من أسباب سعة الصدر 1439/01/30

من أسباب سعة الصدر[1]

الحمدلله بيَّن لعباده طرق السعادة, وأمرهم بالتوبة والإنابة, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أنَّ حبيبنا وسيدنا محمداً رسول رب العالمين صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين, أما بعد:                                                                

أيها المسلمون: تكلمنا في الجمعة الماضية عن أسباب ضيق الصدر واليوم نتكلم عن أسباب سعة الصدر:

أولاً: تقوى الله عزوجل, قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي: "من غموم الدُّنْيَا وغمرات الْمَوْت وشدائد الآخِرَة"[2]. وقال السعدي رحمه الله: (ومن جملة ثوابه –أي المتقي لله- أن يجعل له فرجًا ومخرجًا من كل شدة ومشقة، وكما أن من اتقى الله جعل له فرجًا ومخرجًا، فمن لم يتق الله، وقع في الشدائد والآصار والأغلال، التي لا يقدر على التخلص منها والخروج من تبعتها)[3].ا.هـ. وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}[الطلاق: 4] قال السمعاني رحمه الله: (أَي: يحذر من الْمعاصِي وَيعْمل بالطاعات فإنَّ الله يوفقه ويسدده وييسر عَلَيْهِ الأُمُور)[4].

الثاني من أسباب سعة الصدر: كثرة ذكر الله تعالى, قال الله عزوجل:{وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10] وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28] قال الطبري رحمه الله: (بذكر الله تسكن وتستأنس قلوبُ المؤمنين)[5]. وقال صلى الله عليه وسلم: «أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَرْضَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَمِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟» قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ» وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضي الله عنه: (مَا عَمِلَ امْرُؤٌ بِعَمَلٍ أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ)[6]. وقال ابن القيم رحمه الله: (فَلِلذِّكْرِ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي انْشِرَاحِ الصَّدْرِ وَنَعِيمِ الْقَلْبِ، وَلِلْغَفْلَةِ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي ضِيقِهِ وَحَبْسِهِ وَعَذَابِهِ)[7].

الثالث: التوكل على الله, قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] قال السمعاني رحمه الله: (أَي: يَثِق بِاللَّه ويفوض أمره إِلَيْهِ: وَيُقَال: التَّوَكُّل على الله هُوَ الرِّضَا بِقَضَائِهِ)[8].

الرابع: الإحسان إلى الناس والتعامل معهم بالأخلاق الفاضلة بالصدق والأمانة والتعاون على البر والتقوى, قال ابن القيم رحمه الله: (الْكَرِيمَ الْمُحْسِنَ أَشْرَحُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَطْيَبُهُمْ نَفْسًا، وَأَنْعَمُهُمْ قَلْبًا، وَالْبَخِيلُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِحْسَانٌ أَضْيَقُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَنْكَدُهُمْ عَيْشًا، وَأَعْظَمُهُمْ همًّا وَغَمًّا)[9].

الخامس: إقامة الصلاة في أوقاتها مع الجماعة في المسجد, وأهمية إجابة الداعي من حين يؤذن وكثرة صلاة النوافل, قال صلى الله عليه وسلم: (يا بلالُ، أَرِحْنَا بِالصَّلاةِ)[10] فالصلاة راحة للمؤمن.

السادس: بر الوالدين, فله أثر كبير في سعادة الإنسان, وتيسير أموره التي لها أثر كبير في انشراح الصدر قال الشيخ ابن باز رحمه الله: (بر الوالدين من أفضل القربات، ومن أسباب تيسير الأمور)[11].

السابع: التوبة من الذنوب والمعاصي فإن للمعصية شؤما وهي مفتاح عظيم من مفاتيح الهم والغم والمشاكل النفسية, فالإقلاع عنها والتوبة إلى الله منها تجلو تلك المشكلات وتزيلها وينشرح صدر المؤمن بتوبته.

الثامن: كثرة الدعاء فيدعو المرء لنفسه بأن يشرح الله صدره ويُذهبَ عنه من يجد من همٍّ وغمٍّ وضيقةِ صدر, والله سبحانه قريبٌ مجيبٌ, قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

 

[1] خطبة الجمعة 30/01/1439هـ جامع بلدة الداخلة في سدير, عمر المشاري.

[2] تفسير السمعاني (5/ 461).

[3] تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 870).

[4] تفسير السمعاني (5/ 464).

[5] تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (16/ 432).

[6] أخرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه برقم (21702) والترمذي في أبواب الدعوات برقم (3377) وابن ماجه في كتاب الأدب, باب فضل الذكر برقم (3790) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (1493).

[7] زاد المعاد في هدي خير العباد (2/ 24).

[8] تفسير السمعاني (5/ 462).

[9] زاد المعاد في هدي خير العباد (2/ 24)

[10] أخرجه الإمام أحمد في مسنده من أحاديث رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم برقم (23154) وأبو داود في كتاب الأدب, باب في صلاة العتمة برقم (4986) وصححه الألباني في مشكاة المصابيح برقم (1253).

[11] مجموع فتاوى ابن باز (6/ 201).

المرفقات

أسباب-سعة-الصدر

أسباب-سعة-الصدر

المشاهدات 2434 | التعليقات 0