حق الله على العبيد.

عاصم بن محمد الغامدي
1438/03/30 - 2016/12/29 10:15AM
[align=justify]الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الذي نَصَبَ من كُلِّ كَائنٍ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ بُرهانًا، وَتَصَرَّفَ فِي خَلِيقَتِهِ كَمَا شَاءَ عِزًّا وَسُلْطانًا، عَمَّ المُذْنبينَ برَحْمَتِه، ولم يقطعَ أرزاق أهل معصيتِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُه ورسولُه بالهدى ودين الحق أرسلَه، صلى الله عليه وعلى آله وصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا، أما بعد، عباد الله:
فَأوصِيكُمْ ونفْسِي بِتَقوَى الله تعالى في السِرِّ والعَلَنِ، مَن تذَكَّر حلاوةَ الوصَالِ، هانَ عليهِ مرُّ المجاهَدةِ، ولكلِّ زارعٍ مِثلُ ما زرَعَ، لا يُسْبَقُ بَطِيءٌ بِحَظِّهِ، ولَا يُدْرِكُ حريصٌ مَا لمْ يُقَدَّرْ لهُ، وَمَنْ قَلَّ فيما يتَّقِيهِ اصْطِبَارُهُ، فَقَدْ قلَّ فِما يرْتَجيهِ نَصِيبُهُ.
عبادَ الله:
أخْبَرَنَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنْ أخبارٍ عَديدةٍ تقعُ يومَ القيامةِ، مِنْ أعْجَبِها وأَرْهَبِهَا خَبرُ صاحِبِ البِطَاقَةِ، فمنْ هو صاحِبُ البِطَاقَةِ؟
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُصَاحُ بِرَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ، فَيُنْشَرُ لَهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: هَلْ تُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ فَيَقُولُ: لَا، يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَظَلَمَتْكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لَا، ثُمَّ يَقُولُ: أَلَكَ عُذْرٌ، أَلَكَ حَسَنَةٌ؟ فَيُهَابُ الرَّجُلُ، فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ: بَلَى، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَاتٍ، وَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، فَتُخْرَجُ لَهُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ البِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ، فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ"، قَالَ: «فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كَفَّةٍ وَالبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ البِطَاقَةُ، فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ». [أخرجَه الترمذيُّ وابن ماجهْ وصَحَّحَهُ الألبانيُّ].
إنَّه التوحيدُ يا عبادَ الله، الذي تُغفرُ كلُّ الذنوبِ إلا الشركُ الذي يناقضُه، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}.
والتوحِيدُ هو اعتقادُ أنَّ اللهَ تعالى واحدٌ لا شريكَ لهُ، في رُبُوبِيَّتِه، وفي أُلوهِيَّتِه، وفي أَسْمَائِه وصِفَاتِه، وَمَنِ اعْتقَدَ ذلكَ أخْلَصَ العملَ لهُ، وصَرَفَ العِبادةَ إليه.
اللهُ تعَالى واحدٌ في رُبُوبِيَّتِه، أَيْ: لا مشاركَ لهُ في شيءٍ من أَفْعَالِ الرُّبُوبِيَّةِ، كالخلقِ والرزقِ والإحياءِ والإماتةِ والتدبيرِ والمُلْكِ.
وهذا أمرٌ أجمعتْ كلُّ الفطرِ والعقولِ السَّليمةُ، على الإقرارِ بِهِ، ولم يُنْكِرْ ذَلِكَ إِلَّا مُلْحِدٌ، والإلحادُ لم يَظْهَرْ في أمَّةٍ من الأممِ قديمًا، إنما كانَ في أفرادٍ قَلائلَ، حتى تَبَنَّتْهُ في القَرنِ الماضِي الشيوعيةُ وبعضُ القوى الماديةِ الأوروبيةِ، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}.
لكنَّ الإقرارَ بهذا التوْحِيدِ لا يكْفِي بِمُفْرَدِه، فلابدَّ من تَحْقِيقِ تَوْحِيدِ الأُلوهيةِ، الَّذِي جَاءَتْ لتقريرِه كلُّ الرُسُلِ الكِرامُ، عليهمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}.
اللهُ تَعالَى واحدٌ في أُلوهيَّتِهِ فَالحُكْمُ حُكْمُه، والأمرُ أمْرُه، ولا تُصْرَفُ العِبَادَةُ بكلِّ أشكالِها إلَّا إليْهِ، دونَ تشْريكِ غيرِهِ مَعَهُ، {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}.
كُنْ مـَعَ اللهِ تـَرَى اللهَ مَعَـكْ وَاتْركِ الْكـلَّ وحـاذِرْ طمَعَـك
لِمَتَى تَبْنِي كُنَيْسَـاتِ الهـوى؟ كَسِّر الصُّلبانَ واهجُـرْ بِيَعَـكْ
ودَعِ التَّدْبيرَ فِـي الأمْـرِ لـهُ واصْنعِ المعْروفَ معْ مَنْ صَنَعَكْ
فَإذَا أعْـطَاكَ، مَـنْ يمنعُـــه؟ ثُمَّ مَنْ يـُعطِي إِذَا مَا مَنَعـــكْ؟
كُنْ به مُعْتصِمـًا، أسْلـمْ لَـهُ لا تُعاندْ فيـهِ واهْجـر بِدَعَـكْ
هذا التوحيدُ هُوَ الذي هَلَكَتْ فيه أغلبُ الأممِ، حين أشْركوا معَ اللهِ فيهِ غيرَه، فَمِنهُم من اتخذَ من دونِ الله أندادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ مَعَ اللهِ إلهًا آخرَ، وادَّعى لَه ولدًا، ومنهم قومٌ يتوَّسلون بالأمواتِ، ويطوفونَ بالقبورِ، ويَستغيثونَ ببعضِ الخلقِ فيما لا يقدرُ عليهِ إلا اللهُ، ويقولونَ كما قالَ الكفارُ الأولونَ: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}.
وكلُّ هذا مِنَ الشِّرْكِ الذِي لَا يَغْفِرُهُ اللهُ.
ومن الناسِ مَن ضَعُفَ تَوْحِيدُ الأُلُوهيةِ في قَلبِه، فَهُو يُصلِّي ويَتصدَّقُ ويقرأُ القُرآنَ، لَكنْ لكَسْبِ مَدْحِ النَّاسِ، أوِ الحُصُولِ عَلَى غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ؟» قَالَ: قُلْنَا: بَلَى، فَقَالَ: «الشِّرْكُ الْخَفِيُّ، أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي، فَيُزَيِّنُ صَلَاتَهُ، لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ». [رواهُ ابنُ ماجهْ وحسَّنَهُ الألبانيُّ].
الشركُ الخفيُّ يُحبطُ العملَ، ويُذْهِبُ الأجرَ.
ذكَرَ شخصٌ أنَّه أرادَ مرةً أن يُصليَ صَلاةً خالصةً للهِ تعالى، فَدخَل مَسْجدًا مَهْجُورًا في جُزْءٍ مِنَ الليلِ، وَبَدَأَ يُصَلِّي، ثُمَّ سَمِعَ أثناء صلاتِه حركةً، فوسوس له الشيطان ليبعده عن مقصدِه، فصوَّر الدَّاخِلَ أَحَدَ أَوْلِياءِ اللهِ الصَّالحينَ، فعمدَ إلى إطالة صلاته، وتحسينها، ليكسب ثناء هذا الوليِّ، ولما التفتَ بعد الصلاةَ وَجَدَ الداخلَ كلبًا سائبًا، فَنِدمَ وتابَ، عَلى ما ضيَّعَهُ مِنَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ، وَمِنْ حُسْنِ حَظِّهِ أنَّه نَدِمَ فِي الدُّنْيَا، لأنَّ الندَم فِي الآخِرةِ أَكْثَرُ أَلمًا، ولَا تَعْويضَ بَعْدَهُ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ، نَادَى مُنَادٍ: مَنْ كَانَ أَشْرَكَ فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ لِلَّهِ، فَلْيَطْلُبْ ثَوَابَهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ». [رواهُ ابنُ ماجهْ وحسَّنَهُ الألبانيُّ].
وَمِنْ تَوْحِيدِ اللهِ تَعَالَى اعْتِقَادُ أَنَّهُ وَاحِدٌ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، له صفاتُ الكمالِ، ونُعُوتُ الجلالِ، فَيُثبتُ الموحِّدُ لهُ سبحانَه مِنَ الأسماءِ والصِّفَاتِ مَا أثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ فِي القُرْآنِ الكريمِ، أو الثابتِ مِنْ سُنَّةِ النِّبِيِّ الكريمِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَيَنْفِي عنْهُ كلَّ عَيْبٍ وَنَقْصٍ.
عباد الله:
هذهِ أنواعُ التوحيدِ الثلاثةُ، لَا انفكاكَ لأحدٍ مِنْهَا عَنِ الآخَرِ، وقدْ حذَّرَ اللهُ سُبْحَانَهُ من الشرْكِ أكَرَمَ خلْقِهِ، وخيرَ رسلِه صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ، كما حذَّرَ الأنبياءَ مِنْ قَبْلِهِ، وَلَيْسَ فِي البَشَرِ جَمِيعًا وفي خلقِ اللهِ قاطبةً من دعا إلى التوحيدِ وحذَّر من الشِّركِ كَرُسُلِ اللهِ عليهمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
ومن حقَّقَ التَّوْحِيدَ حَفِظَهُ اللهُ فِي نَفْسِهِ وَوَقاه، كَمَا وقَى أصحَابَ الكَهْفِ الَّذِينَ قَامُوا {فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا}، فَمَكَثُوا أَكْثَرَ مِنْ ثلاثِمِئَةِ عامٍ نائمينَ، لا تضُرُّهم شمسٌ، ولا يُؤْذِيهمُ عَدُوٌّ.
هذا مِنْ حِفْظِ اللهِ لِلْمُوَحِّدِ فِي الدُّنيَا، أمَّا فِي الآخِرةِ، فَذَنْبُهُ مَغْفُورٌ، وسَيِّئاتُه تُصْبِحُ خَيراتٍ، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً". [رَواهُ الترمذيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].
وجاءَ رجلٌ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا عَمِلَ الذُّنُوبَ كُلَّهَا، فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئًا، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَتْرُكْ حَاجَةً وَلَا دَاجَةً إِلَّا أَتَاهَا، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ عليه الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «فَهَلْ أَسْلَمْتَ؟» قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: «نَعَمْ، تَفْعَلُ الْخَيْرَاتِ، وَتَتْرُكُ السَّيِّئَاتِ، فَيَجْعَلُهُنَّ اللهُ لَكَ خَيْرَاتٍ كُلَّهُنَّ»، قَالَ: وَغَدَرَاتِي وَفَجَرَاتِي؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ حَتَّى تَوَارَى. [رواه الطبرانيُّ وصححهُ الألبانيُّ].
اللهمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الموَحِّدِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا خَطَايَانَا فِي يومِ الدِّينِ.

الخطبة الثانية:
الحمدُلله علَى إحسَانِه، والشكرُ لهُ على توفيقِهِ وامْتِنَانِه، وأشْهدُ أنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِه، وَأَشْهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بعْدُ:
أيها المسْلمونَ:
يَنْتفضُ الكَونُ كلُّه عِندَ غِيابِ التوْحِيدِ، أَوْ وُجُودِ مَا يُناقِضُه، كَقَولِ المشركينَ: إنَّ الملائكةَ بناتُ الله، وقولِ اليهودِ: إنَّ عزيرًا ابنُ الله، وقولِ النصارى: إنَّ المسيحَ ابنُ الله، {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا}.
وَإنَّ مُوَالاةَ الموحِّدينَ، والبراءةَ منْ الكافرينَ، مِنْ تحقيقِ التوْحِيدِ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}.
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ". [رواه أحمدُ وحسَّنَهُ الألبانيُّ].
وَلَيْسَ مِنَ البَرَاءَةِ -بِإجْمَاعِ العُلَمَاءِ- المشاركةُ في احتفالاتِ المشركين بتهنئةٍ أو هديةٍ أو احتفالٍ أَوْ مقالٍ، وَقَانَا اللهُ والمسْلمينَ مُضِلَّاتِ الفِتَنِ، وَهَدَانَا جَمِيعًا إلى خَيْرِ السَّننِ.
فكونوا أيها الكرامً من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واتقوا الله -رحمكم الله، وقوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة؛ فإن الشقي من حرم رحمة الله، عياذًا بالله، ثم صلوا وسلموا على خير البرايا، فقد أمركم الله تعالى بذلك فقال عز من قائل: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا}.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائِه الأربعةِ، أصحابِ السنةِ المُتَّبعةِ: أبي بكرٍ، وعُمرَ، وعُثمانَ، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابة، والتابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اجعلنا من عبادك المخلصين، واغفر لنا خطايانا في يوم الدين.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل، ولا تجعلنا من المرائين ولا المسمعين.
اللهم آمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك.
اللهم كنْ لإخواننا المستضعفين في سوريا وفلسطين والعراق واليمن وكل مكان، اللهم احْقِنْ دِمَاءَهُمْ، وَصُنْ أَعْرَاضَهُمْ، وَفُكَّ حِصَارَهُمْ، وَاشْفِ جَرْحَاهُمْ، وَخَلِّصِ أَسْرَاهُمْ، وَتَقَبَّلْ قَتْلَاهُمْ فِي الشُّهَدَاءِ.
اللَّهُمَّ فَرِّجْ كَرْبَهُمْ، وَارْحَمْ ضَعْفَهُمْ، وَاجْبُرْ كَسْرَهُمْ، وَتَوَلَّ أَمْرَهُمْ، وَأَدِرْ دَوَائِرَ السُّوءِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ. اللَّهُمَّ الْطُفْ بِعِبَادِكَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَارْفَعِ الْبَلَاءَ عَنْهُمْ، وَأَسْبِغْ عَلَيْهِمْ عَافِيَتَكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.اللَّهُمَّ أفرغ عليهم صبرًا وثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ وَانْصُرْهُمْ عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ.
اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِطاغية الشام وأعوانه وأزلامه، اللهم عليك بملاليِّ إيران الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، اللهم عليك بالصهاينة المحتلين، اللهم عليك بالوثنيين والصليبيين، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم اشدد وطأتك عليهم، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف، اللهم اشف صدور المؤمنين منهم.
اللهم كن لإخواننا المرابطين في كل مكان، اللهم انصر جندك المرابطين على الحد الجنوبي نصرًا مؤزرًا، ربنا أفرغ عليهم صبرًا وثبت أقدامهم.
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
[/align]
المشاهدات 1100 | التعليقات 1

لمناسبة الموضوع أعدت رفعه، وقد أعدت صياغة الخطبة واختصرت بعض مواطنها.

الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الذي نَصَبَ من كُلِّ كَائنٍ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ بُرهانًا، وَتَصَرَّفَ فِي خَلِيقَتِهِ كَمَا شَاءَ عِزًّا وَسُلْطانًا، عَمَّ المُذْنبينَ برَحْمَتِه، ولم يقطعَ أرزاق أهل معصيتِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُه ورسولُه بالهدى ودين الحق أرسلَه، صلى الله عليه وعلى آله وصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا، أما بعد، عباد الله:
فَأوصِيكُمْ ونفْسِي بِتَقوَى الله تعالى في السِرِّ والعَلَنِ، مَن تذَكَّر حلاوةَ الوصَالِ، هانَ عليهِ مرُّ المجاهَدةِ، ولكلِّ زارعٍ مِثلُ ما زرَعَ، لا يُسْبَقُ بَطِيءٌ بِحَظِّهِ، ولَا يُدْرِكُ حريصٌ مَا لمْ يُقَدَّرْ لهُ، وَمَنْ قَلَّ فيما يتَّقِيهِ اصْطِبَارُهُ، فَقَدْ قلَّ فِما يرْتَجيهِ نَصِيبُهُ.
عبادَ الله:
مِنْ أعْجَبِ الأخْبارِ خَبرُ صاحِبِ البِطَاقَةِ، فمنْ هو صاحِبُ البِطَاقَةِ؟
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُصَاحُ بِرَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ، فَيُنْشَرُ لَهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: هَلْ تُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ فَيَقُولُ: لَا، يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَظَلَمَتْكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لَا، ثُمَّ يَقُولُ: أَلَكَ عُذْرٌ، أَلَكَ حَسَنَةٌ؟ فَيُهَابُ الرَّجُلُ، فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ: بَلَى، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَاتٍ، وَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، فَتُخْرَجُ لَهُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ البِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ، فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ"، قَالَ: «فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كَفَّةٍ وَالبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ البِطَاقَةُ، فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ». [أخرجَه الترمذيُّ وابن ماجهْ وصَحَّحَهُ الألبانيُّ].
إنَّه التوحيدُ يا عبادَ الله، الذي تُغفرُ كلُّ الذنوبِ إلا الشركُ الذي يناقضُه، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}.
والتوحِيدُ هو اعتقادُ أنَّ اللهَ تعالى واحدٌ لا شريكَ لهُ في رُبُوبِيَّتِه، وفي أُلوهِيَّتِه، وفي أَسْمَائِه وصِفَاتِه، وَمَنِ اعْتقَدَ ذلكَ أخْلَصَ العملَ لهُ، وصَرَفَ العِبادةَ إليهِ.
اللهُ تعَالى واحدٌ في رُبُوبِيَّتِه، أَيْ: لا مشاركَ لهُ في شيءٍ من أَفْعَالِ الرُّبُوبِيَّةِ، كالخلقِ والرزقِ والإحياءِ والإماتةِ والتدبيرِ والمُلْكِ، وهذا أمرٌ أجمعتْ كلُّ الفطرِ والعقولِ السَّليمةُ، على الإقرارِ بِهِ، ولم يُنْكِرْ ذَلِكَ إِلَّا مُلْحِدٌ، والإلحادُ بِدعةٌ جديدةٌ، تَبَنَّتْها الشيوعيةُ وبعضُ القوى الماديةِ الأوروبيةِ، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}.
ولا يَكفي الإقرارُ بهذا التوْحِيدِ، بلْ لابدَّ من تَحْقِيقِ تَوْحِيدِ الأُلوهيةِ، الَّذِي جَاءَتْ لتقريرِه كلُّ الرُسُلِ الكِرامُ، عليهمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}.
فَالحُكْمُ والأمرُ كُلُّه للهِ، ولا تُصْرَفُ العِبَادَةُ بكلِّ أشكالِها إلَّا إليْهِ، {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}.
كُنْ مـَعَ اللهِ تـَرَى اللهَ مَعَـكْ وَاتْركِ الْكـلَّ وحـاذِرْ طمَعَـك
ودَعِ التَّدْبيرَ فِـي الأمْـرِ لـهُ واصْنعِ المعْروفَ معْ مَنْ صَنَعَكْ
فَإذَا أعْـطَاكَ، مَـنْ يمنعُـــه؟ ثُمَّ مَنْ يـُعطِي إِذَا مَا مَنَعـــكْ؟
كُنْ به مُعْتصِمـًا، أسْلـمْ لَـهُ لا تُعاندْ فيـهِ واهْجـر بِدَعَـكْ
وتوحيدُ الألوهيةِ هُوَ الذي هَلَكَتْ فيه أغلبُ الأممِ، فَمِنهُم من اتخذَ من دونِ الله أندادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ مَعَ اللهِ إلهًا آخرَ، وادَّعى لَه ولدًا، ومنهم قومٌ يتوَّسلون بالأمواتِ، ويطوفونَ بالقبورِ، ويَستغيثونَ ببعضِ الخلقِ فيما لا يقدرُ عليهِ إلا اللهُ، ويقولونَ كما قالَ الكفارُ الأولونَ: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}، وكلُّ هذا مِنَ الشِّرْكِ الذِي لَا يَغْفِرُهُ اللهُ.
ومن الناسِ مَن ضَعُفَ تَوْحِيدُ الأُلُوهيةِ في قَلبِه، فَهُو يُصلِّي ويَتصدَّقُ ويقرأُ القُرآنَ، لَكنْ لكَسْبِ مَدْحِ النَّاسِ، أوِ الحُصُولِ عَلَى غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ؟» قَالَ: قُلْنَا: بَلَى، فَقَالَ: «الشِّرْكُ الْخَفِيُّ، أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي، فَيُزَيِّنُ صَلَاتَهُ، لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ». [رواهُ ابنُ ماجهْ وحسَّنَهُ الألبانيُّ].
والشركُ الخفيُّ يُحبطُ العملَ، ويُذْهِبُ الأجرَ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ، نَادَى مُنَادٍ: مَنْ كَانَ أَشْرَكَ فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ لِلَّهِ، فَلْيَطْلُبْ ثَوَابَهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ». [رواهُ ابنُ ماجهْ وحسَّنَهُ الألبانيُّ].
وَمِنْ التَّوْحِيدِ تَوحيدُ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، فلله صفاتُ الكمالِ، ونُعُوتُ الجلالِ، والموحِّدُ يثبت لهُ سبحانَه مَا أثْبَتَهُ هو أوْ نَبِيُّهُ عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ مِنَ الأسماءِ والصِّفَاتِ، وَيَنْفِي عنْهُ كلَّ عَيْبٍ وَنَقْصٍ.
عباد الله:
مَنْ حقَّقَ التَّوْحِيدَ حَفِظَهُ اللهُ فِي نَفْسِهِ وَوَقاه، كَمَا وقَى أصحَابَ الكَهْفِ الَّذِينَ قَامُوا {فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا}، فَمَكَثُوا أَكْثَرَ مِنْ ثلاثِمِئَةِ عامٍ نائمينَ، لا تضُرُّهم شمسٌ، ولا يُؤْذِيهمُ عَدُوٌّ.
وَذَنْبُهُ فِي الآخِرةِ مَغْفُورٌ، وتُبَدَّلُ سَيِّئاتُه خَيراتٍ، جاءَ رجلٌ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا عَمِلَ الذُّنُوبَ كُلَّهَا، فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئًا، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَتْرُكْ حَاجَةً وَلَا دَاجَةً إِلَّا أَتَاهَا، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ عليه الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «فَهَلْ أَسْلَمْتَ؟» قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: «نَعَمْ، تَفْعَلُ الْخَيْرَاتِ، وَتَتْرُكُ السَّيِّئَاتِ، فَيَجْعَلُهُنَّ اللهُ لَكَ خَيْرَاتٍ كُلَّهُنَّ»، قَالَ: وَغَدَرَاتِي وَفَجَرَاتِي؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ حَتَّى تَوَارَى. [رواه الطبرانيُّ وصححهُ الألبانيُّ].
اللهمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الموَحِّدِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا خَطَايَانَا فِي يومِ الدِّينِ.
الخطبة الثانية:
الحمدُلله علَى إحسَانِه، والشكرُ لهُ على توفيقِهِ وامْتِنَانِه، وأشْهدُ أنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِه، وَأَشْهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بعْدُ، أيها المسْلمونَ:
فإنَّ الشِّركَ نقيضُ التوحيدِ، وقد حذَّرَ اللهُ سُبْحَانَهُ منهُ مَنْ لَيْسَ فِي البَشَرِ جَمِيعًا من دعا إلى التوحيدِ وحذَّر من الشِّركِ مثلُهم، {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
وعِندَ غِيابِ التوْحِيدِ يَنْتفضُ الكَونُ كلُّه، {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا* لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا* تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا* أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا* وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا}، فتعسًا للمشركينَ الذين قالوا: إنَّ الملائكةَ بناتُ الله، ولليهودِ الذين قالوا: إنَّ عزيرًا ابنُ الله، وللنصارى الذين قالوا: إنَّ المسيحَ ابنُ الله.
وَإنَّ منَ الوَاجِبَاتِ مُوَالاةَ الموحِّدينَ، والبراءةَ منْ الكافرينَ، وهيَ مِنْ أَبرَزِ مَظَاهرِ تحقيقِ التوْحِيدِ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}.
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ". [رواه أحمدُ وحسَّنَهُ الألبانيُّ].
ومشاركةُ المشركينَ في أعيادِهم بتهنئةٍ أو هديةٍ أو احتفالٍ أَوْ مقالٍ محرَّمٌ -بِإجْمَاعِ العُلَمَاءِ-، والتساهلُ في ذَلكَ من أكبرِ أسبابِ تراجعِ المسلمينَ، والتحذيرُ من ذلكَ واجبٌ على كلِّ قَادِرٍ، وَقَانَا اللهُ والمسْلمينَ مُضِلَّاتِ الفِتَنِ، وَهَدَانَا جَمِيعًا إلى خَيْرِ السَّننِ.
ثم صلوا وسلموا على خير البرايا، فقد أمركم الله تعالى بذلك فقال عز من قائل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائِه الأربعةِ، أصحابِ السنةِ المُتَّبعةِ: أبي بكرٍ، وعُمرَ، وعُثمانَ، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابة، والتابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.