فتنة بني إسرائيل بالعجل

الكليم عليه السلام (7)
فتنة بني إسرائيل بالعجل
17/7/1438هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا، وَ ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الْفُرْقَانِ: 1- 2] نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا وَاجْتَبَانَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا حَبَانَا وَأَعْطَانَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ﴿أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يُوسُفَ: 40] وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ كَثِيرًا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُنَا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى يُصْبِحَ، لَا يَقُومُ فِيهَا إِلَّا إِلَى عُظْمِ صَلَاةٍ» صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاعْتَبِرُوا بِمَا قَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْكُمْ مِنْ أَخْبَارِ مَنْ كَانُوا قَبْلَكُمْ؛ فَفِي ذَلِكَ أَعْظَمُ عِظَةٍ وَعِبْرَةٍ ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [هُودٍ: 120] وَأُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ أَنْ يَقُصَّ الْقَصَصَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ لِيَعْتَبِرُوا بِهَا ﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الْأَعْرَافِ: 176].
أَيُّهَا النَّاسُ: مِنْ قَصَصِ الْقُرْآنِ الَّتِي كُرِّرَتْ كَثِيرًا قِصَّةُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ فِرْعَوْنَ، ثُمَّ قَصَصُهُ مَعَ قَوْمِهِ وَمُعَالَجَتُهُ لِانْحِرَافَاتِهِمْ وَتَعَنُّتِهِمْ. وَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ أَشْبَهُ الْأُمَمِ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ؛ وَلِذَا فَإِنَّ مَا قَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَخْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِيهِ غَايَةُ النَّفْعِ لَنَا إِنْ نَحْنُ أَحْسَنَّا التَّلَقِّيَ عَنْ كِتَابِ رَبِّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَوَعَيْنَا مَا فِي أَخْبَارِهِ وَقَصَصِهِ مِنْ عِبَرٍ وَعِظَاتٍ.
وَمِنْ أَخْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ لَمَّا فَارَقَهُمْ لِمُنَاجَاةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَخْذِ التَّوْرَاةِ الْمُنَزَّلَةِ؛ أَحْدَثَ قَوْمُهُ بَعْدَهُ حَدَثًا عَظِيمًا فَعَبَدُوا الْعِجْلَ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا حَادِثَةَ عِبَادَتِهِمْ لِلْعِجْلِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ الْكَرِيمِ فِي سُورَتَيِ «الْأَعْرَافِ» وَ «طه». وَذَكَرَهَا فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى عَلَى وَجْهِ الذَّمِّ لَهُمْ بِمَا فَعَلُوا؛ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَهَمِّيَّةِ هَذِهِ الْحَادِثَةِ، وَمَا فِي ذِكْرِهَا وَتَكْرَارِهَا مِنْ مَنَافِعَ لِقُرَّاءِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.
لَقَدْ سَارَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِمِيقَاتِ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى قَوْمِهِ أَخَاهُ هَارُونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ﴿وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الْأَعْرَافِ: 142] وَلَكِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَبَدُوا الْعِجْلَ فِي غَيْبَةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ﴿وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ﴾ [الْأَعْرَافِ: 148].
وَفِي سُورَةِ «طه» تَفْصِيلٌ لِهَذَا الْفِعْلِ مِنْهُمْ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا نَاجَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ سَأَلَهُ وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ﴿وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى﴾ [طه: 83]. أَيْ: لِمَاذَا عَجَّلْتَ بِالْمَجِيءِ دُونَ قَوْمِكَ، وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدِ اشْتَاقَ لِمُنَاجَاةِ اللَّهِ تَعَالَى فَعَجَّلَ بِمَجِيئِهِ لِلْمِيقَاتِ، فَأَجَابَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ﴿قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾[طه: 84]. فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا وَقَعُوا فِيهِ مِنَ الْفِتْنَةِ بِالْعِجْلِ ﴿قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ﴾ [طه: 85]. وَالسَّامِرِيُّ رَجُلٌ ضَالٌّ مُضِلٌّ كَانَ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَدِ اسْتَهْوَاهُ الشَّيْطَانُ فَأَضَلَّهُ وَأَضَلَّ بِهِ، فَخَدَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَزَيَّنَ لَهُمْ عِبَادَةَ الْعِجْلِ فَعَبَدُوهُ، وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ شَدِيدَ الْغَيْرَةِ عَلَى دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، يَغْضَبُ أَشَدَّ الْغَضَبِ إِذَا انْتُهِكَتْ مَحَارِمُهُ سُبْحَانَهُ ﴿فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي﴾ [طه: 86]. وَعَدَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِنُزُولِ التَّوْرَاةِ كِتَابًا لَهُمْ، وَبِدُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ إِنْ هُمْ حَافَظُوا عَلَى إِيمَانِهِمْ، لَكِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَصْبِرُوا، فَنَقَضُوا عَهْدَهُمْ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ غَيْبَةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَعَبَدُوا الْعِجْلَ.
ثُمَّ أَجَابُوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى عِتَابِهِ لَهُمْ بِأَنَّ مَا فَعَلُوهُ مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ كَانَ خَارِجًا عَنْ إِرَادَتِهِمْ، وَأَنَّ السَّامِرِيَّ خَدَعَهُمْ، وَاسْتَغَلَّ تَحَرُّجَهُمْ مِمَّا حُمِّلُوا مِنْ حُلِيٍّ وَمَتَاعٍ اسْتَعَارُوهُ مِنَ الْقِبْطِ قَبْلَ فِرَارِهِمْ مِنْ فِرْعَوْنَ وَجُنْدِهِ، وَبَقِيَ مَعَهُمْ لَا يَدْرُونَ مَا يَفْعَلُونَ بِهِ، فَأَمَرَهُمُ السَّامِرِيُّ بِقَذْفِهِ تَخَلُّصًا مِنْهُ، فَصَنَعَ لَهُمْ مِنْهُ عِجْلًا، وَفَتَنَهُمْ بِهِ ﴿قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ * فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ﴾[طه: 87-88]. فَزَعَمَ الْخَبِيثُ الْمُخَادِعُ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّ هَذَا الْعِجْلَ هُوَ إِلَهُهُمْ وَإِلَهُ مُوسَى، وَأَنَّ مُوسَى نَسِيَ أَنْ يَأْخُذَهُ مَعَهُ، فَصَدَّقَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ؛ لِخِفَّةِ أَحْلَامِهِمْ، وَضَحَالَةِ أَفْكَارِهِمْ؛ وَلِذَا عَاتَبَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ: ﴿أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا﴾[طه: 89].
وَكَانَ هَارُونُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُسْتَخْلَفًا عَلَيْهِمْ، فَاجْتَهَدَ فِي رَدِّهِمْ عَنْ غَيِّهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يُطِيعُوهُ. فَعَاتَبَ مُوسَى هَارُونَ أَشَدَّ الْعِتَابِ عَلَى عَدَمِ رَدْعِهِمْ، وَتَوَانِيهِ فِي تَحْطِيمِ عِجْلِهِمْ ﴿وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى * قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي * قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾[طه: 90-94]. وَخَاطَبَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمُفْسِدَ الَّذِي أَضَلَّ قَوْمَهُ ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾[طه: 95-96]. يَعْنِي: أَنَّهُ قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ مِنْ أَثَرِ حَافِرِ خَيْلِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا كَلَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِإِغْرَاقِ فِرْعَوْنَ، فَخَبَّأَهَا السَّامِرِيُّ، فَلَمَّا غَابَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ قَوْمِهِ اسْتَغَلَّ غِيَابَهُ فَفَتَنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَصَنَعَ لَهُمُ الْعِجْلَ مِنْ حُلِيِّ الْأَقْبَاطِ حِينَ أَلْقَاهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَخَلُّصًا مِنْهُ، وَرَمَاهُ بِقَبْضَةِ التُّرَابِ الَّتِي خَبَّأَهَا، فَصَارَ لَهُ خُوَارٌ كَخُوَارِ الْبَقَرِ؛ فِتْنَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلَمَّا فُتِنُوا بِهِ افْتُتِنُوا، وَاتَّبَعُوا السَّامِرِيَّ فِي إِضْلَالِهِ لَهُمْ، فَعَاقَبَ مُوسَى السَّامِرِيَّ بِالْمُقَاطَعَةِ فَلَا يَمَسُّ أَحَدًا، وَلَا يَمَسُّهُ أَحَدٌ، وَتَوَعَّدَهُ بِعَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَدَمَّرَ عِجْلَهُ الَّذِي فُتِنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ فَعَبَدَتْهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا * إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [طه: 97-98].
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ...

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 131، 132].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فِي عِبَادَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِلْعِجْلِ وَقَدْ أَنْقَذَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ظُلْمِ فِرْعَوْنَ وَجُنْدِهِ أَنَّ النَّاسَ سِرَاعٌ إِلَى الْخُرَافَةِ، وَأَنَّهُمْ إِذَا تُرِكُوا بِلَا عِلْمٍ وَلَا دَعْوَةٍ تَلَعَّبَ بِهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمُ اللَّهَ تَعَالَى فَعَبَدُوا غَيْرَهُ.
وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ الْعَجِيبَةِ أَنَّ الْقُلُوبَ إِذَا زَاغَتْ عُوقِبَتْ عَلَى زَيْغِهَا بِالضَّلَالِ ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التَّوْبَةِ: 67] ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصَّفِّ: 5]. وَأَمَّا مَنْ سَلِمَتْ قُلُوبُهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَخْلَصُوا فِي أَعْمَالِهِمْ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَخْذُلُهُمْ، وَلَا يُسْلِمُ قُلُوبَهُمْ لِلشَّيْطَانِ وَجُنْدِهِ. فَكُلُّ مَنِ انْحَرَفَ عَنِ الْجَادَّةِ كَانَ انْحِرَافُهُ بِسَبَبِ خَبِيئَةٍ سَيِّئَةٍ خَفِيَتْ عَلَى النَّاسِ فَعَلِمَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَعَاقَبَهُ عَلَيْهَا. وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ﴾ [الْبَقَرَةِ: 93] أَيْ: أُشْرِبُوا حُبَّهُ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ، فَهُمْ كَفَرُوا أَوَّلًا، وَبِكُفْرِهِمْ دَخَلَ الْعِجْلُ إِلَى قُلُوبِهِمْ وَخُتِمَ عَلَيْهَا.
وَإِلَّا فَمَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّ أَتْبَاعَ نَبِيٍّ نَجَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ عَدُوِّهِمْ، وَوَاعَدَهُمْ بِإِنْزَالِ كِتَابِهِ عَلَى نَبِيِّهِمْ، وَلَيْسَ بَيْنَ نَجَاتِهِمْ وَمَوْعِدَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُمْ إِلَّا وَقْتٌ يَسِيرٌ؛ يَعْبُدُونَ عِجْلًا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يَعْقِلُ لَوْلَا عُقُوبَةُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ بِحُبِّهِمُ الْعِجْلَ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ، وَهُمُ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ﴾ [الْبَقَرَةِ: 93] وَهَذَا يُبَيِّنُ خُطُورَةَ التَّمَرُّدِ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ يُورِدُ صَاحِبَهُ مَوَارِدَ الْهَلَاكِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَفِي غَضَبِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَسَفِهِ لِمَا وَقَعَ مِنْ قَوْمِهِ شِدَّةُ غَضَبِ الْأَنْبِيَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى إِذَا انْتُهِكَتْ مَحَارِمُهُ سُبْحَانَهُ، وَاحْتِسَابُهُمْ عَلَى النَّاسِ، حَتَّى إِنَّ مُوسَى أَلْقَى الْأَلْوَاحَ مِنْ شِدَّةِ الْغَضَبِ، وَلَمْ يَهْدَأْ حَتَّى أَزَالَ الْمُنْكَرَ بِطَرْدِ السَّامِرِيِّ، وَتَدْمِيرِ الْعِجْلِ وَتَحْرِيقِهِ. وَأَتْبَاعُ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ أَهْلُ غَضَبٍ وَاحْتِسَابٍ إِذَا انْتُهِكَتْ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى. كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي وَصْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «...وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَخُذُوا مِنْ سِيَرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ عِبْرَةً وَعِظَةً لَكُمْ، وَلْيَكُونُوا قُدْوَتَكُمْ؛ فَإِنَّهُمْ يَسِيرُونَ بِنُورِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الْأَنْعَامِ: 90].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
المرفقات

الكليم عليه السلام 7 مشكولة.doc

الكليم عليه السلام 7 مشكولة.doc

الكليم عليه السلام 7.doc

الكليم عليه السلام 7.doc

المشاهدات 2922 | التعليقات 4

جزاكم الله خيرا


جزاك الله خيرا


دائما تعجبني خطبك بارك الله فيك و بعلمك


وإياكم
ووفقكم الله تعالى لكل خير