رمضان والأمن والاستقرار

رمضان والأمن والِاستقرار
7/9/1438
الْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ؛ فَرَضَ صِيَامَ رَمَضَانَ، وَأَنْزَلَ فِيهِ الْقُرْآنَ، ﴿هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [الْبَقَرَةِ: 185]، نَحْمَدُهُ عَلَى الْهِدَايَةِ لِلدِّينِ الْقَوِيمِ، وَنَشْكُرُهُ لِبُلُوغِ الشَّهْرِ الْكَرِيمِ؛ فَكَمْ تَخَطَّفَتِ الْمَنُونُ مِنْ أَقْوَامٍ كَانُوا يَنْتَظِرُونَهُ وَمَا بَلَغُوهُ، فَهُمْ تَحْتَ أَطْبَاقِ الثَّرَى يُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ جَعَلَ فِي طَاعَتِهِ سُبْحَانَهُ أَمْنًا لِلْقُلُوبِ، وَسَكِينَةً لِلنُّفُوسِ، وَانْشِرَاحًا لِلصُّدُورِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ بَلَّغَ دِينًا يُحَقِّقُ الْأَمْنَ وَالِاسْتِقْرَارَ، وَتُدْفَعُ بِهِ الشُّرُورُ وَالْأَخْطَارُ، فَمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ أَمِنَ قَلْبُهُ وَلَوْ مُزِّقَ جَسَدُهُ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ لَمْ يَأْمَنْ وَلَوْ ذَلَّ الْبَشَرُ لِسَطْوَتِهِ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الْأَنْعَامِ: 82] صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَحْسِنُوا صِيَامَكُمْ وَقِيَامَكُمْ، وَاحْفَظُوا أَوْقَاتَكُمْ مِنَ الضَّيَاعِ، وَصُونُوا جَوَارِحَكُمْ عَنِ الْحَرَامِ، وَأَمْسِكُوا أَلْسِنَتَكُمْ عَنِ الْقِيلِ وَالْقَالِ، وَاشْتَغِلُوا بِالذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ وَالْقُرْآنِ؛ فَإِنَّ رَمَضَانَ يَمْضِي وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ بِسُرْعَةِ مُرُورِهِ، فَتَزَوَّدُوا مِنْهُ مَا يَكُونُ ذُخْرًا لَكُمْ يَوْمَ مَوْتِكُمْ وَحِسَابِكُمْ؛ فَإِنَّهُ لَا يَهْلَكُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا هَالِكٌ.
أَيُّهَا النَّاسُ: الْأَمْنُ وَالرِّزْقُ مَطْلَبَانِ مُهِمَّانِ لِكُلِّ النَّاسِ، فَلَا يَهْنَأُ عَيْشٌ إِلَّا بِأَمْنٍ وَرِزْقٍ؛ فَالْفَقْرُ هَمٌّ، وَالْخَوْفُ كَرْبٌ، وَأَيُّ كَرْبٍ!! وَلِذَا قُرِنَ الْأَمْنُ بِالرِّزْقِ فِي آيَاتِ الْقُرْآنِ ﴿وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ [الْبَقَرَةِ: 36]، ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ﴾ [الْأَعْرَافِ: 10]، وَلَا تَمْكِينَ بِلَا أَمْنٍ، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الْقَصَصِ: 57]، وَفِي ذَلِكَ آيَاتٌ أُخْرَى كَثِيرَةٌ.
وَرَمَضَانُ شَهْرُ إِيمَانٍ وَعِبَادَةٍ وَتَقْوَى. وَالْأَمْنُ وَالرِّزْقُ مُرْتَهَنَانِ بِتَحْقِيقِ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الْأَعْرَافِ: 96].
وَالْأَمْنُ أَمْنَانِ: أَمْنٌ فِي الدُّنْيَا، وَأَمْنٌ فِي الْآخِرَةِ، وَرَمَضَانُ مُحَقِّقٌ لَهُمَا إِذَا عَمِلَ الْعِبَادُ فِيهِ بِمَا يُرْضِي اللَّهَ تَعَالَى. بَلْ إِنَّ رَمَضَانَ يَبْدَأُ بِالْأَمْنِ مِنْ شَرِّ الشَّيَاطِينِ، وَبِالْأَمْنِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ: أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ: أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ».
وَمِمَّا يَتَحَقَّقُ فِي رَمَضَانَ مِنْ أَمْنِ الْمُجْتَمَعَاتِ: أَنَّ فِي الصِّيَامِ كَبْحًا لِجِمَاحِ النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ، وَهُوَ أَهَمُّ مِنْ ضَبْطِ النَّاسِ بِالنُّظُمِ وَالْقَوَانِينِ وَالْعُقُوبَاتِ؛ وَلَوْ أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ ضَبَطَ نَفْسَهُ فَلَمْ يَجْهَلْ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ لَقُضِيَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْخُصُومَاتِ الَّتِي تُسْفَكُ فِيهَا الدِّمَاءُ، وَتَكْثُرُ فِيهَا الْجِرَاحُ، وَيَتَهَاجَرُ بِسَبَبِهَا النَّاسُ وَيَتَبَاغَضُونَ. بَلِ الصِّيَامُ يُرَبِّي الصَّائِمَ عَلَى تَخْفِيفِ جَهْلِ الْجَاهِلِ، وَامْتِصَاصِ غَضَبِ الْغَضُوبِ. وَلَوْ كَظَمَ كُلُّ وَاحِدٍ غَيْظَهُ، وَمَلَكَ تَصَرُّفَاتِهِ حَالَ غَضَبِهِ لَمَا كَانَ فِي النَّاسِ قَتِيلُ غَضَبٍ، وَجَرِيحُ غَضَبٍ، وَمُطَلَّقَةٌ طُلِّقَتْ فِي حَالِ غَضَبٍ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصِّيَامَ يُهَذِّبُ النَّفْسَ، وَيُزِيلُ جَهْلَهَا وَحُمْقَهَا، وَيُسَكِّنُ غَضَبَهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ: «لَا تُسَابَّ وَأَنْتَ صَائِمٌ، وَإِنْ سَابَّكَ أَحَدٌ فَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، وَإِنْ كُنْتَ قَائِمًا فَاجْلِسْ».
وَكَثِيرٌ مِنَ الْجَرَائِمِ الَّتِي تُخِلُّ بِالْأَمْنِ سَبَبُهَا الشَّهْوَةُ وَنَشْرُ الْفَوَاحِشِ وَمُقَدَّمَاتِهَا، وَالصِّيَامُ يُضْعِفُ الشَّهْوَةَ؛ وَلِذَا وَصَّى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَئُونَةِ النِّكَاحِ؛ كَمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ». أَيْ: وِقَايَةٌ. فَإِذَا وُقِيَ الْعَبْدُ بِالصِّيَامِ مِنِ اتِّبَاعِ هَوَاهُ، وَالِانْسِيَاقِ لِشَهْوَتِهِ؛ أَمِنَ النَّاسُ شَرَّهُ، فَحُفِظَتِ الْأَعْرَاضُ، وَتَنَزَّهَتِ الْمُجْتَمَعَاتُ عَنِ الرَّذَائِلِ، وَانْتَشَرَتْ فِيهَا الْفَضَائِلُ.
وَالذُّنُوبُ سَبَبٌ لِلْعُقُوبَاتِ الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ، وَالصَّوْمُ مُكَفِّرٌ لِلذُّنُوبِ، فَإِذَا كُفِّرَتْ ذُنُوبُ الْعِبَادِ ارْتَفَعَتْ مُوجِبَاتُ الْعَذَابِ، فَسَلِمَ النَّاسُ وَأَمِنُوا، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَصِيَامُ رَمَضَانَ وَقِيَامُهُ سَبَبَانِ لِلْمَغْفِرَةِ، وَإِذَا غُفِرَتْ ذُنُوبُ الْعِبَادِ أَمِنُوا عُقُوبَاتِ الدُّنْيَا، وَأَمِنُوا عَذَابَ الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ الذُّنُوبَ أَسْبَابٌ لِلْعُقُوبَاتِ وَالْعَذَابِ، فَيُرْفَعُ بِصِيَامِ رَمَضَانَ وَقِيَامِهِ عَذَابٌ كَثِيرٌ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَ «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَفِي عَشْرِ رَمَضَانَ الْأَخِيرَةِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَهِيَ لَيْلَةُ أَمْنٍ لِلْعِبَادِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي وَصْفِهَا: ﴿سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ [الْقَدْرِ: 5] فَتَكْثُرُ السَّلَامَةُ فِيهَا بِمَا يَقُومُ بِهِ الْعِبَادُ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَتُكْتَبُ الْمَقَادِيرُ فِيهَا وَهُمْ قِيَامٌ رُكَّعٌ سُجَّدٌ، يَرْجُونَ عَفْوَ رَبِّهِمْ، وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ، وَيُحْسِنُونَ الظَّنَّ بِهِ سُبْحَانَهُ، فَحَرِيٌّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ فَيَأْمَنُوا.
وَدُعَاءُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ دُعَاءٌ يَجْلِبُ الْأَمْنَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ لِأَنَّهُ طَلَبٌ لِلْعَفْوِ، وَإِذَا عُفِيَ عَنِ النَّاسِ اسْتَتَبَّ أَمْنُهُمْ، وَزَالَ خَوْفُهُمْ، وَتَنَاءَتِ الْأَخْطَارُ عَنْهُمْ، وَبِبَرَكَتِهَا وَخَيْرِهَا يَنْجُونَ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيَّ لَيْلَةٍ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: قُولِي: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
فَهُوَ دُعَاءٌ مُبَارَكٌ يَتَحَقَّقُ بِهِ الْأَمْنُ الشَّامِلُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَرَمَضَانُ سَبَبٌ لِلْأَمْنِ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ فِيهِ حَرِيٌّ بِالْإِجَابَةِ، وَتَكْثُرُ دَعَوَاتُ الْمُصَلِّينَ بِمَا يُحَقِّقُ الْأَمْنَ لَهُمْ، وَيُبْعِدُ الْأَخْطَارَ وَالْخَوْفَ عَنْهُمْ. وَكَذَلِكَ يَكْثُرُ فِي رَمَضَانَ الْعِتْقُ مِنَ النَّارِ، وَأَخْوَفُ مَا يَخَافُ الْمُؤْمِنُونَ غَضَبُ الْجَبَّارِ سُبْحَانَهُ وَدُخُولُ النَّارِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلَّهِ عُتَقَاءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَبِهَذَا نَعْلَمُ أَنَّ رَمَضَانَ مُحَقِّقٌ لِلْأَمْنِ مَتَى مَا عَمِلَ فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ بِمَا يُرْضِي رَبَّهُمْ سُبْحَانَهُ، وَاجْتَنَبُوا مُوجِبَاتِ سَخَطِهِ، وَحَفِظُوا صِيَامَهُمْ مِمَّا يُفْسِدُهُ وَيَخْرِقُهُ مِنْ مَجَالِسِ الزُّورِ وَالْبَاطِلِ، وَمَا يُعْرَضُ فِي الشَّاشَاتِ مِنَ الْمُوبِقَاتِ الَّتِي تُوبِقُ مَنْ يَسْتَسْلِمُ لَهَا، وَيَتَلَذَّذُ بِهَا.
نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَقْبَلَ مِنَّا وَمِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَحْفَظَنَا مِنْ مُوجِبَاتِ غَضَبِهِ، وَأَسْبَابِ عَذَابِهِ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ. إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَعَظِّمُوا هَذَا الشَّهْرَ الْكَرِيمَ، وَضَاعِفُوا فِيهِ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ؛ فَإِنَّهُ مَوْسِمٌ مِنْ مَوَاسِمِ اللَّهِ تَعَالَى.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِمَّا يُحَقِّقُهُ الصَّوْمُ مِنَ الْأَمْنِ فِي الْآخِرَةِ: اخْتِصَاصُ أَهْلِهِ بِبَابٍ فِي الْجَنَّةِ يُسَمَّى بَابَ الرَّيَّانِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «... وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَفِي لَفْظٍ لِلتِّرْمِذِيِّ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَبَابًا يُدْعَى الرَّيَّانَ، يُدْعَى لَهُ الصَّائِمُونَ، فَمَنْ كَانَ مِنَ الصَّائِمِينَ دَخَلَهُ، وَمَنْ دَخَلَهُ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا».
وَمِمَّا يَتَحَقَّقُ مِنَ الْأَمْنِ فِي رَمَضَانَ: مَا يَقُومُ بِهِ الْعِبَادُ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ؛ كَتَفْطِيرِ الصَّائِمِينَ، وَسَقْيِ الْعَطْشَانِينَ، وَإِطْعَامِ الْجَائِعِينَ، وَعَوْنِ الْمُحْتَاجِينَ. وَفِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ الْمَنْكُوبَةِ جَوْعَى وَمُشَرَّدُونَ، شَرَّدَتْهُمْ قُوَى الطُّغْيَانِ الْجَائِرَةُ، وَالْعِصَابَاتُ الصَّفَوِيَّةُ الْمُجْرِمَةُ فِي الْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَالْيَمَنِ. شُعُوبٌ بِأَكْمَلِهَا تُهَجَّرُ مِنْ دِيَارِهَا، وَتُؤْذَى فِي دِينِهَا، وَتُمْنَعُ عَنْهَا ضَرُورَاتُ الْحَيَاةِ، لِتَحْقِيقِ أَهْدَافٍ اسْتِعْمَارِيَّةٍ قَبِيحَةٍ، وَأَطْمَاعٍ صَفَوِيَّةٍ طَمُوحَةٍ، يُؤْذَى فِيهَا الْمُسْلِمُونَ فِي أَقْطَارٍ شَتَّى. فَحَرِيُّ بِأَهْلِ الْإِيمَانِ وَهُمْ يَعِيشُونَ أَمْنًا وَرَغَدًا مِنَ الْعَيْشِ أَنْ يَشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، وَأَنْ يَمُدُّوا يَدَ الْعَوْنِ لِإِخْوَانِهِمْ، وَيَخُصُّوهُمْ فِي هَذَا الشَّهْرِ بِدَعَوَاتِهِمْ؛ فَإِنَّ دُعَاءَهُمْ مَرْجُوُّ الْإِجَابَةِ. وَبَلَدُنَا بِحَمْدِ اللَّهِ بَلَدٌ مِعْطَاءٌ، وَمَا عَوَّدَنَا أُنَاسُهُ إِلَّا أَنَّهُمْ أَسْخِيَاءُ فِي الْخَيْرِ، تَمْتَدُّ أَيْدِيهِمْ إِلَى الضُّعَفَاءِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، فَلْنَكُنْ -عِبَادَ اللَّهِ- فِي هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ كَمَا يَظُنُّ بِنَا إِخْوَانُنَا بَذْلًا وَعَطَاءً، وَمُوَاسَاةً وَإِطْعَامًا، وَلْنَحْفَظْ أَمْنَنَا بِاجْتِمَاعِ قُلُوبِنَا عَلَى دِينِنَا، وَالتَّمَسُّكِ بِهِ وَعَدَمِ تَفْرِقَتِهِ، فَمَا اخْتَلَفَ قَوْمٌ إِلَّا بَعْدَ أَنْ فَرَّقُوا دَيْنَهُمْ فَتَفَرَّقُوا وَكَانُوا شِيَعًا وَأَحْزَابًا.
نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَحْفَظَنَا وَالْمُسْلِمِينَ بِحِفْظِهِ، وَأَنْ يُبْعِدَنَا عَنْ مُوجِبَاتِ سَخَطِهِ، وَأَنْ يَدْرَأَ عَنَّا شَرَّ مَا نَخَافُ وَنُحَاذِرُ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
المرفقات

رمضان والأمن والاستقرار مشكولة.doc

رمضان والأمن والاستقرار مشكولة.doc

رمضان والأمن والاستقرار.doc

رمضان والأمن والاستقرار.doc

المشاهدات 1614 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا