خطبة : " مسارعة في الخيرات لدعوات مستجابات "

عبدالله البصري
1433/09/07 - 2012/07/26 11:37AM
مسارعة في الخيرات لدعوات مستجابات 8 / 9 / 1433


الخطبة الأولى :

أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، في الآيَاتِ الَّتي ذَكَرَ اللهُ فِيهَا الصِّيَامَ وَإِنزَالَ القُرآنِ في شَهرِ رَمَضَانَ ، وَبَيَّنَ فِيهَا لِعِبَادِهِ بَعضَ الأَحكَامِ لِمَن شَهِدَ مِنهُمُ الشَّهرَ وَلِمَن كَانَ مُسَافِرًا ، وَغَيرَ ذَلِكَ مِن أَحكَامٍ مَعَ أَهلِيهِم وَبَدءِ صِيَامِهِم وَانتِهَائِهِ ، في ثَنَايَا تِلكَ الآيَاتِ العَظِيمَةِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَستَجِيبُوا لي وَلْيُؤمِنُوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدُونَ " ممَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَهرَ رَمَضَانَ وَمَوسِمَ القُرآنِ وَأَيَّامَ الصِّيَامِ وَلَيَاليَ القِيَامِ ، مِن أَعظَمِ المَوَاضِعِ الَّتي يُشرَعُ فِيهَا الدُّعَاءُ وَاللُّجُوءُ إِلى اللهِ ، إِذْ هُوَ ـ تَعَالى ـ قَرِيبٌ مُجِيبٌ ، يَسمَعُ الدُّعَاءَ وَيُحَقِّقُ الرَّجَاءَ ، وَيَستَجِيبُ لِلدَّاعِي وَيُرشِدُهُ وَيُوَفِّقُهُ وَيُسَدِّدُهُ ، غَيرَ أَنَّ ممَّا يَلفِتُ الانتِبَاهَ أَنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ جَعَلَ لإِجَابَةِ دُعَائِنَا شَرطًا فَقَالَ : " فَلْيَستَجِيبُوا لي " فَحَتى يُجِيبَ ـ سُبحَانَهُ ـ دُعَاءَنَا وَيُحَقِّقَ رَجَاءَنَا وَيُبَلِّغَنَا آمَالَنَا ، فَلا بُدَّ مِنِ استِجَابَتِنَا لَهُ قَبلَ ذَلِكَ ، وَإِذَا نَحنُ فَعَلنَا ذَلِكَ وَكُنَّا للهِ ـ تَعَالى ـ عَلَى مَا يُحِبُّ وَيُرِيدُ ، فَسَوفَ يَستَجِيبُ ـ سُبحَانَهُ ـ لَنَا وَيَجَعَلُنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ .
فَهَل فَكَّرنَا بِجِدٍّ كَيفَ نَستَجِيبُ للهِ حَتى يُجِيبَ دُعَاءَنَا ؟ إِنَّهُ لأَمرٌ كَبِيرٌ وَقَد يَكُونُ وَاسِعًا ، وَلَكِنَّ ثَمَّةَ مَوَاضِعَ وَرَدَ فِيهَا إِجَابَةُ اللهِ ـ تَعَالى ـ لِعَدَدٍ مِنَ أَنبِيَائِهِ ، ثم بَيَانُ استِجَابَتِهِم لَهُ قَبلَ ذَلِكَ ، فَتَعَالَوا بِنَا نَستَعرِضُهَا عَلَى عَجَلٍ ، لِنَتَعَرَّفَ كَيفَ استَجَابُوا لِرَبِّهِم قَبلَ أَن يَستَجِيبَ هُوَ دُعَاءَهُم ، فَإِنَّ أَنبِيَاءَ اللهِ ـ عَلَيهِمُ السَّلامُ ـ هُم أَعرَفُ الخَلقِ بِرَبِّهِم ، وَأَبصَرُهُم بما يُرضِيهِ وَيَستَدِرُّ رَحمَتَهُ وَيَستَجلِبُ إِجَابَتَهُ ، فَفِي سُورَةِ الأَنبِيَاءِ يَقُولُ اللهُ ـ تَعَالى ـ : " وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبلُ فَاستَجَبنَا لَهُ فَنَجَّينَاهُ وَأَهلَهُ مِنَ الكَربِ العَظِيمِ " فَمَا هُوَ إِلاَّ أَن نَادَى ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ حَتى جَاءَتهُ الاستِجَابَةُ مِن رَبِّهِ ـ تَعَالى ـ مُبَاشَرَةً ، وَنُجِّيَ هُوَ وَأَهلُهُ مِنَ الكَربِ العَظِيمِ .
وَيَقُولُ ـ تَعَالى ـ : " وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرحَمُ الرَّاحِمِينَ . فَاستَجَبنَا لَهُ فَكَشَفنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَينَاهُ أَهلَهُ وَمِثلَهُم مَعَهُم رَحمَةً مِن عِندِنَا وَذِكرَى لِلعَابِدِينَ " لَقَد جَاءَتِ الاستِجَابَةُ بَعدَ الدُّعَاءِ وَالابتِهَالِ إِلى اللهِ بِصِفَةِ الرَّحمَةِ ، فَكَشَفَ اللهُ المَرَضَ عَن نَبِيِّهِ أَيُّوبَ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ وَرَدَّ عَلَيهِ أَهلَهُ وَبَارَكَ لَهُ في جِسمِهِ وَمَالِهِ .
وَيَقُولُ ـ تَعَالى ـ عَن يُونُسَ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ : " وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَن نَقدِرَ عَلَيهِ فَنَادَى في الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالمِينَ . فَاستَجَبنَا لَهُ وَنَجَّينَاهُ مِنَ الغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي المُؤمِنِينَ " لَقَدِ ابتُلِيَ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ بِظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ : ظُلمَةُ البَحرِ وَظُلمَةُ بَطنِ الحُوتِ وَظَلامُ اللَّيلِ ، وَمَا هُوَ إِلاَّ أَنِ ابتَهَلَ إِلى رَبِّهِ وَدَعَاهُ دُعَاءَ المُعَظِّمِ لِرَبِّهِ المُقِرِّ بِذَنبِهِ ، حَتى جَاءَتهُ الاستِجَابَةُ لِتُنقِذَه مِن تِلكَ الظُّلُمَاتِ .
وَأَمَّا زَكَرِيَّا ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ فَإِنَّهُ لم يُرزَقْ وَلَدًا تَقَرُّ بِهِ عَينُهُ ، فَدَعَا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَنَادَاهُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرني فَردًا وَأَنتَ خَيرُ الوَارِثِينَ . فَاستَجَبنَا لَهُ وَوَهَبنَا لَهُ يَحيى وَأَصلَحنَا لَهُ زَوجَهُ " نَعَم ، لَقَدِ استَجَابَ اللهُ دُعَاءَهُ وَوَهَبَهُ الوَلَدَ مَعَ كِبَرِ سِنِّهِ وَكِبَرِ سِنِّ زَوجِهِ ، وَلَكِنَّ اللهَ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ ، استَجَابَ لَهُ وَرَزَقَهُ يَحيى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ .
لَقَدِ استَجَابَ اللهُ ـ تَعَالى ـ لأَنبِيَائِهِ ، وَآتَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنهُم سُؤلَهُ ، فَمَا سِرُّ تِلكَ الاستِجَابَاتِ ؟!
إِنَّ الجَوَابَ الشَّافيَ مَوجُودٌ في سُورَةِ الأَنبِيَاءِ نَفسِهَا ، ذَكَرَهُ ـ تَعَالى ـ بَعدَ ذِكرِهِ دُعَاءَ أَنبِيَائِهِ وَاستِجَابَتَهُ لهم ، فَمَاذَا قَالَ ـ تَعَالى ـ عَنهُم ؟ وَبِأَيِّ شَيءٍ وَصَفَهُم ؟
لَقَد قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّهُم كَانُوا يُسَارِعُونَ في الخَيرَاتِ وَيَدعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ "
ذَلِكُم هُوَ سِرُّ استِجَابَةِ اللهِ لَهُم ، وَتِلكَ هِيَ الصِّفَاتُ العَظِيمَةُ الَّتي استَحَقُّوا بها الإِجَابَةَ ، إِنَّهَا صِفَاتٌ بَيِّنَةٌ ، وَشُرُوطٌ وَاضِحَةٌ ، وَطَرِيقٌ لا لَبسَ فِيهَا وَلا غُمُوضَ " إِنَّهُم كَانُوا يُسَارِعُونَ في الخَيرَاتِ وَيَدعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ "
مُسَارَعَةٌ في الخَيرَاتِ ، وَخَوفٌ وَرَجَاءٌ ، وَخُشُوعٌ وَخُضُوعٌ ، فَأَينَ نَحنُ مِن هَذِهِ الصِّفَاتِ ؟
وَمَا حَالُنَا في شَهرِنَا مَعَ الخَيرَاتِ ، هَل نَحنُ في الخَيرَاتِ مُسَارِعُونَ ؟
وَإلى أَسبَابِ المَغفِرَةِ مُسَابِقُونَ ؟
أَم أَنَّنَا مُتَبَاطِئُونَ مُتَكَاسِلُونَ ؟
لِيَنظُرْ كُلٌّ مِنَّا حَالَهُ مَعَ الصَّلَوَاتِ المَفرُوضَةِ أَوَّلاً ، مَا حَظُّهُ مِنَ المُحَافَظَةِ عَلَيهَا مَعَ الجَمَاعَةِ ؟
وَهَل هُوَ حَرِيصٌ عَلَى إِدرَاكِ تَكبِيرَةِ الإِحرَامِ مَعَ الإِمَامِ ؟
وَإِذَا كَانَ ممَّن يَسهَرُ في لَيلِهِ عَلَى القِيلِ وَالقَالِ أَوِ اللَّعِبِ أَو مُشَاهَدَةِ القَنَوَاتِ ، فَهَل هُوَ ممَّن يُفَوِّتُ صَلاةَ الفَجرِ وَلا يَحسِبُ لها حِسَابًا ؟
وَإِذَا كَانَ ممَّن يَتَحَامَلُونَ عَلَى أَنفُسِهِم حَتى يُصَلُّوا الفَجَرَ مَعَ الجَمَاعَةِ ، فَكَيفَ حَالُهُ بَعدَ ذَلِكَ مَعَ صَلاتَيِ الظُّهرِ وَالعَصرِ ؟
إِنَّ ذَلِكُم هُوَ أَعظَمُ مِيزَانٍ لِمَعرِفَةِ حَظِّ النَّفسِ مِنَ المُسَارَعَةِ في الخَيرَاتِ ، إِنَّهَا الصَّلَوَاتُ ، فَمَن كَانَ عَلَيهَا مُحَافِظًا ، وَلِخَمسِهَا مَعَ الجَمَاعَةِ شَاهِدًا ، وَعَلَى إِدرَاكِ تَكبِيرَةِ الإِحرَامِ حَرِيصًا ، فَهُوَ فِيمَا سِوَاهَا مِنَ الخَيرَاتِ مُسَارِعٌ ، مَن حَافَظَ عَلَى الصَّلاةِ كَمَا يَجِبُ ، دَفَعَهُ ذَلِكَ إِلى أَدَاءِ الزَّكَاةِ ، وَحَمَلَهُ عَلَى الإِنفَاقِ في سَبِيلِ اللهِ ، وَسَهَّلَ عَلَيهِ حِفظَ جَوَارِحِهِ عَنِ الحَرَامِ وَاقتِرَافِ الآثَامِ ، وَأَحيَا قَلبَهُ فَحَفِظَ عَهدَهُ وَقَامَ بما يَجِبُ عَلَيهِ لِرَبِّهِ وَلِخَلقِهِ ، وَاقرَؤُوا في ذَلِكَ قَولَ رَبِّكُم ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا . إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا , وَإِذَا مَسَّهُ الخَيرُ مَنُوعًا . إِلاَّ المُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُم عَلَى صَلاتِهِم دَائِمُونَ . وَالَّذِينَ في أَموَالِهِم حَقٌّ مَعلُومٌ . لِلسَّائِلِ وَالمَحرُومِ . وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَومِ الدِّينِ . وَالَّذِينَ هُم مِن عَذَابِ رَبِّهِم مُشفِقُونَ . إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِم غَيرُ مَأمُونٍ . وَالَّذِينَ هُم لِفُرُوجِهِم حَافِظُونَ . إِلاَّ عَلَى أَزوَاجِهِم أَو مَا مَلَكَت أَيمَانُهُم فَإِنَّهُم غَيرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العَادُونَ . وَالَّذِينَ هُم لأَمَانَاتِهِم وَعَهدِهِم رَاعُونَ . وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ . وَالَّذِينَ هُم عَلَى صَلاتِهِم يُحَافِظُونَ . أُولَئِكَ في جَنَّاتٍ مُكرَمُونَ "
لَقَد بُدِئَت صِفَاتُ هَؤُلاءِ المُسَارِعِينَ في الخَيرَاتِ بِالصَّلاةِ وَخُتِمَت بِالصَّلاةِ ، فَاتَّقُوا اللهَ يَا مَن تَرجُونَ أن يُجِيبَ اللهُ في هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ دُعَاءَكُم ، وَيَسمَعَ نِدَاءَكُم وَيُحَقِّقَ رَجَاءَكُم ، وَسَارِعُوا في الخَيرَاتِ وَحَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ ، ثم ليَكُنْ دَافِعُكُم في ذَلِكَ الرَّغبَةَ فِيمَا عِندَ اللهِ مِنَ النَّعِيمِ المُقِيمِ ، وَالرَّهبَةَ ممَّا أَعَدَّهُ مِن العَذَابِ الأَلِيمِ ، كُونُوا بَينَ خَوفٍ وَرَجَاءٍ ، تَذَكَّرُوا أَنَّ عِندَ اللهِ جَنَّةً أُعِدَّت لِلمُتَّقِينَ ، وَنَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ أُعِدَّت لِلكَافِرِينَ ، وَأَنَّ اللهَ قَد تَعَهَّدَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ بِمَلئِهَا ، وَلْيَكُنْ ذَلِكَ سَبَبًا في خُشُوعِكم بَينَ يَدَي رَبِّكُم ، خُشُوعًا عَامًّا في كُلِّ أَمرِكُم ، لَيسَ في صَلاتِكُم وَدُعَائِكُم فَحَسبُ ، وَلَكِنْ في كُلِّ أَمرِكُم وَجَمِيعِ شَأنِكُم ، أَطِيبُوا المَطَاعِمَ وَالمَشَارِبَ خَوفًا مِنَ اللهِ ، وَاعفُوا وَاصفَحُوا رَجَاءَ مَا عِندَ اللهِ ، وَأَخبِتُوا إِلى رَبِّكُم وَأَنِيبُوا لَهُ ، وَكُونُوا إِلى الحَقِّ رَجَّاعِينَ ، ذَلِكُم هُوَ شَأنُ الخَاشِعِينَ " الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُلاقُو رَبِّهِم وَأَنَّهُم إِلَيهِ رَاجِعُونَ " قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَبَشِّرِ المُخبِتِينَ . الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَت قُلُوبُهُم وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُم وَالمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُونَ "


الخطبة الثانية :

أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤمِنُونَ " وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتي أُعِدَّت لِلكَافِرِينَ . وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، سَارِعُوا في الخَيرَاتِ ، وَتَسَابَقُوا إِلى الصَّالِحَاتِ ، وَآمِنُوا بِرَبِّكُم إِيمَانَ الصَّادِقِينَ ، وَاحتَسِبُوا كُلَّ مَا تَعمَلُونَهُ وَتُقَدِّمُونَهُ لِوَجهِ اللهِ ، رَغبَةً فِيمَا عِندَهُ وَخَوفًا ممَّا أَعَدَّهُ ، وَاخشَعُوا لَهُ ـ تَعَالى ـ وَأَخبِتُوا ، ثم أَبشِرُوا بِإِجَابَةِ دُعَائِكُم وَتَحَقُّقِ رَجَائِكُم ، وَنَيلِكُم أَعظَمَ مَرغُوبٍ فِيهِ وَهُوَ جَنَّةُ رَبِّكُم ، فَعَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " مَن أَصبَحَ مِنكُمُ اليَومَ صَائِمًا ؟ " قَالَ أَبُو بَكرٍ : أَنَا . قَالَ : " فَمَن تَبِعَ مِنكُمُ اليَومَ جَنَازَةً ؟ " قَالَ أَبُو بَكرٍ : أَنَا . قَالَ : " فَمَن أَطعَمَ مِنكُمُ اليَومَ مِسكِينًا ؟ " قَالَ أَبُو بَكرٍ : أَنَا . قَالَ : " فَمَن عَادَ مِنكُمُ اليَومَ مَرِيضًا ؟ " قَالَ أَبو بَكرٍ : أَنَا . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا اجتَمَعنَ في امرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الجَنَّةَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
إِنَّهَا صُورَةٌ مُشرِقَةٌ مِن صُوَرِ المُسَارَعَةِ في الخَيرَاتِ وَاستِبَاقِهَا ، يُطَبِّقُهَا صِّدِيقُ هَذِهِ الأُمَّةِ وَأَعظَمُهَا إِيمَانًا بَعدَ نَبِيِّهَا ، لِيُبَيِّنَ لَنَا بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّ المُسَابَقَةَ في الخَيرَاتِ ، سَبَبٌ لِحُصُولِ أَعظَمِ مَرغُوبٍ وَهُوَ الجَنَّةُ ، فَكَيفَ بما عَدَاهُ ممَّا يَسأَلُهُ العَبدُ رَبَّهُ مِن أَمرِ دِينِهِ أَو دُنيَاهُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَكُونُوا مِنَ المُسَارِعِينَ المُسَابِقِينَ المُخبِتِينَ الخَاشِعِينَ ، وَاضرِبُوا في كُلِّ بِرٍّ وَخَيرٍ بِسَهمٍ " وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم وَاتَّقُوا اللهَ وَاعلَمُوا أَنَّكُم مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤمِنِينَ "
وَاحذَرُوا ممَّا زَيَّنَهُ الشَّيطَانُ لِبَعضِ العَابِدِينَ ، الَّذِينَ بَدَلاً مِنَ المُسَابَقَةِ في الخَيرَاتِ وَالتَّنَافُسِ في الطاَّعَاتِ ، صَارُوا يَتَسَابَقُونَ إِلى الخُرُوجِ مِنَ المَسَاجِدِ وَالتَّخَفُّفِ مِنَ العِبَادَاتِ . وَصَلاةُ التَّرَاوِيحِ عَلَى ذَلِكَ من الشَوَاهِدِ ، فَاصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ ، فَإِنَّمَا لأَنفُسِكُم تُقَدِّمُونَ " مَن كَفَرَ فَعَلَيهِ كُفرُهُ وَمَن عَمِلَ صَالِحًا فَلأَنفُسِهِم يَمهَدُونَ . لِيَجزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِن فَضلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الكَافِرِينَ "
المشاهدات 6847 | التعليقات 14

جزاك الله خيرا ونفع بك


سؤال فني فضيلة الشيخ هل هناك برنامج لتشكيل النصوص أو هو مجهود شخصي من قبلكم.
وإن كان هناك برنامج أرجو أن تدلني عليه مع شرح مختصر له
جزاك الله خير الجزاء


جزاك الله خيرًا شيخ شبيب ، فمرورك الدائم ودعاؤك وتشجيعك يعد مساهمة فاعلة وقوية في دفع مسيرة الخير ، التي يدير عجلتها إخوة لك في هذا المنبر الكريم بما يكتبون ، فلا حرمك الله الأجر .
وأما ما استفسرت عنه من ضبط الخطبة بالشكل فهو جهد لأخيك ذاتي ، يذهب ماء العين ويجهد الأصابع ، ويستهلك وقتًا ليس باليسير ، ولكن ... ماذا نفعل ؟
لم نجد من البرامج برنامجًا يتولى هذه المهمة ، وقد وضعت (قوقل) قبل مدة برنامجًا أوأداة للتشكيل ثم ألغته ، وقد كنت أستفيد منه قليلاً ، لكن أخطاءه كانت كثيرة جدًّا ، وأظنهم لهذا السبب ألغوه .
وما زلت أبحث بين الفينة والأخرى عن مثل هذه البرامج ، ولكني وجدت برامج أو قواعد بيانات ، في ظني أنها ثقيلة ظل ومملة ، وتجعل من العمل قضية شائكة ، ومن ثم فلم أستفد منها ولم أعتبرها .
فنسأل الله أن يعيننا وإياكم على الخير ويثبتنا على صراطه المستقيم ، إنه جواد كريم .


جزاك الله الجنة ونفع الله بها قارئها ومستمعها ومعدها


جزى الله شيخنا عبدالله خير الجزاء على ما يقدمه لنا معاشر الخطباء
كما أشكره على سرعة استجابته وسعة صدره كتب الله أجره ورفع قدره


جزاك الله خير شيخ عبدالله
والله إنا لندعو لك في ظهر الغيب، فالله قد وهبك ملكة الخطابة وصياغة الجملة، فكتبت وأجدت
فبارك الله في قلمك .. وأما تشكيل الخطب فهو عبئ عليك ولكن فيه فائدة كبيرة لنا نحن المبتدئين في الخطابة .
لا حرمك الله أجرها ..


أسأل الله أن يكتب لك الأجر والثواب على ماتقدمه لإخوانك..
فبارك الله فيك ونفع بك..


جزاك الله خيرا يا شيخ عبد الله ووفقك وأحسن إليك .


موضوع مميز .. فتح الله عليك أبواب الخيرات كما فتحت علينا شيخنا المبارك وزادك الله من فضله وبارك الله في علمك وعملك .. آمين


وفقك الله وسددك
كم نستفيد من خطبك دزاك الله خيرا