وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ

هلال الهاجري
1437/04/24 - 2016/02/03 10:51AM
الحَمْدُ لِلَّهِ العَليْمِ القَديرِ، (رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ)، نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ وَآلَائِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى عَطَائِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الَلهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ دَلَّتْ صِفَاتُهُ وَآيَاتُهُ وَأَفْعَالُهُ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ، فَلَا إِلَهَ لَنَا غَيرُهُ، وَلَا رَبَّ لَنَا سِوَاهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَو كَرِهَ الكَافِرُونَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ، بَعَثَهُ الَلهُ تَعَالَى بِالإيْمَانِ وَاليَقِينِ؛ لِيُطَهِّرَ بِهِ الْقُلُوبَ مِنْ رِجْسِهَا، وَيُزِيلَ شَكَّهَا وَجَحْدَهَا، وَيَمْلَأَهَا سَكِينَةً وَطُمَأْنِينَةً وَيَقِينًا، صَلَّى اللَهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .. أَمَا بَعْدُ:

موقفٌ كريمٌ من خيرِ القُرونِ .. فيه الصَّراحةُ وحُسنُ الظُّنونِ .. وهل تدومُ المحبةُ والإخاءُ .. إلا بتطهيرِ القلوبِ والصَّفاءِ .. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنْهُمَا: (أن عُمَرَ بنَ الخَطابِ حينَ تَأَيَّمتْ حَفْصةُ بنتُ عُمرَ مِنْ خُنَيْسِ بنِ حُذافَةَ السَّهْميِّ –أَيْ مَاتَ زَوجُهَا-، وكانَ مِنْ أصْحَابِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتوُفِّيَ بالمدينة، فقالَ عمرُ بنُ الخَطَّابِ: أتيتُ عُثمانَ بنَ عفَّانَ فعرضتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ، فقالَ: سأنْظُرُ في أمْرِي فَلبثْتُ لياليَ، ثم لَقِيَني فقال: قَدْ بَدَا لي أنْ لا أتزوَّجَ يَوْمي هذا.

قال عُمَرُ: فَلَقيتُ أبا بَكْرٍ الصديقَ، فَقُلتُ: إن شِئْتَ زوجتُكَ حفْصَةَ بنتَ عُمَرَ، فصمتَ أبُو بَكْرٍ فلم يَرجِعْ إليَّ شَيْئًا، وكنت أوْجَدَ عليهِ مِنِّي على عُثْمانَ، فَلبثْتُ ليَالِيَ ثم خَطَبَها رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنْكحْتُها إيَّاهُ، فلقِيَني أبو بَكْرٍ فقال: لعلَّك وَجَدْتَ علَيَّ حينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أرْجِعْ إليْكَ شيْئًا؟، قالَ عُمَرُ، قُلْتُ: نعم، قال أبو بَكْرٍ: فإنَّهُ لم يَمْنعْني أنْ أرْجعَ إليْكَ فيما عَرَضْتَ عَلَيَّ إلاَّ أَنّي كُنْتُ عَلِمْتُ أنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ذَكَرَها، فلم أكُنْ لأفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولو تَرَكَها رسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلْتُها).

أبو بكرٍ ومن مثلُ أبي بكرٍ رضيَ اللهُ عنه .. فها هو يأتي ويستخرجُ ما في قلبِ الفاروقِ .. لتصفى النُّفوسُ .. وتطهرُ الأفئدةُ .. ويستمرُ الودُّ .. وتسمو المحبَّةُ .. فهو يعلمُ أن عمرَ رضيَ اللهُ عنه .. قد وجدَ في نفسِه شيئاً .. حينَ عرضَ عليه ابنتَه حفصةَ رضيَ اللهُ عنها ولم يُجبهُ بشيءٍ .. فقالَ: لعلَّك وَجَدْتَ علَيَّ حينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أرْجِعْ إليْكَ شيْئًا؟ .. فما أجملَ أن يُراجعَ الصَّاحبُ نفسَه .. فقد يكونُ قد أساءَ إلى صاحبِه دونَ قصدٍ .. ولعلَّه فَهمَ كلامَه خطأً عن غيرِ عمدٍ .. فما المانعُ أن تسألَ صديقَك: هل غَضبتَ عليَّ البارحةَ؟ .. هل جَرَحَتْكَ كَلماتي بالأمسِ؟ .. هل وجدتَ في نفسِك حيثُ لم أتَّصلْ عليكَ منذُ أسبوع؟ .. لعلَّ في قلبِه شيءُ لا تعلمه، فيُزالُ قبلَ أن يكونَ مِثلَ الجبالِ.

والعجيبُ هي إجابةُ الفاروقِ .. قالَ عُمَرُ، قُلْتُ: نعم .. نعم في القلبِ شيءٌ أيُّها الصِّديقُ .. فنحتاجُ أن نُزيلَها أيُّها الرَّفيقُ .. فلا مُجاملاتٌ يترتبُ عليها تراكماتٌ .. ولا كلامٌ حسنٌ أنيقٌ .. والقلبُ يَشتعلُ بنارِ الحريقِ .. بل هي الشَّفافيَّةُ والصَّراحةُ .. حتى يَظهرَ العُذرُ وتَرجِعَ الرَّاحةُ .. فأنا جِئتُكَ أعرضُ عليكَ ريحانةَ القلبِ .. فأنتَ لم تُجبْ بنَعَم ولم تعتذرْ إذ لم ترغبْ؟.

فما هو عُذرُ الصِّديقِ رضيَ اللهُ عنه .. قال أبو بَكْرٍ: فإنَّهُ لم يَمْنعْني أنْ أرْجعَ إليْكَ فيما عَرَضْتَ عَلَيَّ إلاَّ أَنّي كُنْتُ عَلِمْتُ أنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ذَكَرَها، فلم أكُنْ لأفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. اللهُ أكبرُ .. فهو لم يقلْ: لا، فيكذبُ .. ولم يقلْ: نعم، فيتعدَّى على رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ .. ولم يستطعْ أن يُفشيَ سرَّ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ .. فلم يكن له إلا السُّكوتُ .. فمن غضبَ اليومَ منكَ لجهلِه بالعُذرِ .. فسيرضى غداً إذا عَرفَ الأمرَ .. ولكن لو غَضِبَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ .. فإن اللهَ تعالى يغضبُ لغضبِه .. وليسَ لأحدٍّ أن يُغضبَ اللهَ تعالى لرضى النَّاسِ .. قالتْ عائشةُ رضيَ اللهُ عنها: (مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ، رَضِيَ الله عَنْهُ وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ، سَخَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَسْخَطَ عَلَيهِ النَّاسَ) .. وصدقتْ واللهِ .. فإذا رضيَ اللهُ عليكَ رضيَ عنكَ الكونُ .. وكما قالَ القائلُ:
فَلَيْتَكَ تَحْلُو، وَالحَيَاة ُمَرِيرَة ٌ*** وَلَيْتَكَ تَرْضَى وَالأَنَامُ غِضَابُ
ولَيتَ الَّذي بَيني وبَينَكَ عَامِرٌ *** وبَيني وبَينَ العالَمينَ خَرابُ
إذا صَحَ مِنكَ الوِدُّ فالكُلُّ هَيِّنٌ *** وكُلُّ الَّذي فَوقَ التُرابِ تُرابُ
وقالَ مُطيِّباً لخاطرِه: ولو تَرَكَها رسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلْتُها .. فذهبَ ما في القلبِ من عتابِ .. ورجعَ الصَّفاءُ والوُدُّ بينَ الأحبابِ .. وهكذا تدومُ المودَّةُ والوئامُ .. وينتهي اللَّومُ والخِصامُ.
وَكُـلُّ أَخٍ يَقُــولُ أَنَـا وَفِـيٌّ *** وَلَكِـنْ لَيْـسَ يَفْعَـلُ مَا يَقُـولُ
سِـوَى خِلٍّ لَهُ حَسَـبٌ وَدِيـنٌ *** فَذَاكَ لِمَـا يَقُـولُ هُوَ الفَعُـولُ

عبادَ اللهِ ..

إن من نعيمِ الجنَّةِ ذهابُ الغلِّ من القلوبِ .. قالَ تعالى: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ) .. فمن رزقَه اللهُ تعالى قلباً صافياً صادقاً خالصاً ليسَ فيه على إخوانِه حسدٌ ولا حِقدٌ ولا بغضاءُ ولا كراهيةٌ .. فقد عجَّلَ اللهُ له شيئاً من نعيمِ الجنَّةِ يعيشُ به في الدُّنيا .. وهكذا هو دُعاءُ المؤمنينَ لربِّهم: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ).

يقولُ سعدُ بنُ أبي وقاصٍ رضيَ اللهُ عنه: مَرَرْتُ بِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ فِي الْمَسْجِدِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَمَلَأَ عَيْنَيْهِ مِنِّي ثُمَّ لَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، فَأَتَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ حَدَثَ فِي الْإِسْلَامِ شَيْءٌ؟، مَرَّتَيْنِ، قَالَ: لَا، وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا إِلَّا أَنِّي مَرَرْتُ بِعُثْمَانَ آنِفًا فِي الْمَسْجِدِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَمَلَأَ عَيْنَيْهِ مِنِّي ثُمَّ لَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ .. فلم يكتمْها سعدٌ في قلبِه على عُثمانَ .. بل ذهبَ إلى أميرِ المؤمنينَ يشتكي غضبانَ .. فمثلُ ذي النُّورينِ لا يُعوِّضُ عنه أحدٌ من الإخوانِ .. ومن ذا الذي يُخاصمُ من تستحي منه ملائكةُ الرَّحمنِ.

قَالَ: فَأَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى عُثْمَانَ فَدَعَاهُ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ لَا تَكُونَ رَدَدْتَ عَلَى أَخِيكَ السَّلَامَ؟ قَالَ عُثْمَانُ: مَا فَعَلْتُ، قَالَ سَعْدٌ: قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: حَتَّى حَلَفَ وَحَلَفْتُ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ ذَكَرَ فَقَالَ: بَلَى وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ إِنَّكَ مَرَرْتَ بِي آنِفًا وَأَنَا أُحَدِّثُ نَفْسِي بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا وَاللَّهِ مَا ذَكَرْتُهَا قَطُّ إِلَّا تَغَشَّى بَصَرِي وَقَلْبِي غِشَاوَةٌ، قَالَ: قَالَ سَعْدٌ: فَأَنَا أُنْبِئُكَ بِهَا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ لَنَا أَوَّلَ دَعْوَةٍ، ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَشَغَلَهُ حَتَّى قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَّبَعْتُهُ، فَلَمَّا أَشْفَقْتُ أَنْ يَسْبِقَنِي إِلَى مَنْزِلِهِ ضَرَبْتُ بِقَدَمِي الْأَرْضَ فَالْتَفَتَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (مَنْ هَذَا؟ أَبُو إِسْحَاقَ؟)، قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (فَمَهْ؟) قَالَ: قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ إِلَّا أَنَّكَ ذَكَرْتَ لَنَا أَوَّلَ دَعْوَةٍ، ثُمَّ جَاءَ هَذَا الْأَعْرَابِيُّ فَشَغَلَكَ، قَالَ: (نَعَمْ دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ هُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ)، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا مُسْلِمٌ رَبَّهُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ لَهُ .. فهل رأيتُم مثلَ ذلكَ الجيلَ؟ .. حبٌّ وعِتابٌ أصيلٌ .. وقَبولٌ للعُذرِ الجميلِ .. ومذاكرةٌ العلمِ الجليلِ .. وصدقَ اللهُ تعالىحينَ وصفَهم: (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ).
سَلاَمٌ عَلَى الدُّنْيَـا إِذَا لَمْ يَكُنْ بِـهَا *** صَدِيقٌ صَدُوقٌ صَادِقُ الوَعْدِ مُنْصِـفَا
بارَكَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ والسُّنَّةِ، ونفَعَنا بما فيهما من الآياتِ والحكمةِ، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ اللهَ تعالى لي ولكم.


الخطبة الثانية:


الحمدُ للهِ حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شُرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضلَّ له، ومن يُضللْ فلنْ تجدَ له ولياً مُرشداً، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه وصَفيُّه وخليلُه، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه ومن اهتدى بهداهم إلى يومِ الدِّينِ .. أما بعد:

فكم خسرنا بسببِ سوءِ الظَّنِّ من صديقٍ .. وكم أضعنا بعدمِ الصَّراحةِ من رفيقٍ .. وماذا عسى إذا تجاوزتَ عن الهفواتِ .. وسامحتَ من علمتَ صِدقَه سنواتٍ .. فإذا عفوتَ عن صاحبِك حُبَّاً وشفقةً .. فغيرُك يعفو عن النَّاسِ أجراً وصدقةً .. كان عُلْبةُ بنُ زيد الحارثيُّ رضي اللهُ عنه رجلاً من أصحاب النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم فلمَّا حضَّ على الصَّدقة جاءَ كلُّ رجُل منهم بطاقتِه وما عنده، فقال عُلْبة بنُ زيد: اللَّهمَّ إنِّي ليس عندي ما أتصدَّقُ به، اللَّهمَّ إنِّي أتصدَّقُ بعِرْضي على مَنْ نالَه مِن خَلْقِكَ، فأمر رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم مناديًا فنادى: أين المتصدِّق بعِرْضه البارحةَ؟، فقام عُلْبَةُ، فقالَ صلَّى الله عليه وسلَّم: (أبشِرْ فوالذي نفسُ محمَّد بيدِه لقد كُتبتْ في الزَّكاةِ المتقبَّلَةِ).
إِذَا اعْتَذَرَ الصَّدِيقُ إِلَيْكَ يَوْمًا *** مِنَ التَّقْصِيرِ عُذْرَ أَخٍ مُقِرِّ
فَصُنْهُ عَنْ عِتَابِكَ وَاعْفُ عَنْهُ *** فَإِنَّ الصَّفْحَ شِيمَةُ كُلِّ حُرِّ
فلنكن خيرَ صديقٍ .. لا يحملُ في قلبِه على أخيه شيئاً .. وبذلكَ تكنْ أفضلَ النَّاسِ .. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضيَ اللهُ عَنْهُمَاقَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟، قَالَ: (كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ)، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ، قَالَ: (هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ).

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ نُفُوساً مُطْمَئِنَّةً تُؤْمِنُ بِلِقَائِكَ، وَتَقْنَعُ بِعَطَائِكَ، وَتَرْضَى بِقَضَائِكَ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ سِرَّنَا وَعَلاَنِيَتَنَا فَاقْبَلْ مَعْذِرَتَنَا، وَتَعْلَمُ حَاجَاتَنَا فَأَعْطِنَا سُؤْلَنَا، اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَنا وَلِلمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً، وَمِنْ كُلِّ بَلاَءٍ عَافِيَةً، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ عَظِيمِ البَلاَءِ فِي النَّفْسِ وَالأَهْلِ وَالمَالِ وَالوَلَدِ، اللَّهُمَّ لاَ تُؤَاخِذْنَا بِسُوءِ فِعْلِنَا، وَلاَ تُهْلِكْنَا بِخَطَايَانَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ اكْتُبْنَا مَعَ مَنْ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنْكَ الحُسْنَى، الّذِينَ هُمْ عَنِ النَّارِ مُبْعَدُونَ، لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُم فِيمَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ،اللهم احفَظ بلادَنا وبلادَ المُسلمين من كلِّ سُوءٍ ومكروه، اللهمَّ من أرادَنا وأرادَ الإسلامَ والمسلمينَ بسُوءٍ فأشغِله بنفسِه، ورُدَّ كيدَه في نحرِه، اللهمَّ من أرادَ بلادَنا، ووُلاتَنا، وعلماءَنا، وعامَّتنا، ووحدتَنا بسُوءٍ فأشغِله بنفسِه، واجعَل دائرةَ السَّوءِ عليه يا ربَّ العالمينَ.
المرفقات

وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ.docx

وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ.docx

المشاهدات 4146 | التعليقات 2

جزاك الله جنة المأوى وأحبابنا وأرحامنا .

ما أكثر فضائل عبودية طهارة القلب ، سبب لدخول الجنة ، وسلامة من الغيبة ونحوها ، وذكر طيب بين الناس ، وعافية وصحة ؛ وبالذات للمبتلين بداء القولون والسكري والضغط ، و من أكبر أسباب السعادة .


جزاك الله خيرا