حديث: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا

من هدايات السنة النبوية (17)
المؤمن للمؤمن كالبنيان
2/8/1438هـ
الْحَمْدُ لِهََِح الْخَلَّاقِ الْعَلِيمِ؛ خَلَقَ الْقُلُوبَ وَقَلَّبَهَا، وَيَعْلَمُ سِرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا، لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا وَاجْتَبَانَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَوْلَانَا وَأَعْطَانَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ جَعَلَ رَابِطَةَ الْإِيمَانِ أَعْظَمَ الرَّوَابِطِ وَأَقْوَاهَا وَأَبْقَاهَا ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ [الزُّخْرُفِ: 67] وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَمَحَاسِنَ النُّطْقِ وَالْوَصْفِ، فَكَانَتْ كَلِمَاتُهُ وَجُمَلُهُ تُعَدُّ، وَكَانَتْ مَعَانِيهَا وَفَوَائِدُهَا لَا تُحَدُّ، وَكَانَ الْعُلَمَاءُ وَلَا زَالُوا يَغْتَرِفُونَ مِنْ حَدِيثِهِ عِلْمًا غَزِيرًا، وَنَفْعًا عَظِيمًا، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَالْتَزِمُوا دِينَهُ، فَعَظِّمُوا أَمْرَهُ، وَاجْتَنِبُوا نَهْيَهُ؛ فَإِنَّ الْجَزَاءَ عَلَيْهِ عَظِيمٌ، وَفِي الْإِعْرَاضِ عَنْهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا﴾ [طه: 99 - 101].
أَيُّهَا النَّاسُ: الِاهْتِدَاءُ بِالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ سَبِيلُ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ، وَالْإِعْرَاضُ عَنْهَا أَوْ رَدُّهَا طَرِيقُ أَهْلِ النِّفَاقِ وَالزَّيْغِ؛ لِأَنَّهَا مِنَ الْوَحْيِ ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النَّجْمِ: 3- 4] وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ».
وَفِي حَدِيثٍ نَبَوِيٍّ عَظِيمٍ يُبَيِّنُ لَنَا أَنَّ مَا تَعِيشُهُ الْأُمَّةُ الْمُسْلِمَةُ مِنْ تَفَرُّقٍ وَاخْتِلَافٍ، وَضَعْفٍ وَهَوَانٍ، وَتَخَلُّفٍ وَانْحِطَاطٍ؛ إِنَّمَا كَانَ بِسَبَبِ مُخَالَفَةِ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاجْتِمَاعِ عَلَى الدِّينِ، وَأَخْذِهِ كُلِّهِ بِقُوَّةٍ وَيَقِينٍ، وَعَدَمِ تَفْرِقَتِهِ بِأَخْذِ بَعْضِهِ وَتَرْكِ بَعْضِهِ؛ فَإِنَّ تَفْرِقَةَ الدِّينِ سَبَبٌ لِتَفَرُّقِ الْقُلُوبِ وَاخْتِلَافِهَا، وَتَبَاغُضِ الْمُجْتَمَعَاتِ وَتَنَاحُرِهَا، حِينَ يَرْكَبُونَ أَهْوَاءَهُمْ، وَيَتْرُكُونَ شَرِيعَةَ رَبِّهِمْ ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ [الْأَنْعَامِ: 159] وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشُّورَى: 13].
وَهَذَا حَدِيثٌ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ، وَفِيهِ بَرَاعَةٌ فِي التَّشْبِيهِ، فَمَنْ فَهِمَهُ حَقَّ الْفَهْمِ عَلِمَ دَاءَ الْأُمَّةِ الْعُضَالَ، وَأَدْرَكَ سَبَبَ شِفَائِهَا مِنْهُ. ذَلِكُمْ هُوَ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَشْبِيهٌ قَوْلِيٌّ وَتَشْبِيهٌ فِعْلِيٌّ؛ فَشَبَّهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ بِالْبُنْيَانِ، ثُمَّ أَتْبَعَ التَّشْبِيهَ الْقَوْلِيَّ بِتَشْبِيكِ أَصَابِعِهِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَ التَّشْبِيهَيْنِ الْقُوَّةُ وَالْمَتَانَةُ وَالصَّلَابَةُ.
وَيُفْهَمُ مِنْ تَشْبِيكِهِ أَصَابِعَهُ: أَنَّ تَعَاضُدَ الْمُؤْمِنِينَ بَيْنَهُمْ كَتَشْبِيكِ الْأَصَابِعِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ، فَكَمَا أَنَّ أَصَابِعَ الْيَدَيْنِ مُتَعَدِّدَةٌ فَهِيَ تَرْجِعُ إِلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ وَجَسَدٍ وَاحِدٍ، فَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ أَشْخَاصُهُمْ فَهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ، وَتَجْمَعُهُمْ أُخُوَّةُ النَّسَبِ إِلَى آدَمَ وَنُوحٍ، وَأُخُوَّةُ الْإِيمَانِ.
وَأَمَّا التَّشْبِيهُ بِالْبُنْيَانِ فَهُوَ مِنْ أَبْلَغِ التَّشْبِيهِ؛ ذَلِكَ أَنَّ اللَّبِنَةَ الْوَاحِدَةَ يُمْكِنُ هَشْمُهَا وَنَثْرُهَا، وَكَذَلِكَ الْحَصَاةُ الْوَاحِدَةُ يُمْكِنُ كَسْرُهَا، وَالْجِدَارُ الْوَاحِدُ يُمْكِنُ إِسْقَاطُهُ. فَإِذَا وُضِعَتِ اللَّبِنَاتُ وَالْحَصَى بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ وَتَشَابَكَتْ قَوِيَتْ وَاشْتَدَّتْ، وَإِذَا تَشَابَكَتِ الْجُدُرُ طُولًا وَعَرْضًا تَمَّ الْبِنَاءُ، وَصَارَ مُحْكَمًا قَوِيًّا يَعْسُرُ هَدْمُهُ أَوْ إِسْقَاطُهُ.
فَهَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرُهُ الْإِخْبَارُ بِحَالِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ بِأَنْ يَكُونُوا كَالْبُنْيَانِ فِي تَعَاضُدِهِمْ، وَهُوَ تَحْرِيضٌ عَلَى التَّعَاوُنِ.
وَفِي أَحَادِيثَ أُخْرَى شُبِّهَ تَلَاحُمُ الْمُؤْمِنِينَ وَتَعَاضُدُهُمْ وَتَنَاصُرُهُمْ بِالْجَسَدِ الْوَاحِدِ كَمَا فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «الْمُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِنِ اشْتَكَى عَيْنُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ، وَإِنِ اشْتَكَى رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ» وَفِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ؛ يَأْلَمُ الْمُؤْمِنُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ كَمَا يَأْلَمُ الْجَسَدُ لِمَا فِي الرَّأْسِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَمُقْتَضَى كَوْنِ الْمُؤْمِنِينَ كَالْبُنْيَانِ الْوَاحِدِ، وَكَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ، أَنْ يَتَنَاصَرُوا وَيَتَعَاضَدُوا وَيَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَيَتَنَاهَوْا عَنِ الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَيَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ، وَيَتَنَاصَحُوا فِي اللَّهِ تَعَالَى.
أَمَّا فِي جَانِبِ النُّصْرَةِ: فَالْقُرْآنُ دَالٌّ عَلَيْهَا، آمِرٌ بِهَا، مُرَغِّبٌ فِيهَا ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾ [الْأَنْفَالِ: 72] ﴿وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ [الْأَنْفَالِ: 74]. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَدْ ضَعُفَتْ نُصْرَةُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي هَذَا الزَّمَنِ بِسَبَبِ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ الَّذِي سَبَبُهُ تَفْرِقَةُ الدِّينِ، وَارْتِكَابُ الْمُحَرَّمَاتِ، وَالتَّقْصِيرُ فِي الطَّاعَاتِ، فَغَلَّ الْأَعْدَاءُ أَيْدِيَهُمْ عَنْ نُصْرَةِ إِخْوَانِهِمْ.
وَأَمَّا فِي جَانِبِ تَعَاضُدِهِمْ وَتَعَاوُنِهِمْ: فَفِيهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [الْمَائِدَةِ: 2] وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ؛ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ ...» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ، وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: «أَيْ: يَمْنَعُ تَلَفَهُ وَخُسْرَانَهُ».
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ...» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَكُلُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَدُلُّ عَلَى التَّعَاضُدِ وَالتَّعَاوُنِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَسْنُدَ قَوِيُّهُمْ ضَعِيفَهُمْ، وَغَنِيُّهُمْ فَقِيرَهُمْ، وَأَنْ يَقِفَ الْمُعَافَوْنَ مِنْهُمْ مَعَ مَنِ ابْتُلُوا بِتَسَلُّطِ أَعْدَائِهِمْ عَلَيْهِمْ.
وَأَمَّا فِي جَانِبِ تَنَاصُحِهِمْ وَتَوَاصِيهِمْ: فَفِيهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [الْعَصْرِ: 3] وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ [الْبَلَدِ: 17] وَفِي حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ... وَذَكَرَ مِنْهَا: وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَحَرِيٌّ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يُحَقِّقَ الْأُخُوَّةَ الْإِيمَانِيَّةَ، وَمَا تَقْتَضِيهِ مِنَ الْحُقُوقِ وَالْوَاجِبَاتِ؛ فَيَفْرَحَ لِفَرَحِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَحْزَنَ لِحُزْنِهِمْ، وَيَأْلَمَ لِآلَامِهِمْ، وَيَهْتَمَّ لِهُمُومِهِمْ، وَلَا يَكُونُ هَمُّهُ أَنْ يَعِيشَ لِنَفْسِهِ؛ فَإِنَّ أُخُوَّةَ الْإِيمَانِ لَا تَنْقَطِعُ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [التَّوْبَةِ: 71].
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ...
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَحَقِّقُوا أُخُوَّةَ الْإِيمَانِ؛ فَإِنَّهَا تَعْلُو أُخُوَّةَ النَّسَبِ وَالْعَشِيرَةِ وَالْقَبِيلَةِ وَالْوَطَنِ ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الْحُجُرَاتِ: 10].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: حَدِيثُ تَمْثِيلِ الْمُؤْمِنِ لِلْمُؤْمِنِ بِالْبُنْيَانِ الْمُتَمَاسِكِ يَنْبَغِي أَنْ يَعِيَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَيَعْمَلَ بِهِ؛ لِيَكُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ قُوَّةٌ وَمَنَعَةٌ؛ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَقْوَى بِأُخُوَّةِ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ، وَتَنْتَفِي غُرْبَتُهُ، وَتَزُولُ وَحْشَتُهُ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ تَعْلِيقًا عَلَى الْحَدِيثِ: هَذَا تَمْثِيلٌ يُفِيدُ الْحَضَّ عَلَى مُعَاوَنَةِ الْمُؤْمِنِ لِلْمُؤْمِنِ وَنُصْرَتِهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ مُتَأَكِّدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ؛ فَإِنَّ الْبِنَاءَ لَا يَتِمُّ وَلَا تَحْصُلُ فَائِدَتُهُ إِلَّا بِأَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ يُمْسِكُ بَعْضًا وَيُقَوِّيهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ انْحَلَّتْ أَجْزَاؤُهُ، وَخَرِبَ بِنَاؤُهُ، وَكَذَا الْمُؤْمِنُ لَا يَشْتَغِلُ بِأَمْرِ دُنْيَاهُ وَدِينِهِ إِلَّا بِمُعَاوَنَةِ أَخِيهِ وَمُعَاضَدَتِهِ وَمُنَاصَرَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَجَزَ عَنِ الْقِيَامِ بِكُلِّ مَصَالِحِهِ، وَعَنْ مُقَاوَمَةِ مَضَادِّهِ فَحِينَئِذٍ لَا يَتِمُّ لَهُ نِظَامُ دُنْيَا وَلَا دِينٍ، وَيَلْحَقُ بِالْهَالِكِينَ.
وَفِي عَصْرِنَا هَذَا تَكَالَبَتْ أُمَمُ الْكُفْرِ وَكَتَائِبُ النِّفَاقِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، تَنْتَقِصُ أَرْضَهُمْ، وَتَنْتَهِكُ عِرْضَهُمْ، وَتَمْنَعُهُمْ حَقَّهُمْ، وَتَنَالُ مِنْ سِيَادَتِهِمْ، وَتَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ دِينِهِمْ. وَمَذَابِحُ الْمُسْلِمِينَ فِي بُورْمَا وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَالْيَمَنِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ الْمَنْكُوبَةِ تُنْقَلُ إِلَيْنَا كُلَّ يَوْمٍ. فَيَجِبُ نُصْرَةُ أُولَئِكَ الْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَا يُسْتَطَاعُ مِنَ النُّصْرَةِ، وَخَاصَةً الدُّعَاءَ؛ فَإِنَّ لَهُ أَثَرًا عَظِيمًا فِي كَفِّ الْأَعْدَاءِ وَنُصْرَةِ الْمُسْتَضْعَفِينَ.
لَقَدْ سُلِّطَتِ الْأُمَّةُ الْبَاطِنِيَّةُ بِعَصَبِيَّتِهَا الْعِرْقِيَّةِ، وَمَشْرُوعَاتِهَا التَّوَسُّعِيَّةِ، عَلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ تَنْتَقِصُ أَجْزَاءَهَا، وَتَعِيثُ فَسَادًا فِي أَرْضِهَا، وَتَنْتَهِكُ عِرْضَهَا، وَتُهِينُ كِرَامَ رِجَالِهَا، وَتُدَنِّسُ مُقَدَّسَاتِهَا... يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَيُعِينُهُمُ الْكَارِهُونَ لِأَهْلِ السُّنَّةِ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ، وَذَوِي الْحُظُوظِ الدُّنْيَوِيَّةِ.
وَأَفْعَالُ الْحُوثِيِّينَ فِي الْيَمَنِ لَيْسَتْ تَخْفَى عَلَى بَصِيرٍ؛ فَإِنَّهُمْ أَحَلُّوا الْفَوْضَى فِيهَا، وَسَلَبُوا أَمْنَهَا وَرِزْقَهَا حَتَّى خَافَ أَهْلُ الْيَمَنِ وَجَاعُوا، وَهُمْ يَسْتَغِيثُونَ الْمُسْلِمِينَ فِي عَدَنَ وَمَا حَوْلَهَا يَشْتَكُونَ شِدَّةَ الْحَرِّ وَالْعَطَشِ، مِمَّا يُنْذِرُ بِكَوَارِثَ مُتَوَقَّعَةٍ لِلْعُزَّلِ وَالْمَسَاكِينِ إِنْ لَمْ يُغَاثُوا.
نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَنْصُرَ جُنُودَنَا الْمُرَابِطِينَ فِي الْيَمَنِ وَعَلَى الْحُدُودِ الْجَنُوبِيَّةِ عَلَى الْحُوثِيِّينَ وَالِانْقِلَابِيِّينَ، وَأَنْ يُخَلِّصَ أَهْلَ الْيَمَنِ مِنْ شَرِّهِمْ. إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...


المرفقات

من هدايات السنة النبوية 17 مشكولة.doc

من هدايات السنة النبوية 17 مشكولة.doc

من هدايات السنة النبوية 17.doc

من هدايات السنة النبوية 17.doc

المشاهدات 3066 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا


غفر الله لك وفتح لك أبواب رحمته .