حدث تاريخي - عشرة أسئلة في عاشوراء -الشيخ راشد البداح

الفريق العلمي
1439/01/20 - 2017/10/10 07:42AM

9 محرم 1439هـ.

الحمد لله المبتدئِ بحمْد نفسه قبل أن يَحمده حامد. أشهد أن لا إله إلا هو وحده لاشريكه له، الرب الصمد الواحد، الحى القيوم المتكلم بالقرآن، والخالق للإنسان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلى الإنس والجان، فصلى الله وسلم عليه ما اختلف الملوان، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان، أما بعد: فاتقوا ربكم؛ فتقواه خير ما اخترتم وادخرتم.

 

إنه حدث تأريخي في حياة البشرية، ونقطة تحول في المسار، كم كنا نتظره بشوق، فها هو قد تحقق بحمد الله، أتدرون ما هو؟!

إنه يوم عاشوراء، يوم التمكين والانتصار، يوم المغفرة للأوزار، يوم الشكر والإقرار.

ولنتناول الآن لعاشوراء عشرة أسئلة قد تُشكِلُ، ومعها أجوبتها.

 

  1. ما الأفضل في صيام عاشوراء؟

الأفضل أن تتسحر له، وأن تُضيف إليه يوماً قبله أو يوماً بعده، وإضافة التاسع إليه أفضل من الحادي عشر([1]). ومن أحكام عاشوراء أنه لا يُكرَهُ إفرادُه بالصوم([2])ومن صامه بنية القضاء والنفل يرجى أن يحصل له الأجران: أجر عاشوراء وأجر القضاء([3]).

 

  1. لماذا يصوم الصبيان في عاشوراء بالذات؟

لأنه كان واجباً، فنُسخ إيجابه بفرض صيام رمضان. فكان الصحابة يصوِّمون صبيانهم عاشوراء كما يصومون مضان، ولما جيء لعُمَرَ برجل شرب المسكر في نهار رمضان، فقال له عمرُ >: وَيْحَكَ وَصِبْيَانُنَا صِيَامٌ؟! ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ ثَمَانِينَ سَوْطًا.

 

فيستحب حثُّ الصبيان على صيامه لتعويدهم، خاصة وأن الجو معتدل ويوافق إجازة؛

 

فلتصم ولتعزم على صيام يوم كان أطفال الصحابة يصومونه، بل كانت الأمة الكتابية تصومه بل حتى الأمة الجاهلية في شركها. أبَعد هذا نزهد بصيامه أيها الرجال المسلمون؟!

 

قَبْلَ شهرٍ صام المسلمون عرفةَ كفارةً، وغدًا نترقب كفارة أخرى، قَالَ عنها صلى الله عليه وسلم: صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ. رواه مسلم. إنه يوم يكفِّر ما مضى من أيام عامك المنصرم، وأنت قريب عهد بها.

 

  1. كيف يقع تكفير ثلاث سنين كل سنة لمن صام يوم عرفة ويوم عاشوراء؟

الجواب: هذا إشكال قد أحسن الجواب عنه ابن القيم ~ فقال: وأما عملٌ شملته الغفلة أو لأكثره, وفقدَ الإخلاص الذي هو روحه..فأي شيء يكفر هذا؟! وليس الشأن في العمل؛ إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه..)([4]).

 

  1. لماذا نخالف أهل الكتاب في عاشوراء؟

والجواب: في مخالفة النبي@ أهل الكتاب في إفراد عاشوراء بالصوم درس في تميز المسلمين في سلوكهم ومظاهرهم وفي عباداتهم، ففيه شعور بالعزة الإيمانية. وفي مخالفة أهل الكتاب في إفراد عاشوراء بالصوم فضل إضافي، وأجر آخر.

 

  1. أليس اليهود والكفار يعظمون هذا اليوم أيضًا؟!

فيقال: بلى؛ كانت الأمة الكتابية تصومه، بل كانت أمة الوثنية من مشركي العرب يصومونه، ويكسون فيه الكعبة. ولكن نحن أولى من كل أولئك؛ لأنهم قد: {ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} والله قال  عنهم: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}.

 

  1. لماذا نحن أحق بموسى من اليهود؟

الجواب: لأن الأنبياء بعضهم أولى ببعض؛ لاتحادهم في الدين والرسالة، بل إن صيام عاشوراء يدل أن أمتنا أولى بأنبياء الأمم من قومهم الذين كذبوهم، لقوله @: أنتم أحق بموسى منهم. وهذه الأمة يكونون يوم القيامة شهداء على تبليغ الأنبياء دينهم. فاليوم إذاً موسوي ومحمدي معًا.

 

  1. كيف نرد على الرافضة الذين يقيمون مأتمًا في عاشوراء؟

الجواب: من الضلال المبين أن يُقام فيه احتفال بالحزن واللطم لمقتل الحسين ابن علي{، وقد كان أبوه أفضلَ منه، وقُتل في السابع عشر من رمضان، بل مات سيد الخلق r في ربيع الأول، ولم يتخذِ المتَّبعون موتهما مأتماً. قال ابن رجب ~: ولم يأمرِ الله ولا رسولُه باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً، فكيف بمن دونهم؟!

 

  1. غرِق فرعونُ وقومه في عاشوراء، وقصتهم قال الله عنها: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى} فهل اعتبرنا أن عددَهم أكثرُ من مليون، فيا لله العجب! كيف انهزموا؟!

فيقال: المقاييس المادية تقول شيئاً مجزوماً به، ولكن مقياس خالق الخلق والمادية يقول: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} و(اللّه تعالى إذا أراد أمرا هيأ أسبابه، وأتى بها شيئًا فشيئًا ، لا دفعة واحدة..ونصره للمسلمين يتنوع، فقد لا يكون بهزيمتهم، بل أحياناً يكون بكفاية المسلمين شرهم كما حدث في غزوة الخندق.

 

  1. في هذه القصة العجيبة كيف نتعلم من عاشوراء الفأل وانتظار الفرج؟!

فيقال: نتعلمه بأمور؛ أن اللّه يقدر على عبده بعض المشاق، لينيله سرورا أعظم من ذلك، أو يدفع عنه شرا أكثر منه. وأن الأمة المستضعفة، ولو بلغت في الضعف ما بلغت، لا ينبغي لها أن يستولي عليها الكسل عن طلب حقها، ولا الإياس من ارتقائها إلى الأعلى)([5]).

ونتعلم أيضًا أن الابتلاء سنة الله في عباده؛ ليمحصهم(وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ المُنَافِقِينَ) وهذه الأمة تمرض لكنها لا تموت، نسأل الله أن يرد أمتنا إليه رداً جميلاً.

فيا أيها المسلم المحاصر المظلوم المقهور: مهما ضعفت قوتك، ومهما حمل عليك العدو بقاذفاته وقاصفاته، فتذكر أن الله معك، يسمع ويرى، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء: (فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًا).

 

الخطبة الثانية:

 

  1. السؤال العاشر عن عاشوراء: ما فضل صيام شهر محرم؟

والجواب: أن شريعة موسى جاءت بصيام عاشوراء، فجاءت شريعتنا بمخالفتهم؛ بصيام ما قبله وما بعده معه، بل جاءنا رسولنا @ ببشرى أعم وأعظم، فجعل شهر المحرم كله شهرًا للصيام حيث يقول: أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم.

 

  • وسؤال رديف: لماذا نساؤنا أكثر منا صيامًا للنوافل؟

والجواب المشرِّف أن يقال: لأنهن صالحات {قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}. لأنهن اعتدن على الصيام، والخير عادة؛ لأنهن يتذكرن ما عند الله فيؤثرن ما عنده على الحياة الفانية. وفي نسائنا بحمد الله خير كثير، ولسن –كما يتصوره من قلَّ حظه من العلم والعقل- محلاً للأوزار والخطيئات فقط، فلا تهزؤوا بهن، ولا تحقروهن، ولا تنشروا النكت التي تنتقصهن؛ ففيهن بحمد الله –تعالى- الداعية إلى الخير إذا ذكرت الشيطانة الناطقة والساكتة، وفيهن القائمة في الليل للصلاة إذا ذكرت القائمة في الليل للمعاكسات.

 

اللهم لا تخيِّبنا ونحن نرجوك، ولا تعذبنا ونحن ندعوك. اللهم اجعل خير عملنا ما ولي أجلَنا. اللهم إنا نعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك، ونعوذ بك أن نقول زورًا، أو نَغشى فجورًا

 

اللهم لك الحمد على الأمن والإيمان، وإبطال كيد الحوث وأهل حراك، وأهل البغي الإشراك.

 

--------

([1]) الضياء اللامع من الخطب الجوامع لابن عثيمين (4/ 133)

([2]) الاختيارات لابن تيمية.  ص10

([3])لقاءات الباب المفتوح لابن عثيمين (77/ 17)

([4])الوابل الصيب (ص: 15)

([5])  تفسير ابن سعدي (ص 618)

المرفقات

تاريخي-عشرة-أسئلة-في-عاشوراء

تاريخي-عشرة-أسئلة-في-عاشوراء

المشاهدات 2030 | التعليقات 0