خطبة عيدالفطر 1434

عبدالله البصري
1434/09/28 - 2013/08/05 11:36AM
خطبة عيد الفطر 1434

الخطبة الأولى :
اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فَالزَمُوهَا في كُلِّ حَالٍ تَحْلُ حَيَاتُكُم ، وَاتَّصِفُوا بها يَصْفُ عَيشُكُم ، وَاستَكمِلُوهَا تَكمُلْ سَعَادَتُكُم وَيَنتَشِرْ أَمنُكُم " لَيسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَأَحسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ "
إِنَّكُم في يَومٍ عَظِيمٍ وَعِيدٍ كَرِيمٍ ، يَومٌ يَحِقُّ لَكُم فِيهِ أَن تَبتَسِمُوا وَتَبتَهِجُوا ، وَأَن تَسعَدُوا فِيهِ وَتُسَرُّوا ، وَأَن تَنشَرِحَ صُدُورُكُم وَتَقَرَّ أَعيُنُكُم ، وَكَيفَ لا تَفرَحُونَ وَتَستَبشِرُونَ وَتَطمَئِنُّونَ ، وَأَنتُم في يَومٍ تَنَفَّسَ صُبحُهُ وَأَشرَقَت شَمسُهُ ، وَقَد مَنَّ اللهُ عَلَيكُم بِإِتمَامِ الصِّيَامِ وَإِكمَالِ القِيَامِ ؟! صُمتُم وَقُمتُم ، وَدَعَوتُم وَابتَهَلتُم ، وَزَكَّيتُم وَتَصَدَّقتُم ، ثم جِئتُم إِلى مُصَلاَّكُم آمِنِينَ تُكَبِّرُونَ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُم ، وَبَكَرتُم في عَافِيَةٍ تَحمَدُونَ المَولى عَلَى مَا وَهَبَكُم وَآتَاكُم ، فَلهُ ـ تَعَالى ـ الحَمدُ أَوَّلاً وَآخِرًا ، وَلَهُ الشُّكرُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ، وَنَسأَلُهُ الرِّضَا عَنَّا وَقَبُولَ مَا أَسلَفنَا ، وَأَن يَغفِرَ لَنَا مَا قَدَّمنَا وَمَا أَخَّرنَا ، اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، يَأتي العِيدُ هَذَا العَامَ ، وَثَمَّةَ فِتَنٌ مَا زَالَت تَمُوجُ بِأُمَّةِ الإِسلامِ ، فِتَنٌ مَا زَالُ بَعضُهَا في البِدَايَةِ ، وَبَعضُهَا قَارَبَت عَلَى النِّهَايَةِ ، وَأُخرَى مَا زَالَت عَلَى أَشُدِّهَا وَلا يُدرَى مَا اللهُ صَانِعٌ فِيهَا ، وَثَمَّةَ فِتَنٌ قَدِ انعَقَدَ في السَّمَاءِ غَمَامُهَا ، وَثَارَ في الأَرجَاءِ عَجَاجُهَا وَقَتَامُهَا ، وَيُوشِكُ إِنْ لم يُرَاجِعِ النَّاسُ دِينَهُم أَن يَزِيدَ ضِرَامُهَا ، إِنَّهَا فِتَنٌ يُخَطِّطُ لَهَا أَعدَاءٌ ظَاهِرُونَ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالمُلحِدِينَ ، وَيُنَفِّذُهَا مُنَاوِئُونَ بَاطِنِيُّونَ مِنَ الرَّافِضَةِ وَالنُّصَيرِيَّةِ وَمَن لَفَّ لَفَّهُم ، وَيَتَلَقَّفُهَا أَغرَارٌ صِغَارٌ جَاهِلُونَ بِعَوَاقِبِ الأُمُورِ ، وَتُشعِلُهَا في النَّاسِ وَسَائِلُ اتِّصَالاتٍ سَرِيعَةٌ ، قَرَّبَتِ البَعِيدَ وَاختَرَقَت كُلَّ حَاجِزٍ .
وَلا يَكَادُ المَرءُ يُوَجِّهُ بَصرَهُ أَو يُلقِي السَّمعَ لِنَشَرَاتِ الأَخبَارِ ، إِلاَّ كَانَت أَنبَاءُ تِلكَ الفِتَنِ أَوَّلَ مَا يُوَاجِهُهُ ، في مَنَاظِرَ تَقشَعِرُّ مِنهَا الجُلُودُ ، وَمَشَاهِدَ تَنخَلِعُ لها القُلُوبُ ، مُظَاهَرَاتٌ وَحُشُودٌ ، وَعَسَاكِرُ وَجُنُودٌ ، وَمَدَافِعُ وَطَائِرَاتٌ ، وَرَشَّاشَاتٌ وَرَاجِمَاتٌ ، وَدِمَاءٌ تَسِيلُ ، وَبُكَاءٌ وَعَوِيلٌ ، وَلاجِئُونَ وَمُشَرَّدُونَ ، وَمُؤَيِّدُونَ وَمُعَارِضُونَ ، وَنَاصِرُونَ وَمُخَذِّلُونَ .
وَمَعَ هَذَا وَذَاكَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَإِنَّ المُؤمِنَ يَعلَمُ أَنَّ مِن سُنَنِ اللهِ ـ تَعَالى ـ في خَلقِهِ ، ابتِلاءَهُم وَتَعرِيضَهُم لِلفِتَنِ ، حَتى يَعلَمَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَيَعلَمَ الكَاذِبِينَ ، وَحَتى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ، وَلِيَظهَرَ قَوِيُّ الإِيمَانِ وَصَادِقُ الدِّيَانَةِ ، وَيَنكَشِفَ أَهلُ النِّفَاقِ وَالخِيَانَةِ ، وَلِيَتَبَيَّنَ الجَيِّدُ مِنَ الرَّدِيءِ وَالسَّلِيمُ مِنَ المَغشُوشِ ، وَلِيَمتَازَ العَاقِلُ الحَكِيمُ مِنَ الطَّائِشِ السَّفِيهِ ، وَلِيَتَّخِذَ ـ تَعَالى ـ مِن عِبَادِهِ المُؤمِنِينَ شُهَدَاءَ وَيُهلِكَ الظَّالمِينَ " أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُم لاَ يُفتَنُونَ . وَلَقَد فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبلِهَم فَلَيَعلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَنَّ الكَاذِبِينَ "
" وَتِلكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَينَ النَّاسِ وَلِيَعلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُم شُهَدَاءَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالمِينَ "
نَعَم ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ لَقَد جَعَلَ اللهُ الفِتَنَ مَحَكًّا وَاختِبَارًا ؛ لأَنَّ مِنَ النَّاسِ في عِلمِهِ ـ جَلَّ وَعَلا ـ " مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذَا أُوذِيَ في اللهِ جَعَلَ فِتنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللهِ " وَفِيهِم " مَن يَعبُدُ اللهَ عَلَى حَرفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيرٌ اطمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتهُ فِتنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجهِهِ خَسِرَ الدُّنيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الخُسرَانُ المُبِينُ "
وَإِنَّ مِن حِكمَتِهِ ـ تَعَالى ـ وَسُنَّتِهِ في خَلقِهِ ، أَن يَفتِنَ بَعضَهُم بِبَعضٍ وَيَختَبِرَهُم وَيَبلُوَهُم ، فَالمُسلِمُ مُبتَلًى بِالكَافِرِ وَمَفتُونٌ بِهِ ، وَالكَافِرُ مَفتُونٌ بِالمُسلِمِ وَمُبتلًى بِهِ ، وَيَمتَحِنُ اللهُ الأَغنِيَاءَ بِالفُقَرَاءِ وَالفُقرَاءَ بِالأَغنِيَاءِ ، وَيَبتَلِي الضُّعَفَاءَ بِالأَقوِيَاءِ وَالأَقوِيَاءَ بِالضُّعَفَاءِ " وَجَعَلنَا بَعضَكُم لِبَعضٍ فِتنَةً أَتَصبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا "
" وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعضَهُم بِبَعضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيهِم مِن بَينِنَا أَلَيسَ اللهُ بِأَعلَمَ بِالشَّاكِرِينَ "
بَل إِنَّ مِن شَدِيدِ الفِتنَةِ وَعَظِيمِ الخِذلانِ وَقِلَّةِ التَّوفِيقِ ، أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَن يَفتِنُ نَفسَهُ بِنَفسِهِ ، فَيُدَنِّسُهَا وَيُدَسِّيهَا ، وَيُتبِعُهَا هَوَاهَا فَيُردِيهَا ، وَيَنقَادُ لِلشَّهَوَاتِ وَيَكُونُ رَهِينًا لها ، وَيَخِفُّ مَعَ الشَّيطَانِ الغَرورِ الَّذِي يُزَيِّنُ لَهُ الكُفرَ وَالرَّيبَ ، بَل وَيَطمَئِنُّ لَهُ وَيَثِقُ بِوَعدِهِ وَيُصَدِّقُ خَبرَهُ ، ثم تَأخُذُ بِهِ الأَمَانيُّ البَاطِلَةُ ، وَيَخدَعُهُ طُولُ الأَمَلِ في الحَيَاةِ الفَانِيَةِ ، فَيَذهَبُ بَعِيدًا عَن جَادَّةِ الحَقِّ وَالصِّرَاطِ المُستَقِيمِ ، وَيَقَعُ في نَفسِهِ مَا يُشبِهُ الشَّكَّ في المَوتِ وَالبَعثِ بَعدَهُ وَالحَسَابِ ، فَيَظَلُّ يَرتَعُ كَمَا تَرتَعُ البَهَائِمُ ، حَتى إِذَا جَاءَ اليَومُ الَّذِي يُكرَمُ فِيهِ المُؤمِنُونَ وَ" يَسعَى نُورُهُم بَينَ أَيدِيهِم وَبِأَيمَانِهِم " قَالَ أُولَئِكَ " المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقتَبِسْ مِن نُورِكُم قِيلَ ارجِعُوا وَرَاءَكُم فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَينَهُم بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ العَذَابُ . يُنَادُونَهُم أَلَم نَكُنْ مَعَكُم قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُم فَتَنتُم أَنفُسَكُم وَتَرَبَّصتُم وَارتَبتُم وَغَرَّتكُمُ الأَمَانيُّ حَتَّى جَاءَ أَمرُ اللهِ وَغَرَّكُم بِاللهِ الغَرُورُ " اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد أَخبَرَ نَبِيُّكُم ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ في أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ عَن ظُهُورِ الفِتَنِ عَلَى اختِلافِ أَنوَاعِهَا وَتَعَدُّدِ أَشكَالِهَا ، وَبَيَّنَ أَنَّ ظُهُورَهَا يُعَدُّ مِن أَشرَاطِ السَّاعَةِ الصُّغرَى ، بَل وَأَخبَرَ بِأَنَّهَا فِتَنٌ عَظِيمَةٌ ، يَلتَبِسُ فِيهَا الحَقُّ بِالبَاطِلِ ، وَيَتَزَلزَلُ الإِيمَانُ وَيَضعُفُ اليَقِينُ ، حَتى يُصبِحَ الرَّجُلُ مُؤمِنًا وَيُمسِي كَافِرًا ، وَيُمسِي مُؤمِنًا وَيُصبِحُ كَافِرًا ، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنيَا قَلِيلٍ ، وَشَبَّهَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ بَعضَهَا بِقِطَعِ اللَّيلِ المُظلِمِ ، وَوَصَفَ بَعضَهَا بِأَنَّهَا تَمُوجُ كَمَوجِ البَحرِ ، وَوَصَفَ أُخرَى بِأَنَّهَا عَميَاءُ صَمَّاءُ تَجعَلُ النَّاسَ كَالأَنعَامِ ، بَل وفي بَعضِ الأَحَادِيثِ وَصفٌ لِفِتَنٍ بِأَنَّهَا تُذهِبُ العُقُولَ ، وَبعضُها يَدخُلُ حَرَّهَا بَيتَ كُلِّ مُسلِمٍ ، بَل وَبَعضُهَا يَصِلُ الأَمرُ إِلى تَمَنِّي المَوتِ مِن شِدَّةِ وَقعِهَا وَعِظَمِ شَأنِهَا ، فَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ وَغَيرِهِ : " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لاَ تَذهَبُ الدُّنيَا حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ عَلَى القَبرِ فَيَتَمَرَّغَ عَلَيهِ وَيَقُولَ : يَا لَيتَني كُنتُ مَكَانَ صَاحِبِ هَذَا القَبرِ ، وَلَيسَ بِهِ الدِّينُ إِلاَّ البَلاَءُ " اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَكَمَا أَخبَرَ نَبِيُّكُم وَهُوَ الصَّادِقُ المَصدُوقُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ فَقَد مَرَّتِ الفِتَنُ بِالأُمَّةِ عَلَى مَرِّ دُهُورِهَا ، وَعَصَرَتهَا في سَائِرِ عُصُورِهَا ، وَظَهَرَت حَتى في فَاضِلِ القُرُونِ وَعَهدِ السَّلَفِ الصَّالحِينَ ، غَيرَ أَنَّ مِن فِقهِ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ وَزَكَاءِ نُفُوسِهِم ، وَقَد كَانُوا عَلَى عِلمٍ بِالسُّبُلِ الَّتي أَرشَدَ إِلَيهَا الحَبِيبُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ لِلنَّجَاةِ مِنهَا وَالخَلاصِ ، أَن عَمِلُوا بما عَلِمُوا ، وَلَزِمُوا مَا عَرَفُوا ، وَأَخَذُوا بِوَصَايَا النَّاصِحِ المُشفِقِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ فَعَكَفُوا عَلَى كِتَابِ رَبِّهِم وَتَمَسَّكُوا بِسُنَّةِ نَبِيِّهِم ، وَفَرَّ مُعظَمُهُم مِنَ الفِتَنِ وَاعتَزَلَهَا أَكثَرُهُم ، وَتَنَحَّى جُلُّهُم عَنهَا وَلم يَتَعَرَّضُوا لها ، وَصَبَرُوا وَصَابَرُوا وَجَاهَدُوا ، وَمِن ثَمَّ فَقَد خَرَجُوا مِن كَثِيرٍ مِنهَا سَالِمِينَ غَانِمِينَ ، لم يَزدَادُوا إِلاَّ تَمَحُّصًّا وَتَخَلُّصًا ، وَنَقَاءً لِمَعَادِنِهِم وَصَفَاءً لِنُفُوسِهِم ، وَزُهدًا في الدُّنيَا وَإِقبَالاً عَلَى الأُخرَى ، وَتَصدِيقًا بِوَعدِ اللهِ وَيَقِينًا بما عِندَهُ . وَلم تَزَلِ الفِتَنُ بَعدَ ذَلِكَ تَمُرُّ بِالأُمَّةِ وَتُعرَضُ عَلَى القُلُوبِ شَيئًا فَشَيئًا ، وَلم تَزَلْ كَثِيرٌ مِنَ القُلُوبِ لِنَقصِ الإِيمَانِ تَتَشَرَّبُهَا ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَتَعَرَّضُونَ لها ولا يَتَّقُونَهَا ، حتى وَصَلُوا إِلى مَا ظَهَرَ فِيهِمُ اليَومَ ، مِن خَوضٍ في كُلِّ فِتنَةٍ بما لا يَعلَمُونَ ، وَتَكَلُّمٍ في كُلِّ قَضِيَّةٍ بما لا يَفقَهُونَ ، وَتَنَاوُلٍ لِكُلِّ مَسأَلَةٍ بِلا دَلِيلٍ ، وَاتِّبَاعٍ لِلهَوَى وَرَغَبَاتِ النُّفُوسِ ، في انحِرَافٍ كَبِيرٍ عَنِ المَنهَجِ الصَّحِيحِ لِلأَخذِ وَالتَّلَقِّي ، وَانجِرَافٍ مَعَ وَسَائِلِ الإِعلامِ المَأجُورَةِ ، وَأَخذٍ عَن المَصَادِرِ المَجهُولَةِ ، وَزُهدٍ كَبِيرٍ في الرَّاسِخِينَ مِن أَهلِ العِلمِ ، وَنَبذٍ لِنُصحِ العُقَلاءِ مِن ذَوِي الدِّيَانَةِ ، وَصَدَقَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ حَيثُ قَالَ فِيمَا رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ : " تُعرَضُ الفِتَنُ عَلَى القُلُوبِ كَالحَصِيرِ عُودًا عُودًا ، فَأَيُّ قَلبٍ أُشرِبَهَا نُكِتَت فِيهِ نُكتَةٌ سَودَاءُ ، وَأَيُّ قَلبٍ أَنكَرَهَا نُكِتَت فِيهِ نُكتَةٌ بَيضَاءُ ، حَتى تَصِيرَ عَلَى قَلبَينِ : عَلَى أَبيَضَ مِثلِ الصَّفَا فَلا تَضُرُّهُ فِتنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ ، وَالآخَرُ أَسوَدَ مُربَادًّا كَالكُوزِ مُجَخِّيًا ، لا يَعرِفُ مَعرُوفًا وَلا يُنكِرُ مُنكَرًا إِلاَّ مَا أُشرِبَ مِن هَوَاهُ " اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ الفِتَنَ لا تَأتي بِخَيرٍ ، وَغَالِبًا مَا يُصَاحِبُهَا سَفَكُ الدِّمَاءِ وَهَتكُ الأَعرَاضِ وَأَكلُ الأَموَالِ ، وَذَهَابُ الأَمنِ وَالاطمِئنَانِ ، وَزَوَالُ العَافِيَةِ وَالاستِقرَارِ ، وَلِذَا فَقَد جَاءَت تَوجِيهَاتُ الشَّرِيعَةِ ، مُلزِمَةً لِلنَّاسِ بِأُمُورٍ عَظِيمَةٍ في أَوقَاتِ الفِتَنِ ، وَهِيَ تَوجِيهَاتٌ كَفِيلَةٌ بِإِذنِ اللهِ لِمَن أَخَذَ بها وَتَمَسَّكَ بِعُرَاهَا ، أَن يَنجُوَ مِن كُلِّ عَظِيمَةٍ ، وَأَلاَّ تَضُرَّهُ فِتنَةٌ وَلا بَلِيَّةٌ ، وَأَمَّا مَن فَرَّطَ وَتَهَاوَنَ وَتَعَرَّضَ لِلفِتَنِ وَلَم يَصبِرْ ، وَفَارَقَ الجَمَاعَةَ وَاعتَدَّ بِنَفسِهِ وَاستَقَلَّ بِرَأيِهِ ، فَحَرِيٌّ أَن يَنجَرِفَ مَعَ أَوَّلِ فِتنَةٍ ، وَعِنَدئِذٍ فَوَاللهِ لَن يَظفَرَ إِلاَّ بِالخُسرَانِ وَالخِذلانِ ، لأَنَّ المُتَعَرِّضَ لِلفِتَنِ المُستَشرِفَ لها ، مُضطَرٌّ وَلا مَحَالَةَ في وَقتِ الضِّيقِ وَالبَلاءِ ، لِمَا لم يَكُنْ في حَاجَةٍ إِلَيهِ في وَقتِ السَّعَةِ وَالعَافِيَةِ ، فَلا تَرَاهُ إِلاَّ قَاتِلاً أَو مَقتُولاً ، أَو نَاهِبًا أَو مَنهُوبًا ، أَو هَاتِكًا عِرضًا أَو مَهتُوكًا عِرضُهُ ، أَو مُتَجَاوِزًا ظَالِمًا غَاشِمًا ، أَو مُتَجَاوَزًا عَلَيهِ مَظلُومًا مَهضُومًا ، وَمَن كَانَ في شَكٍّ مِن ذَلِكَ أَو تَرَدُّدٍ في فَهمِهِ ، فَلْيَسأَلِ التَّأرِيخَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، وَلْيَستَنطِقِ الأَحدَاثَ قَرِيبًا وَبَعِيدًا ،،، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَسَلُوهُ العَافِيَةَ في دِينِكُم وَدُنيَاكُم وَأَهلِيكُم وَأَموَالِكُم ، وَتَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ ، وَحَقِّقُوا التَّوحِيدَ وَالوَلاءَ للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤمِنِينَ ، وَصَفُّوا عَقَائِدَكُم مِن كُلِّ شَائِبَةٍ ، وَتَبَرَّؤُوا مِن كُلِّ عَدُوٍّ للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَولِيَائِهِ ، وَتُوبُوا إِلى اللهِ وَانطَرِحُوا بَينَ يَدَيهِ وَأَقبِلُوا عَلَيهِ ، وَالزَمُوا عِبَادَتَهُ وَأَدِيمُوا طَاعَتَهُ ، وَاعتَصِمُوا بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالتَفُّوا حَولَ عُلَمَائِكُمُ الرَّاسِخِينَ ، وَاحذَرُوا الانسِيَاقَ وَرَاءَ وَسَائِلِ الاتِّصَالاتِ وَالإِعلامِ ، أَوِ الاغتِرَارَ بما يُلقِيهِ أَنصَافُ المُتَعَلِّمِينَ مِن شُبُهَاتٍ ، وَالزَمُوا وَسَطَ الأُمُورِ وَلا تُسرِفُوا ، وَلا تَغلُوا في شَيءٍ مِنَ الأَمرِ وَاقتَصِدُوا ، وَتَحَلَّوا بِالتُّؤَدَةِ وَالنَّظَرِ في عَوَاقِبِ الأُمُورِ ، ولا يَستَخِفَّنَّكُمُ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " الَّذِينَ آمَنُوا وَلم يَلبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمنُ وَهُم مُهتَدُونَ "
وَفي المُتَّفَقِ عَلَيهِ عَن حُذَيفَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : فَهَل بَعدَ ذَلِكَ الخَيرِ مِن شَرٍّ ؟ قَالَ : " نَعَم ، دُعَاةٌ عَلَى أَبوَابِ جَهَنَّمَ مَن أَجَابَهُم إِلَيهَا قَذَفُوهُ فِيهَا " قُلتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، صِفْهُم لَنَا . قَالَ : " هُم مِن جِلدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلسِنَتِنَا " قُلتُ : فَمَا تَأمُرُني إِن أَدرَكَنِي ذَلِكَ ؟ قَالَ : " تَلزَمُ جَمَاعَةَ المُسلِمِينَ وَإِمَامَهُم " قُلتُ : فَإِنْ لم يَكُنْ لَهُم جَمَاعَةٌ وَلا إِمَامٌ ؟ قَالَ : " فَاعتَزِلْ تِلكَ الفِرَقَ كُلَّهَا وَلَو أَن تَعَضَّ بِأَصلِ شَجَرَةٍ حَتى يُدرِكَكَ المَوتُ وَأَنتَ عَلَى ذَلِكَ "
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " سَتَكُونُ فِتَنٌ القَاعِدُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ القَائِمِ ، وَالقَائِمُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ المَاشِي ، وَالمَاشِي فِيهَا خَيرٌ مِنَ السَّاعِي ، مَن تَشَرَّفَ لها تَستَشرِفْهُ ، فَمَن وَجَدَ مَلجَأً أَو مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " العِبَادَةُ في الهَرجِ كَهِجرَةٍ إِلَيَّ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " وَيلٌ لِلعَرَبِ مِن شَرٍّ قَدِ اقتَرَبَ ، أَفلَحَ مَن كَفَّ يَدَهُ " وَقَالَ : " إِنَّ السَّعِيدَ لَمَن جُنِّبَ الفِتَنَ ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَن جُنِّبَ الفِتَنَ ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَن جُنِّبَ الفِتَنَ وَلَمَنِ ابتُلِيَ فَصَبَرَ ، فَوَاهًا " رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُمَا الأَلبَانيُّ . اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .


الخطبة الثانية :
اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَمَّا بَعدُ ، فَإِنَّكُم في دَارٍ دُنيَا وَعِيشَةٍ عَجلَى ، وَيُوشِكُ وَإِن عُمِّرتُم أَن تَذُوقُوا المَوتَةَ الأُولى ، فَاتَّقُوا مَن سَيُنشِئُكُمُ " النَّشأَةَ الأُخرَى " " وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيرَ الزَّادِ التَّقوَى " " وَاتَّقُوا يَومًا تُرجَعُونَ فِيهِ إِلى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفسٍ مَا كَسَبَت وَهُم لَا يُظلَمُونَ " اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الفِتَنُ الَّتي يَتَعَرَّضُ لها الإِنسَانُ في حَيَاتِهِ كَثِيرَةٌ وَمُتَنَوِّعَةٌ ، فَنَسأَلُ اللهَ السَّلامَةَ مِن ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا ، وَأَن يُعِيذَنَا مِن كَبِيرِهَا وَصَغِيرِهَا ، غَيرَ أَنَّ مِمَّا فُتِنَ النَّاسُ بِهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، وَتَعَلَّقَتهُ نُفُوسُهُم وَأُشرِبَتهُ قُلُوبُهُم ، وَلَن تَزَالَ الفِتنَةُ بِهِ مَا بَقِيَت رُوحٌ في جَسَدٍ ، المَالَ وَالنِّسَاءَ ، تِلكُمُ الفِتنَتَانِ العَظِيمَتَانِ وَالاختِبَارَانِ القَاسِيَانِ ، اللَّذَانِ عَلَيهِمَا تَدُورُ رَحَى كَثِيرٍ مِنَ الفِتَنِ وَالمُشكِلاتِ ، وَمِنهُمَا تَنتُجُ مَصَائِبُ وَتَتَوَلَّدُ مُوبِقَاتٌ ، فَمَهمَا زُيِّنَ لِلنَّاسِ في هَذِهِ الحَيَاةِ مِن شَهَوَاتٍ ، فَإِنَّ الفِتنَةَ بِالنِّسَاءِ وَالأَموَالِ أَعظَمُ وَأَلزَمُ ، وَهُمَا عَلَى الدِّينِ أَخطَرُ وَبِهِ أَضَرُّ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا تَرَكتُ بَعدِي فِتنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَبشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُم ، فَوَاللهِ مَا الفَقرَ أَخشَى عَلَيكُم ، وَلَكِنْ أَخشَى أَن تُبسَطَ الدُّنيَا عَلَيكُم كَمَا بُسِطَت عَلَى مَن كَانَ قَبلَكُم ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا فَتُهلِكَكُم كَمَا أَهلَكَتهُم " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَإِنَّ مِن شَدِيدِ الفِتنَةِ وَعَظِيمِ البَلاءِ ، مَا نَرَاهُ اليَومَ عِيَانًا جِهَارًا ، وَيَمُرُّ بِنَا لَيلاً وَنَهَارًا ، مِن ظُهُورِ النِّسَاءِ كَاسِيَاتٍ عَارِيَاتٍ ، وَبُرُوزِهِنَّ في المَجَامِعِ مَائِلاتٍ مُمِيلاتٍ ، وَقَبُولِهِنَّ بِالأَعمَالِ المُختَلَطَةِ وَرِضَا أَولِيَائِهِنَّ بِذَلِكَ ، وَالانقِيَادِ لِلدَّعوَاتِ المُغرِضَةِ لإِخرَاجِهِنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ ، وَشَغلِ المُجتَمَعِ في هَذَا الشَّأنِ ، بما هُوَ حَربٌ عَلَى الطُّهرِ وَطَعنٌ في العِفَّةِ وَهَدمٌ لِلأَخلاقِ ، مِن قِيَادَةِ المَرأَةِ لِلسَّيَّارَةِ ، أَو تَعَلُّقِهَا بِالرِّيَاضَةِ ، أَو تَوَلِّيهَا لِلرِّئَاسَةِ وَالإِدَارَةِ ، كُلُّ ذَلِكَ في تَغَافُلٍ ظَالِمٍ عَمَّا نَزَلَ في كِتَابِ اللهِ وَجَاءَت بِهِ السُّنَّةُ ، مِن وُجُوبِ غَضِّ البَصرِ وَإِرخَاءِ الحِجَابِ ، وَإِدنَاءِ الجَلابِيبِ وَالقَرَارِ في البُيُوتِ ، وَتَحرِيمِ الخَلوَةِ بِالنِّسَاءِ غَيرِ المَحَارِمِ أَوِ الدُّخُولِ عَلَيهِنَّ أَو مُصَافَحَتِهِنَّ ، وَتَحرِيمِ سَفَرِ المَرأَةِ بِلا مَحرَمٍ ، وَالنَّهيِ عَنِ التَّبَرُّجِ وَإِبدَاءِ الزِّينَةِ وَالخُضُوعِ بِالقَولِ .
وَأَمَّا المَالُ وَمَا أَدرَاكُم مَا المَالُ ؟! فَقَد حَذَّرَ المَولى ـ سُبحَانَهُ ـ عِبَادَهُ مِن فِتنَتِهِ ، وَنَهَاهُم أَن يُلهِيَهُم عَن ذِكرِهِ وَطَاعَتِهِ ، وَأَخبَرَ أَنَّ مَنِ التَهَى بِهِ فَإِنَّهُ مِنَ الخَاسِرِينَ ، كَمَا أَخبَرَ الصَّادِقُ المَصدُوقُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّ فِتنَةَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَهَلاكَهَا في المَالِ فَقَالَ : " إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتنَةً ، وَفِتنَةُ أُمَّتي المَالُ "
وَإِنَّ مِمَّا وَقَعَ في هَذَا الزَّمَانِ مِنَ الافتِتَانِ الشَّدِيدِ بِالمَالِ ، انتِشَارَ الرِّبَا وَفُشُوَّهُ في كَثِيرٍ مِنَ المُعَامَلاتِ ، سَوَاءٌ المَصرِفِيَّةُ مِنهَا أَوِ الَّتي بَينَ الأَفرَادِ ، وَأَكلُهُ أَضعَافًا مُضَاعَفَةً ، في تَجَاهُلٍ لِكَونِهِ جَرِيمَةً كَبِيرَةً ، وَأَنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ حَرَّمَهُ تَحرِيمًا شديدًا وَهَدَّدَ آكِلِيهِ تَهدِيدًا مُخِيفًا ، وَتَوَعَّدَهُم بِحَربٍ مِنهُ وَرَسُولِهِ ، وَلَعَنَ آكِلَهُ وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَيهِ وَكَاتِبَهُ . وَإنَّ فِتَنَ المَالِ سِوَى الرِّبَا في هَذَا الزَّمَانِ لَكَثِيرَةٌ ، مِن سَرِقَةٍ لِلمَالِ العَامِّ وَتَخَوُّضٍ فِيهِ بِغَيرِ حَقٍّ ، وَتَهَاوُنٍ مِنَ المُوَظَّفِينَ بِالأَمَانَاتِ وَالمَسؤُولِيَّاتِ الَّتي كُلِّفُوا بها لِتَسيِيرِ شُؤُونِ البِلادِ وَالعِبَادِ ، فَجَعَلُوا مِنهَا أَسبَابًا لأَخذِ الرَّشَاوَى وَتَنَاوُلِ السُّحتِ ، أَو أَبوَابًا لِخِدمَةِ المُقَرَّبِينَ وَمَنعِ المُحتَاجِينَ ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَاعلَمُوا أَنَّكُم مُلاقُوهُ فَخَافُوهُ ، وَلازِمُوا مَا خُلِقتُم لأَجلِهِ مِن عَبَادَتِهِ ، فَبِتَقوَاهُ وَعِبَادَتِهِ نَجَاتُكُم مِن كُلِّ فِتنَةٍ ، وَعِصمَتُكُم مِن كُلِّ بَلاءٍ وَمِحنَةٍ ، وَاستَغفِرُوا رَبَّكُم ثم تُوبُوا إِلَيهِ يُمَتِّعْكُم مَتَاعًا حَسَنًا وَيُؤتِ كُلَّ ذَي فَضلٍ فَضلَهُ ، وَاذكُرُوا اللهَ كَثِيرًا يَذكُرْكُم ، وَاشكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُم " وَلَا تُطِيعُوا أَمرَ المُسرِفِينَ . الَّذِينَ يُفسِدُونَ في الأَرضِ وَلَا يُصلِحُونَ " وَأَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلى أَهلِهَا وَلا تَبخَسُوا النَّاسَ أَشيَاءَهُم ، وَمُرُوا بِالمَعرُوفِ وَانهَوا عَنِ المُنكَرِ ، وَاستَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ ، وَمُرُوا بها أَهلِيكُم وَاصطَبِرُوا عَلَيهَا تُرزَقُوا ، ثم احذَرُوا مِمَّا يُحَاوِلُ الحَمقَى وَالسُّفَهَاءُ وَالمُنَافِقُونَ ، مِن إِحدَاثِهِ بَينَكُم لِيَتَصَدَّعَ بِنَاؤُكُم وَتَتَفَتَّتَ وحدَتُكُم ، مِن إِحيَاءِ العَصَبِيَّاتِ القَبَلِيَّةِ المُنتِنَةِ ، أَو إِذكَاءِ التَّحَزُّبَاتِ الفِكرِيَّةِ المُحرِقَةِ ، أَو كَثرَةِ الطَّرقِ عَلَى أَخطَاءِ المَسؤُولِينَ وَتَعلِيقِ النُّفُوسِ بِالدُّنيَا ، وَرَبطِ الوَلاءِ لِلحُكَّامِ بِالعَطَاءِ مِنَ الحُطَامِ ، أَو نَشرِ الأَقوَالِ الشَّاذَّةِ وَالآرَاءِ المُخَالِفَةِ ، وَالمَأخُوذَةِ عَن غَيرِ الرَّاسِخِينَ في العِلمِ ، وَاحفَظُوا أَلسِنَتَكُم وَأَقلامَكُم وَالأَجهِزَةَ الَّتي في أَيدِيكُم ، وَاحذَرُوا مِن أَن تَكُونُوا قَنَوَاتٍ لِنَشرِ كُلِّ سَاقِطٍ مِنَ القَولِ أَو مُثِيرٍ لِلفِتَنِ مِنَ الشَّائِعَاتِ وَالمُبَالَغَاتِ ، وَتَثَبَّتُوا مِن كُلِّ نَبأٍ وَخَبرٍ ، وَتَبَيَّنُوا كَمَا أَمَرَكُمُ اللهُ ، فَكَفَى بِالمَرءِ كَذِبًا وَإِثمًا أَن يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ، ثم الزَمُوا الجَمَاعَةَ وَاحرِصُوا عَلَى الائتِلافِ ، وَاحذَرُوا التَّفَرُّدَ بِالرَّأيِ وَالاختِلافَ ، وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا ، وَ" إِيَّاكُم وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكذَبُ الحَدِيثِ ، وَلا تَحَسَّسُوا وَلا تَجَسَّسُوا ، وَلا تَنَافَسُوا وَلا تَحَاسَدُوا ، وَلا تَبَاغَضُوا وَلا تَدَابَرُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخوَانًا كَمَا أَمَرَكُم ، المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ لا يَظلِمُهُ وَلا يَخذُلُهُ وَلا يَحقِرُهُ " اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
المرفقات

خطبة عيد الفطر 1434.pdf

خطبة عيد الفطر 1434.pdf

خطبة عيد الفطر 1434.doc

خطبة عيد الفطر 1434.doc

المشاهدات 6928 | التعليقات 12

جزاك الله خيرا على جهدك ............ ولتعلم يا شيخ أنني وغيري كثيييييييييييير ننتظر جديدك من الخطب ، بل أستفدنا منها ،،،،،،، لاحرمك الله الاجر ومتعك الله بالصحة والعافية وطول العمر على طاعته أنت وجمع من شارك في هذا الملتقى المبارك وجميع المسلمين .


الأستاذ الفاضل عبد الله البصري : زادك الله رفعةً وسمُوًّا ، خطبة حول الفتن جليلةٌ متينةٌ ، وحبذا - من وجهة نظر أخيك الحبيب - لو طُعّمت بوحداتٍ تذكيريّة أخرى خارج موضوع الفتن لكان اجود ، فالاستفتاح كان بالسعادة و البهجة ، ثم جاء موضوع الفتن - وما أجلّه أستاذي الكريم - فجاء الخوف والرعب من المضلاّت والأهواء ، دون إفصاحٍ دقيقٍ واضحٍ صريح - خاصّة مع ما تعانيه بلاد الكنانة مما يحتاج إلى وضوح في الإرشاد والبيان - فتمنيّنا لو جاءت خطبة العيد على نسق السعادة والبهجة لكان أفضل ، وفي كل خير ، خاصّةً من مثل الأستاذ عبد الله زاده الله علمًا وخلقًا .


[align=justify]

زادني الله وإياك والجميع شيخ عبدالله من فضله

سأتطفل على متصفحك بهذه الزيادة فأستبيحك عذرا

وهكذا شأن الفتن إذا عظُمت في الأمة، كما وصفها بذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بقوله: (تبدأ في مدارج خفية، وتؤول إلى فظاعة جلية، فتزيغ قلوب بعد استقامة، وتضلّ رجال بعد سلامة، وتختلف الأهواء عند هجومها، وتلتبس الآراء عند نجومها، من أشرف لها قصمته، ومن سعى فيها حطمته، تغيض فيها الحكمة، وتنطق فيها الظلمة، وتثلِم منارَ الدين، وتنقض عقد اليقين، ، ثم يوجّه -رضي الله عنه- بعد ذلك إلى اجتناب الفتن فيقول: (فلا تكونوا أنصاب الفتن، وأعلام البدع، والزموا ما عُقد عليه حبل الجماعة، وبُنيت عليه أركان الطاعة، واقدموا على الله مظلومين، ولا تقدموا عليه ظالمين، واتقوا مدارج الشيطان، ومهابط العدوان) انتهى كلامه رضي الله عنه.
[/align]


حياكم الله جميعًا إخوتي الكرام : الشفق ، رشيد بن إبراهيم ، صالح العويد ، وشكر المولى لكم مروركم لتشريف موضوع أخيكم الفقير إلى عفو ربه وتشجيعه .
وأبدأ بقولٍ يُروى عن عماد الدين الأصفهاني ، ويُستشهد به في مثل هذه المواقف كثيرًا ، حيث يقول : إني رأيت أنه لا يكتب أحد كتابًا في يومه إلا قال في غدِهِ : لو غُـِّيَر هذا لكان أَحسن ، ولو زِيدَ هذا لكان يُستحسَن ، ولو قُدِّمَ هذا لكان أَفضلَ ، ولو تُرِكَ هذا لكان أَجملَ ، وهذا من أعظم العِبَرِ ، وهو دليلٌ على استيلاءِ النقص ِعلى جُملةِ البَشَرِ ...ا.هـ
وأُثَنِّي بأني لم أكن عازمًا على الكتابة لوجود فرسان في هذا المنبر لا أستطيع مجاراتهم ولا اللحاق بهم ، ولولا أنْ طلب مني إخوة محبون من أمثالكم وكرروا الطلب ، حتى لم يكن لي بد من الإجابة ، لما رقمت سوداء في بيضاء .
وقد احترت ـ كما هي عادة من لا يخططون أمثالي ـ فيم أكتب وعم أتحدث ؟ لا لقلة في الموضوعات ، بل لأن كثرتها وتزاحمها على الكاتب وحاجة الأمة في كل صقع من أصقاعها إلى موضوع يخص من هنالك ، يزهده في الكتابة ويجعله يعزف ويكسر قلمه ويريح فكره ، متمثلاً بقول المتنبي ـ على ما فيه ـ :
رماني الدهرُ بالأرزاءِ حتى *** فؤادي في غشاءٍ مِن نِبَالِ
فَصِرتُ إذا أصابتني سِهامٌ *** تَكَسَّرتِ النِّبالُ على النِّبالِ
وَهَانَ فما أُبالي بِالرَّزايا *** لأَنِّي ما انتفَعتُ بأن أُبالي

ومن جرب الكتابة عرف ، ومن فتح المجال للاقتراحات والآراء علم .
وبعدُ ، فقد كنت بدأت الخطبة بمقدمة غير هذه المقدمة ـ أخي الشيخ رشيد ـ كنت أراها مناسبة لموضوع الفتن ، فأشار علي من أشار بهذه المقدمة التي فيها شيء من إظهار البشر والسرور والفرح بإكمال الصيام والقيام ، وما من الله به علينا في هذه البلاد ، تمهيدًا للحديث عن إخوتنا في البلاد التي حولنا ، ممن صاموا وقاموا وقضوا شهرهم الكريم في أحوال مضادة لما نحن فيه ، عسى الله أن يفرج عنهم .
وقد أخذت برأي أخي وكتبت ما كتبت ، والله المستعان .
وأما قضية الإجمال وعدم التفصيل ، فأنت على علم ـ أخي الشيخ رشيد ـ بأن الوضع الساخن ليس في أرض الكنانة فحسب ، ومن ثم فإني ملزم إن تكلمت عن وضع مصر أن أتعرض لأوضاع إخواننا في الشام وفي بورما وفي غيرها .
وما من شك أن الخطبة ليست نشرة أخبار ولا تقرير أوضاع ، بقدر ما هي موعظة وتذكير وبيان لما يدين الخطيب به ربه ، ويراه صراطًا مستقيمًا ، يدل من يستمعون خطبته إلى سلوكه ، لينجوا بأنفسهم ، فهو كمن يقف بجوار غرقى ، لا يكثر التفصيل فيما أصابهم ولا ما سببه بقدر ما يحاول أن يمد إليهم يده وينقذهم .
وأما كلام الإمام علي ـ أخي الشيخ صالح ـ فهو كلام متين رصين ، نحتاج إليه وإلى أمثاله من كلام السلف الصالح في وصف الفتن والتحذير منها ، ولكني تركت النقل في هذا ؛ لئلا تطول الخطبة ويتشعب الحديث ؛ وأنا أواجه من إخواني الخطباء بشديد رجاء وحثيث طلب بالاختصار وعدم الإطالة ، وإني لأميل إلى ذلك خاصة وأنا أرى الناس يتسللون من المصلى لِواذًا منذ انتهاء الخطبة الأولى ، فكيف نطيل عليهم بذكر قول فلان وفلان ؟!
وقد تلحظون ـ إخوتي ـ أني أشرت إلى كثير من الأدلة سواء في وصف الفتن ، أو ما يتعلق بما وجهت به النساء لحفظ عفتهن وصيانة أعراضهن ، ولم أكتب أي دليل في ذلك بنصه مخافة الإطالة ، فكيف بالأقوال ؟!
فلعلكم تعذرونني ، خاصة إذا علمتم أن الخطبة نموذج مفتوح ، لمن شاء أن يزيد فيه ما شاء أو ينقص ، حسبما يراه ويسمح به وضعه ويحتاجه المستفيدون أمامه .
ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق ، ومن كانت تقوى الله لباسًا يتدثر به ودمًا يجري في قلبه كفاه قليل من الكلام ، ومن كان دون ذلك ، فلا والله لا يتعظ ولو تلوت عليه القرآن كاملاً ، ورويت له ما في الصحاح والمسانيد ، ونقلت له قول كل إمام وعالم .
اللهم اهدنا وسددنا ويسر الهدى لنا ، وسددكم الله ـ إخوتي ـ وأرشدكم ، ونفع بكم أينما كنتم ، وزادنا وإياكم علمًا وفهمًا ...


وشكر الله لك مرورك وعاطر ثنائك ، وغفر لك ـ أخي أبا عبدالله ـ وختم لنا ولكم بخير .


شكر الله لك ياشيخ عبدالله .خطبة موفقة وﻻ حرمك الله اﻷجر.


أستاذ عبد الله : نكتبُ لكم ووالله إنّا لنستحي منكم . . لا حرمنا اللهُ التأسّي بأخلاقكم ، فزادكم الله رفعةً وسمُوّا !
[IMG]http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcRpujHBswQSo_A8bCtxvkpCl19SKh3FJVShtWIU9uyee3KXg7ItUQ[/IMG]


أسعد الله أوقاتك وكرر الله أعيادكم وزادكم الله رفعة ونفعا للإسلام والمسلمين !
وبعد فأشكر الله أولا وآخرا , ثم أشكرك أخي الفاضل الشيخ عبد الله البصري وأبدي إعجابي بقوة طرحك وفصاحة لغتك , بارك الله في جهودك .
ثم أشكر الأستاذ الفاضل والناصح المناضل الشيخ رشيد بن إبراهيم بو عافية , وأبدي إعجابي به من وجهين (1) أنه يوجه نصحه وربما نقده بدون مجاملة (2) أنه يطرح ذلك بأسلوب رقيق وطريقة ترغمك على القبول , تشبه من بعض الوجوه طريقة الشيخ ابن باز رحمه الله , الذي كان بازا يصيد الصيد ولا يدميه !
وكم نحتاج لأمثاله من الأصدقاء ممن يَصْدُقُنَا ولا يُصَدِّقُنَا فقط ! فالمؤمن العاقل يقبل نقد إخوانه ويدعو لهم بظهر الغيب , وقد نقدني الشيخ رشيد واستفد من نقده بل من نصحه , فجزاه الله عنا خيرا وبارك فيه , وبارك في أخي الشيخ عبد الله البصري وفي جميع إخواننا في المنتدى , بل والأمة جمعاء .
زادكم الله تعاونا , وإلى الأمام إخواني الفضلاء , وعيدكم مبارك !


الأستاذ محمد بن مبارك الشرافي : والله الذي لا إله غيره إني أحبّك في الله و جميع إخواني في الملتقى ، و حسبي - ولا أقولها تواضعًا - أن أبلغ مبلغكم في العلم والأدب .


جزاك الله خيرا شيخنا عبدالله ونفع بك
والله إنني وكثير من إخواني الخطباء نستفيد من خطبك أسأل الله أن يبارك في جهودكم وأن يجزيكم خير الجزاء