ولاية الله تعالى للمؤمنين (2) آثارها وثمارها

ولاية الله تعالى للمؤمنين (2)

آثارها وثمارها

23 - 1 - 1439هـ

الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النِّسَاءِ:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الْأَحْزَابِ: 70-71].

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 أَيُّهَا النَّاسُ: كُلُّ مَخْلُوقٍ مُفْتَقِرٌ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَا يَسْتَقِلُّ مَخْلُوقٌ بِنَفْسِهِ، وَالْخَالِقُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ عَنْ خَلْقِهِ، فَيَفْتَقِرُونَ إِلَيْهِ وَلَا يَفْتَقِرُ هُوَ إِلَيْهِمْ، وَوِلَايَتُهُ سُبْحَانَهُ لَهُمْ عِزٌّ وَشَرَفٌ وَقُوَّةٌ. وَأَعْظَمُ نِعْمَةٍ يُرْزَقُهَا الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى وَلِيَّهُ، فَإِذَا كَانَ سُبْحَانَهُ وَلِيَّهُ سَعِدَ بِوِلَايَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ، وَجَنَى ثِمَارَ هَذِهِ الْوِلَايَةِ، وَرَأَى آثَارَهَا فِي نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ.  

وَأَعْظَمُ آثَارِ وِلَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ، وَأَطْيَبُ ثِمَارِهَا: الْهِدَايَةُ لِلْحَقِّ، وَالْخُرُوجُ مِنْ ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ وَالْجُحُودِ وَالنِّفَاقِ إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [الْبَقَرَةِ: 257]، فَيَهَبُ سُبْحَانَهُ أَوْلِيَاءَهُ أَسْمَاعًا وَأَبْصَارًا وَعُقُولًا تُدْرِكُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَتُمَيِّزُ الْهُدَى مِنَ الضَّلَالِ؛ فَتَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَرَاهِينَهُ فَتَتَأَثَّرُ بِهَا، وَتَنْقَادُ إِلَيْهَا. وَتَرَى عَجِيبَ خَلْقِهِ سُبْحَانَهُ وَتَدْبِيرِهِ فَلَا تَعْبُدُ غَيْرَهُ، وَلَا تَتَوَلَّى سِوَاهُ. وَيَهَبُهَا عَزَّ وَجَلَّ تَوْفِيقًا يَقُودُهَا إِلَى الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَيَحْفَظُهَا مِنْ إِضْلَالِ الضَّالِّينَ، وَغِوَايَاتِ الشَّيَاطِينِ، وَشُبُهَاتِ الْمُلَبِّسِينَ. وَلَوْ لَمْ يَحْظَ الْعَبْدُ إِلَّا بِهَذِهِ الثَّمَرَةِ مِنْ وِلَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ لَسَعِدَ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَيْفَ لَا؟! وَالطَّوَاغِيتُ تَتَسَلَّطُ عَلَى الْكُفَّارِ فَتَتَوَلَّاهُمْ، وَتَحْرِفُهُمْ عَنْ عُبُودِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى عُبُودِيَّةِ غَيْرِهِ، وَاتِّخَاذِ شَرْعٍ غَيْرِ شَرْعِهِ، وَتَوَلِّي غَيْرِهِ ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾ [الْبَقَرَةِ: 257]. ﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾ [الْكَهْفِ: 17].

وَمِنْ آثَارِ وِلَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ: اجْتِمَاعُ قَلْبِهِ عَلَى رَبٍّ وَاحِدٍ، فَيَعْبُدُهُ وَلَا يَعْبُدُ غَيْرَهُ، وَيَلْجَأُ إِلَيْهِ فِي الْمُلِمَّاتِ دَاعِيًا سَائِلًا فَيَجِدُهُ قَرِيبًا مُجِيبًا، وَعَلَى نَبِيٍّ وَاحِدٍ فَيَتَّبِعُهُ وَيَدَعُ التَّخَبُّطَ فِي الْآرَاءِ وَالْأَهْوَاءِ، وَعَلَى دِينٍ وَاحِدٍ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا مَنْ تَوَلَّاهُ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَتَتَجَارَى بِهِ الْأَهْوَاءُ، وَتَتَقَاذَفُهُ الشُّبُهَاتُ، وَيَنْتَقِلُ مِنْ بَاطِلٍ إِلَى بَاطِلٍ؛ لَعَلَّهُ يَجِدُ طُمَأْنِينَةَ الْقَلْبِ وَرَاحَتَهُ وَلَنْ يَجِدَهَا. بَلْ سَيَبْقَى قَلْبُهُ مُمَزَّقًا ضَائِعًا تَائِهًا فِي مَسَالِكِ الْبَاطِلِ الْكَثِيرَةِ، وَفِي الْقُرْآنِ جَمْعٌ لِلظُّلُمَاتِ، وَإِفْرَادٌ لِلنُّورِ؛ لِتَعَدُّدِ سُبُلِ الْبَاطِلِ ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الْأَنْعَامِ: 153].

وَمِنْ آثَارِ وِلَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ: مُحَارَبَتُهُ تَعَالَى مَنْ يُعَادِي أَوْلِيَاءَهُ، وَدِفَاعُهُ سُبْحَانَهُ عَنْهُمْ ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الْحَجِّ: 38]، وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَيَا لَهُ مِنْ شَرَفٍ عَظِيمٍ، وَمَقَامٍ كَرِيمٍ رَفِيعٍ، أَنْ يُعْلِنَ الْخَالِقُ سُبْحَانَهُ حَرْبَهُ دِفَاعًا عَنْ أَوْلِيَائِهِ، وَيَتَوَعَّدُ مَنْ يُؤْذُونَهُمْ وَيُعَادُونَهُمْ، وَوَيْلٌ لِمَنْ حَارَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى، كَيْفَ يُفْلِتُ مِنْهُ؟!

وَمِنْ آثَارِ وِلَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ: تَوْفِيقُهُ وَتَسْدِيدُهُ لِمَا يَنْفَعُهُ، وَاسْتِجَابَةُ دُعَائِهِ، وَإِعْطَاؤُهُ سُؤْلَهُ، وَإِعَاذَتُهُ مِمَّا يَخَافُهُ وَيَحْذَرُهُ؛ لِأَنَّهُ حَبِيبُ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَنْ أَحَبَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفَّقَهُ وَسَدَّدَهُ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَمِنْ آثَارِ وِلَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ: رَفْعُ الْخَوْفِ وَالْحُزْنِ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ؛ فَفِي الدُّنْيَا بِتَعَلُّقِ قَلْبِهِ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَمَنْ تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِاللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَخَفْ شَيْئًا، وَلَنْ يَحْزَنَ عَلَى مَا فَاتَهُ وَلَا مَا أَصَابَهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْظَى بِمَعِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَحَبَّتِهِ وَوِلَايَتِهِ ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ [التَّغَابُنِ: 11]، مَعَ بِشَارَاتٍ مُتَتَابِعَةٍ مُتَوَالِيَةٍ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْقَبْرِ وَفِي الْآخِرَةِ، فَلَا تَنْقَطِعُ بِشَارَاتُهُمْ أَبَدًا ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [يُونُسَ: 62 - 64]. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ عِبَادًا يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ، قِيلَ: مَنْ هُمْ؟ لَعَلَّنَا نُحِبُّهُمْ، قَالَ: هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِنُورِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ أَرْحَامٍ وَلَا أَنْسَابٍ، وُجُوهُهُمْ نُورٌ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، لَا يَخَافُونَ إِنْ خَافَ النَّاسُ وَلَا يَحْزَنُونَ إِنْ حَزِنَ النَّاسُ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يُونُسَ: 62]» صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

 وَمَا بُشِّرُوا بِهِ فِي الدُّورِ الثَّلَاثِ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَلِمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْكَوْنِيَّةِ الَّتِي لَا مُبَدِّلَ لَهَا؛ وَلِذَا عَقَّبَ عَلَى تَبْشِيرِهِمْ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ ﴿لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [يُونُسَ: 64].

وَمِنَ الْبِشَارَاتِ فِي الدُّنْيَا: الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، وَالْمَوَدَّةُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، وَمَا يَرَاهُ الْعَبْدُ مِنْ لُطْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ وَتَيْسِيرِهِ لِأَحْسَنِ الْأَعْمَالِ وَالْأَخْلَاقِ، وَصَرْفُهُ عَنْ مَسَاوِئِهَا.

وَمِنْهَا: الْبِشَارَةُ عِنْدَ قَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فُصِّلَتْ: 31].

وَيُبَشَّرُونَ فِي قُبُورِهِمْ بِرِضَا اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَبِمَا وُعِدُوا مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَقَدْ جَاءَ فِي خَبَرِ الْمُؤْمِنِ إِذَا وُسِّدَ فِي قَبْرِهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَمِنْهَا: الْبِشَارَةُ فِي الْآخِرَةِ بِرِضَا الرَّحْمَنِ وَرُؤْيَتِهِ، وَدُخُولِ الْجَنَّاتِ، وَالنَّجَاةِ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ.

وَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ تَعَالَى يَفْرَحُونَ بِهَذِهِ الْبِشَارَاتِ كُلَّمَا قَرَءُوا الْقُرْآنَ؛ فَيَجِدُونَ فِيهِ ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا﴾ [الْأَحْزَابِ: 47]، ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [الْبَقَرَةِ: 155]، ﴿وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾ [الْحَجِّ: 34]، ﴿وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الْحَجِّ: 37]، فَيَفْرَحُونَ بِتَبْشِيرِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ لِيَقِينِهِمْ بِوَعْدِهِ سُبْحَانَهُ لَهُمْ.

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَوْلِيَائِهِ، وَأَنْ يَتَوَلَّانَا بِعَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَأَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى دِينِهِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبٌ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [الْبَقَرَةِ:281].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ آثَارِ وِلَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ: تَفْرِيجُ الْكُرُبَاتِ، وَالْخُرُوجُ مِنَ الْمَضَايِقِ وَالْأَزَمَاتِ، وَحُسْنُ الِاخْتِيَارِ فِي الْفِتَنِ وَالْمِحَنِ وَالْمُلِمَّاتِ ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ [الطَّلَاقِ: 2]، وَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا إِذَا كَانَ مِنَ الْمُتَّقِينَ، وَتَكُونُ وِلَايَةُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ بِحَسْبِ مَا فِيهِ مِنَ التَّقْوَى.

وَقَدْ تَحَمَّلَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَيْنًا كَثِيرًا، وَحِينَمَا أَحَسَّ بِدُنُوِّ أَجَلِهِ أَمَرَ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَقْضِيَهُ مِنْ عَقَارٍ يَمْلِكُهُ، قَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ: «فَجَعَلَ يُوصِينِي بِدَيْنِهِ، وَيَقُولُ: يَا بُنَيَّ إِنْ عَجَزْتَ عَنْهُ فِي شَيْءٍ، فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَوْلَايَ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا دَرَيْتُ مَا أَرَادَ حَتَّى قُلْتُ: يَا أَبَةِ مَنْ مَوْلَاكَ؟ قَالَ: اللَّهُ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا وَقَعْتُ فِي كُرْبَةٍ مِنْ دَيْنِهِ، إِلَّا قُلْتُ: يَا مَوْلَى الزُّبَيْرِ اقْضِ عَنْهُ دَيْنَهُ، فَيَقْضِيهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَمِنْ آثَارِ وِلَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ: مَا يَنَالُهُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فَإِنَّ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى رَحَمَاتٍ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ يَخْتَصُّونَ بِهَا، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِائَةُ رَحْمَةٍ، وَإِنَّهُ قَسَمَ رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَوَسِعَتْهُمْ إِلَى آجَالِهِمْ، وَذَخَرَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ رَحْمَةً لِأَوْلِيَائِهِ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَابِضٌ تِلْكَ الرَّحْمَةَ الَّتِي قَسَمَهَا بَيْنَ أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَى التِّسْعِ وَالتِّسْعِينَ فَيُكَمِّلُهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ لِأَوْلِيَائِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وَيَنَالُ الْعَبْدُ وِلَايَةَ اللَّهِ تَعَالَى بِتَحْقِيقِ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ أَوْلِيَاءَهُ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يُونُسَ: 63]. فَمَنْ حَقَّقَ كَمَالَ الْإِيمَانِ، وَنَمَّى إِيمَانَهُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَاجْتَنَبَ مَا يَنْقُضُ الْإِيمَانَ وَمَا يُنْقِصُهُ وَيُضْعِفُهُ مِنَ الْكَبَائِرِ وَالْمُوبِقَاتِ، وَسَائِرِ الْمَعَاصِي وَالْمُحَرَّمَاتِ نَالَ وِلَايَةَ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى وَلِيَّهُ، ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ [الْحَجِّ: 78].

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...

 

المرفقات

الله-تعالى-للمؤمنين-2

الله-تعالى-للمؤمنين-2

الله-تعالى-للمؤمنين-2-مشكولة

الله-تعالى-للمؤمنين-2-مشكولة

المشاهدات 1720 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا