأَخَذَ عُمُرُ سَيْفَهُ فَتَوَحَّشَهُ ثُمَّ عَمِدَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهُ, فَضَرَبَ عَلَيْهِمُ الْبَابَ، فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ، قَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَنَظَرَ مِنْ خَلَلِ الْبَابِ فَرَآهُ مُتَوَشِّحًا السَّيْفَ، فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فَزِعٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مُتَوَشِّحًا السَّيْفَ. فَقَالَ حَمْزَةُ: فَأْذَنْ لَهُ، فَإِنْ كَانَ جَاءَ يُرِيدُ خَيْرًا بَذَلْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ جَاءَ يُرِيدُ شَرًّا قَتَلْنَاهُ بِسَيْفِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ائْذَنْ لَهُ) فَأَذِنَ لَهُ الرَّجُلُ، وَنَهَضَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَقِيَهُ فِي الْحُجْرَةِ، فَأَخَذَ بِحُجْزَتِهِ أَوْ بِمَجْمَعِ رِدَائِهِ، ثُمَّ جَبَذَهُ جَبْذَةً شَدِيدَةً، فَقَالَ (مَا جَاءَ بِكَ يَا بْنَ الْخَطَّابِ؟ فَوَاللَّهِ مَا أَرَى أَنْ تَنْتَهِيَ حَتَّى يُنْزِلَ اللَّهُ بِكَ قَارِعَةً) فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جِئْتُكَ لَأُومِنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَبِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، قَالَ: فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْبِيرَةً عَرَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ أَنَّ عُمَرَ قَدْ أَسْلَمَ، ، فَتَفَرَّقَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَانِهِمْ وَقَدْ عَزُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ حِينَ أَسْلَمَ عُمَرُ مَعَ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، وَعَرَفُوا أَنَّهُمَا سَيَمْنَعَانِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَنْتَصِفُونَ بِهِمَا مِنْ عَدُوِّهِمْ.

فَرَضِيَ اللهُ عَنْ عَمَرَ وَعَنْ جَمِيعِ أَصْحَابِ رَسُولِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَجَمَعَنَا بِهِمْ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَوَالدِينَا وَكُلِّ الْمُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا , وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا ! اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلامِ وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ للْهُدَى وَالرَّشَادِ, وَجَنِّبْهُمْ الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَما بَطَنْ, اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا ! اللَّهُمَّ جَنِّبْ بِلادَنَا الْفِتَنَ وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ! اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الغَلَا وَالوَبَا وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَلازِلَ وَالفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن! وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ .

المرفقات

إِسْلَامُهُ-فَتْحَاً-وَهِجْرَتُهُ-ن

إِسْلَامُهُ-فَتْحَاً-وَهِجْرَتُهُ-ن

المشاهدات 1920 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا