العلماء...ورثة الأنبياء
خالد الذيابي
1435/02/17 - 2013/12/20 07:44AM
يــا أيها المســـــــــــلمون :.
اتقوا الله حق تقواه ، واجتهدوا في طاعته وما يحقق رضاه، فتقوى الله من أعظم السبل الموصلة إلى العلم ( واتقوا الله ويعلمكم الله )(البقرة : 282)
(يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً
وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(الأنفال : 29 )
قال العلامة السعدي ـ رحمه الله ـ (( الفرقان هو العلم والهدى الذي يفرق بين الهدى والضلال ، والحق والباطل ، والحلال و الحرام ، وأهل السعادة من أهل الشقاوة ))(1)
أيها الأخــــــــــــــوة :
أرسل الله الرسل ليكونوا حجة على عباده ، ويقوموا بتبليغ دينه ، وبيان كتابه ، ثم أقام الله رجالا في أزمنة الفترات ،وخلو الناس من نور النبوات ، من يقوم ببيان سنة المرسلين ، ودحض شبه الضالين المضلين ،واختص الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأنه لا تزال فيها طائفة على الحق لا يضرهم
هم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله ، ولو اجتمع الإنس والجن على حربهم رجالا وركبانا .(2)
العلماء ، ورثة الأنبياء ، وقرة الأولياء ، جعلهم الله فقهاء دينه، وعلّمهم كتابه وتأويله ، وفضلهم على سائر المؤمنين ، رفعهم بالعلم ، وزيّنهم بالحلم ، بهم يعرف الحلال من الحرام ، والحق من الباطل ، والضار من النافع ، والحسن من القبيح ، أشهدهم الله على دينه وتوحيده (3) ، وأنه المستحق للعبودية دونما سواه (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران : 18 )
العلماء ، ورثة الأنبياء ، أخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه ـ رحمهم الله ـ عن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (( وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر))(4)
ويذكر عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنه مر بالسوق فوجد الناس في تجاراتهم وبيوعاتهم فقال : أنتم هاهنا فيما أنتم فيه وميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم في مسجده ، فقاموا سرآعا إلى المسجد فلم يجدوا فيه إلا مجالس العلم والقران والذكر فقالوا : أين ما قلت يا أبا هريرة ؟! فقال : هذا ميراث محـــــمد صلى الله عليه
وسلم..(5)
العلماء ، فضلهم عظيم ، وقدرهم جزيل ، وصفهم الله وحصر خشيته فيهم ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (فاطر : 28 )
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ وهذا حصر لخشية الله في أولي العلم ..(6)
العلماء ، الحيتان لهم تستغفر ، والملائكة بأجنحتها لهم تخضع ، وهم يوم القيامة بعد الأنبياء يشفعون ، مجالسهم تفيد الحكمة ، وأعمالهم ينجزها أهل الغفلة ، من سلك إليهم طريقا يلتمس منه علما سهل الله به طريقا إلى الجنة ..(7)
روى الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله به طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب ـ، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في البحر ، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ))(8)
فضلهم الله لفقه كتابه، ونشر دين أنبيائه، فأمروا بتذكير الغافلين وتعليم الجاهلين ، لا يتوقع لهم بائقة ، ولا يخاف فيهم غائلة ، حياتهم غنيمة ، وموتهم مصيبة ، هم أفضل العباد ، وأعلى درجة من الزهاد ..
العلماء ‘ في الأرض مثل النجوم في السماء ، فالنجوم جعلها الله زينة للسماء وكذلك العلماء ، هم زينة الأرض،وأولياء الله فيها ، قال الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ : (( إن لم يكن الفقهاء العاملون أولياء الله فليس لله وليّ))(9)
العلماء، مثل النجوم في السماء ، فالنجوم جعلها الله رجوما للشياطين ، وكذلك العلماء، هم رجوما لشياطين الإنس ، ينفون عن الدين تحريف الضالين ،وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين (10)
ذكر السيوطي ـ رحمه الله ـ في تاريخ الخلفاء ، أن هارون الرشيد أخذ زنديقا فأمر بضرب عنقه ، فقال له الزنديق : لم تضرب عنقي ؟! قال له : أريح العباد منك ، قال : فأين أنت من ألف حديث وضعيتها على رسول الله عليه وسلم كلها كذب عليه ؟! قال هارون فأين أنت يا عدوا الله من أبي إسحاق الفزاري و عبد الله بن المبارك ـ وهم من العلماء ـ ينخلانها فيخرجانها حرفا حرفا ..(11)
فهؤلاء هم من العلماء ، أوكلهم الله برجم الضالين المبتدعين ، فكم من مبتدع في دين الله بشهب الحق قد رموه، وكم من ذي شبهة بحديد الحق أطاحوا زجاج شبهته وكسروه ، فحاربوا في الله من خرج عن دينه القويم ،وزاغ عن الصراط المستقيم ..
العلماء مثل النجوم في السماء ، فالنجوم جعلها الله علامات يهتدي بها الناس في طريقهم ، وكذلك العلماء ، فهم سراج العباد ، ومنار البلد ، وقوام الأمة ، وينابيع الحكمة ، وهم نجوم يهتدي بها الناس في طريقهم وسيرهم إلى العلي الكبير (12)، قال أبو مسلم الخولاني ـ رحمه الله ـ : ((العلماء في الأرض ، مثل النجوم في السماء إذا بدت للناس اهتدوا بها وإذا خفت عليهم تحيروا ))(13)
منهم الذين يجتهدون في دعوة الناس للخير ، والسير على خطى محمد صلى الله عليه وسلم ، وهم بذلك يتصفون بأعظم صفات الأنبياء وهي هداية الناس للخير والفلاح..
يقول صلى الله عليه وسلم: (( إنما مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد نارا ، فجعلت الدواب والفراش يقعن فيها فأنا أخذ بحجزكم ـ عن النار ـ وأنتم تقحَّمون فيها ))(14)
وكذلك العلماء يأخذون بحجز الناس إلى طريق الخير والسعادة ، وهم يقتحمون طرق الضلالة والغواية ، فكم من فتنة وشبهة تزينت للناس ، فيأتيها العلماء فيرونها بعين العلم صفوانا عليه تراب ، فيصبون عليه من وابل علمهم فتصبح صلدا يراها الناس خاوية على عروشها، ولا غرور ، فأن في صدورهم نور العلم الذي يجلي سواد كل ظلمة ..
والعلم فيه حياة القـــــلوب كم
تحيا البلاد إذا ما مـــــــــــسها المطر
والعلم يجلو العمى عن القلوب
كما يجلي سواد الظــــــــــلمة القمر (15)
العلماء ، أفضل مكانة من العباد ، وأعلى درجة من الزهاد ، قال صلى الله عليه وسلم : (( وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ))
(ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد ) كما ورد في بعض الآثار ،ذكر ابن القيم ـرحمة الله ـ قصة لطيفة في كتابه ـ مفتاح السعادة ـ أن الشياطين قالوا لإبليس : يا سيدنا مالنا نراك تفرح بموت العالم مالا تفرح بموت العابد؟!!
قال: انطلقوا فانطلقوا إلى ابد فأتوه في عبادته فقالوا : إنا نريد أنا نسألك فقال إبليس : هل بقدر ربك أن يجعل الدنيا في جوف بيضة ؟!
قال : لا أدري
قال إبليس للشيطان : انظروا كفر في ساعة
ثم انطلق بهم إلى عالم في حلقته فقالوا : نريد أن نسألك
فقال : سل
فقال إبليس: هل بقدر ربك أن يجعل الدنيا في جوف بيضة؟!
قال : نعم
قالوا :كيف ؟ّ
قال : يقول : كن فيكون ..
قال إبليس حينئذ : انظروا إلى هذا هو الذي يفسد عليَّ غيره(16) (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) (الزمر : 9 )
أيها الإخوة السبب الحقيقي في رفعة العلماء على غيرهم من الناس لما في صدورهم من العلم ، لما بذلوه واجتهدوا حتى وصلوا إلى فقه مراد الله سبحانه ومراد رسول الله صلى الله عليه وسلم (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (المجادلة: 11)
أخرج الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في صحيحة أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بن الخطاب بعسفان ، وكان عمر قد استحلف نافعا على مكة ، فقال عمر : من استحلفت على أهل الوادي ؟ّ!
قال استحلفت عليهم ابن أبزى رجل من موالينا ، فقال عمر : من استحلفت عليهم مولى ـ أي عبد ـ؟!
فقال : يا أمير المؤمنين إنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض قاض ،
فقال عمر : أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال : (( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين ))(17)
ومما يذكر عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قوله:
الناس في جهة التمثيل أكفار
أبــــــــــــــوهم أدم والأم حــــــواء
نفس كنفس وأرواح مشاكلة
وأعظم خلقت فيـــــــهم وأعضاء
فإن يكن لهم من أصلهم حسب
يفاخرون به فالـــــطين والمــــاء
ما لفضل إلا لأهل العلم إنهم
على الهدى لمن اســـتهدى أدلاء(18)..
الخطبة الثانيه لم تكتب
الهوامـــــــش
(1) تفسير ابن السعدي صـــ319ــــ
(2) مفتاح دار السعادة صــــ7ــــــ
(3) أخلاق العلماء للأجري صــــ14ــــ
(4) شرح حديث أبي الدرداء لابن رجب وانظر
الفتح (210,1)...
(5) مفتاح دار السعادة صــــ112ــــ
(6) مفتاح دار السعادة صــــ84ــــــ
(7) أخلاق العلماء للأجري..
(8) شرح حديث أبي الدرداء لابن رجب ومعالم في طريق
صـــــ15ــــــــ
(9) انظر تذكرة السامع والمتكلم صـــــ71ــــــ
(10) انظر تذكرة السامع والمتكلم صـــ60ـــــ
(11) تاريخ الخلفاء للسيوطي صــ257ـــــــــ
(12) أخلاق العلماء للأجري صــــ15ـــــــ
(13) انظر تذكرة السامع صــ96/70ـــــــــ
(14) صحيح الترهيب والترغيب ج3 صــ468ـــــ
(15) الجامع لابن عبد البر ج1 صــ222ـــــــ
(16) مفتاح دار السعادة صـــ114ــــــ
(17) تفسير ابن كثير ج4 صــ416ــــــ
(18) الجامع لابن عبد البر ج1صـــ218ــــ
الخطبة بعنوان / العلماء
للخطيب / خالد بن مسعود الذيابي
بمسجد / ابن باز يرحمه الله
بتاريخ 5/2/1428هــ
اتقوا الله حق تقواه ، واجتهدوا في طاعته وما يحقق رضاه، فتقوى الله من أعظم السبل الموصلة إلى العلم ( واتقوا الله ويعلمكم الله )(البقرة : 282)
(يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً
وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(الأنفال : 29 )
قال العلامة السعدي ـ رحمه الله ـ (( الفرقان هو العلم والهدى الذي يفرق بين الهدى والضلال ، والحق والباطل ، والحلال و الحرام ، وأهل السعادة من أهل الشقاوة ))(1)
أيها الأخــــــــــــــوة :
أرسل الله الرسل ليكونوا حجة على عباده ، ويقوموا بتبليغ دينه ، وبيان كتابه ، ثم أقام الله رجالا في أزمنة الفترات ،وخلو الناس من نور النبوات ، من يقوم ببيان سنة المرسلين ، ودحض شبه الضالين المضلين ،واختص الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأنه لا تزال فيها طائفة على الحق لا يضرهم
هم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله ، ولو اجتمع الإنس والجن على حربهم رجالا وركبانا .(2)
العلماء ، ورثة الأنبياء ، وقرة الأولياء ، جعلهم الله فقهاء دينه، وعلّمهم كتابه وتأويله ، وفضلهم على سائر المؤمنين ، رفعهم بالعلم ، وزيّنهم بالحلم ، بهم يعرف الحلال من الحرام ، والحق من الباطل ، والضار من النافع ، والحسن من القبيح ، أشهدهم الله على دينه وتوحيده (3) ، وأنه المستحق للعبودية دونما سواه (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران : 18 )
العلماء ، ورثة الأنبياء ، أخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه ـ رحمهم الله ـ عن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (( وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر))(4)
ويذكر عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنه مر بالسوق فوجد الناس في تجاراتهم وبيوعاتهم فقال : أنتم هاهنا فيما أنتم فيه وميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم في مسجده ، فقاموا سرآعا إلى المسجد فلم يجدوا فيه إلا مجالس العلم والقران والذكر فقالوا : أين ما قلت يا أبا هريرة ؟! فقال : هذا ميراث محـــــمد صلى الله عليه
وسلم..(5)
العلماء ، فضلهم عظيم ، وقدرهم جزيل ، وصفهم الله وحصر خشيته فيهم ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (فاطر : 28 )
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ وهذا حصر لخشية الله في أولي العلم ..(6)
العلماء ، الحيتان لهم تستغفر ، والملائكة بأجنحتها لهم تخضع ، وهم يوم القيامة بعد الأنبياء يشفعون ، مجالسهم تفيد الحكمة ، وأعمالهم ينجزها أهل الغفلة ، من سلك إليهم طريقا يلتمس منه علما سهل الله به طريقا إلى الجنة ..(7)
روى الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله به طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب ـ، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في البحر ، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ))(8)
فضلهم الله لفقه كتابه، ونشر دين أنبيائه، فأمروا بتذكير الغافلين وتعليم الجاهلين ، لا يتوقع لهم بائقة ، ولا يخاف فيهم غائلة ، حياتهم غنيمة ، وموتهم مصيبة ، هم أفضل العباد ، وأعلى درجة من الزهاد ..
العلماء ‘ في الأرض مثل النجوم في السماء ، فالنجوم جعلها الله زينة للسماء وكذلك العلماء ، هم زينة الأرض،وأولياء الله فيها ، قال الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ : (( إن لم يكن الفقهاء العاملون أولياء الله فليس لله وليّ))(9)
العلماء، مثل النجوم في السماء ، فالنجوم جعلها الله رجوما للشياطين ، وكذلك العلماء، هم رجوما لشياطين الإنس ، ينفون عن الدين تحريف الضالين ،وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين (10)
ذكر السيوطي ـ رحمه الله ـ في تاريخ الخلفاء ، أن هارون الرشيد أخذ زنديقا فأمر بضرب عنقه ، فقال له الزنديق : لم تضرب عنقي ؟! قال له : أريح العباد منك ، قال : فأين أنت من ألف حديث وضعيتها على رسول الله عليه وسلم كلها كذب عليه ؟! قال هارون فأين أنت يا عدوا الله من أبي إسحاق الفزاري و عبد الله بن المبارك ـ وهم من العلماء ـ ينخلانها فيخرجانها حرفا حرفا ..(11)
فهؤلاء هم من العلماء ، أوكلهم الله برجم الضالين المبتدعين ، فكم من مبتدع في دين الله بشهب الحق قد رموه، وكم من ذي شبهة بحديد الحق أطاحوا زجاج شبهته وكسروه ، فحاربوا في الله من خرج عن دينه القويم ،وزاغ عن الصراط المستقيم ..
العلماء مثل النجوم في السماء ، فالنجوم جعلها الله علامات يهتدي بها الناس في طريقهم ، وكذلك العلماء ، فهم سراج العباد ، ومنار البلد ، وقوام الأمة ، وينابيع الحكمة ، وهم نجوم يهتدي بها الناس في طريقهم وسيرهم إلى العلي الكبير (12)، قال أبو مسلم الخولاني ـ رحمه الله ـ : ((العلماء في الأرض ، مثل النجوم في السماء إذا بدت للناس اهتدوا بها وإذا خفت عليهم تحيروا ))(13)
منهم الذين يجتهدون في دعوة الناس للخير ، والسير على خطى محمد صلى الله عليه وسلم ، وهم بذلك يتصفون بأعظم صفات الأنبياء وهي هداية الناس للخير والفلاح..
يقول صلى الله عليه وسلم: (( إنما مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد نارا ، فجعلت الدواب والفراش يقعن فيها فأنا أخذ بحجزكم ـ عن النار ـ وأنتم تقحَّمون فيها ))(14)
وكذلك العلماء يأخذون بحجز الناس إلى طريق الخير والسعادة ، وهم يقتحمون طرق الضلالة والغواية ، فكم من فتنة وشبهة تزينت للناس ، فيأتيها العلماء فيرونها بعين العلم صفوانا عليه تراب ، فيصبون عليه من وابل علمهم فتصبح صلدا يراها الناس خاوية على عروشها، ولا غرور ، فأن في صدورهم نور العلم الذي يجلي سواد كل ظلمة ..
والعلم فيه حياة القـــــلوب كم
تحيا البلاد إذا ما مـــــــــــسها المطر
والعلم يجلو العمى عن القلوب
كما يجلي سواد الظــــــــــلمة القمر (15)
العلماء ، أفضل مكانة من العباد ، وأعلى درجة من الزهاد ، قال صلى الله عليه وسلم : (( وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ))
(ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد ) كما ورد في بعض الآثار ،ذكر ابن القيم ـرحمة الله ـ قصة لطيفة في كتابه ـ مفتاح السعادة ـ أن الشياطين قالوا لإبليس : يا سيدنا مالنا نراك تفرح بموت العالم مالا تفرح بموت العابد؟!!
قال: انطلقوا فانطلقوا إلى ابد فأتوه في عبادته فقالوا : إنا نريد أنا نسألك فقال إبليس : هل بقدر ربك أن يجعل الدنيا في جوف بيضة ؟!
قال : لا أدري
قال إبليس للشيطان : انظروا كفر في ساعة
ثم انطلق بهم إلى عالم في حلقته فقالوا : نريد أن نسألك
فقال : سل
فقال إبليس: هل بقدر ربك أن يجعل الدنيا في جوف بيضة؟!
قال : نعم
قالوا :كيف ؟ّ
قال : يقول : كن فيكون ..
قال إبليس حينئذ : انظروا إلى هذا هو الذي يفسد عليَّ غيره(16) (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) (الزمر : 9 )
أيها الإخوة السبب الحقيقي في رفعة العلماء على غيرهم من الناس لما في صدورهم من العلم ، لما بذلوه واجتهدوا حتى وصلوا إلى فقه مراد الله سبحانه ومراد رسول الله صلى الله عليه وسلم (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (المجادلة: 11)
أخرج الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في صحيحة أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بن الخطاب بعسفان ، وكان عمر قد استحلف نافعا على مكة ، فقال عمر : من استحلفت على أهل الوادي ؟ّ!
قال استحلفت عليهم ابن أبزى رجل من موالينا ، فقال عمر : من استحلفت عليهم مولى ـ أي عبد ـ؟!
فقال : يا أمير المؤمنين إنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض قاض ،
فقال عمر : أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال : (( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين ))(17)
ومما يذكر عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قوله:
الناس في جهة التمثيل أكفار
أبــــــــــــــوهم أدم والأم حــــــواء
نفس كنفس وأرواح مشاكلة
وأعظم خلقت فيـــــــهم وأعضاء
فإن يكن لهم من أصلهم حسب
يفاخرون به فالـــــطين والمــــاء
ما لفضل إلا لأهل العلم إنهم
على الهدى لمن اســـتهدى أدلاء(18)..
الخطبة الثانيه لم تكتب
الهوامـــــــش
(1) تفسير ابن السعدي صـــ319ــــ
(2) مفتاح دار السعادة صــــ7ــــــ
(3) أخلاق العلماء للأجري صــــ14ــــ
(4) شرح حديث أبي الدرداء لابن رجب وانظر
الفتح (210,1)...
(5) مفتاح دار السعادة صــــ112ــــ
(6) مفتاح دار السعادة صــــ84ــــــ
(7) أخلاق العلماء للأجري..
(8) شرح حديث أبي الدرداء لابن رجب ومعالم في طريق
صـــــ15ــــــــ
(9) انظر تذكرة السامع والمتكلم صـــــ71ــــــ
(10) انظر تذكرة السامع والمتكلم صـــ60ـــــ
(11) تاريخ الخلفاء للسيوطي صــ257ـــــــــ
(12) أخلاق العلماء للأجري صــــ15ـــــــ
(13) انظر تذكرة السامع صــ96/70ـــــــــ
(14) صحيح الترهيب والترغيب ج3 صــ468ـــــ
(15) الجامع لابن عبد البر ج1 صــ222ـــــــ
(16) مفتاح دار السعادة صـــ114ــــــ
(17) تفسير ابن كثير ج4 صــ416ــــــ
(18) الجامع لابن عبد البر ج1صـــ218ــــ
الخطبة بعنوان / العلماء
للخطيب / خالد بن مسعود الذيابي
بمسجد / ابن باز يرحمه الله
بتاريخ 5/2/1428هــ
المرفقات
العلماء.docx
العلماء.docx
المشاهدات 3160 | التعليقات 2
جزاك الله خير يا شيخ زياد ونفع الله بالجميع....
زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية
شكرنا الخالص لك يا شيخ خالد على خطبتك القيمة والمفيدة وحقا لعلمائنا فضل علينا وجميل نحمله في قلوبنا لو لم يكف إلا إنه بوجودهم يرفع الله العقاب وينزل الله الخير لفضلهم وقدرهم وصلاحهم وتعليمهم
أحسن الله إليك ونفع بك
تعديل التعليق