خطبة : (الضرورات الخمس بين حفظ الدين وتضييع المدعين)

عبدالله البصري
1433/06/25 - 2012/05/16 21:55PM
الضرورات الخمس بين حفظ الدين وتضييع المدعين 27 / 6 / 1433

الخطبة الأولى :

أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ جَلَّ وَعَلا ـ " وَاتَّقُوا اللهَ وَاعلَمُوا أَنَّكُم مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤمِنِينَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِذَا كَانَتِ القَوَانِينُ الوَضعِيَّةُ الأَرضِيَّةُ ، تَهتَمُّ بِإِسعَادِ المَرءِ في دُنيَاهُ فَحَسبُ ، وَقَد تَهتَمُّ بِهِ فَردًا عَلَى حِسَابِ الجَمَاعَةِ ، وَقَد تَغمِطُهُ حَقَّهُ عَلَى حِسَابِ الآخَرِينَ ، فَإِنَّ الشَّرَائِعَ السَّمَاوِيَّةَ المُنَزَّلَةَ مِن عِندِ رَبِّ العَالمِينَ ، جَاءَت لإِسعَادِ الإِنسَانِ في الدَّارَينِ ، وَقَصَدَت إِلى نَجَاتِهِ في دُنيَاهُ وَأُخرَاهُ ، وَاهتَمَّت بِهِ فَردًا مِن ضِمنِ جَمَاعَةٍ ، لَهُ عَلَيهَا حَقُوقٌ وَلَهَا عَلَيهِ حُقُوقٌ ، وَمِن أَجلِ هَذَا فَقَد جَاءَ الإِسلامُ بِكُلِّيَّاتٍ خَمسٍ ، أَوجَبَ حِفظَهَا وَحَمَى حِمَاهَا ، وَحَدَّ الحُدُودَ وَشَرَعَ التَّعزِيرَاتِ لِلحَيلُولَةِ دُونَ النَّيلِ مِنهَا ، إِنَّهَا الدِّينُ وَالنَّفسُ وَالمَالُ وَالعِرضُ وَالعَقلُ ، فَالإِنسَانُ مَخلُوقٌ لِعِبَادَةِ رَبِّهِ وَخَالِقِهِ ، وَهُوَ عَائِدٌ إِلى مَولاهُ فَمُحَاسِبُهُ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ "
وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " أَفَحَسِبتُم أَنَّمَا خَلَقنَاكُم عَبَثًا وَأَنَّكُم إِلَينَا لا تُرجَعُونَ . فَتَعَالى اللهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ العَرشِ الكَرِيمِ . وَمَن يَدعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفلِحُ الكَافِرُونَ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسلامُ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلامِ دِينًا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ "
وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَمَن يَرتَدِدْ مِنكُم عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَت أَعمَالُهُم في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصحَابُ النَّارِ هُم فِيهَا خَالِدُونَ "
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن بَدَّلَ دِينَهُ فَاقتُلُوهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ .
وَأَمَّا النَّفسُ البَشَرِيَّةُ فَهِيَ غَالِيَةٌ غَالِيَةٌ ، وَالحِفَاظُ عَلَيهَا أَمَانَةٌ وَمَسؤُولِيَّةٌ ، وَالاعتِدَاءُ عَلَيهَا وَإِزهَاقُهَا جَرِيمَةٌ وَأَيُّ جَرِيمَةٍ ، وَأَعظَمُ النُّفُوسِ عِندَ اللهِ نَفسُ المُؤمِنِ ، ثم كُلُّ نَفسٍ مُعَاهَدَةٍ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَن يَقتُلْ مُؤمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا "
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لا يَحِلُّ دَمُ امرِئٍ مُسلِمٍ يَشهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلاَّ اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ إلاَّ بِإِحدَى ثَلاثٍ : الثَّيِّبُ الزَّاني ، وَالنَّفسُ بِالنَّفسِ ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ المُفَارِقُ لِلجَمَاعَةِ "
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " كُلُّ ذَنبٍ عَسَى اللهُ أَن يَغفِرَهُ إِلاَّ الرَّجُلَ يَمُوتُ مُشرِكًا أَو يَقتُلُ مُؤمِنًا مُتَعَمِّدًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن قَتَلَ مُؤمِنًا فَاغتَبَطَ بِقَتلِهِ ، لم يَقبَلِ اللهُ مِنهُ صَرفًا وَلا عَدلاً " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن قَتَلَ مُعَاهَدًا لم يَرَحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ .
وقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لا يَزَالُ المُؤمِنُ في فُسحَةٍ مِن دِينِهِ مَا لم يُصِبْ دَمًا حَرَامًا " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ .
وَأَمَّا المَالُ ، فَقَد كَفَلَ الإِسلامُ فِيهِ لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، وَحَرَّمَ الاعتِدَاءَ عَلَيهِ وَأَخذَهُ بِغَيرِ حَقٍّ ، وَشَرَعَ حَدَّ السَّرِقَةِ لِصِيَانَتِهِ ، وقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلا تَأكُلُوا أَموَالَكُم بَينَكُم بِالبَاطِلِ "
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لا تَحَاسَدُوا ، وَلا تَنَاجَشُوا ، وَلا تَبَاغَضُوا ، وَلا تَدَابَرُوا ، وَلا يَبِعْ بَعضُكُم عَلَى بَيعِ بَعضٍ ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخوَانًا ، المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ ، لا يَظلِمُهُ ، وَلا يَخذُلُهُ ، وَلا يَحقِرُهُ ، التَّقوَى هَاهُنَا ـ وَيُشِيرُ إِلى صَدرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ـ بِحَسْبِ امرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَن يَحقِرَ أَخَاهُ المُسلِمَ ، كُلُّ المُسلِمِ عَلَى المُسلِمِ حَرَامٌ : دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرضُهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَأَمَّا العِرضُ فَقَد حَرِصَ الإِسلامُ عَلَى طَهَارَتِهِ وَنَقَائِهِ وَصَفَائِهِ ، وَوَضَعَ سَيَاجَاتٍ لِحِمَايَتِهِ وَوِقَايَتِهِ وَصَيَانَتِهِ ، فَحَرَّمَ النَّظَرَ إِلى العَورَاتِ وَتَتَبُّعَهَا ، وَحَرَّمَ الزِّنَا وَمَقَتَهُ وَقَبَّحَهُ ، وَجَعَلَ حَدَّ فَاعِلِهِ الجَلدَ أَوِ الرَّجمَ ، وَغَلَّظَ في أَمرِ رَميِ المُحصَنَاتِ ، وَعَدَّهُ مِنَ السَّبعِ المُوبِقَاتِ المُهلِكَاتِ ، قَالَ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ الَّذِينَ يَرمُونَ المُحصَنَاتِ الغَافِلاتِ المُؤمِنَاتِ لُعِنُوا في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَالَّذِينَ يَرمُونَ المُحصَنَاتِ ثم لم يَأتُوا بِأَربَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنهُم ثَمَانِينَ جَلدَةً وَلا تَقبَلُوا لهم شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ "
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يَا مَعشَرَ مَن قَد أَسلَمَ بِلِسَانِهِ وَلم يُفضِ الإِيمَانُ إِلى قَلبِهِ ، لا تُؤذُوا المُسلِمِينَ وَلا تُعَيِّرُوهُم وَلا تَتَّبِعُوا عَورَاتِهِم ، فَإِنَّهُ مَن تَتَبَّعَ عَورَةَ أَخِيهِ المُسلِمِ تَتَبَّعَ اللهُ عَورَتَهُ ، وَمَن تَتَبَّعَ اللهُ عَورَتَهُ يَفضَحْهُ وَلَو في جَوفِ رَحلِهِ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " اِجتَنِبُوا السَّبعَ المُوبِقَاتِ : الشِّركُ بِاللهِ ، وَالسِّحرُ ، وَقَتلُ النَّفسِ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ ، وَأَكلُ الرِّبَا ، وَأَكلُ مَالِ اليَتِيمِ ، وَالتَّولي يَومَ الزَّحفِ ، وَقَذفُ المُحصَنَاتِ المُؤمِنَاتِ الغَافِلاتِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَأَمَّا العُقُولُ فَقَد كَرَّمَ اللهُ بها بَني الإِنسَانِ ، وَجَعَلَهَا مَنَاطَ التَّكلِيفِ وَمُتَعَلَّقَهُ ، وَلم يُكَلِّفْ بِعَمَلٍ وَلا أَوجَبَ حِسَابًا عَلَى مَن زَالَ عَقلُهُ بِغَيرِ فِعلٍ مِنهُ ، غَيرَ أَنَّ غَلاءَ العَقلِ وَأَهمِيَّتَهُ ، جَعَلَ الاعتِدَاءَ عَلَيهِ حَتى مِن صَاحِبِهِ أَمرًا مُحَرَّمًا ، وَمِن أَجلِ هَذَا حُرِّمَتِ الخَمرُ وَوُصِفَت بِأَنَّهَا رِجسٌ مِن عَمَلِ الشَّيطَانِ وَأَنَّهَا أُمُّ الخَبَائِثِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمرُ وَالمَيسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزلامُ رِجسٌ مِن عَمَلِ الشَّيطَانِ فَاجتَنِبُوهُ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيطَانُ أَن يُوقِعَ بَينَكُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغضَاءَ في الخَمرِ وَالمَيسِرِ وَيَصُدَّكُم عَن ذِكرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَل أَنتُم مُنتَهُونَ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " الخَمرُ أُمُّ الفَوَاحِشِ وَأَكبَرُ الكَبَائِرِ " رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، بِكُلِّ هَذِهِ الحُقُوقِ جَاءَتِ الشَّرِيعَةُ ، وَعَنهَا دَافَعَ الإِسلامُ ، وَلأَجلِهَا أُوجِبَ فِعلُ الوَاجِبَاتِ وَحُتِّمَ الانتِهَاءُ عَنِ المَنهِيَّاتِ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّهُ لا مُسَوِّغَ بَل وَلا مَجَالَ لِلتَّفرِيقِ بَينَهَا في اهتِمَامِ المُكَلَّفِينَ ، بَل لا بُدَّ مِن حِمَايَتِهَا كُلِّهَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ ، وَتَأثِيمِ كُلِّ مُعتَدٍ عَلَى أَيٍّ مِنهَا وَمُحَارَبَتِهِ وَمَنعِهِ وَالأَخذِ عَلَى يَدِهِ وَصَدِّهِ ، وَإِنَّ مِمَّا طَالَ أُمَّةَ الإِسلامِ مِن زَحفِ الأَفكَارِ الغَربِيَّةِ وَالشَّرقِيَّةِ النَّتِنَةِ ، أَنَّ مَن يُسَمُّونَ أَنفُسَهُم بِالحُقُوقِيِّينَ أَو طُلاَّبَ الحُرِّيَّةِ أَوِ المُدَافِعِينَ عَنِ الإِنسَانِيَّةِ ، جَعَلَت جُهُودُهُم تَتَرَكَّزُ عَلَى حَقٍّ وَاحِدٍ مِن هَذِهِ الحُقُوقِ ، لَيسَ هُوَ أَفضَلَهَا وَلا أَهَمَّهَا وَإِن كَانَ مُهِمًّا وَمُقَدَّرًا ، ذَلِكُم هُوَ الحَقُّ المَاليُّ ، وَإِنَّهُ لَمِنَ العَجِيبِ أَن تَتَعَالى الأَصوَاتُ وَتَنتَشِرُ المُطَالَبَاتُ ، في الصُّحُفِ وَالقَنَوَاتِ ، وَفي بَرَامِجِ التَّوَاصُلِ الاجتِمَاعِيِّ في الشَّبَكَاتِ ، فَلا تَتَجَاوَزُ كُلُّهَا المُطَالَبَةَ بِحَقِّ في وَظِيفَةٍ أَو تَرقِيَةٍ ، أَوِ التَّسَاؤُلِ عَن نَصِيبِ فَردٍ في عَطَاءٍ أَو دَرَجَةٍ ، حَتى لَيَكَادُ يُحصَرُ ظُلمُ الوُلاةِ وَالرُّؤَسَاءِ وَالزُّعَمَاءِ لِرَعَايَاهُم في استِئثَارِهِم بِالمَالِ وَالمَنَاصِبِ وَالزَّعَامَاتِ ، وَأَمَّا اعتِدَاؤُهُم عَلَى الدِّينِ وَاتِّخَاذُهُ لَهوًا وَلَعِبًا ، وَالتَّقصِيرُ في حِمَايَةِ جَنَابِهِ ، وَمُحَارَبَتُهُم لِلمُتَمَسِّكِينَ بِهِ وَمُطَارَدَتُهُم الدَّاعِينَ إِلى سَبِيلِ رَبِّهِم ، وَإِهَانَتُهُم لِلبَشَرِ وَظُلمُهُم إِيَّاهُم في أَجسَادِهِم أَو هَتكُ أَعرَاضِهِم ، وَالسَّمَاحُ لِكُلِّ دَعِيٍّ أَن يَبُثَّ سُمُومَهُ في أَوسَاطِهِم ، فَلا تَكَادُ تَجِدُ مُتَنَاوِلاً لَهُ إِلاَّ فِئَةٌ مِنَ النَّاصِحِينَ الغَيُورِينَ ، الآمِرِينَ بِالمَعرُوفِ وَالنَّاهِينَ عَنِ المُنكَرِ ، الَّذِينَ هُم خَيرٌ عَلَى مُجتَمَعَاتِهِم في دِينِهَا وَدُنيَاهَا وَأُولاهَا وَأُخرَاهَا ، وَمَعَ هَذَا تَجتَمِعُ الجُهُودُ الشَّيطَانِيَّةُ عَلَى حَربِهِم ، ظَانَّةً أَنَّهُم بِدِفَاعِهِم عَنِ الدِّينِ وَالعِرضِ ، إِنَّمَا يَحُولُونَ بَينَ النَّاسِ وَبَينَ حُرِّيَاتِهِم ، وَمَا عَلِمَ أُولَئِكَ المُغَرَّرُ بهم وَالمَخدُوعُونَ أَنَّ حِفظَ الدِّينِ وَالعِرضِ ، هُوَ حِمَايَةٌ لِلنُّفُوسِ وَالعُقُولِ وَالأَموَالِ ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ جَمِيعًا ـ أَيُّهَا المُؤمِنُونَ ـ وَلْيَتَّقِ اللهَ قَومٌ جَعَلُوا الدُّنيَا هَمَّهُم ، وَمَنَاطَ طَاعَتِهِم لِوُلاةِ أَمرِهِم ، وَمِيزَانَ مَحَبَّتِهِم لهم وَرِضَاهُم عَنهُم ، فَبِئسَ القَومُ هُم ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنظُرُ إِلَيهِم وَلا يُزَكِّيهِم وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ : رَجُلٌ عَلَى فَضلِ مَاءٍ بِطَرِيقٍ يَمنَعُ مِنهُ ابنَ السَّبِيلِ ، وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلاً لا يُبَايِعُهُ إِلاَّ لِلدُّنيَا ، فَإِنْ أَعطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفى لَهُ وَإِلاَّ لم يَفِ لَهُ ، وَرَجُلٌ سَاوَمَ رَجُلاً بِسِلعَةٍ بَعدَ العَصرِ فَحَلَفَ بِاللهِ لَقَد أُعطِيَ بها كَذَا وَكَذَا فَأَخَذَهَا "
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " قُلْ تَعَالَوا أَتلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُم عَلَيكُم أَلا تُشرِكُوا بِهِ شَيئًا وَبِالوَالِدَينِ إِحسَانًا وَلا تَقتُلُوا أَولادَكُم مِن إِملاقٍ نَحنُ نَرزُقُكُم وَإِيَّاهُم وَلا تَقرَبُوا الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقتُلُوا النَّفسَ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ . وَلا تَقرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ حَتَّى يَبلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوفُوا الكَيلَ وَالمِيزَانَ بِالقِسطِ لا نُكَلِّفُ نَفسًا إِلاَّ وُسعَهَا وَإِذَا قُلتُم فَاعدِلُوا وَلَو كَانَ ذَا قُربى وَبِعَهدِ اللهِ أَوفُوا ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ "

الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ حَقَّ تَقوَاهُ ، وَاستَعِدُّوا بِصَالِحِ الأَعمَالِ لِيَومِ لِقَاهُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّنَا لا نَقُولُ لِلنَّاسِ لا تُطَالِبُوا بِحُقُوقِكُم المَالِيَّةِ ، أَوِ ارضَوا بِالدُّونِ وَتَلَبَّسُوا بِالمَهَانَةِ ، وَلَكِنَّنَا نَدعُوهُم لاستِيضَاحِ الحَقَائِقِ وَوَزنِ الأُمُورِ بِمِيزَانِ الدِّينِ ، وَمُرَاعَاةِ الأَولَوِيَّاتِ وَاعتِبَارِ المَصَالِحِ وَالمَفَاسِدِ ، وَالعِلمِ بِأَنَّ لِلبُيُوتِ أَبوَابًا لا مَدخَلَ إِلَيهَا إِلاَّ مِنهَا ، وَأَنَّهُ لا يَبذُلُ الأَعلَى لِتَحصِيلِ الأَدنى إِلاَّ جَاهِلٌ ، وَإِذَا ذَهَبَ الدِّينُ وَانتُهِكَ العِرضُ ، فَلا بَارَكَ اللهُ في دُنيًا وَلا مَالٍ ، وَأَنىَّ لِعَقلٍ بَعدَ ذَلِكَ أَن يَستَقِرَّ وَيَنفَعَ صَاحِبَهُ ، أَو يُورِدَهُ مَا يَنفَعُهُ وَيَسُرُّهُ ، وَلأَن يَمُوتَ المَرءُ وَهُوَ عَلَى الدِّينِ الحَقِّ ، خَيرٌ لَهُ مِن أَن تُفتَحَ عَلَيهِ الدُّنيَا ، عَلَى حِسَابِ تَضيِيعِ مَبَادِئِهِ ، ثم يَمُوتَ مِيتَةَ البَهَائِمِ أَو شَرًّا مِنهَا .
إِنَّهُ لَن يَكُونَ المُجتَمَعُ مُجتَمَعًا إِنسَانِيًّا يَشعُرُ كُلُّ فَردٍ فِيهِ بِالطُّمَأنِينَةِ وَالارتِيَاحِ ، مَا لم يَكُنِ الأَفرَادُ فِيهِ عَلَى مُستَوًى إِنسَانيٍّ حَقِيقِيٍّ ، يُقَدِّرُ كُلٌّ فِيهِ الآخَرَ وَلا يَستَذِلُّهُ وَلا يُؤذِيهِ ، وَإِنَّ هَذِهِ الحُرِّيَّةَ الَّتي أَصَمَّ بها مُدَّعُو الحُقُوقِ الآذَانَ وَشَغَلُوا بها الخَلقَ ، لم تُعرَفْ في مَنهَجٍ وَلا نِظَامٍ غَيرِ الإِسلامِ ، فَلا بُدَّ مِن أَن تُفهَمَ كَمَا أَرَادَ اللهُ لا كَمَا أَرَادَ البَشَرُ ، فَهِيَ لَيسَت كَمَا يُرِيدُونَ وَيَفهَمُونَ في نَيلِ كُلِّ شَيءٍ بِلا حُدُودٍ وَلا قُيُودٍ ، وَإِنَّمَا هِيَ تَحصِيلُ الإِنسَانِ مَا يَنفَعُهُ في إِطَارِ الشَّرِيعَةِ ، وَدُونَ تَعَدٍّ عَلَى المَصلَحَةِ العَامَّةِ لِلآخَرِينَ .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ فَإِنَّهُ مَهمَا أُوتيَ الإِنسَانُ مِن نِعَمِ الدُّنيَا ، فَلَن يَنَالَ بها سَعَادَةً إِلاَّ إِذَا سَارَ فِيهَا عَلَى الوَجهِ الَّذِي لأَجلِهِ خُلِقَ ، مُوقِنًا أَنَّ اللهَ إِنَّمَا جَعَلَ الدُّنيَا عَارِيَّةً لَهُ لِيَتَنَاوَلَ مِنهَا قَدرَ مَا يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلى النِّعَمِ الدَّائِمَةِ وَالسَّعَادَةِ الحَقِيقِيَّةِ ، وَلَن يَكُونَ ذَلِكَ إِلاَّ لِلمُؤمِنِينَ " الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُم في الأَرضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عاقِبَةُ الأُمُورِ "
وَأَمَّا المُنغَمِسُونَ في الدُّنيَا مِنَ الكُفَّارِ وَالمُنَافِقِينَ ، فَـ" إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُم بها في الحَياةِ الدُّنيا وَتَزهَقَ أَنفُسُهُم وَهُم كافِرُونَ "
المشاهدات 9351 | التعليقات 6

وهنا ملف الخطبة ...

المرفقات

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/الضرورات%20الخمس%20بين%20حفظ%20الدين%20وتضييع%20المدعين.doc

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/الضرورات%20الخمس%20بين%20حفظ%20الدين%20وتضييع%20المدعين.doc


جزاك الله خيرا


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فشكر الله لكم سرعة استجابتكم في التعجيل بخطبكم، وجزاكم الله خير الجزاء على ما تبذلونه لإخوانكم، أسأل الله لنا ولكم وللمسلمين الإخلاص والصواب في كل قول وعمل.


بورك فيك شيخنا الكريم
متابعة متميزة للأحداث والوقائع
ربط حسن بالنصوص
جودة في الصياغة وحبك للمقالة


وفقك الله يا شيخنا
دائما مبدع


الإخوة الكرام ،، جزيتم خيرًا على مروركم ، وأشكر لكم هذا التشجيع بعاطر الثناء وخالص الدعاء ، فجعلني الله وإياكم خيرًا مما يقال عنا ، وغفر لنا ما لا يعلمه عنا إلا هو ، وسترنا في الدنيا والآخرة ، إنه جواد كريم .