خطبة : ( مطرنا بفضل الله ورحمته )
عبدالله البصري
1434/01/16 - 2012/11/30 05:33AM
مطرنا بفضل الله ورحمته 16 / 1 / 144
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا . وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ "
أَيُّهاَ المُسلِمُونَ ، مِن طَبِيعَةِ النَّفسِ البَشَرِيَّةِ أَنَّهَا مُحِبَّةٌ لِلخَيرِ ، مُستَكثِرَةٌ مِنهُ مَا استَطَاعَت ، لا تَمَلُّ مِنهُ وَلَو زَادَ أَو فَاضَ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ لِنَبِيِّهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " قُلْ لَا أَملِكُ لِنَفسِي نَفعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَو كُنتُ أَعلَمُ الغَيبَ لَاستَكثَرتُ مِنَ الخَيرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ "
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " بَينَمَا أَيُّوبُ يَغتَسِلُ عُريَانًا ، فَخَرَّ عَلَيهِ جَرَادٌ مِن ذَهَبٍ ، فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحتَثِي في ثَوبِهِ ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ : يَا أَيُّوبُ ، أَلَم أَكُنْ أَغنَيتُكَ عَمَّا تَرَى ؟! قَالَ : بَلَى وَعِزَّتِكَ ، وَلَكِنْ لا غِنَى بي عَن بَرَكَتِكَ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ .
أَلا وَإِنَّ مِن أَعظَمِ الخَيرِ وَأَكثَرِهِ بَرَكَهً وَنَفعًا ، وَأَكثَرِهِ إِدخَالاً لِلسُّرُورِ عَلَى النُّفُوسِ وَأَعجَلِهِ إِبَهاجًا لِلخَوَاطِرِ ، ذَلِكُمُ الغَيثُ الَّذِي تَحمِلُهُ الرِّيَاحُ عَلَى ثِقَلِهِ وَتَسُوقُهُ ، ثم يُنَزِّلُهُ رَبُّ العَالمِينَ عَلَى مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ ، فِي آيَةٍ مِن أَعظَمِ الآيَاتِ في تَكوِينِهِ وَجَمعِهِ وَتَصرِيفِهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " اللهُ الَّذِي يُرسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبسُطُهُ في السَّمَاءِ كَيفَ يَشَاءُ وَيَجعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الوَدقَ يَخرُجُ مِن خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ إِذَا هُم يَستَبشِرُونَ . وَإِن كَانُوا مِن قَبلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيهِم مِن قَبلِهِ لَمُبلِسِينَ . فَانظُرْ إِلى آثَارِ رَحمَةِ اللهِ كَيفَ يُحيِ الأَرضَ بَعدَ مَوتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحيِ المَوتى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَهُوَ الَّذِي أَرسَلَ الرِّيَاحَ بُشرًا بَينَ يَدَي رَحمَتِهِ وَأَنزَلنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا . لِنُحيِيَ بِهِ بَلدَةً مَيتًا وَنُسقِيَهُ مِمَّا خَلَقنَا أَنعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا . وَلَقَد صَرَّفنَاهُ بَينَهُم لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا "
وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " أَلَم تَرَ أَنَّ اللهَ يُزجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَينَهُ ثُمَّ يَجعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الوَدقَ يَخرُجُ مِن خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصرِفُهُ عَن مَن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرقِهِ يَذهَبُ بِالأَبصَارِ . يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ في ذَلِكَ لَعِبرَةً لِأُولي الأَبصَارِ "
وَإِنَّهُ لَمَّا كَانَت بِلادُ العَرَبِ مِن أَقَلِّ البِلادِ مَطَرًا بِأَمرِ اللهِ وَلِحِكَمٍ يَعلَمُهَا ـ سُبحَانَهُ ـ ، فَقَد كَانَ أَهلُهَا أَشَدَّ النَّاسِ إِلَيهِ شَوقًا ، وَأَكثَرَهُم بِهِ استِبشَارًا وَفَرَحًا ، فَمَا زَالُوا يَشُومُونَ البَرقَ مِن كُلِّ جَانِبٍ وَيُسَرُّونَ لِرُؤيَتِهِ ، وَيَأنَسُونَ بِسَمَاعِ الرَّعدِ وَيَطرَبُونَ لإِرزَامِهِ وَزَمزَمَتِهِ ، ثُمَّ تَرَاهُم يَتَتَبَّعُونَ مَوَاطِنَ القَطرِ في كُلِّ نَاحِيَةٍ ، وَيَرحَلُونَ إِلَيهِ وَلَو بَعُدَت مَوَاقِعُهُ ، وَيَشُدُّونَ إِلَيهِ الرِّحَالَ وَإِن نَأَت أَمَاكِنُهُ ، وَيَفرَحُونَ بِعُمُومِهِ وَلَو لم يَكُونُوا أَصحَابَ زَرعٍ وَلا حَرثٍ وَلا نَعَمٍ ، وَتَرَاهُم يَتَنَاقَلُونَ أَخبَارَ الغَيثِ وَيَتَسَاءَلُونَ عَن مِقدَارِ مَا نَزَلَ مِنهُ ، وَيَتَسَامَرُونَ بِذَلِكَ وَيَملَؤُونَ بِهِ مَجَالِسَهُم ، وَلَهُم في ذَلِكَ أَوصَافٌ تَدَلُّ عَلَى دَقِيقِ تَأَمُّلٍ وَفَصَاحَةِ أَلسُنٍ ، وَكَمَ وَصَفُوا الرِّيَاحَ وَأَنوَاعَهَا ، وَالسُّحُبَ وَأَشكَالَهَا ، وَالمَطَرَ وَتَدَفُّقَهُ ، وَتَفَنَّنُوا في تَسمِيَةِ كُلِّ ذَلِكَ بِقَدرِهِ وَجِهَتِهِ وَوَقتِهِ . وَحِينَ يَسرِي البَرقُ وَيَزِيدُ إِيمَاضُهُ وَيَشتَدُّ اشتِعَالُهُ ، تَرنُو إِلَيهِ عَينُ العَرَبِيِّ فَرَحًا ، وَيَطِيرُ عَنهَا النَّومُ شَوقًا ، وَتَتَذَكَّرُ بِهِ أَحبَابَهَا وَدِيَارَهَا وَمَلاعِبَ صِبَاهَا وَسَابِقَ عُهُودِهَا ، قَالَ بَعضُهُم :
وَلَمَّا سَرَى البَرقُ الَّذِي ذَكَّرَ الصِّبَا *** تَأَوَّهتُ شَوقًا وَالدُّمُوعُ هَواتِنُ
وَنَادَيتُ مِن عُليَا هِلالِ بنِ عَامِرٍ *** فَتًى صَادِقَ الدَّعوَى إِذَا مَانَ مَائِنُ
وَقَالَ آخَرُ مِنَ الحِجَازِ :
سَرَى البَرقُ مِن نَحوِ الحِجَازِ فَشَاقَنِي *** وَكُلُّ حِجَازِيٍّ لَهُ البَرقُ شَائِقُ
وَتَذَكَّرَ نَجدِيٌّ بِالبَرقِ نَجدًا وَهَاجَ شَوقُهُ فَقَالَ :
سَرَى البَرقُ مِن نَجدٍ فَهَيَّجَ تَذكَارِي *** عُهُودًا بِحزوَى وَالعُذَيبِ وَذِي قَارِ
وَاجتَمَعَ شَاعِرٌ بِأَصحَابِهِ لِيَتَرَاءَوا بَرقًا مَا لَبِثَ أَن أَعقَبَهُ الغَيثُ ، فَقَالَ في ذَلِكَ :
يَا مَن يَرَى بَارِقًا قَد بِتُّ أَرمُقُهُ *** يَسرِي عَلَى الحَرَّةِ السَّودَاءِ فَالوَادِي
بَرقًا تَلأَلأَ غَورِيًّا جَلَستُ لَهُ *** ذَاتَ العِشَاءِ وَأَصحَابي بِأَفنَادِ
بِتنَا وَبَاتَت رِيَاحُ الغَورِ تَزجُلُهُ *** حَتى استَتَبَّ تَوَالِيهِ بِأَنجَادِ
أَلقَى مَرَاسِيَ غَيثٍ مُسبِلٍ غَدِقٍ *** دَانٍ يَسُحُّ سُيُوبًا ذَاتَ إِرعَادِ
أَسقَى بِهِ قَبرَ مَن أَعنِي وَحُبَّ بِهِ *** قَبرًا إِلَيَّ وَلَمَّا يَفدِهِ فَادِي
وَهَذَا شَاعِرٌ مِصرِيُّ يَقُولُ لَمَّا رَأَى البَرقَ وَقَد نَأَت بِهِ الدَّارُ عَن بَلَدِهِ :
سَرَى البَرقُ مِصرِيًّا فَأَرَّقَني وَحدِي *** وأَذكَرَني ما لَستُ أَنسَاهُ من عَهدِ
فَيَا بَرقُ حَدِّثْني وَأَنتَ مُصَدَّقٌ *** عَنِ الآلِ وَالأَصحَابِ مَا فَعَلُوا بَعدِي
وَعَن رَوضَةِ المِقيَاسِ تَجرِى خِلالَهَا *** جَدَاوِلُ يُسدِيهَا الغَمَامُ بما يُسدِي
إِذَا صَافَحَتهَا الرِّيحُ رَهوًا تَجعَّدَت *** حَبَائِكُهَا مِثلَ المُقَدَّرَةِ السَّردِ
وَإِنْ ضَاحَكَتهَا الشَّمسُ رَفَّت كَأَنَّها *** مَنَاضِلُ سُلَّت لِلضِّرَابِ مِنَ الغِمدِ
نِعمتُ بها دَهرًا وَمَا كُلُّ نِعمَةٍ *** حَبَتكَ بها الأَيَّامُ إِلاَّ إِلى الرَّدِّ
فَلِلهِ دَرُّ العَرَبِ مَا أَلطَفَهُم وَأَرهَفَ شُعُورَهُم !
وَمَا أَشَدَّ إِلى سَابِقِ العَهدِ حَنِينَهُم !
وَمَا أَكثَرَ بِالغَيثِ تَعلُّقَهُم وَإِلَيهِ تَلَهُّفَهُم !
وَمَا لَهُم لا يَفعَلُونَ وَالمَاءُ هُوَ الحَيَاةُ ، مِنهُ خُلِقَ كُلُّ حَيٍّ وَبِهِ يَعِيشُ وَيَنمُو ، وَهُوَ قِوَامُ الزُّرُوعِ وَالأَنعَامِ بَل وَالأَنفُسِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " أَوَلَم يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ كَانَتَا رَتقًا فَفَتَقنَاهُمَا وَجَعَلنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤمِنُونَ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " أَوَلَم يَرَوا أَنَّا نَسُوقُ المَاءَ إِلى الأَرضِ الجُرُزِ فَنُخرِجُ بِهِ زَرعًا تَأكُلُ مِنهُ أَنعَامُهُم وَأَنفُسُهُم أَفَلَا يُبصِرُونَ "
وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَاللهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحيَا بِهِ الأَرضَ بَعدَ مَوتِهَا إِنَّ في ذَلِكَ لَآيَةً لِقَومٍ يَسمَعُونَ "
وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " وَمِن آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلنَا عَلَيهَا المَاءَ اهتَزَّت وَرَبَت إِنَّ الَّذِي أَحيَاهَا لَمُحيِي المَوتى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَتَرَى الأَرضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلنَا عَلَيهَا المَاءَ اهتَزَّت وَرَبَت وَأَنبَتَت مِن كُلِّ زَوجٍ بَهِيجٍ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَنَزَّلنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنبَتنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الحَصِيدِ . وَالنَّخلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلعٌ نَضِيدٌ . رِزقًا لِلعِبَادِ وَأَحيَينَا بِهِ بَلدَةً مَيتًا كَذَلِكَ الخُرُوجُ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، حِينَ يَفرَحُ النَّاسُ بِنِعمَةِ اللهِ عَلَيهِم بِالغَيثِ وَيَستَبشِرُونَ ، وَيَخرُجُونَ إِلَيهِ صِغَارًا وَكِبَارًا وَبِهِ يَستَمتِعُونَ ، أَو يَتَحَرَّونَهُ وَعَنهُ يَسأَلُونَ ، أَو يَقرَؤُونَ عَن بَعضِ المُؤَشِّرَاتِ عَلَى نُزُولِهِ فَيَزدَادُ أَمَلُهُم وَرَجَاؤُهُم ، فَمَا هُم في ذَلِكَ بِمَلُومِينَ ، وَلَكِنَّ اللَّومَ ـ أَيُّهَا المُؤمِنُونَ ، عَلَى مَن لم يَعتَبِرْ بِتَصرِيفِ اللهِ لِهَذَا الغَيثِ وَإِنزَالِهِ عَلَى قَومٍ دُونَ آخَرِينَ ، أَو مَن يَعتَمِدُ عَلَى التَّحَرِّيَاتِ وَالتَّوَقُّعَاتِ البَشَرِيَّةِ ، أَو يَنسِبُ الغَيثَ إِلى وَقتٍ أَو نَجمٍ أَو نَوءٍ ، أَو مَن يُحَاوِلُ أَن يَدعُوَ إِلى تِقَنِيَةٍ أَو خِطَّةٍ لإِنزَالِهِ ، وَكُلُّ هَذَا في حَقِيقَتِهِ غَفلَةٌ شَنِيعَةٌ عَنِ الحَقِّ وَالتِفَاتٌ عَنِ المُعتَقَدِ الصَّحِيحِ ، وَالمُؤمِنُ الصَّادِقُ الإِيمَانِ ، يَعلَمُ عِلمَ يَقِينٍ لا يُخَالِطُهُ شَكٌ وَلا يُدَاخِلُهُ رَيبٌ ، أَنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ وَحدَهُ القَادِرُ عَلَى إِنزَالِ الغَيثِ ، وَأَنَّ نِسبَةَ ذَلِكَ إِلى غَيرِهِ كُفرٌ بِهِ وَجُحُودٌ ، فَعَن زَيدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلاةَ الصُّبحِ بِالحُدَيبِيَةِ في إِثرِ سَمَاءٍ كَانَت مِنَ اللَّيلِ ، فَلَمَّا انصَرَفَ أَقبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ : " هَل تَدرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُم ؟ " قَالُوا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ . قَالَ : " أَصبَحَ مِن عِبَادِي مُؤمِنٌ بي وَكَافِرٌ ، فَأَمَّا مَن قَالَ : مُطِرنَا بِفَضلِ اللهِ وَرَحمَتِهِ ، فَذَلِكَ مُؤمِنٌ بي كَافِرٌ بِالكَوكَبِ ، وَأَمَّا مَن قَالَ : مُطِرنَا بِنَوءِ كَذَا وَكَذَا ، فَذَلِكَ كَافِرٌ بي مُؤمِنٌ بِالكَوكَبِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَأَلِحُّوا عَلَيهِ بِالدُّعَاءِ بِالاستِسقَاءِ ، وَاستَغفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيهِ " وَيَا قَومِ استَغفِرُوا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إِلَيهِ يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَارًا وَيَزِدْكُم قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُم وَلَا تَتَوَلَّوا مُجرِمِينَ " " فَقُلتُ استَغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَارًا . وَيُمدِدْكُم بِأَموَالٍ وَبَنِينَ وَيَجعَلْ لَكُم جَنَّاتٍ وَيَجعَلْ لَكُم أَنهَارًا "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاستَقِيمُوا عَلَى أَمرِهِ وَلا تَنبُذُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، فَإِنَّ الاستِقَامَةَ عَلَى الإِسلامِ هِيَ أَقوَى أَسبَابِ سِعَةِ الرِّزقِ وَأَكثَرُهَا بَرَكَةً ، وَبِالشُّكرِ تَدُومُ النِّعَمُ وَتَزدَادُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَأَلَّوِ استَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسقَينَاهُم مَاءً غَدَقًا . لِنَفتِنَهُم فِيهِ وَمَن يُعرِضْ عَن ذِكرِ رَبِّهِ يَسلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا "
وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَلَو أَنَّ أَهلَ الكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوا لَكَفَّرنَا عَنهُم سَيِّئَاتِهِم وَلَأَدخَلنَاهُم جَنَّاتِ النَّعِيمِ . وَلَو أَنَّهُم أَقَامُوا التَّورَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِن رَبِّهِم لَأَكَلُوا مِن فَوقِهِم وَمِن تَحتِ أَرجُلِهِم مِنهُم أُمَّةٌ مُقتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنهُم سَاءَ مَا يَعمَلُونَ "
وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرضِ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِنْ شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم وَلَئِنْ كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ "
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَتُوبُوا إِلَيهِ ، وَاستَقِيمُوا عَلَى مُا يُحِبُّهُ وَحَافِظُوا عَلَى مَا يُرضِيهِ ، وَلا تُلهِيَنَّكُمُ الزَّخَارِفُ وَالصَّوَارِفُ " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ . الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزقًا لَكُم فَلَا تَجعَلُوا للهِ أَندَادًا وَأَنتُم تَعلَمُونَ "
" وَلَا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ إِلى مَا مَتَّعنَا بِهِ أَزوَاجًا مِنهُم زَهرَةَ الحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفتِنَهُم فِيهِ وَرِزقُ رَبِّكَ خَيرٌ وَأَبقَى . وَأْمُرْ أَهلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصطَبِرْ عَلَيهَا لَا نَسأَلُكَ رِزقًا نَحنُ نَرزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقوَى "
اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَوزِعْنَا أَن نَشكُرَ نِعمَتَكَ الَّتي أَنعَمتَ عَلَينَا وَعَلَى وَالِدَينَا وَأَن نَعمَلَ صَالِحًا تَرضَاهُ ، وَأَدخِلْنَا بِرَحمَتِكَ في عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ، اللَّهُمَّ أَصلِحْ لَنَا في ذُرِّيَّاتِنَا إِنَّا تُبنَا إِلَيكَ وَإِنَّا مِنَ المُسلِمِينَ .
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا . وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ "
أَيُّهاَ المُسلِمُونَ ، مِن طَبِيعَةِ النَّفسِ البَشَرِيَّةِ أَنَّهَا مُحِبَّةٌ لِلخَيرِ ، مُستَكثِرَةٌ مِنهُ مَا استَطَاعَت ، لا تَمَلُّ مِنهُ وَلَو زَادَ أَو فَاضَ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ لِنَبِيِّهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " قُلْ لَا أَملِكُ لِنَفسِي نَفعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَو كُنتُ أَعلَمُ الغَيبَ لَاستَكثَرتُ مِنَ الخَيرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ "
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " بَينَمَا أَيُّوبُ يَغتَسِلُ عُريَانًا ، فَخَرَّ عَلَيهِ جَرَادٌ مِن ذَهَبٍ ، فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحتَثِي في ثَوبِهِ ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ : يَا أَيُّوبُ ، أَلَم أَكُنْ أَغنَيتُكَ عَمَّا تَرَى ؟! قَالَ : بَلَى وَعِزَّتِكَ ، وَلَكِنْ لا غِنَى بي عَن بَرَكَتِكَ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ .
أَلا وَإِنَّ مِن أَعظَمِ الخَيرِ وَأَكثَرِهِ بَرَكَهً وَنَفعًا ، وَأَكثَرِهِ إِدخَالاً لِلسُّرُورِ عَلَى النُّفُوسِ وَأَعجَلِهِ إِبَهاجًا لِلخَوَاطِرِ ، ذَلِكُمُ الغَيثُ الَّذِي تَحمِلُهُ الرِّيَاحُ عَلَى ثِقَلِهِ وَتَسُوقُهُ ، ثم يُنَزِّلُهُ رَبُّ العَالمِينَ عَلَى مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ ، فِي آيَةٍ مِن أَعظَمِ الآيَاتِ في تَكوِينِهِ وَجَمعِهِ وَتَصرِيفِهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " اللهُ الَّذِي يُرسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبسُطُهُ في السَّمَاءِ كَيفَ يَشَاءُ وَيَجعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الوَدقَ يَخرُجُ مِن خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ إِذَا هُم يَستَبشِرُونَ . وَإِن كَانُوا مِن قَبلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيهِم مِن قَبلِهِ لَمُبلِسِينَ . فَانظُرْ إِلى آثَارِ رَحمَةِ اللهِ كَيفَ يُحيِ الأَرضَ بَعدَ مَوتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحيِ المَوتى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَهُوَ الَّذِي أَرسَلَ الرِّيَاحَ بُشرًا بَينَ يَدَي رَحمَتِهِ وَأَنزَلنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا . لِنُحيِيَ بِهِ بَلدَةً مَيتًا وَنُسقِيَهُ مِمَّا خَلَقنَا أَنعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا . وَلَقَد صَرَّفنَاهُ بَينَهُم لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا "
وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " أَلَم تَرَ أَنَّ اللهَ يُزجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَينَهُ ثُمَّ يَجعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الوَدقَ يَخرُجُ مِن خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصرِفُهُ عَن مَن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرقِهِ يَذهَبُ بِالأَبصَارِ . يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ في ذَلِكَ لَعِبرَةً لِأُولي الأَبصَارِ "
وَإِنَّهُ لَمَّا كَانَت بِلادُ العَرَبِ مِن أَقَلِّ البِلادِ مَطَرًا بِأَمرِ اللهِ وَلِحِكَمٍ يَعلَمُهَا ـ سُبحَانَهُ ـ ، فَقَد كَانَ أَهلُهَا أَشَدَّ النَّاسِ إِلَيهِ شَوقًا ، وَأَكثَرَهُم بِهِ استِبشَارًا وَفَرَحًا ، فَمَا زَالُوا يَشُومُونَ البَرقَ مِن كُلِّ جَانِبٍ وَيُسَرُّونَ لِرُؤيَتِهِ ، وَيَأنَسُونَ بِسَمَاعِ الرَّعدِ وَيَطرَبُونَ لإِرزَامِهِ وَزَمزَمَتِهِ ، ثُمَّ تَرَاهُم يَتَتَبَّعُونَ مَوَاطِنَ القَطرِ في كُلِّ نَاحِيَةٍ ، وَيَرحَلُونَ إِلَيهِ وَلَو بَعُدَت مَوَاقِعُهُ ، وَيَشُدُّونَ إِلَيهِ الرِّحَالَ وَإِن نَأَت أَمَاكِنُهُ ، وَيَفرَحُونَ بِعُمُومِهِ وَلَو لم يَكُونُوا أَصحَابَ زَرعٍ وَلا حَرثٍ وَلا نَعَمٍ ، وَتَرَاهُم يَتَنَاقَلُونَ أَخبَارَ الغَيثِ وَيَتَسَاءَلُونَ عَن مِقدَارِ مَا نَزَلَ مِنهُ ، وَيَتَسَامَرُونَ بِذَلِكَ وَيَملَؤُونَ بِهِ مَجَالِسَهُم ، وَلَهُم في ذَلِكَ أَوصَافٌ تَدَلُّ عَلَى دَقِيقِ تَأَمُّلٍ وَفَصَاحَةِ أَلسُنٍ ، وَكَمَ وَصَفُوا الرِّيَاحَ وَأَنوَاعَهَا ، وَالسُّحُبَ وَأَشكَالَهَا ، وَالمَطَرَ وَتَدَفُّقَهُ ، وَتَفَنَّنُوا في تَسمِيَةِ كُلِّ ذَلِكَ بِقَدرِهِ وَجِهَتِهِ وَوَقتِهِ . وَحِينَ يَسرِي البَرقُ وَيَزِيدُ إِيمَاضُهُ وَيَشتَدُّ اشتِعَالُهُ ، تَرنُو إِلَيهِ عَينُ العَرَبِيِّ فَرَحًا ، وَيَطِيرُ عَنهَا النَّومُ شَوقًا ، وَتَتَذَكَّرُ بِهِ أَحبَابَهَا وَدِيَارَهَا وَمَلاعِبَ صِبَاهَا وَسَابِقَ عُهُودِهَا ، قَالَ بَعضُهُم :
وَلَمَّا سَرَى البَرقُ الَّذِي ذَكَّرَ الصِّبَا *** تَأَوَّهتُ شَوقًا وَالدُّمُوعُ هَواتِنُ
وَنَادَيتُ مِن عُليَا هِلالِ بنِ عَامِرٍ *** فَتًى صَادِقَ الدَّعوَى إِذَا مَانَ مَائِنُ
وَقَالَ آخَرُ مِنَ الحِجَازِ :
سَرَى البَرقُ مِن نَحوِ الحِجَازِ فَشَاقَنِي *** وَكُلُّ حِجَازِيٍّ لَهُ البَرقُ شَائِقُ
وَتَذَكَّرَ نَجدِيٌّ بِالبَرقِ نَجدًا وَهَاجَ شَوقُهُ فَقَالَ :
سَرَى البَرقُ مِن نَجدٍ فَهَيَّجَ تَذكَارِي *** عُهُودًا بِحزوَى وَالعُذَيبِ وَذِي قَارِ
وَاجتَمَعَ شَاعِرٌ بِأَصحَابِهِ لِيَتَرَاءَوا بَرقًا مَا لَبِثَ أَن أَعقَبَهُ الغَيثُ ، فَقَالَ في ذَلِكَ :
يَا مَن يَرَى بَارِقًا قَد بِتُّ أَرمُقُهُ *** يَسرِي عَلَى الحَرَّةِ السَّودَاءِ فَالوَادِي
بَرقًا تَلأَلأَ غَورِيًّا جَلَستُ لَهُ *** ذَاتَ العِشَاءِ وَأَصحَابي بِأَفنَادِ
بِتنَا وَبَاتَت رِيَاحُ الغَورِ تَزجُلُهُ *** حَتى استَتَبَّ تَوَالِيهِ بِأَنجَادِ
أَلقَى مَرَاسِيَ غَيثٍ مُسبِلٍ غَدِقٍ *** دَانٍ يَسُحُّ سُيُوبًا ذَاتَ إِرعَادِ
أَسقَى بِهِ قَبرَ مَن أَعنِي وَحُبَّ بِهِ *** قَبرًا إِلَيَّ وَلَمَّا يَفدِهِ فَادِي
وَهَذَا شَاعِرٌ مِصرِيُّ يَقُولُ لَمَّا رَأَى البَرقَ وَقَد نَأَت بِهِ الدَّارُ عَن بَلَدِهِ :
سَرَى البَرقُ مِصرِيًّا فَأَرَّقَني وَحدِي *** وأَذكَرَني ما لَستُ أَنسَاهُ من عَهدِ
فَيَا بَرقُ حَدِّثْني وَأَنتَ مُصَدَّقٌ *** عَنِ الآلِ وَالأَصحَابِ مَا فَعَلُوا بَعدِي
وَعَن رَوضَةِ المِقيَاسِ تَجرِى خِلالَهَا *** جَدَاوِلُ يُسدِيهَا الغَمَامُ بما يُسدِي
إِذَا صَافَحَتهَا الرِّيحُ رَهوًا تَجعَّدَت *** حَبَائِكُهَا مِثلَ المُقَدَّرَةِ السَّردِ
وَإِنْ ضَاحَكَتهَا الشَّمسُ رَفَّت كَأَنَّها *** مَنَاضِلُ سُلَّت لِلضِّرَابِ مِنَ الغِمدِ
نِعمتُ بها دَهرًا وَمَا كُلُّ نِعمَةٍ *** حَبَتكَ بها الأَيَّامُ إِلاَّ إِلى الرَّدِّ
فَلِلهِ دَرُّ العَرَبِ مَا أَلطَفَهُم وَأَرهَفَ شُعُورَهُم !
وَمَا أَشَدَّ إِلى سَابِقِ العَهدِ حَنِينَهُم !
وَمَا أَكثَرَ بِالغَيثِ تَعلُّقَهُم وَإِلَيهِ تَلَهُّفَهُم !
وَمَا لَهُم لا يَفعَلُونَ وَالمَاءُ هُوَ الحَيَاةُ ، مِنهُ خُلِقَ كُلُّ حَيٍّ وَبِهِ يَعِيشُ وَيَنمُو ، وَهُوَ قِوَامُ الزُّرُوعِ وَالأَنعَامِ بَل وَالأَنفُسِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " أَوَلَم يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ كَانَتَا رَتقًا فَفَتَقنَاهُمَا وَجَعَلنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤمِنُونَ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " أَوَلَم يَرَوا أَنَّا نَسُوقُ المَاءَ إِلى الأَرضِ الجُرُزِ فَنُخرِجُ بِهِ زَرعًا تَأكُلُ مِنهُ أَنعَامُهُم وَأَنفُسُهُم أَفَلَا يُبصِرُونَ "
وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَاللهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحيَا بِهِ الأَرضَ بَعدَ مَوتِهَا إِنَّ في ذَلِكَ لَآيَةً لِقَومٍ يَسمَعُونَ "
وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " وَمِن آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلنَا عَلَيهَا المَاءَ اهتَزَّت وَرَبَت إِنَّ الَّذِي أَحيَاهَا لَمُحيِي المَوتى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَتَرَى الأَرضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلنَا عَلَيهَا المَاءَ اهتَزَّت وَرَبَت وَأَنبَتَت مِن كُلِّ زَوجٍ بَهِيجٍ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَنَزَّلنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنبَتنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الحَصِيدِ . وَالنَّخلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلعٌ نَضِيدٌ . رِزقًا لِلعِبَادِ وَأَحيَينَا بِهِ بَلدَةً مَيتًا كَذَلِكَ الخُرُوجُ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، حِينَ يَفرَحُ النَّاسُ بِنِعمَةِ اللهِ عَلَيهِم بِالغَيثِ وَيَستَبشِرُونَ ، وَيَخرُجُونَ إِلَيهِ صِغَارًا وَكِبَارًا وَبِهِ يَستَمتِعُونَ ، أَو يَتَحَرَّونَهُ وَعَنهُ يَسأَلُونَ ، أَو يَقرَؤُونَ عَن بَعضِ المُؤَشِّرَاتِ عَلَى نُزُولِهِ فَيَزدَادُ أَمَلُهُم وَرَجَاؤُهُم ، فَمَا هُم في ذَلِكَ بِمَلُومِينَ ، وَلَكِنَّ اللَّومَ ـ أَيُّهَا المُؤمِنُونَ ، عَلَى مَن لم يَعتَبِرْ بِتَصرِيفِ اللهِ لِهَذَا الغَيثِ وَإِنزَالِهِ عَلَى قَومٍ دُونَ آخَرِينَ ، أَو مَن يَعتَمِدُ عَلَى التَّحَرِّيَاتِ وَالتَّوَقُّعَاتِ البَشَرِيَّةِ ، أَو يَنسِبُ الغَيثَ إِلى وَقتٍ أَو نَجمٍ أَو نَوءٍ ، أَو مَن يُحَاوِلُ أَن يَدعُوَ إِلى تِقَنِيَةٍ أَو خِطَّةٍ لإِنزَالِهِ ، وَكُلُّ هَذَا في حَقِيقَتِهِ غَفلَةٌ شَنِيعَةٌ عَنِ الحَقِّ وَالتِفَاتٌ عَنِ المُعتَقَدِ الصَّحِيحِ ، وَالمُؤمِنُ الصَّادِقُ الإِيمَانِ ، يَعلَمُ عِلمَ يَقِينٍ لا يُخَالِطُهُ شَكٌ وَلا يُدَاخِلُهُ رَيبٌ ، أَنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ وَحدَهُ القَادِرُ عَلَى إِنزَالِ الغَيثِ ، وَأَنَّ نِسبَةَ ذَلِكَ إِلى غَيرِهِ كُفرٌ بِهِ وَجُحُودٌ ، فَعَن زَيدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلاةَ الصُّبحِ بِالحُدَيبِيَةِ في إِثرِ سَمَاءٍ كَانَت مِنَ اللَّيلِ ، فَلَمَّا انصَرَفَ أَقبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ : " هَل تَدرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُم ؟ " قَالُوا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ . قَالَ : " أَصبَحَ مِن عِبَادِي مُؤمِنٌ بي وَكَافِرٌ ، فَأَمَّا مَن قَالَ : مُطِرنَا بِفَضلِ اللهِ وَرَحمَتِهِ ، فَذَلِكَ مُؤمِنٌ بي كَافِرٌ بِالكَوكَبِ ، وَأَمَّا مَن قَالَ : مُطِرنَا بِنَوءِ كَذَا وَكَذَا ، فَذَلِكَ كَافِرٌ بي مُؤمِنٌ بِالكَوكَبِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَأَلِحُّوا عَلَيهِ بِالدُّعَاءِ بِالاستِسقَاءِ ، وَاستَغفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيهِ " وَيَا قَومِ استَغفِرُوا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إِلَيهِ يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَارًا وَيَزِدْكُم قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُم وَلَا تَتَوَلَّوا مُجرِمِينَ " " فَقُلتُ استَغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَارًا . وَيُمدِدْكُم بِأَموَالٍ وَبَنِينَ وَيَجعَلْ لَكُم جَنَّاتٍ وَيَجعَلْ لَكُم أَنهَارًا "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاستَقِيمُوا عَلَى أَمرِهِ وَلا تَنبُذُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، فَإِنَّ الاستِقَامَةَ عَلَى الإِسلامِ هِيَ أَقوَى أَسبَابِ سِعَةِ الرِّزقِ وَأَكثَرُهَا بَرَكَةً ، وَبِالشُّكرِ تَدُومُ النِّعَمُ وَتَزدَادُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَأَلَّوِ استَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسقَينَاهُم مَاءً غَدَقًا . لِنَفتِنَهُم فِيهِ وَمَن يُعرِضْ عَن ذِكرِ رَبِّهِ يَسلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا "
وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَلَو أَنَّ أَهلَ الكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوا لَكَفَّرنَا عَنهُم سَيِّئَاتِهِم وَلَأَدخَلنَاهُم جَنَّاتِ النَّعِيمِ . وَلَو أَنَّهُم أَقَامُوا التَّورَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِن رَبِّهِم لَأَكَلُوا مِن فَوقِهِم وَمِن تَحتِ أَرجُلِهِم مِنهُم أُمَّةٌ مُقتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنهُم سَاءَ مَا يَعمَلُونَ "
وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرضِ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِنْ شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم وَلَئِنْ كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ "
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَتُوبُوا إِلَيهِ ، وَاستَقِيمُوا عَلَى مُا يُحِبُّهُ وَحَافِظُوا عَلَى مَا يُرضِيهِ ، وَلا تُلهِيَنَّكُمُ الزَّخَارِفُ وَالصَّوَارِفُ " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ . الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزقًا لَكُم فَلَا تَجعَلُوا للهِ أَندَادًا وَأَنتُم تَعلَمُونَ "
" وَلَا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ إِلى مَا مَتَّعنَا بِهِ أَزوَاجًا مِنهُم زَهرَةَ الحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفتِنَهُم فِيهِ وَرِزقُ رَبِّكَ خَيرٌ وَأَبقَى . وَأْمُرْ أَهلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصطَبِرْ عَلَيهَا لَا نَسأَلُكَ رِزقًا نَحنُ نَرزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقوَى "
اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَوزِعْنَا أَن نَشكُرَ نِعمَتَكَ الَّتي أَنعَمتَ عَلَينَا وَعَلَى وَالِدَينَا وَأَن نَعمَلَ صَالِحًا تَرضَاهُ ، وَأَدخِلْنَا بِرَحمَتِكَ في عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ، اللَّهُمَّ أَصلِحْ لَنَا في ذُرِّيَّاتِنَا إِنَّا تُبنَا إِلَيكَ وَإِنَّا مِنَ المُسلِمِينَ .
المرفقات
مطرنا بفضل الله ورحمته.doc
مطرنا بفضل الله ورحمته.doc
المشاهدات 6140 | التعليقات 6
جزاك الله خير ياشيخنا
واتمنى لو أنك نزلت الخطبه مبكرا ليتم الاستفاده منها اكثر
وليس مجاملة اعتبرك انت والشيخ الحقيل والشيخ العجلان من الركائز المهمة في هذا الملتقى المبارك وجميع مشايخ الملتقى فيهم الخير والبركه فأرجو منك دائما ان تنزل خطبك قبل ليلة الجمعه لنستفيد منها واتوقع جميع الإخوه يشاركونني في رأيي
خطبة رائعة ونافعة إن شاء الله تعالى , يا شيخ عبدالله
ونفع الله بك وبعلمك
جزاك الله خير ياشيخنا
واتمنى لو أنك نزلت الخطبه مبكرا ليتم الاستفاده منها اكثر
وليس مجاملة اعتبرك انت والشيخ الحقيل والشيخ العجلان من الركائز المهمة في هذا الملتقى المبارك وجميع مشايخ الملتقى فيهم الخير والبركه فأرجو منك دائما ان تنزل خطبك قبل ليلة الجمعه لنستفيد منها واتوقع جميع الإخوه يشاركونني في رأيي
نفس الكلام ما يحتاج نزيد عليه ،،
واتمنى لو أنك نزلت الخطبه مبكرا ليتم الاستفاده منها اكثر
وليس مجاملة اعتبرك انت والشيخ الحقيل والشيخ العجلان من الركائز المهمة في هذا الملتقى المبارك وجميع مشايخ الملتقى فيهم الخير والبركه فأرجو منك دائما ان تنزل خطبك قبل ليلة الجمعه لنستفيد منها واتوقع جميع الإخوه يشاركونني في رأيي
نفس الكلام ما يحتاج نزيد عليه ،،
ترفع للمناسبة ، نسأل الله أن يبارك لنا فيما أنزل علينا ، وأن يجعله رحمة لنا ومتاعًا إلى حين ...
نفع الله بها
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا ونفع بعلمك
تعديل التعليق