خطبتان نافعتان مناسبتان لأول جمعة بعد رمضان

عبدالرحمن اللهيبي
1433/10/06 - 2012/08/24 03:16AM
هذه خطبة نافعة مناسبة لأول جمعة بعد رمضان وهي من منقولي وليست من قولي ولا أعرف لمن .. لبعد العهد ولكوني عادة أجمع من أكثر من مصدر وأتصرف في الخطبة بما يناسب المقام
أرجوا أن ينفع الله بها وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم


أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله تبارك وتعالى، واشكروه على ما منَّ به عليكم من التوفيق للصيام والقيام وحلول عيد الفطر المبارك، أعاده الله على أمة الإسلام بالخير واليمن والسرور، والبركات والرضا والحبور.
أيها المسلمون، بالأمس القريب ودَّعت الأمة الإسلامية شهراً عظيماً وموسماً جليلا، تحزن لفراقه القلوب المؤمنة، ألا وهو شهر رمضان المبارك، فقد قُوّضت خيامه، وتصرّمت أيامه،وذهب زمانه وقد كنَّا بالأمس القريب نتلقَّى التهانيَ بقدومه ونسأل الله بلوغَه، واليوم نتلقَّى التعازيَ برحيله ونسأل الله قبولَه، بالأمس نترقّبه بكلّ فرح وخشوع، واليوم نودّعه بكل الأسى والدموع، وتلك سنّة الله في خلقه، أيّامٌ تنقضي، وأعوام تنتهي، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
مضى هذا الشّهر الجليل وقد أحسن فيه أناسٌ وأساء آخرون، وهو شاهد لنا أو علينا، شاهدٌ للمشمِّر بصيامه وقيامه، وعلى المقصّر بغفلته وإعراضه،ولا ندري يا عباد الله ـ هل سندركه مرةً أخرى أم يحول بينا وبينه هادم اللذات ومفرّق الجماعات؟! فسلامُ الله على شهر الصيام والقيام، لقد مرّ كلمحة برقٍ أو غمضة عين، كان مضماراً يتنافس فيه المتنافسون، وميداناً يتسابق فيه المتسابقون، فكم من أكفٍّ ضارعة رُفعت، ودموع ساخنة ذُرفت، وعبراتٍ حرَّاءَ قد سُكبت، ونشيج وبكاء ,وحُقّ لها ذلك في موسم المتاجرة مع الله، موسم الرحمة والمغفرة والعتق من النار.
معاشر المسلمين، لقد مرّ بنا هذا الشهر المبارك كطيف خيال، مرّ بخيراته وبركاته، مضى من أعمارنا وهو شاهد لنا أو علينا بما أودعناه فيه، فليفتحْ كلّ واحدٍ منا صفحة المحاسبة لنفسه: ماذا عمل فيه؟ ماذا استفاد منه؟ ما أثره في النفوس؟ وما ثمراته في الواقع؟ وما مدى تأثيرِه على العمل والسلوك والأخلاق؟
إن السؤال المطروح الآن بإلحاح: هل أخذنا بأسباب القبول بعد رمضان وعزمنا على مواصلة الأعمال الصالحة أو أنَّ واقع كثير من الناس على خلاف ذلك؟ هل تأسَّينا بالسلف الصالح رحمهم الله الذين توجل قلوبهم وتحزن نفوسهم عندما ينتهي رمضان لأنهم يخافون أن لا يُتقبّل منهم عملهم؟ لذا فقد كانوا يكثرون الدعاءَ بعد رمضان بالقبول. ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله عن معلَّى بن الفضل أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم. كما كانوا رحمهم الله يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه، ثم يهتمُّون بعد ذلك بقبوله ويخافون من ردّه، سألت عائشة رضي الله عنها الصديقةُ بنت الصديق رسولَ الله عن قوله سبحانه: وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أهُم الذين يزنون ويسرقون ويشربون الخمر؟ قال: ((لا يا ابنة الصديق، ولكنهم الذين يصلّون ويصومون ويتصدّقون ويخافون أن لا يُتقبَّل منهم))، ويقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (كونوا لقبول العمل أشدَّ اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا إلى قول الله عز وجل: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ ، وعن فضالة بن عبيد قال: "لو أني أعلم أن الله تقبَّل مني مثقالَ حبةِ خردلٍ أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها لأن الله يقول: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ "
وقال ابن دينار: "الخوفُ على العمل أن لا يُتقبَّل أشدُّ من العمل".
إخوةَ الإيمان، ماذا بعد شهر رمضان؟! ماذا عن آثار الصيام التي عملها في نفوس الصائمين؟! هل ملأت التقوى قلوبَنا؟ هل صلحت أعمالُنا؟ هل تحسَّنت أخلاقنا؟ هل استقام سلوكنا؟ هل تلاشت المنكراتُ والمحرمات من أسرنا ومجتمعاتنا؟
أيها المسلمون، يا من استجبتم لربكم في رمضان، استجيبوا له في سائر الأيام، ٱسْتَجِيبُواْ لِرَبّكُمْ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ أما آن أن تخشع لذكر الله قلوبُنا، وتتوحّد على الصراط المستقيم دروبنا؟!
أيها الإخوة في الله، لقد جاءت النصوص الشرعية بالأمر بعبادة الله والاستقامة على شرعه عامةً في كل زمان ومكان، ومطلقةً في كل وقت وآن، وليست مخصَّصة بمرحلة من العمر، أو مقيَّدة بفترة من الدهر، بل ليس لها غاية إلا الموت، يقول الحسن البصري رحمه الله: "لا يكون لعمل المؤمن أجلٌ دون الموت"، وقرأ قوله سبحانه: وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ ولما سئل بشر الحافي رحمه الله عن أناس يتعبَّدون في رمضان ويجتهدون، فإذا انسلخ رمضان تركوا قال: "بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان".
أيها المؤمنون، إنه إن ودَّعت الأمة الإسلامية شهرَ رمضان المبارك بعد الإقبال على الله والإكثار من الأعمال الصالحة فينبغي أن لا يودّع المسلمون صالحَ العمل بعد رمضان، وما تدنّى واقع الأمة وأصيب المسلمون بالوهن في أنفسهم والضعف أمامَ أعدائهم إلا لما تخلّوا عن أعزّ مقوّمات نصرهم وسيادتهم، وهو الدين الإسلامي الحق، ولما أساء بعضُ أبناء الإسلام فهمَه، فجعلوا للطاعة وقتاً وللمعصية أوقاتاً، وللخير والإقبال زمناً وللشر والإدبار أزماناً، عند ذلك لم تعمل مناسباتُ الخير والرحمة ومواسمُ البر والمغفرة عملَها في قلوب كثير من الناس، ولم تؤثِّر في سلوكهم وأخلاقهم، ولم تُجدِ في حلّ مشكلاتهم وقضاياهم إلا من رحم الله.
أيها الإخوة المسلمون، إن مِن شكر الله عز وجل على نعمة توفيقه للصيام والقيام أن يستمرَّ المسلم على طاعة الله عز وجل في حياته كلِّها، فالإله الذي يُصام له ويُعبد في رمضان هو الإله في جميع الأزمان، ومن علامة قبول الحسنة الحسنةُ بعدها، وإن مِن كُفر النعمة وأماراتِ ردِّ العمل العودةَ إلى المعاصي بعد الطاعة، يقول كعب: "من صام رمضان وهو يحدِّث نفسَه أنه إذا خرج رمضانُ عصى ربَّه فصيامُه عليه مردود، وباب التوفيق في وجهه مسدود"
ألا وإن الناظر في حياة كثيرٍ من المسلمين اليومَ بعد رمضان يأسفُ أشدَّ الأسف لما عليه بعضُ الناس هداهم الله بعد شهر الصيام من هجرِ المساجد، وتركِ الجماعات، والتساهلِ في الصلوات، واعتزالِ الطاعات، من قراءة القرآن والذكر والدعاء، والبذل والإحسان والصدقة، والإقبال على أنواع المعاصي والمنكرات، واستمراء الفواحش والمحرمات
وما ذاك ـ أيها الإخوة في الله ـ إلا من قلِّة البصيرة في الدين، وسوء الفهم لشعائر الإسلام، وما إضاعةُ الصلوات واتباع الشهوات والإغراق في الملذَّات والعكوف على المحرَّمات عبرَ السهرات والسمرات والخروج إلى الشواطئ والمنتزهات ومتابعة الأفلام وعفن القنوات إلا دليلٌ على ضعف الإيمان في نفوس فئام من الناس، فاتقوا الله عباد الله، ولا تهدِموا ما بنيتم من الأعمال الصالحة في شهر رمضان، اتقوا الله تعالى فربُّ الشهور واحد، وهو على أعمالكم رقيب مشاهد، إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً . واعلموا أن الموت يأتي بغتة، وما مرور الأعوام بعد الأعوام وتَكرار الليالي والأيام إلا مذكِّر بتصرّم الأعمار وانتهاء الآجال والقدوم على الكبير المتعال. سبحانَ الله عبادَ الله، أين القلوب التي خشَعت وبالدّعاء اضَّرعت ولهَجت؟! أين لذّة المناجاة؟! أين بردُ اليقين الذي باشر القلوبَ وعَمرها وجلاّها وغمرها؟! أما ارتوَت من الآيات البيّنات وزواجرِ القرآن الواعظات؟! وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا
لقد باءَ هؤلاء بالحظّ الأوكَس والجزاء الأبخَس إن لم يتوبوا إلى الله ويثبتوا على ما كانوا عليه في شهر رمضان، وبِئس القوم لا يعرِفون اللهَ إلا في رمضان، وكفى بالقرآنِ الكريم مشنِّعًا بحالِ هؤلاء وأضرابهم: وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا .
يا لفداحةِ المصيبة ويا لعِظم الحِرمان أن يحورَ أقوامٌ بعدَ الهدى إلى الضّلال وبعد الرّشاد إلى الغِواية، وهل المؤمن الذي يرجو نجاتَه ويخشى ربَّه وملاقاتَه إلاّ من ظلَّل الإيمان حركاتِه وسكناته طيلةَ حياته؟!
أيها المسلمون، أنسيتم أنَّ الله افترض عليكم طاعتَه وألزمكم عبادتَه في كل وقت؟! ألا فليعلم ذلك جيداً من ودّعوا الأعمال الصالحة بوداع رمضان، أفأمن هؤلاء أن ينزل بهم الموت ساعةً من ليل أو نهار وهم على حال لا ترضي العزيزَ الجبار، ولا تنفعهم يومَ العرض على الواحد القهار، نعوذ بالله من الحور بعد الكور.
نسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يهديَنا جميعاً صراطَه المستقيم، وأن يثبِّتنا على الدين القويم، وأن يمنَّ علينا بالقبول والتوفيق، إنه خير مسؤول وأكرم مأمول.
بارك الله لي ولكم في الوحيين، وبسنة سيد الثقلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه كان للأوَّابين غفورا.







الحمد لله، تتمّ الصالحات بنعمته، وتكفَّر السيئات وتُقال العثرات بمنَّته، وتضاعَف الحسنات وترفع الدرجات برحمته، سبحانه يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيّئَـٰتِ أحمده تعالى وأشكره على جزيل العطايا والهبات،
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، اتقوه حقَّ التقوى، وراقبوه في السّر والنجوى،
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنَّ رسولَكم ندبكم لصيام ستةِ أيامٍ من شوال، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر).
فلا تفوِّتوا ـ رحمكم الله ـ على أنفسكم هذه الفضيلة العظيمة، فإنَّ أحدنا لا يدري أيدرك رمضان مرة أخرى أو لا يدركه، وكلّنا بحاجة إلى سدّ ما نقص من صيامنا بصيام التطوع، ويجوز لمن أراد صيامَ ستة أيام من شوال أن يتابعها أو يفرقها في الشهر، ولا بأس في ذلك كله بحمد الله.
ألا فحاسبوا أنفسكم ـ رحمكم الله ـ بعد صيام شهركم، إذا كان أربابُ الأموال وأصحاب التجارات الدنيوية ينظرون في أرباحهم بعد مواسم التجارة فأصحابُ المتاجرة مع الله أولى وأحرى أن ينظروا في أرباحهم، فانظروا ماذا قدمتم لأنفسكم في رمضان، واستمرّوا عليه بعده، وضاعفوه، وتقرَّبوا إلى الله بأنواع الطاعات، فتلك ـ والله ـ هي التجارة الرابحة في أسواق الآخرة، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُواْ أَعْمَـٰلَكُمْ [محمد:33].
ألا وصلوا وسلموا ـ رحمكم الله ـ على الهادي البشير والسراج المنير كما أمركم بذلك اللطيف الخبير فقال عز من قال: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
المشاهدات 3077 | التعليقات 4

وهذه هي الخطبة الثانية وهي في نفس الموضوع عن الاستقامة على الطاعة بعد رمضان .. وهي كذلك من منقولي بجمع مني واختصار وتصرف ..


أيها المسلمون: لقد يسر الله طرقَ الخيرات، وتابع لعباده مواسم الحسنات، وربنا وحده مصرف الأيام والشهور، يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، جعل لكل شيء سببًا، ولكل أجل كتابًا، ولكل عمل حسابًا، وجعل الدنيا سوقًا يغدو إليها الناس ويروحون ، فبائع نفسَه فمعتقها أو موبقها، والأيام إنما هي أجزاء من العمر ومراحلُ في الطريق، تفنى يومًا بعد يوم، مُضِيُّها استنفاد للأعمار، واستكمال للآثار، وقرب من الآجال، يابن آدم إنما أنت أيام فإذا ذهب يومك ذهب بعضك .
إنا لنفرح بالأيام نقطعها وكل يوم مضى يدني من الأجل
أيها المسلمون: لقد مضت أيام مباركات قطعتم بها مرحلة من مراحل العمر، من أحسن فيها فليحمد الله وليواصل الإحسان بعد الإحسان، ومن أساء فليتب إلى الله وليصلح العمل بلواحق الإحسان، ولا سبيل إلى الراحة إلا بانتهاء الأجل لمن أصلح العمل، والعبرة بالخواتيم ,,, قيل للإمام أحمد رحمه الله: متى الراحة يا إمام؟ قال: عند أول قدم تضعها في الجنة.
أيها المسلمون : في استدامة الطاعة والاستمرار على العبادة نعيم للصالحين، وقرة عين للمؤمنين، يقول المصطفى r : ((خير الناس من طال عمره وحسن عمله)).
ولقبول العمل والطاعات علامات، وللكذب في التوبة والإنابة أمارات، فمن علامة قبول الحسنة فعل الحسنة بعدها، فأتبع الحسناتِ بالحسنات تكن علامةً على قبولها وتكميلاً لها، وتوطينًا للنفس عليها، حتى تصبح من سجاياها وكريم خصالها، وأتبع السيئات بالحسنات تكن كفارة لها ووقاية من خطرها وضررها، ((إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيّئَاتِ ذالِكَ ذِكْرَى لِلذكِرِينَ ))
أيها الإخوة المسلمون، إن مِن شكر الله عز وجل على نعمة توفيقه للصيام والقيام أن يستمرَّ المسلم على طاعة الله عز وجل في حياته كلِّها، فالإله الذي يُصام له ويُعبد في رمضان هو الإله في جميع الأزمان،
وإن الناظر في حياة كثيرٍ من المسلمين اليومَ بعد رمضان يأسفُ أشدَّ الأسف لما عليه بعضُ الناس هداهم الله بعد شهر الصيام من هجرِ المساجد، وتركِ الجماعات، والتساهلِ في الصلوات، واعتزالِ الطاعات، من قراءة القرآن والذكر والدعاء، والبذل والإحسان والصدقة، والإقبال على أنواع المعاصي والمنكرات، واستمراء الفواحش والمحرمات
يقول كعب: "من صام رمضان وهو يحدِّث نفسَه أنه إذا خرج رمضانُ عصى ربَّه فصيامُه عليه مردود، وباب التوفيق في وجهه مسدود"
ولما سُئل بشرٌ الحافي رحمه الله عن أناس يتعبَّدون في رمضان ويجتهدون فيه، فإذا انسلخ رمضان تركوا ,,, قال: "بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان". فيا لفداحةِ المصيبة ويا لعِظم الحِرمان أن يحورَ أقوامٌ بعدَ الهدى إلى الضّلال وبعد الرّشاد إلى الغِواية، نعوذ بالله من الحور بعد الكور
عباد الله : إن الاستقامة على الطاعة والاستمرار على العبادة هي صفات عباد الله المؤمنين، إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ.
والاستقامة مفتاح للخيرات، وسبب لحصول البركات، قال عز وجل (( وَأَلَّوِ اسْتَقَامُواْ عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً)).
فاستقيموا يا مسلمون على طاعة مولاكم في كل وقت وحين، فإن عمل المؤمن ليس له أجل دون الموت، قال عز وجل: ((وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ))
فيا من استجبتم لربكم في رمضان، استجيبوا له في سائر الشهور والأيام، ٱسْتَجِيبُواْ لِرَبّكُمْ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ
معشر المؤمنين : إن نفس المؤمن لا تستكين، وهمته لا تلين، وكلما سكنت نفسه أحدث لها نشاطًا وقال لها: يا نفسُ، أبشري فقد قُرب المنزل ودنا التلاقي فلا تنقطعي في الطريق ، فيحال بينكِ وبين منازل الأحبة محمدا وصحبه .
فحين سئل نافع- رحمه الله - عما يفعله ابن عمر رضي الله عنهما في منزله قال: "الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما" وهذا في عموم أيامه رضي الله عنه وليس في رمضان فحسب.
يقول الحسن البصري رحمه الله واصفاً اجتهاد السلف في العبادة: "لقد أدركت أقواماً وصحبت طوائف فما كانوا يفرحون بشيء من الدنيا أقبل، ولا يحزنون على شيء أدبر، وكانت في أعينهم أهون من التراب الذي يطأون عليه، وكانوا عاملين بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم. كانوا إذا جن الليل قاموا على أقدامهم وافترشوا وجوههم وجرت دموعهم على خدودهم".
وكان ابن عمر إذا فاتته صلاة الجماعة صام يومًا وأحيا ليلةً وأعتق رقبة.
وقالت فاطمة بنت عبد الملك زوج أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: ما رأيت أحدًا أكثر صلاة ولا صيامًا منه، كان يصلي العشاء ثم يجلس يذكر الله حتى تغلبه عيناه ثم ينتبه. ولقد كان يكون على الفراش فيذكر الشيء من أمور الآخرة فينتفض كما ينتفض العصفور من الماء ويجلسُ يبكي، فأطرحُ عليه اللحاف.
وعن وكيع قال: كان الأعمش قريباً من سبعين سنةً لم تفته التكبيرة الأولى، واختلفتُ إليه أكثر من ستين سنة فما رأيتهُ يقضي ركعة واحدة.
وقال سلمان بن حمزة المقدسي: لم أصلِّ الفريضة قطُّ منفرداً إلا مرتين وكأني لم أصلها قطّ، مع أنه قارب التسعين حين مات، رحمهم الله تعالى.
أيها المسلمون: دأْب الصالحين الديمومة على العمل ثم خوفهم من عدم قبول الأعمال الصالحات، ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله عن معلَّى بن الفضل أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر بعد رمضان أن يتقبله منهم. ويقول الحسن البصري: أدركت أقوامًا لو أنفق أحدهم ملءَ الأرضِ ذهبا في سبيل الله ما أمِن العقوبة لعظم الذنب في نفسه".
فلا تثقوا بما كان منك من عمل؛ فإنك لا تدري أيقبل منك أم لا؟، ولا تأمن ذنوبَك فإنك لا تدري أكُفِّرت عنك أم لا؟ والمعجب بعمله مخذول، وكم من عابد قد أفسده العجب، ومن المهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه، ومن لم يتفقد آفات الأعمال من الرياء والعجب كان عمله إلى البوار .
فالله لا يريد من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه صوابا على سنة نبيه r قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه ((من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه))
فالأعمال إذا لم تكن خالصة عن الشوائب لم تكن عند الله نافعة، يقول ابن مسعود : (الهلاك في اثنتين: القنوط والعجب)،
فاستعن بالله يا مسلم على دفع الإعجاب باحتقار الأعمال، وتذكر آلاء الله عليك وعظيم حقه عليك،
يقول سعيد بن جبير: "دخل رجل الجنة بمعصية، ودخل رجل النار بطاعة" قيل: وكيف ذلك يا سعيد؟! قال: "عمل رجل معصية فما زال خائفًا من فعلها، فأدخله الله الجنة بخوفه من الله، وعمل رجلٌ طاعة، فما زال معجبًا بها حتى أحبط الله عمله فدخل النار".
سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها رسولَ الله عن قوله سبحانه: وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أهُم الذين يزنون ويسرقون ويشربون الخمر؟ قال: ((لا يا ابنة الصديق، ولكنهم الذين يصلّون ويصومون ويتصدّقون ويخافون أن لا يُتقبَّل منهم))،
يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (كونوا لقبول العمل أشدَّ اهتماماً منكم بالعمل,,, وعن فضالة بن عبيد قال: "لو أني أعلم أن الله تقبَّل مني مثقالَ حبةِ خردلٍ أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها لأن الله يقول: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ
فاحفظ يا عبدالله ما عملته من صالحات في الشهر المبارك,, بالإخلاص لله، والإقرار بالتقصير والشعور بالتضييع , واتهام النفس بالتفريط
عباد الله، اتقوا الله واحذروا ما يبطل العبادة أو يُذهب ثوابها:
ومن ذلك الشرك بالله عز وجل، ومنه الرياء والسمعة، قال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الأنعام:88].
ومن ذلك الإحداث في الدين، قال : ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)).
ومن ذلك ظلم الناس والتعدي عليهم في دمائهم وأموالهم وأعراضهم فقد جاء في الحديث: ((إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضي ما عليه أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه ثم طُرح في النار)) [أخرجه مسلم]
ومن ذلك بعض الكلمات السيئة التي ينطق بها الإنسان من غير تفكير في عواقبها فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يرى بها بأساً فيهوي بها في نار جهنم سبعين خريفاً)) [أخرجه ابن ماجه] ،
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.




الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا مزيدًا. أما بعد:
أيها المسلمون، مضت تلك الليالي الغرُّ بفضائلها، ونفحات ربها، فهنيئًا للذين أطاعوا ربهم، وعظموا شهرهم، وأخلصوا العمل لخالقهم، ومن فاتته التوبة في شهر الغفران فليتداركها قبل فوات الأوان، وربنا تعالى يتودد إلى خلقه بالنعم، ويناديهم في الظُلَم، فكن متعلقًا بخالقك في كل لحظة من حياتك، وفي كل حركة وسكون من شأنك، والذي فضَّل رمضان هو الإله المعبود في كل زمان، واجعلوا الاستقامة شعاركم، وصالحَ الأعمالِ غايتَكم، يحصل لكم الفلاح، وتتم لكم السعادة في الدارين، ولا يكن آخر عهدكم بالصيام والقيام والصدقة والقرآن في رمضان , خاب وخسر من لا يعرف الله إلا في رمضان , قال جل وعلا: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حياةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنَّ رسولَكم ندبكم لصيام ستةِ أيامٍ من شوال، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر)).
فلا تفوِّتوا ـ رحمكم الله ـ على أنفسكم هذه الفضيلة العظيمة، فكلّنا بحاجة إلى سدّ ما نقص من صيامنا بصيام التطوع، فصوموها وحثوا عليها نساءكم وأولادكم.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه فقال في محكم التنزيل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ


وهذه خطبة ثالثة دمجتُ فيها الخطبتين السابقتين مع إضافات وتحسينات يسيرة


الحمد لله الكريم المنان القويِ الكبير ذي السلطان، أحمده على ما مَنَّ به علينا من النعم والإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) ، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما تعاقب الجديدان وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله تعالى واشكروه على ما منَّ به عليكم من التوفيق للصيام والقيام وحلول عيد الفطر المبارك، أعاده الله على أمة الإسلام بالخير واليمن والسرور، والبركات والرضا والحبور.
أيها المسلمون، بالأمس القريب ودَّعت الأمة الإسلامية شهراً عظيماً وموسماً جليلا، تحزن لفراقه القلوب المؤمنة، كنَّا بالأمس القريب نتلقَّى التهانيَ بقدومه ونسأل الله بلوغَه، ثم فوجئنا برحيله ونسأل الله قبولَه، بالأمس كنا نترقّبه بكلّ فرح وخشوع، ثم ودعناه بكل الأسى والدموع، وتلك سنّة الله في خلقه، أيّامٌ تنقضي، وأعوام تنتهي، إلى أن يرثَ الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
مضى الشّهر الجليل وقد أحسن فيه أناسٌ وأساء آخرون، وهو شاهد لنا أو علينا، شاهدٌ للمشمِّر بصيامه وقيامه، وعلى المقصّر بغفلته وإعراضه،ويا ليت شعري هل سندركه مرةً أخرى أم يحول بينا وبينه هادم اللذات ومفرّق الجماعات؟! فسلامُ الله على شهر الصيام والقيام، لقد مرّ كلمحة برقٍ أو غمضة عين، كان مضماراً يتنافس فيه المتنافسون، وميداناً يتسابق فيه المتسابقون، فكم فيه من أكفٍّ ضارعة رُفعت، ودموع ساخنة ذُرفت، وعَبَرَاتٍ حرَّاءَ قد سُكبت، ونشيج وبكاء ,وحُقّ لها ذلك في موسم المتاجرة مع الله، موسم الرحمة والمغفرة والعتق من النار.
معاشر المسلمين، لقد مرّ بنا ذلك الشهر المبارك كطيف خيال، مرّ بخيراته وبركاته، مضى من أعمارنا وهو شاهد لنا أو علينا بما أودعناه فيه، فليفتحْ كلّ واحدٍ منا صفحة المحاسبة لنفسه: ماذا عمل فيه؟ ماذا استفاد منه؟ وما مدى تأثيرِه على عمله وسلوكه وأخلاقه؟
إخوةَ الإيمان، ماذا بعد شهرِ رمضان؟! ماذا عن آثار الصيام التي عملها في نفوس الصائمين؟! هل ملأت التقوى قلوبَنا؟ هل صلحت أعمالُنا؟ هل تحسَّنت أخلاقنا؟ هل استقام سلوكنا؟ هل تلاشت المنكراتُ والمحرمات من بيوتنا؟
هل تأسَّينا بالسلف الصالح رحمهم الله الذين توجل قلوبهم وتحزن نفوسهم عندما ينتهي رمضان لأنهم يخافون أن لا يُتقبّل منهم؟ لذا فقد كانوا يكثرون الدعاءَ بعد رمضان بالقبول. ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله عن معلَّى بن الفضل أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم. كما كانوا رحمهم الله يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه، ثم يهتمُّون بعد ذلك بقبوله ويخافون من ردّه، سألت عائشة رضي الله عنها رسولَ الله عن قوله سبحانه: وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أهُم الذين يزنون ويسرقون ويشربون الخمر؟ قال: ((لا يا ابنة الصديق، ولكنهم الذين يصلّون ويصومون ويتصدّقون ويخافون أن لا يُتقبَّل منهم))، ويقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (كونوا لقبول العمل أشدَّ اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا إلى قول الله عز وجل: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ ، وعن فضالة بن عبيد قال: "لو أني أعلم أن الله تقبَّل مني مثقالَ حبةِ خردلٍ أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها لأن الله يقول: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ "
وقال ابن دينار: "الخوفُ على العمل أن لا يُتقبَّل أشدُّ من العمل".
أيها المسلمون، يا من استجبتم لربكم في رمضان، استجيبوا له في سائر الأيام
ٱسْتَجِيبُواْ لِرَبّكُمْ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ
أما آن أن تخشع لذكر الله قلوبُنا، وتتوحّد على الصراط المستقيم دروبنا؟!
أيها الإخوة في الله: لقد جاءت النصوص الشرعية بالأمر بعبادة الله والاستقامة على شرعه عامةً في كل زمان ومكان، ومطلقةً في كل وقت وآن، وليست مخصَّصة بمرحلة من العمر، أو مقيَّدة بفترة من الدهر، بل ليس لها غاية إلا الموت، يقول الحسن البصري رحمه الله: "لا يكون لعمل المؤمن أجلٌ دون الموت"، وقرأ قوله سبحانه: وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ
ولما سئل بشر الحافي رحمه الله عن أناس يتعبَّدون الله في رمضان ، فإذا انسلخ رمضان تركوا قال: "بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان".
ألا وإن الناظر في حياة كثيرٍ من المسلمين اليومَ بعد رمضان يأسفُ أشدَّ الأسف لما عليه بعضُ الناس هداهم الله بعد شهر الصيام من هجرِ المساجد، وتركِ الجماعات، والتساهلِ في الصلوات، واعتزالِ الطاعات، من قراءة القرآن والذكر والدعاء، والبذل والإحسان والصدقة، والانكباب على المعاصي والمنكرات، واستمراء الفواحش والمحرمات
لقد باءَ هؤلاء بالحظّ الأوكَس والجزاء الأبخَس إن لم يتوبوا إلى الله ويثبتوا على ما كانوا عليه في شهر رمضان
ويا لفداحةِ المصيبة ويا لعِظم الحِرمان أن يحورَ أقوامٌ بعدَ الهدى إلى الضّلال وبعد الرّشاد إلى الغِواية، وهل المؤمن الذي يرجو نجاتَه ويخشى ربَّه وملاقاتَه إلاّ من ظلَّل الإيمان حركاتِه وسكناته طيلةَ حياته؟!
فاتقوا الله عباد الله، ولا تهدِموا ما بنيتم ولا تبددوا ما جمعتم وتمسحوا ما كتبتم
اتقوا الله تعالى فربُّ الشهور واحد، وهو على أعمالكم رقيب مشاهد، إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً . واعلموا أن الموت يأتي بغتةً والقبر صندوق العمل وما مرور الأعوام بعد الأعوام وتَكرار الليالي والأيام إلا مذكِّر بتصرّم الأعمار وانتهاء الآجال والقدوم على الكبير المتعال.
بالله عليكم أين القلوب التي لله خشَعت وبالدّعاء له تضرعت؟! أين لذّة المناجاة؟! أين بردُ اليقين الذي باشر قلوبَ الصائمين القائمين ؟! أما ارتوَت من الآيات البيّنات وزواجرِ القرآن الواعظات؟! وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا


أيها المسلمون، أنسيتم أنَّ الله افترض عليكم طاعتَه وألزمكم عبادتَه في كل وقت؟! ألا فليعلم ذلك جيداً من ودّعوا الأعمال الصالحة بوداع رمضان، أفأمن هؤلاء أن ينزل بهم الموت ساعةً من ليل أو نهار وهم على حال لا ترضي العزيزَ الجبار، ولا تنفعهم يومَ العرض على الواحد القهار، نعوذ بالله من الحور بعد الكور.
نسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يهديَنا جميعاً صراطَه المستقيم، وأن يثبِّتنا على الدين القويم، وأن يمنَّ علينا بالقبول والتوفيق، إنه خير مسؤول وأكرم مأمول.















الحمد لله، تتمّ الصالحات بنعمته، وتُكفَّر السيئات بمنَّته، وتضاعَف الحسنات وترفع الدرجات برحمته، سبحانه يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيّئَـٰتِ أحمده تعالى وأشكره على جزيل العطايا والهبات وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للبريات وعلى آله وأزواجه وأصحابه من السابقين والسابقات
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، اتقوه حقَّ التقوى، وراقبوه في السّر والنجوى
معاشر المؤمنين : إن نفس المؤمن لا تستكين، وهمته لا تلين، وكلما سكنت نفسه وفترت أحدث لها نشاطًا وقال لها: يا نفسُ، أبشري فقد قُرب المنزل ودنا التلاقي فلا تنقطعي في الطريق ، فيحال بينكِ وبين منازل الأحبة محمد وصحبه .
يقول الحسن البصري رحمه الله واصفاً اجتهاد السلف في العبادة: "لقد أدركت أقواماً وصحبت طوائف فما كانوا يفرحون بشيء من الدنيا أقبل، ولا يحزنون على شيء منها أدبر، وكانت الدنيا في أعينهم أهون من التراب الذي يطأون عليه، وكانوا عاملين بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم. كانوا إذا جن الليل قاموا على أقدامهم وافترشوا وجوههم وجرت دموعهم على خدودهم".
وحين سئل نافعٌ- رحمه الله - عما يفعله ابن عمر رضي الله عنهما في منزله قال: "الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما" وهذا في عموم أيامه رضي الله عنه وليس في رمضان فحسب.
وكان رضي الله عنه إذا فاتته صلاة الجماعة صام يومًا وأحيا ليلةً وأعتق رقبة.
وعن وكيع قال: كان الأعمش قريباً من سبعين سنةً لم تفته التكبيرة الأولى، واختلفتُ إليه أكثر من ستين سنة فما رأيتهُ يقضي ركعة واحدة.
وقال سلمان بن حمزة المقدسي: لم أصلِّ الفريضة قطُّ منفرداً إلا مرتين وكأني لم أصلها قطّ، مع أنه قارب التسعين حين مات، رحمهم الله تعالى.
وهذا الصحابيُ الجليل عَبْدُ الله بنَ عَمْرِو بنِ العَاصِ كان عَابِدًا مُتَأَلِهًا، مُقْبِلًا عَلَى الله تَعَالَى، عَازِفًا عَنِ الدُّنْيَا، مُنْصَرِفًا إِلَى الآخِرَةِ، وقد بلغ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلْمَ أمرَه في إِدَامَتِهِ الصِّيَامَ وَالْقِيَامَ مِنْ أَبِيهِ عَمْرِو بنِ العَاصِ، الَّذِي عَلِمَ بِذَلِكَ مِنْ زَوْجَةِ عَبْدِ الله فِي زِيارَةٍ لِبَيتِه، قَالَ عَبْدُ الله بن عمر بن العاص أَنْكَحَنِي أبي امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ فَكَانَ أبي يَتَعَاهَدُ كَنَّتَهُ فَيَسْأَلُهَا عَن بَعْلِهَا فَتَقُولُ: نِعْمَ الرَّجُلُ ابنك.. لكنه لم يَطَأْ لَنَا فِرَاشًا وَلَم يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا مُذْ أَتَيْنَاهُ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيهِ ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: الْقَنِي بِابنك، قال عبدالله فَلَقِيتُ النبيَ صلى الله عليه وسلم بَعْد ذلك فَقَالَ: كَيْفَ تَصُومُ؟ قُلْتُ: كُلَّ يَوْمٍ، قال: وَكَيْفَ تَخْتِمُ؟ قُلْتُ: كُلَّ لَيْلَةٍ، قَالَ: صُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةً ... واقْرَأ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ مرة، قَالَ: قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ في الْجُمُعَةِ، قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: أَفْطِرْ يَوْمَيْنِ وَصُمْ يَوْمًا، قَالَ: قُلتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: صُمْ أَفْضَلَ الصَّوْمِ صَوْمَ دَاوُدَ صِيَامَ يَوْمٍ وَإِفْطَارَ يَوْمٍ وَاقْرَأْ في كل سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً.. يقول عبدالله فَلَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَذَاكَ أَنِّي كَبِرْتُ وَضَعُفْتُ، فَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَقَوَّى أَفْطَرَ أَيَّامًا وَأَحْصَى تلك الأيام ثم صَامَ أَيَامًا مِثْلَهُنَّ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتْرُكَ شَيئًا فَارَقَ النَبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَيهِ.
فدَلَّتْ إِدَامَةُ عَبْدِ الله عَلَى صِيَامِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمِ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيه وَسَلَّمَ مَعَ مَشَقَّةِ ذَلِكَ عَلَيه مَا كَانَ عَلَيهِ الصَّحَابَةُ مِنْ حرصهم على ديمومة العمل، وَالْتَّمَسُّكِ بِالْعَزَائِمِ، وَعَدَمِ التَّبدِيلِ وَالتَّغْيِّيرِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، مَعَ أَنَّهُ يَعْمَلُ فِي نَافِلَةٍ لَهُ أَنْ يَتَخَفَّفَ مِنْهَا متى شاء، لَكِنَّهُ كَرِهَ تَغْيِّيرَ مَا فَارَقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَيهِ .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ المؤمنون أَبَوَابُ الْخَيْرِ كَثِيرَةٌ، وَطرق الْعِبَادَات مُتَنَوِّعَةٌ، وَالمَرْءُ مَا خُلِقَ إِلَّا لِيَعْبُدَ الله تَعَالَى؛ فَحَرِيٌّ بِمَنْ فَقِهَ ذَلِكَ وَعَرَفَهُ أَنْ يُمْسِكَ بَأَبْوَابٍ مِنَ الْخَيْرِ فُتِحْتَ لَهُ فَيَلْزَمَهَا وَلَا يُفْرِّطَ فِيهَا؛ لِيَلْقَى اللهَ تَعَالَى بِأَعْمَالٍ صَالِحَةً قَدْ دَاوَمَ عَلَيهَا [وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ {


جزاك الله خيرا


جزاك الله خير الجزاء يا شيخنا الكريم000 وقد اشتقنا إلى مقولك فلا تحرمنا بارك الله فيك00