مسائل فقهية معاصرة

حسين عامر
1434/04/11 - 2013/02/21 19:33PM
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ، فهذه بعض المسائل الفقهية المعاصرة كنت قد جمعتها لإخواني وأحبابي طلبة الفقه عندما كنا نشرح كتاب فقه السنة ، وقد رأيت أن أعرضها هنا للفائدة .
وخشية إطالة الموضوع بالنقول المختلفة عن علمائنا من كتب الفقه القديمة أو المعاصرة مزجت بينها في السياق بدون توثيق إلا إذا رأيت فائدة في التوثيق بنقل النص ونسبته إلى من قاله من العلماء،فعملي هو الجمع والترتيب والتبسيط .
وسبحان الله كلما قرأ طالب العلم أكثر كلما ازداد معرفة وفهما وبصيرة بالأمور ؛ فكلما زاد عمر الإنسان زاد علمه وزادت خبرته بالحياة والواقع . وحينما انتقلت إلى كندا جدت مسائل وأمور جديدة لم تكن بمصر فالجالية هنا خليط من المغرب والجزائر وتونس ولبنان وسوريا وباكستان وأفارقة ، وهذا مزيج كبير لمجتمعات إسلامية تختلف في بعض الواقع والتصور ، والمشاكل عن بعضها ، فكلما عرضت لي مسألة أو فتوى بذلت جهدي في البحث لأصل فيها إلى ما أظنه الصواب ، ومن ثم أضيفها في هذه المسائل للفائدة .
وهذا اجتهادي أبغي به وجه الله فإن أحسنت فالحمد لله وإن أسأت فاستغفر الله ، ورحم الله امرءا أهدى إلى عيوبي .
والله من وراء القصد


المشاهدات 34477 | التعليقات 17

مسألة الماء المتنجس وحديث القلتين :
في المسألة قولان للفقهاء:
الأول : مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد قالوا بأن الماء إذا خالطته نجاسة وهو دون القلتين فهو نجس تغير أم لم يتغير ،أما إذا بلغ القلتين ولم يتغير فهو طهور لحديث عبد الله بن عمر قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع ، فقال : " إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث " . رواه الحاكم






ما قدر القلتين ؟
يعتبر الماء كثيرا إذا بلغ قلتين فأكثر ، والقلة هي الجرة الكبيرة ، قال الأزهري : والقلال مختلفة وقلال هجر من أكبرها .

وحددها العلماء المعاصرون : بما يقارب200 كيلو جرام، أو بما يقارب (270) لترمن الماء.


الثاني : قول مالك وبه قال أهل الظاهر واختيار ابن تيمية : عدم التفريق بين القليل والكثير فإذا تغير بالنجاسة حكمنا بأنه نجس، وإذا لم يتغير بالنجاسة لا بلون، ولا بطعم، ولا بريح، فإنه يعتبر طهوراً ، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ( الماء طهور لا ينجسه شئ ) رواه أحمد

وهو الراجح لأن علة النجاسة الخبث فمتى وجد الخبث في شئ فهو نجس ومتى لم يوجد فليس بنجس ؛فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما .
وأما حديث القلتين :فقد اختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه. فمن قال: إنه ضعيف فلا معارضة بينه وبين حديث: "إن الماء طَهُور لا ينجِّسه شيء" ؛ لأن الضَّعيف لا تقوم به حُجَّة.
وعلى القول بأنه صحيح فيقال: إذا ورد حديثان متضادان في الحكم مثل حديث (القلتين) و(بئر بضاعة) ذكر العلماء أن حديث (بئر بضاعة) مطلق وحديث القلتين مقيد, فيحمل المطلق على المقيد .
وقال الشوكاني في السيل الجرار(وأما ماكان دون القلتين فلم يقل الشارع انه يحمل الخبث قطعا وبتا بل مفهوم حديث القلتين يدل علي أن ما دونهما قد يحمل الخبث وقد لا يحمله)
وقال ابن عثيمين : إن له منطوقاً ومفهوماً.


فمنطوقه: إذا بلغ الماء قُلتين لم ينجس، وليس هذا على عمومه؛ لأنه يُستثنى منه إذا تغير بالنَّجاسة فإنه يكون نجساً بالإجماع ،فهو عام خص منه المتغير بالنجاسة فيبقى الباقي على عمومه كما هو الصحيح عند الأصوليين.


ومفهومه أن ما دون القُلّتين ينجس، فيقال: ينجس إذا تغيَّر بالنَّجاسة؛ لأن منطوق حديث: "إن الماء طَهُور لا يُنَجِّسُه شيء" مقدَّم على هذا المفهوم، إذ إنَّ المفهوم يصدق بصورة واحدة، وهي هنا صادقة فيما إذا تغيَّر.
فالماء لا ينجس إلا بالتغير مطلقاً سواء بلغ القلتين أم لم يبلغ ، لكن ما دون القلتين يجب على الإنسان أن يتحرز إذا وقعت فيه النجاسة لأن الغالب أن ما دونهما يتغير .


حديث الذباب
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه ، فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء ) رواه البخاري ، وفي رواية لأبي داود ( وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء ) .
وهذا الحديث ينبغي على المسلم أن يتلقاه بالقبول والتسليم وألا يعارضه بعقله القاصر ، لأنه قد ثبت وصح عمَّن لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، فكيف وقد جاءت حقائق العلم والطب الحديث بتصديقه وتأكيد ما فيه ؟! .
يقول الدكتور عبد الدائم كحيل : من الأشياء المثيرة عن عالم الذباب، أن العلماء اكتشفوا مادة مطهرة على جناح الذباب! وهذه ليست خيالاً علمياً بل حقيقة علمية. فقد تأكد العلماء قبل سنوات قليلة من وجود مادة تستطيع التهام البكتريا الضارة، وهذه المادة موجودة في جسم الذباب.
وبعد ذلك تبين أن هذه المادة قد ساهمت في القضاء على وباء الكوليرا الذي اجتاح الهند في بداية القرن العشرين. حتى إن بعض العلماء استخرجوا مضاداً حيوياً من الذباب واستخدموه في القضاء على بعض أنواع الجراثيم. وقد لاحظ العلماء أن هذه المواد الحيوية تخرج من جسم الذبابة عند غمسها في الماء أو السوائل الأخرى فتنطلق هذه المضادات بسبب الضغط الذي يمارسه السائل على جسم هذه الذبابة.
إذن الحقيقة العلمية الثابتة أن الذباب يحمل على جناحه الكثير من الجراثيم الخطيرة، وبنفس الوقت يحمل المضادات الحيوية والفيروسات القاتلة للجراثيم، إذن يمكن القول بأن الداء والدواء موجودان في ذبابة واحدة!!
ولا نعجب إذا علمنا بأن هذه الحقيقة العلمية قد تحدث عنها بالتمام والكمال سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقال في الحديث الصحيح: (إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه، فإن في أحد جناحيه داء في الآخر شفاء) رواه البخاري. وسبحان الله الذي علّم هذا النبي الأمي عليه الصلاة والسلام هذا العلم. ففي كل كلمة من هذا الحديث حقيقة علمية:

1- قرر الحديث وجود الداء في جناح الذباب، وهذا لم يكن معروفاً في القرن السابع الميلادي زمن حياة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
2- قرر الحديث وجود الشفاء أو الدواء في جناح الذباب، وكما رأينا أنه ثبُت علمياً وجود المضادات الحيوية في الذباب.
3- أشار الحديث إلى ضرورة غمس الذبابة في الماء، وفي هذا إشارة إلى آلية خروج الأجسام المضادة من جسم الذبابة، بعد الضغط عليها إلى داخل السائل وغمسها جيداً فيه، وهذا ما ثبت علمياً أيضاً.
4- أكد الحديث على ضرورة نزع الذبابة من السائل لأن الهدف من غمسها هو إخراج المضادات الحيوية الموجودة فيها.
رابط المقالة : ما هو الإعجاز العلمي في حديث الذباب؟
ومما ينبغي أن يُتَنبه له حتى لا يبقى هناك مجال للمشككين في الحديث ، أن الأمر في الحديث إنما هو أمر إرشاد لا أمر وجوب فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر من وقعت ذبابة في طعامه أو شرابه أن يستمر في الطعام والشراب ، وإنما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم من أراد أن يأكل من هذا الطعام أو الشراب الذي وقعت فيه الذبابة أن يغمسها فيه ، وأما من لا يريد الأكل أو الشرب بأن تعاف نفسه منظر الذباب إذا وقع في الطعام أو الشراب فلا يلزمه الاستمرار ، ولا يكون بذلك مخالفاً لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - .


حكم الأنفحة :
ويختلف حكم الإنفحة باختلاف ما أُخذت منه :
1- إن أُخذت من حيوان مذكى ذكاة شرعية فهي طاهرة يجوز أكل الجبن المصنوع منها اتفاقاً .
2- وإن أخذت من ميتة أو من حيوان لم يذكَّ ذكاة شرعية ، ففيها خلاف بين الفقهاء :
أ‌- فالجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة على أنها نجسة ، ودليلهم: أن الإنفحة نجسة، لكونها في وعاء نجس، وهو كرش الميتة، فيكون مائعاً لاقى نجساً فتنجس بمجرد الملاقاة، ولأن اللبن لو صب في إناء نجس تنجس، فكذلك الإنفحة لكونها في وعاء نجس.
ب‌-وذهب جماعة من الصحابة والتابعين منهم عمر، وسلمان الفارسي، وطلحة، والحسين بن علي وغيرهم، وهو مذهب الحنفية، ورواية عن أحمد، واختاره ابن تيمية ؛ ذهبوا إلى طهارتها ، وهذا ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، حيث قال في "الفتاوى " والأظهر أن جبنهم حلال - أي المجوس - وأن إنفحة الميتة ولبنها طاهر..... لأن إنفحة الميتة طاهرة على هذا القول ، لأن الإنفحة لا تموت بموت البهيمة ، وملاقاة الوعاء النجس في الباطن لا ينجس .
وإذا كان هذا هو الراجح ، فسواء علمنا مصدر الإنفحة وأنها من حيوان مذكى ، أو غير مذكى ، أو لم نعلم ، فلا حرج عليك في أكل الجبن المصنوع منها .
ما رواه ابن أبي شيبة عن عمرو بن شرحبيل، قال: ذكرنا الجبن عند عمر، فقلنا: إنه يصنع فيه أنافيح الميتة، فقال: "سموا عليه وكلوه". وهذا سند في غاية الصحة، وقال أحمد: هو أصح حديث في الباب، كما سبق.
ويدل عليه أيضا أن سلمان الفارسي كان نائب عمر بن الخطاب على المدائن، وكان يدعو الفرس إلى الإسلام، وقد ثبت عنه: أنه سئل عن شيء من السمن والجبن والفراء؟ فقال: الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفى عنه.
ومعلوم أنه لم يكن السؤال عن جبن المسلمين وأهل الكتاب، فإن هذا أمر بين، وإنما كان السؤال عن جبن المجوس: فدل ذلك على أن سلمان كان يفتي بحلها


دم الإنسان غير دم الحيض :
وهو مختلف فيه بين المتقدمين من العلماء والمتأخرين على النحو التالي :
فقد ذهب الأئمة الأربعة إلى نجاسته ودليلهم على ذلك قول الله تعالى :{ قُل لاّ أَجِدُ فِي ما أُوْحِيَ إِلَيّ مُحَرّماً عَلَىَ طاعم يَطْعَمُهُ إِلاّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلّ لِغَيْرِ الله بِهِ فَمَنِ اضْطُرّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنّ رَبّكَ غَفُورٌ رّحِيمٌ } الأنعام - الآية 145.

بينما ذهب المتأخرون منهم على طهوريته منهم الشوكاني والألباني وابن عثيمين ودليلهم ما يلي :


1ـ أنَّ الأصل في الأشياء الطَّهارة حتى يقوم دليل النَّجاسة، ولا نعلم أنَّه أمَر بغسل الدَّمِ إلا دم الحيض، مع كثرة ما يصيب الإنسان من جروح، ورعاف، وحجامة، وغير ذلك، فلو كان نجساً لبيَّنه ؛ لأنَّ الحاجة تدعو إلى ذلك.

2 ـ أن الحكم على نجاسة الدم مخالفاً للسنة كما في الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود عن جابر رضي الله عنه قال : ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني في غزوة ذات الرقاع - فأصاب رجلٌ امرأة رجلٍ من المشركين ، فحلف – يعني المشرك - أن لا انتهي حتى أهريق(أسيل) دما في أصحاب محمد ، فخرج يتبع أثر النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم منزلا ؛ فقال : من رجل يكلؤنا ؟ فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار ، فقال : كُـونا بِـفَـمِ الشِّعب .

قال : فلما خرج الرجلان إلى فَـمِ الشعب اضطجع المهاجري ، وقام الأنصاري يصلي ، وأتى الرجل فلما رأى شخصه عرف أنه ربيئة للقوم ، فرماه بسهم ، فوضعه فيه ، فنزعه ، حتى رماه بثلاثة أسهم ، ثم ركع وسجد ، ثم انتبه صاحبه ، فلما عرف أنهم قد نذروا به هرب ، ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الــدمّ قال : سبحان الله ألا أنبهتني أول ما رمى ؟ قال : كنت في سورة أقرأها فلم أحب أن أقطعها " صحيح أبي داود "
وهو في حكم المرفوع لأنه يستبعد عادة أن لا يطلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ، فلو كان الدم الكثير ناقضا لبينه صلى الله عليه وسلم ، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما هو معلوم من علم الأصول .
وعلى فرض أن النبي صلى الله عليه وسلم خفي ذلك عليه ، فما هو يخفى على الله الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ، فلو كان ناقضا أو نجسا لأوحى بذلك إلى نبيه صلى الله عليه وسلم كما هو ظاهر لا يخفى على أحد .

-3 أنَّ المسلمين مازالوا يُصلُّون في جراحاتهم في القتال، وقد يسيل منهم الدَّمُ الكثير، الذي ليس محلاًّ للعفو، ولــم يـرد عنـه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الأمرُ بغسله، ولم يَرِدْ أنهم كانوا يتحرَّزون عنه تحرُّزاً شديداً؛ بحيث يحاولون التخلِّي عن ثيابهم التي أصابها الدَّم متى وجدوا غيرها.

وقد صلّى عمر رضي الله عنه بعدما طُعن وجُرحه يثعب دمـاً . يعني يجري أو ينزف دما.
ولذا قال الحسن – رحمه الله – : ما زال المسلمون يُصلُّـون في جراحاتهم . رواه البخاري تعليقاً ورواه ابن أبي شيبة موصولاً .

وروى البخاري هذه الآثار تعليقاً ، فقال : وعَصَر ابن عمر بثرة فخرج منها الدم ولم يتوضأ ، وبزق بن أبي أوفى دما فمضى في صلاته ، وقال ابن عمر والحسن فيمن يحتجم : ليس عليه إلا غسل محاجم


4 ـ أن الشهيد يدفن بدمه، ولا يغسل، ولو كان نجساً لوجب غسله،
وقولهم : إن العلة أنه يبعث يوم القيامة اللون لون الدم والريح ريح المسك، أو قولهم : إن ذلك أثر عبادة كل ذلك ليس كافياً في ترك النجاسة على بدن المسلم، فالدم يوم القيامة ليس هو الدم الذي عليه ؛ لأن الله ينشأه نشأة أخرى، وأثر العبادة لا يجعلنا نترك الميت متلطخاً بنجاسته، فعلم طهارة الدم.

ومن هذه الأدلة السابقة يتضح وضوحاً ظاهراً طهارة دم الإنسان والله تعالى أعلى واعلم.


فإن قيل: ألا يُقاس على دَمِ الحيض، ودم الحيض نجس، بدليل أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَمَرَ المرأة أن تَحُتَّه، ثم تَقرُصَه بالماء، ثم تَنْضحه، ثم تُصلِّي فيه

فالجواب: أن بينهما فرقاً:

أ ـ أن دم الحيض دم طبيعة وجِبِلَّة للنساء، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ "إنَّ هذا شيءٌ كتبه اللهُ على بنات آدم"فَبَيَّنَ أنه مكتوب كتابة قَدريَّة كونيَّة، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ في الاستحاضة: "إنَّه دَمُ عِرْقٍ" ففرَّق بينهما.


ب ـ أنَّ الحيضَ دم غليظ منتنٌ له رائحة مستكرهة، فيُشبه البول والغائط، فلا يصحُّ قياس الدَّم الخارج من غير السَبيلَين على الدَّم الخارج من السَّبيلَين، وهو دم الحيض والنِّفاس و الاستحاضة.


فإن قيل: إنَّ فاطمة ـ رضي الله عنها ـ كانت تغسل الدَّمَ عن النبيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ في غزوة أُحُد وهذا يدلُّ على النَّجاسة. أُجيب من وجهين:

أحدهما: أنَّه مجرَّد فِعْل، والفعل المجرَّد لا يدلُّ على الوجوب.


الثاني: أنه يُحتَمَل أنَّه من أجل النَّظافة؛ لإزالة الدَّم عن الوجه، لأنَّ الإنسان لا يرضى أن يكون في وجهه دم، ولو كان يسيراً، فهذا الاحتمال يبطل الاستدلال.


قئ الآدمي :
وفيه قولان :
1- الأئمة الأربعة قالوا بنجاسته وإن كان الإمام مالك شرط في القول بنجاسته أن يتغير الطعام عن حاله ولو بحموضة .
وعلة نجاسته عندهم القياس على البول والبراز واستدلوا أيضاً بحديث عمار (إنما تغسل ثوبك من البول والغائط والقئ والدم ) وحديث أبي الدرداء ( أن النبي قاء فأفطر فتوضأ )

2- ابن حزم والشوكاني والألباني قالوا بطهارته لأن الأصل في جميع الأشياء الطهارة ، وأنه لا ينقل عن ذلك الأصل إلا بناقل صحيح صالح للاحتجاج به غير معارض بما يرجح عليه أو يساويه وهذه الدعوى تتضمن أن الله سبحانه وتعالى أوجب على عباده واجباً هو غسل هذه العين وأنه يمنع وجودها صحة الصلاة فأين الدليل على ذلك ؟!!


وأما ما استدلوا به فالحديث الأول رواه البزار وأبو يعلى ،وهو ضعيف لا يحتج به وأما حديث أبى الدرداء فقد رواه أبو داود وسنده صحيح ،لكن ليس فيه دلالة على نجاسة القئ ولا على وجوب الوضوء منه وإنما غايته مشروعية الوضوء منه لأن مجرد فعل النبي لا يدل على الوجوب ،وليس كل ما ينقض الوضوء يعد نجساً ،وإلى هذا ذهب ابن حزم ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى


حكم إفرازات المهبل عند المرأة :
ما يخرج من المرأة عند الشهوة مذي ،أما ما سوى ذلك مما يسميه الفقهاء (رطوبات الفرج ) ويطلق عليه حديثا (إفرازات المهبل )والتي تخرج من فرج المرأة في غالب الأوقات وتزداد أثناء الحمل وعند بذل المجهود أو المشي الكثير ، فهذه طاهرة لعدم الدليل على نجاستها ، ومثل هذه الإفرازات لاشك أنها كانت تصيب النساء زمن الوحي ، ولم يرد فيها شئ عن النبي ، بالإضافة أن مخرجها غير مخرج البول النجس فدل على طهارتها


حكم الدجاج الذي يتغذى على علف مخلوط به مطحون عظام حيواني :
ثار الجدل في هذه الأيام حول لحم الدَّجاج الذي يُضَاف إلى عَلَفِه بعض المواد النجسة أو الكيماوية التي تُسرع نموها وتزيد حجمها أو وزنها ، وكان مِحْوَر الجدل في نقطتين ، إحداهما صِحية ، والأخرى دينية .
وقد اختلف ذوو الاختصاص والخِبْرَة في تأثير ذلك على صحة الإنسان ، ما بين مُثبت للضرر ، وبخاصة في علاقته بالفشل الكلوي والسرطان ، ونافٍ لهذا الضرر ، وبخاصة بهذه الصورة الرهيبة ، مع إشارة بعضهم إلى أن ما يُمْكِن أن يكون من ضرر فهو ليس بهذا الحجم الذي يحرِّم تناول هذه اللحوم .
ومبدئيًا نقول : ما دام لم يَجْزِم أهل الذكر بوجود الضرر البيِّن الذي يؤثر تأثيرًا بالغًا بالصحة والمال والعقل وسائر ما حاطه الإسلام بالرعاية من أجل تأدية الإنسان وظيفته في الحياة على الوجه المطلوب ، فلا وجه للقول شرعًا بمنع تناوله؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا ، فما دامت العِلَّة ـ وهي الضرر المذكور ـ غير محقَّقة فالأصل في الأشياء الحل ، فإن تحققت كان المنع ، وقد جاء الشرع لتحقيق المصلحة ومنع المفسدة ، والله سبحانه يقول : (وَلا تُلْقُوا بأيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة ) (سورة البقرة : 195) ، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول في الحديث : " لا ضَرر ولا ضِرار " رواه ابن ماجه
واختلف العلماء فيما يُناط به الحُرْمَة والكراهة ، إنه إن كان أكثر أكلها الطاهرات فليست بجلالة ، والأصح أنه لا اعتبار بالكثرة بل بالرائحة ، فإن كان يوجد في مَرَقتها أو فيها أدنى ريح النجاسة وإن قلَّ فالموضع موضع النهي ، وإلا فلا ، فإن عُلفت الجلالة علفًا طاهرًا مدة حتى طاب لَحْمُها وزالت النجاسة زالت الكراهة ، ولا تُقدَّر مدة العلف عندنا بزمن ، بل المعتبر زوال الرائحة بأي وجه كان .
ب ـ يُؤْخَذ من هذا أن مَناط النهي هو وجود رائحة النجاسة وتغير اللحم أو اللبن أو البيض ، وذلك تابع في الغالب إلى كثرة ما تُعْلَف به الدابَّة من النجاسة أو قوة تأثيره .

جـ ـ فإذا وُجِدت الرائحة أو تغيّر اللحم طعمًا ، قال العلماء بمنع تناول لحمها وما ينتج عنه . فما هي درجة هذا المنع؟ هل هي الحُرْمَة أو الكراهة ؟ قولان للفقهاء بين الحكم بالحرمة أو الكراهة التحريمية أو الكراهة التنزيهية
د ـ وإذا كان المنع من أكل لحم الجلالة وشرب لبنها منوطًا بوجود النتن والتغير في الطعم والرائحة ، فكيف تزول هذه العلة حتى يزول المنع ؟
قال جماعة : يكفي زوال الرائحة والطعم بأية وسيلة من الوسائل ، وقال آخرون : لابد من حبس الدابة مُدَّة حتى تزول الرائحة .
وقال جماعة من هؤلاء لابد مع الحبس من العلف الطيب ، وبدون ذلك يكره أكل اللحم وشرب اللبن
هـ هذا والممنوع في الجلالة ـ بوصف كونها جلالة ـ هو أكل لحمها وشرب لبنها ، وكذلك أكل البيض ، وأيضا حمل الأمتعة عليها ، وركوبها بغير حائل بين ما يُحمل عليها وبين جلدها ، وذلك على سبيل الكراهة في الركوب .
الخلاصة : الطيور والحيوانات التي يخلط علفها بمادة نجسة ، ولكنه لم يظهر فساد هذه النجاسة في لحمها أو لبنها أو بيضها، من ناحية الرائحة أو الطعم ، وكذلك لم تكن ضارة في تناولها ، فإنه لا يحرم أكلها ولا يكره أيضا لزوال عله النهي وهي الفساد .
فإن كان علفها كله نجسا أو ظهر فيها الفساد فقد اختلف العلماء فيها بين الحكم بالحرمة أو الكراهة التحريمية أو التنزيهية.
والأولى علفها بمادة طيبة مدة من الزمان قبل تناولها حسما لموطن الخلاف.
(هذا الحكم نقلته ملخصا عن كتاب فتاوى وأحكام للشيخ عطية صقر رحمه الله وكان رئيس لجنة الفتوى بالأزهر.)


الخمر :
وهي نجسة عند جمهور العلماء ، لقول الله تعالى ( إنما الخمر والميسر والأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان )المائدة 90

الميسر: القمار
والأنصاب :التماثيل
والأزلام: الأزلام جمع زَلَم، وهو السهم، أو القدح، بمعنى قطعة من غصن مشذبة، لا ريش لها ولا نصل؛ وسميت هذه القِداح بالأزلام، لأنها زلمت، أي سويت؛ وكان أبو رافع مولى النبي ممن يصنعها في الجاهلية، وكان أهل الجاهلية يكتبون على بعضها افعل ، وعلى بعضها لا تفعل ويضعونها في كيس ، فإذا أراد المرء حاجة أدخل يده في الكيس لإخراج واحد منها.
وذهبت طائفة إلى القول بطهارتها وهم :ربيعة الرأي شيخ الإمام مالك، و المزني صاحب الإمام الشافعي ،والليث بن سعد ، الشوكاني والصنعاني ومن المتأخرين ابن عثيمين ،وأحمد شاكر والألباني ،والقرضاوي رأوا جميعا أن الخمر طاهرة ، وأن المحرم إنما هو شربها
وهو الراجح ، ويستدل أيضاً أن الصحابة عند تحريمها قاموا بإراقتها في طرق المدينة ،ولو كانت نجسة لما فعل الصحابة ذلك ولنهى الرسول عنه كما نهى عن التخلي (قضاء الحاجة ) في الطرق ولا ننسى أن أغلبهم كانوا يمشون حفاة .

ولعل الفقهاء شددوا قديماً في القول بنجاستها من باب التنفير منها ، أما الآن فنحن نحتاج إلى الكحول كمطهر ومعقم ويدخل في صناعة العطور ،والروائح البرفان (perfume) .
وحملوا الرجس في الآية على الرجس المعنوي ، لأن لفظ ( رجس ) خبر عن الخمر ، وما عطف عليها كالميسر والأنصاب والأزلام، وهو لا يوصف بالنجاسة الحسية قطعا ، فالمراد الرجس المعنوي لا الحسي، ولأنه وصف هذا الرجس بكونه من عمل الشيطان، وأن الشيطان يريد به إيقاع العداوة والبغضاء فهو رجس عملي معنوي. قال تعالى :( فاجتنبوا الرجس من الأوثان ) فالأوثان رجس معنوي ، لا تنجس من مسها.

ودلت السنة أيضا على طهارة الخمر طهارة حسية، ففي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر فقال له رسول الله: "هل علمت أن الله قد حرمها؟" قال: لا، فسارَّ إنساناً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بم ساررته؟" قال: أمرته ببيعها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الذي حرم شربها حرم بيعها"، قال ففتح المزادة حتى ذهب ما فيها.
وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان ساقي القوم في منزل أبي طلحة (وهو زوج أمه) فأمر النبي صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي ألا إن الخمر قد حرمت، قال: فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها، فخرجت فهرقتها، فجرت في سكك المدينة.
ولو كانت الخمر نجسة نجاسة حسية لأمر النبي صلى الله عليه وسلم صاحب الراوية أن يغسل راويته، كما كانت الحال حين حرمت الحمر عام خبير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهريقوها واكسروها"، يعني القدور) فقالوا: أوَنهريقها ونغسلها؟ فقال: "أوَ ذاك".
ثم لو كانت الخمر نجسة نجاسة حسية ما أراقها المسلمون في أسواق المدينة، لأنه لا يجوز إلقاء النجاسة في طرق المسلمين.

فتوى الشيخ محمد رشيد رضا
قال في فتاواه ص1631 من مجموعة فتاوى المنار:
وخلاصة القول، أن الكحول مادة طاهرة مطهرة، وركن من أركان الصيدلة والعلاج الطبي والصناعات الكثيرة، وتدخل فيما لا يُحصى من الأدوية، وإن تحريم استعمالها على المسلمين يحول دون إتقانهم لعلوم وفنون وأعمال كثيرة، هي من أعظم أسباب تفوق الإفرنج عليهم، كالكيمياء والصيدلة والطب والعلاج والصناعة، وإن تحريم استعمالها في ذلك، قد يكون سبباً لموت كثير من المرضى والمجروحين أو لطول مرضهم وزيادة آلامهم.أ.هـ.
وهذا كلام جيد متينٌ رحمه الله تعالى.
ليس كل محرم نجس
يقول الإمام الصنعاني في سبل السلام : ( والحق أن الأصل في الأعيان الطهارة ، وأن التحريم لا يلازم النجاسة ، فإن الحشيشة محرمة وهي طاهرة ، وأما النجاسة فيلازمها التحريم ، فكل نجس محرم وليس العكس ، وذلك لان الحكم في النجاسة هو المنع عن ملامستها على كل حال ، فالحكم بنجاسة العين حكم بتحريمها ، بخلاف الحكم بالتحريم ، فإنه يحرم لبس الحرير والذهب وهما طاهران ضرورة وإجماعا )
إذا عرفنا هذا فتحريم الخمر الذي دلت عليه النصوص لا يلزم منه نجاستها ، بل لابد من دليل آخر عليه ، وإلا بقيا على الأصول المتفق عليها من الطهارة ، فمن ادعى خلافه فالدليل عليه .
ما حكم خلط بعض الأدوية بشيء من الكحول؟
يقول ابن عثيمين رحمه الله : وأما خلط بعض الأدوية بشيء من الكحول، فإنه لا يقتضي تحريمها، إذا كان الخلط يسيراً لا يظهر له أثر مع المخلوط، كما أن على ذلك أهل العلم>
قال في المغني ص 306 جـ 8ط المنار: وإن عُجن به (أي بالخمر) دقيقاً ثم خبزه وأكله لم يحد، لأن النار أكلت أجزاء الخمر فلم يبق إلا أثره.أ.هـ.
وفي الإقناع وشرحه ص 71 جـ 4ط مقبل: ولو خلطه -أي المُسكر- بماءٍ فاستهلك المسكر فيه أي الماء، ثم شربه لم يُحدَّ، لأنه باستهلاكه في الماء لم يسلب اسم الماء عنه، أو داوى به -أي المسكر- جرحه لم يُحدَّ، لأنه لم يتناوله شرباً ولا في معناه.أ.هـ. وهذا هو مقتضى الأثر والنظر.

أما الأثر فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الماء طهور لا ينجسه شيء إلا إن تغير ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيه"، وهذا وإن كان الاستثناء فيه ضعيفاً إلا أن العلماء أجمعوا على القول بمقتضاه، ووجه الدلالة منه أنه إذا سقط فيه نجاسة لم تغيره فهو باقٍ على طهوريته، فكذلك الخمر إذا خلط بغيره من الحلال ولم يؤثر فيه فهو باقٍ على حله.

وفي صحيح البخاري تعليقاً ص 64جـ 9ط السلفية من الفتح :

قال: أبو الدرداء في المري ذبح الخمر، النينان والشمس جمع نون وهو الحوت
، المري أكله تتخذ من السمك المملوح يوضع في الخمر ثم يلقى في الشمس فيتغير عن طعم الخمر، فمعنى الأثر أن الحوت بما فيه من الملح، ووضعه في الشمس أذهب الخمر فكان حلالاً.

وأما كون هذا مقتضى النظر: فلأن الخمر إنما حرمت من أجل الوصف الذي اشتملت عليه وهو الإسكار، فإذا انتفى هذا الوصف انتفى التحريم، لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما إذا كانت العلة مقطوعاً بها بنص أو إجماع كما هنا.

وقد توهم بعض الناس أن المخلوط بالخمر حرام مطلقاً ولو قلَّت نسبة الخمر فيه، بحيث لا يظهر له أثر في المخلوط، وظنوا أن هذا هو معنى حديث: "ما أسكر كثيره فقليله حرام"، فقالوا: هذا فيه قليل من الخمر الذي يسكر كثيره فيكون حراماً، فيقال هذا القليل من الخمر استهلك في غيره فلم يكن له أثر وصفي ولا حكمي، فبقي الحكم لما غلبه في الوصف.
وأما حديث: "ما أسكر كثيره فقليله حرام"، فمعناه أنه إذا كان الشراب إن أكثر منه الشارب سكر، وإن قلل لم يسكر فإن القليل منه يكون حراماً؛ لأن تناول القليل وإن لم يُسكر ذريعة إلى تناول الكثير، ويوضح ذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر حرام وما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام".
* الفرق: مكيال يسع ستة عشر رطلاً.

ومعنى الحديث أنه إذا وجد شراب لا يُسكر منه إلا الفرق، فإن ملء الكف منه حرام فهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أسكر كثيره فقليله حرام".

رابط الفتوى هنا


هل يجب استعمال التراب في تطهير نجاسة الكلب ، أم يجزئ استعمال مواد منظفة أخرى بدلا منه ؟
اختلف العلماء في ذلك ؛ فمذهب الشافعي إلى أنه يجب استعمال التراب ، ولا يجزئ استعمال غيره ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عيَّنَه وأمر به .
ومذهب الإمام أحمد أنه يجوز أن يستعمل غير التراب كالصابون ونحوه .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (10/139) :
" إذا ولغ الكلب في إناء ، فإنه كي يطهر هذا الإناء يجب غسله سبعا إحداهن بالتراب , هذا عند الحنابلة والشافعية . . . فإن جعل مكان التراب غيره من الأشنان ( منظف كانوا يستعملونه قديماً ) والصابون ونحوهما ، أو غسله غسلة ثامنة ، فالأصح أنه لا يجزئ ، لأنه طهارة أمر فيها بالتراب تعبدا ، ولذا لم يقم غيره مقامه .
ولبعض الحنابلة : يجوز العدول عن التراب إلى غيره عند عدم التراب , أو إفساد المحل المغسول به . فأما مع وجوده وعدم الضرر فلا . وهذا قول ابن حامد " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (1/292) عن القول بأنه يجزئ عن التراب غيره قال :
" وهذا فيه نظر لما يلي :
1- أن الشارع نص على التراب , فالواجب اتباع النص .
2- أن السدر والأشنان كانت موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم , ولم يشر إليهما .
3- لعل في التراب مادة تقتل الجراثيم التي تخرج من لعاب الكلب .
4- أن التراب أحد الطهورين , لأنه يقوم مقام الماء في باب التيمم إذا عدم . وقال صلى الله عليه وسلم : ( وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ) .
فالصحيح : أنه لا يجزئ عن استعمال التراب ، لكن لو فرض عدم وجود التراب وهذا احتمال بعيد ، فإن استعمال الأشنان ، أو الصابون خير من عدمه " انتهى .
هذا وقد أكّد الأطباء على ضرورة استعمال التراب في عمليّة غسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب وبينوا سبب ذلك:
فقالوا إن فيروس الكلب دقيق متناه في الصغر، و من المعروف أنه كلما صغر حجم الميكروب كلما زادت فعالية سطحه للتعلق بجدار الإناء و التصاقه به، و لعاب الكلب المحتوي على الفيروس يكون على هيئة شريط لعابي سائل، و دور التراب هنا هو امتصاص الميكروب – بالالتصاق السطحي – من الإناء على سطح دقائقه ، و قد ثبت علميا أن التراب يحتوي على مادتين قاتلتين للجراثيم حيث:" أثبت العلم الحديث أن التراب يحتوي على مادتين (تتراكسلين) و (التتاراليت) و تستعملان في عمليات التعقيم ضد بعض الجراثيم .


حكم الجيلاتين :
ما هو الجيلاتين ؟

الجيلاتين هو مادة مستخلصة من البروتينات المستخلصة من المادة اللاصقة لأنسجة الجلود أو العظام الحيوانية ( كولاجين) بعد معاملتها بطرق كيميائية ، ويستعمل بشكل عام للحلويات والمأكولات وكذلك يدخل في صناعة كبسولات الأدوية ، ويستخدم في إنتاج معاجين الأسنان والمراهم والكريمات.
حكمه :

الجيلاتين منه ما هو نباتي ، وهذا لا حرج في استعماله ، ولا في تناول ما اشتمل عليه ، ومنه ما هو حيواني ، وهذا فيه تفصيل :
- يجوز استعمال الجيلاتين المستخرج من الحيوانات المباحة، المذكَّاة (المذبوحة ) تذكية شرعية.
- أما الغير مذكاة تذكية شرعية فالراجح أنه جائز وفقا لمن قال من أهل العلم بطهارة عظام الميتة وجواز استعمالها .
- أما الجيلاتين المأخوذ من الخنزير فهذا هو الذي وقع فيه الخلاف بين أهل العلم في العصر الحديث :
القول الأول : يقولون بحرمته لنجاسته الناتجة عن نجاسة أصله وهو الخنزير .
القول الثاني : يقولون إن نجس العين يطهر بالاستحالة وهو المفتى به لدى الحنفية وجمهور المالكية وابن تيمية والظاهرية ، وذلك لأن الشرع رتب وصف النجاسة على تلك الحقيقة ، وتنتفي الحقيقة بانتفاء بعض أجزاء مفهومها ، فكيف بالكل ، ويعبرون عن ذلك بأنه ( الطهارة بالاستحالة ) بمعنى : إذا استحالت النجاسة طَهُرت ، فهذا الشيء أصله خنـزير لكنه استحال (أصبح) تحول إلى شيء آخر وصار صابون مثلا،
مثل الروث حينما يؤخذ ويدخل النار ويحترق، فرماده حلال لأنه صار شيئا آخر، ومثاله أيضا كما قال ابن تيمية : إذا سقط خنزير أو كلب في مملحة وتآكل واستحال تحت فعل الملح وتحلل فيه حتى فقد خواصه الأصلية ؛ حلَّ استعمال الملح ، وكما ويقول ابن القيم: إن عصير العنب طيب، وإذا استحال إلى خمر أصبح خبثا ولا علاقة للخمر بأصلها الطيب وهو عصير العنب وكذلك إذا استحالت الخمر إلى خل فالخل الناتج طيب، ولا علاقة لهذا الطيب في الحكم بأصله الخبيث وهو الخمر ولذلك فإن الحكم يتعلق فقط بالمادة الناتجة ولا علاقة للحكم بأصل هذه المادة.
فالجيلاتين أصله خنـزير ، ولكنه صار مركباً كيماوياً جديداً فأخذ حكماً آخر؛ لأن الحكم إنما كان على عين نجسة، فإذا ذهبت العين زال الحكم، وحيث إن الكولاجين النجس تتحول عينه إلى مادة أخرى مغايرة له تماماً فإن العين الناتجة ليست هي عين النجاسة وبالتالي تكون طاهرة حلال الأكل.
وعلي؛ فإن مادة الجيلاتين طاهرة حلال أكلها مطلقاً مهما كان مصدرها؛ لأنها مادة طاهرة العين، و لا يضرها استحالتها من عين نجسة أو محرمة، لأن الاستحالة مطهرة فيما يظهر، والله أعلم!