أنتم شهداء الله في أرضه

صالح العويد
1437/10/10 - 2016/07/15 01:37AM
لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى ولا نقول إلا ما يرضي ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون لقد توفيت والدتي فجر يوم الثلاثاء غفر الله لها وأسكنها فسيح جناته وأعاذها من عذاب القبر وفتنة القبر ومن عذاب النار وفتنة النار ووالدي والمسلمين أجمعين والحمد لله الكل يشهد لها بكل خير جعلها الله ممن وجبت لها الجنة


الحمد لله.. الحمد لله الواحد القهار.. أحمده وهو العزيز الغفار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،كتب الفناء على أهل هذه الدار، وجعل الجنة عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله..صلى الله عليه وعلى آله أزواجه وأصحابه الأطهار، وسلم تسليماً متصلاً متعاقب الليل والنهار.
أما بعد: فيا أيها المسلمون: اتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
أيها المسلمون: لا خلود في دار الدنيا لأحد، لكن الأعمال الجليلة والآثار الجميلة والسنن الحسنة تخلد ذكرى صاحبها بين الناس، وتورثهم في حياتهم وبعد مماتهم ذكراً وحمداً، وثناء ودعاءً.
في مجلس رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- والصحابة ملتفُّون حول حبيبهم -صلَّى الله عليه وسلَّم- تَمُرُّ جنازة، فيَرْمقها الناس بأبصارهم، وإذا الألسُن تُثني على صاحبها خيرًا، فقال النبِيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "وجبَتْ، وجبتْ، وجبت"، ثم مُرَّ بِجنازة أخرى، فإذا ألسن الناس تثني عليها شرًّا، فقال رسول الْهُدى: "وجبتْ، وجبت، وجبت"، وأمامَ هذا الاستغراب والاستفهام من الناس، يأتي التَّعليق النبويُّ بقوله: "مَن أثنيتم عليه خيرًا، وجبتْ له الجنَّة، ومن أثنيتم عليه شرًّا، وجبت له النار، أنتم شُهَداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض".
إخوة الإيمان:إن بقاء الذكر الجميل، واستمرار الثناء الحسن والصيت الطيب، والحمد الدائم للعبد بعد رحيله عن هذه الدار - نعمة عظيمة يختص الله بها من يشاء من عباده ممن بذلوا الخير والبر، ونشروا الإحسان ونفعوا الخلق، وجمعوا مع التقوى والصلاح مكارم الخصال وجميل الخلال.. يقول -جل في علاه-: ( وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ * وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الأَخْيَارِ * هَذَا ذِكْرٌ..) [ ص:45-48 ] أي شرف وثناء جميل يُذكَرون به، وقال -تعالى-: ( وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً) [ مريم:50]، قال ابن عباس -رضي الله عنه- يعني: الثناء الحسن.
وأرفع الناس قدرا وأبقاهم ذكرا، وأعظمهم شرفا وأكثرهم للخلق نفعا النبي المعظَّم والرسول المكرَّم نبيُّنا وسيدنا محمد-صلى الله عليه وسلم- الذي قال الله -تعالى- عنه: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) [ الشرح 4].
وحين نقلِّب تاريخنا الغابر، نجد الذَّاكرة متخمةً بأسماءٍ لامعة إذا ذُكروا ذُكر معهم الثناء العاطر، والذِّكر الحسن، والدُّعاء بالرحمة والمغفرة، إذا ذُكر الإمام أحمد بن حنبل، قيل: إمام أهل السُّنة والجماعة، وإذا قيل: أحمد الحرَّاني، لا يُعرف إلا بشيخ الإسلام ابن تيميَّة، وإذا ذُكر محمد بن عبد الوهاب، استحقَّ أن يُقال: الإمام المجدِّد. أعلام وعُظماء غُيِّبوا في الثَّرى، لكن ما غاب ذِكرهم، وما مُحِي أثرهم، بل إنَّ ذكْرَهم بعد مَماتهم أكثر من ذِكر كثيرٍ من الأحياء، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
إن الذِّكر الحسن في الدنيا ليس بكثرة المُكْث فيها، وإنَّما بقدْر الأثر عليها، لقد عاش في هذه الدار رجالاتٌ ماتوا وهم في زَهرة شبابِهم، لكنْ بقي ذِكْرُهم أزمانًا ودهورًا إلى يومنا هذا، وقلِّب نظرك في مسارب التاريخ ترَ أسماءً لامعة، وأنجُمًا سامقة، أفلَتْ وهم في عنفوان أعمارهم وشبابِهم:
سعد بن معاذ -سيِّد الأوس- توُفِّي وعمره ثلاث وثلاثون سنةً، ولكنه رحل بعد أن قدَّم أعمالاً جليلة للإسلام واهتز له عرش الرحمن عمر بن عبد العزيز، الإمام العادل الزَّاهد، ومن مِنَّا يَجهل عمر؟! توفِّي ولَما يبلغِ الأربعين. ومات النوويُّ وهو ابن أربع وأربعين، ولكنْ كتَب الله لمؤلَّفاته من القبول والخلود ما جعل ذِكْره يسطَّر في كل زمان ومكان.
فالناس شهداء الله في أرضه، وقد جعل الله لكلِّ شيء سببًا، فمن اتبع مرضاةَ ربِّه وعمل عملاً صالِحًا، فهنيئًا له الذِّكر الجميل.
سيشهد العباد بالخير لِمن كان في دنياه من أهل الخير. الشهادة بالخير هي لِمن كان في دنياه من عُمَّار المساجد، المذكورين بالصَّلاح والإصلاح. الشهادة بالخير هي لمن رحل عن هذه الدار بعد أن أسَّس بيتًا من التَّقوى، وخلّف وراءه أثرًا له؛ من صدقة جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. الشهادة بالخير مستحَقَّة لمن سَنُّوا في الإسلام سُنَّة حسنة، فكان لَهم أجرها، وأجْرُ من عمل بِها إلى يوم القيامة. الشهادة بالخير يستحِقُّها مَن خالَق الناس بخُلق حسن، فعاش سعيدًا، ومات حميدًا. الشهادة بخير يُبشر بها من كان عفيفَ اللِّسان، سمْحَ النفس، باذلاً للخير، سبَّاقًا إلى المعروف. الشهادة بخير يسعد بها من وصل الأرحام، وأطاب الكلام، وأطعم الطَّعام، وصلَّى بالليل والناس نيام.وإن كنت تريدأن تعرف هل سيرثى عليك بعدموتك فاسمع قول القائل
إذا شئت أن ترثي فقيداً من الورى *** وتدعو له بعـد النبي المـكرم
فـلا تبكـين إلا لفقـد عـالمٍ *** يبـادر بالتفـهيـم للمتعلـم
وفقـد إمـامٍ عـالمٍ قـام ملكه *** بأنوار حكم الشرع لا بالتحكم
وفقد شجاعٍ صادقٍ في جهـاده *** وقد كُسِِرت رايتـه في التقـدم
وفقد كريمٍ لا يمـل من العطـا *** ليطفئ بؤس الفقر عن كل معدم
وفقـد تقيٍّ زاهـدٍ متـورعٍ *** مطيـعٍ لـرب العـالمين معظـم
فهم خمسة يُبكى عليهم وغيرهم *** إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم
أوصى رجلٌ بنيه، فقال: " يا بني عاشروا الناس معاشرةً إن غبتم عنهم حنوا إليكم، وإن متم بكوا عليكم ".

ويموت أناس فلا يُؤسَى على فراقهم ولا يحزن على فقدهم؛ فلم يكن لهم آثارٌ صالحة ولا أعمالٌ نافعة ولا إحسانٌ إلى الخلق ولا بذل ولا شفقة ولا عطف ولا رحمة ولا خلق حسن.. يقول الله – تعالى- في أمثال هؤلاء: ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ.. ) [الدخان 29].
لا يـرى لهم في الأرض شاكر *** ولا لهـم بالخـير ذاكـر

من يُثنَى عليهم شرًّا -نعوذ بالله منهم- هم الذين غلبَتْ عليهم شقوتُهم، وأحاطت بهم خطيئتهم، وهم أصنافٌ شتَّى، تفرَّقت فعالهم، وتلوَّنت قبائحهم.
فالحقود الحسود، والجموع المنوع، والفاحش البذيء، وصاحب الظلم والكبر والهوى، والذي يعامل الناس بالغلظة والقسوة والشدة يقطع الله الذكر الحسن عنه، ويبقى له البغض في الأرض، والذم من الخلق.
إخوة الإيمان تذكرواأن التَّاريخ لا يَرحم، وأنَّ سُوءك وسَوْءاتك ستَبقى مُدوَّنة، {سَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} ولن تُسامِحَك الأجيال القادمة، وستَذْكرك، ولكن ستذكرك بِمخازيك ومساوئك، وسيُقال عنك: عامَلَه الله بما يستحق، أو يُقال: لا رحِمَه الله.
والحب يسري والحمد يبقى، والثناء والدعاء يدوم لمن عم نفعه وشمل عطاؤه وإحسانه وتواصل بره وخيره؛ فقدموا لأنفسكم من الآثار الطيبة والأعمال الصالحة، والقُرَب والطاعات والإحسان ما لا ينقطع لها عمل، ولا تقف لها أجور مع تواصل الدعوات الصادقة لكم من المسلمين على مر الأيام والأعوام.. اللهم اجعلنا مباركين أينما كنا. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.










الحمد لله، الحمد لله على ما ستر من العيوب، والشكر له على ما كشف من الكروب، وأتوب إليه وأستغفره وهو غفَّار الذنوب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له علاَّم الغيوب، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، كشف به ربُّه الغمَّة ودفع الخطوب، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما أشرقَت شمسٌ وآذنَت للغروب، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون اتقوا الله وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه.. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) [ التوبة 119].
والرجل حين يعامل زوجه وأولاده بالرفق والإحسان والشفقة والرحمة والمحبة والعطف والبذل والكرم يبقى محمود الذكر بعد موته، والمرأة حين تحسن إلى زوجها وتحوطه بالإكرام والاحترام يبقى حبها في قلبه ويسري حمدها على لسانه؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ما غرت على أحد من نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- ما غرت على خديجة وما رأيتها، ولكن كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُكثر ذكرَها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأن لم يكن بالدنيا إلا خديجة، فيقول -صلى الله عليه وسلم-: " إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد " أخرجه البخاري.وعند الطبراني: " وكان إذا ذكرت خديجة لم يسأم من ثناء عليها واستغفار لها "؛ فأعمالها الجليلة وصفاتها الحميدة خلدت مكانتها في نفس الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقلبه، فكان يكثر ذكرها وحمدها، والثناء عليها والدعاء لها.
فيا إخوة الإيمان: الكلُّ سيَمضي من هذه الدار، والكل ستذكره ألسنة الخلْق، إما خيرًا أو شرًّا، فلْيَختر كلُّ امرئٍ من أي الفريقين سيكون؟! وإلى أيِّ الطريقين يسير؟! هذه حقيقة فلا نُعمي البصرَ والبصيرة عنها.
نعم، سترحل -يا عبد الله- فكن ممن يستريح، ولا تكن ممن يُستراح منه، كن مِمَّن فارق دنياه وقد أَبقى ذِكرَه بما تركه من آثار طيبة، وسيرة نقية، وأفعال مرضيَّة، ولا تكن الآخر؛ فلا يُتأسَّف على موتك، ولا يُتحسَّر على رحيلك وإن كان لك ما كان من الجاه والمال.
هذا، وصلوا وسلموا على نبيكم محمد المصطفى ورسولكم الخليل المجتبى.. فقد أمركم بذلك ربكم -جل وعلا- فقال -عز قائلًا عليماً-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]؛
المشاهدات 3281 | التعليقات 6

جزاك الله خيرا شيخ عبدالله وأجاب دعاءك ولا أراك الله مكروها ولا من تحب


نسال الله الرحمن الرحيم أن يغفر لها ويجعلها في الفردوس الأعلى ويجعل قبرها روضه من رياض الجنة ويجعلها في قبرها فرحه مسرورة

عظم الله أجركم يا شيخ صالح وأحسن عزاءكم ورزقكم الصبر والاحتساب


أحسن الله عزاؤك شيخنا الفاضل وغفر الله لها وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وإنا لله وإنا إليه راجعون


أحسن الله عزائكموغفر الله لها وتجاوز عنا وعنها
وأسكنها فسيح جناته
وأخلف الله لكم ولها الخير في الدارين.


جزاكما الله خيرا شيخ عبدالله وشيخ ابراهيم وأجاب دعاءكما ولا أراكما الله مكروها ولا من تحبون


نسال الله الحنان المنان يا شيخ صالح أن يغفر لها ويجعلها في الفردوس الأعلى ويجعل قبرها روضه من رياض الجنة عظم الله أجركم وأحسن عزاءكم ورزقكم الصبر والاحتساب لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء بأجل مسمى